قراءة في كتاب

الأدب والتكنولوجيا.. قراءة في كتاب للدكتور حسام الخطيب

صالح الرزوقفي مستهل كتابه (الأدب والتكنولوجيا)* يؤكد الدكتور حسام الخطيب أن الأدب العربي الكلاسيكي كان سباقا في التنبؤ بالاختراعات الحديثة، وأن ما يشاع عن التنافر بين العلم والأدب مسألة ليس لها رصيد. فالعرب لم يحتكموا للبداهة أو السليقة فقط في التعبير الأدبي وإنما اهتموا بما يسمونه الصناعة أوتحسين القول. وكان الجاحظ في طليعة من أسس لعلاقة بين الجانبين. فالعرب ينقحون أشعارهم، وكان المتنبي أهم من شرح العاطفة والبديهة بالحكمة، بالإضافة إلى أن قصائده تبدو وكأنها حدس باكتشافات علمية متأخرة، من ذلك مديحه لسيف الدولة، فقد كان غنيا بصور عن سلاح يضرب من الجو ويساند الغزو البري وسلاح الدبابات. هذا غير ما جاء على لسان النابغة من وصف لضوء يتحدى سلطة الليل كما لو أنه الكهرباء. ويسمي الدكتور حسام الخطيب هذه الظاهرة بالومضات التي تستشرف تطورات المستقبل (ص59)، مع أن كل ذلك لا يخالف القاعدة الذهبية التي ترى أن الفن يحرر الروح من قيود المنطق البارد. لقد ورد ذكر الطير الأبابيل التي تقصف الجيش البري في سورة الفيل التي سبقت المتنبي بحوالي 4 - 3 قرون. وبنفس السياق يمكن النظر للثور السماوي والأسد المجنح وغير ذلك من رموز الحرب التي وردت في الأساطير المبكرة. ولم تكن الحساسية الشعرية في القرن العشرين بعيدة عن هذا التصور. فأمير الشعراء أحمد شوقي شبّه الطائرة بالنحلة وصوتها بهزيم الرعد ونواح العاصفة. ولا يغيب عن الذهن وقوف الشعراء في الشرق والغرب مع عجائب الطبيعة. ومن هؤلاء هرمان هيسة مؤلف (رحلة إلى الشرق) و(سدهارتا). وملخص أعماله، إن شئت الحقيقة، مجرد بحث مستمر عن تغلغل الظاهر في الباطن. وأضيف إليه جون أشبري أمير شعراء أمريكا في القرن العشرين. فقد استعمل أسلوبا سرياليا ليعبر عن انحرافات البشرية وخروج الإنسان من مداره الأصلي باتجاه آفاق مجهولة، إن لم تستعبده، فهي خطر داهم على نقائه ونظافته. . وأساسا الشعر مجرد خيال يعتمد على تشبيه المعروف بغير المعروف. والأدب بالأصل مجال خصب للتوقعات وللخيال المفهوم، لأنه لا يعقل أن تتخيل شيئا لا يمكن تخيله، وأي نشاط ذهني هو جزء من العمالة الإنسانية كما رأى غارودي ولوكاتش في عدة مناسبات. وكما قال عمار علي حسن: أصبح الخيال هو القوة الناعمة التي نحل بها مآزقنا الوجودية، إلى أن نحقق وعيا مختلفا بقضايا المصير.**

إن العلاقة بين الاكتشافات والخيال علاقة ديالكتيكية. ولا تستطيع أن تحدد من سبق من. و مع الدكتور حسام حق أن النص يوثر مثل الواقع الذي ينتجه، فالنص في النتيجة هو من نتاج الواقع بشقيه الذهني والعملياتي، ولذلك لا مفر للخيال من أن يتصور ما تحتاج له البشرية من أدوات ووسائط. وأن تضمن هذه الأدوات لنفسها مكانا في مخاض الحياة الأدبية. وإذا شجع اكتشاف النار العقل على تطوير نفسه فمن باب أولى أن تشجع الروبوتات الإنسان على اكتشاف وقته الضائع واستغلاله بمزيد من التخيل. وقد رأى هابرماز، في منعطف القرن السابق، أن البنية التحتية تؤثر وتتأثر بالبنية الفوقية، فالديالكتيك نشاط مركب. وعليه إن الفانتازيا المعاصرة غير متشيئة كما يبدو لأول وهلة، وهي تحمل قدرا لا يستهان به من الذاتانية وترقية العامل البشري إلى مستوى القدرات الخارقة. ويكتنف هذا الاتجاه روح رومنسية تؤله البشر وتربط كل الموجودات والخفايا بهم. مما يدل على وجود نزوع معاكس للتكنولوجيا، وهو أنسنة الجماد، أو ابتكار إنسان تكنولوجي، يصنع الروