قراءة في كتاب

قراءة تلخيصية في كتاب: من آثار مُصطفى عبد الرازق

ali almirhigمُصطفى عبدالرازق، مفكر مصري له حضوره المميز في تاريخ الفكر العربي، ولد في مدينة بهنسا عام 1885 في الصعيد الجواني، من عائلة لها باع طويل في العلم والدين والسياسة، وتوفيَ في عام 1947.

تعلم قراءة القرآن منذ صغره، وتتلمذ على يد أكابر مشايخ الأزهر، وعُرف بكثرة إهتمامه بقراءة الشعر وكتابته، كان مُجيداً لعلوم الأدب والنحو وأصول الفقه والتفسير والبلاغة.

كانت له علاقة تلمذة ليست مُباشرة بالشيخ محمد عبده، فقد كان صديق والده، إذ كان والده أحد أعضاء المجلس النيابي، وقد إلتقى فيه والد مُصطفى في المدة التي أُختير فيها الشيخ الأستاذ مُفتياً للديار المخصرية في عام 1889.

كان مُصطفى عبدالرازق شديد الإعجاب بمحمد عبده، ولم يترك مقالً ولا خطبةً ولا كتاباً للشيخ إلَا وقرأها وبذل جُهداً في إدخارها وفهمها، فقد ترجم فيما بعد رسالة التوحيد لمحمد عبده للفرنسية، وقد طُبعت هذه الترجمة في باريس عام 1925.

 قال في أُستاذه محمد عبده شعراً بعد عودة الأخير من فرنسا:

إقبل عليك تحيةٌ وسلام      يا ساهراً والمسلمون نيامُ

وقد كتب حينما مات الأستاذ الشيخ محمد عبده في عام 1905 شعراً يقول فيه:

إن قلباً صافياً بالود حيَاً    صدَعته بموتك الأيامُ

كان في هذه الحياة رجاءٌ  قد دفناه يوم مات الإمامُ

كان مُصطفى عبدالرازق شافعي المذهب، عُرف عنه التواضع والتسامح والكرم والإيثار، يؤمن بقول الشافعي "قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب".

في عام 1908 تجاوز إمتحان مدرسة القضاء، ولكنه لم يستمر في القضاء، فبعد عام إستقال من المدرسة، وقرر السفر إلى فرنسا، ليتعلم اللغة الفرنسية، ويحضر بعض دروس الفلسفة في السوربون.

بقيَ في فرنسا حتى عام 1912، تعلم فيها اللغة، فعرف الفلسفة الغربية والفرنسية في جامعة ليون حينما حضر دروس الأستاذ غوبلو، وحضر دروس عالم الاجتماع دورغهايم، وتولى هو في كلية ليون تدريس اللغة العربية.

بعد عودته لوطنه مصر إستمر ينشر مقالاته في صحيفة "الجريدة" التي كان يترأس تحريرها المفكر الحُر أحمد لُطفي السيد، وهي الصحيفة الناطقة بإسم "حزب الأمة" آنذاك، ثم توالت مقالاته في مجلة "السفور"، وكان لنشره في هذه المجلة دلالة واضحة على ميوله التحررية.

إنتمى إلى الحزب الديموقراطي الذي فاوض سعد زغلول مؤسس حزب الوفد، إلَا أنه لم يتفق مع مرامي سعد زغلول في طريقته في التعامل مع الإحتلال البريطانيز وبعد ذلك أُختير بناءً على رغبة السلطان فؤاد الأول عام 1920ليكون مٌفتشاً بالمحاكم الشرعية.

في عام 1927 إنتقل لجامعة "فؤاد الأول" = "جامعة القاهرة" فيما بعد، ليعمل فيها أستاذاً، ومن ثم أُختير عضواً في مجلس إدارة الكتب المصرية.

في عام 1935 مُنح لقب الأستاذية في الفلسفة، وبعدها بعامين مُنح لقب البكوية من الدرجة الثانية.

بين عام 1938ـ 1940، عُين وزيراً للأوقاف المصرية، وبين عامي 1941ـ 1942 شغل أيضاً منصب وزير الأوقاف.

في عام 1941 مُنح رُتبة الباشوية، وبعده تم تعيينه شيخاً للأزهر.

في عام 1946 تم إختياره أميراً للحج.

في 15 من شهر فبراير من عام 1947 ذهب للأزهر كعادته، ثم عاد لمنزله فتغدى ونام القيلولة، ثم إستيقظ، فتوضأ وصلى، وأخذ يلبس ثيابه، فشعر بهبوط وإعياء، فأوى إلى فراشه، ودُعَ الطبيب لإسعافه، فحضر، ولكنه وجد قضاء الله وقدره قد نفذ، ولا مرد لققضاء الله، فتم دفنه بمقابر الإمام الشافعي.

كان من مُحبي صوت أم كلثوم، "فأم كلثوم نعمة من نعم الدنيا" (ص445، من آثار مصطفى عبدالرازق).

كان يرى أن النزاع بين دُعاة التدين من لابسي العمامة ودُعاة المدنية من لابسي "الطربوش"، إنما هو صراع لا أصل له في التاريخ مصر الفرعونية، لأن "العمامة العربية، قد دخلت مصر على يد الفتح العربي الإسلامي، فإتصلت بالروح الديني (عند المصريين) من أول يوم. وأما "الطربوش" التركي فهبط إلينا من رؤوس المُتسلطين لباساً رسمياً للجنود والموظفين، فهو رمز التسلط والحُكم". (ص452، المصدر نفسه).

كان من أنصار حُرية المرأة، ولكن وفق مُقتضيات ما يُتيحه الشرع وتأويله من منح المرأة لحقوقها التي أقرها الشرع الإسلامي الذي يقتضي تمسك المرأة بأمور دينها وإحترامها للزوج ولحُسن الذوق والكرامة والمحافضة على الفضيلة، لا وفق رغباتها العصرية في تقليدها للمرأة الغربية وإتباعها لها في محاسنها وخطاياها.

كان يؤمن بحُرية التدين، فقد صادق شاباً هندياً كان زميلاً له في السفر، فأحبه فشعر إتجاهه بمحبة غامرة وكأنهما صديقان  كم يقول: "منذ زمان، وإن لم تجمعنا رابطة جنس ولا لغة ولا دين" (ص446، المصدر نفسه).

إهتم بالفكر الفلسفي ببعده البرهاني، بوصفه فكر من بنية التدين العقلاني الذي لا إختلاف في مضامينه ومراميه عن مرامي الفكر الديني الأصيل وغاياته، وإن كان يرى أن أصالة العقل العربي وإبداعه إنما هي كامنة في علوم اللغة وأصول الفقه وعلم الكلام والتصوف، مؤكداً رأيه هذا في كتابه المعروف "تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية".

الحرية عنده أصل في الدعوة الدينية، لأن الدين عنده تسامح وقبول، والدين القيم هو الدين الذي يقبل التعدد على قاعدة "لا إكراه في الدين"، وبالتالي فالحرية الدينية تُجوزها الديانات والشرائع، والحرية الفكرية والسياسية حق طبيعي ومُكتسب، ولا حق لمُختلف أو مُغاير سلبه، والقوانين هي التي تكفل الحُريات، والناس متساوون أمام القضاء، لأن "الحُرية هي طبيعة إنسانية لا ينبغي لنا قهرها" لذلك دعى مُصطفى عبدالرازق إلى إحترام الحُريات الفكرية والسياسية، لأن في الحُرية خيرٌ في الإنسانية جمعاء، فهي السبيل الحقيقي لشعور الفرد بإنسانيته، وهي السبيل الأمثل لشعور الإنسان بقيمته في العمل والعامل المساعد له في تعظيم ثقته بنفسه، فلإنسان الحر هو الإنسان المُريد الذي له القُدرة على الإختيار، فالإنسان من دون إرادة هو كائن ناقص، لأنه لا يستطيع قضاء مراميه وغاياته ومقاصده، من دون الإستعانة بآخر، والآخر، ربما يكون السلطان القاهر. ولكنه بإستعانة من مثل هذه قاصر، ولحرية الإنسان التي أرادها الله له جاحد وناكر.

فـ "الذين يخدمون الحُرية الفكرية ـ برأي مُصطفى عبدالرازق ـ هُم خُدام الحق وأنصاره، فإن العقول المُستعبدة لا تسموا إلى جلال الحقيقة وجمالها".

وإن الذين يفكون العقول من أغلالها إنما يُمهدون لها السبيل إلى الحق، والدين من أسمى حقائق الوجود.

حيى الله خُدَام حُرية الفكر وإستقلاله وزادهم تثبيتاً وتوفيقاً، وجزاهم عن الدين وعن العلم خيراً". (ص502، المصدر نفسه).

 

 الكتاب: من آثار مُصطفى عبدالرازق، من القطع الكبير.

تصدير: علي عبد الرازق.

تقديم: طه حُسين.

منشورات: وزارة الثقافة بمصر: الهيأة العامة لقصور الثقافة، القاهرة ط!، 2014.

عدد الصفحات: 502.

 

د. علي المرهج

  

 

في المثقف اليوم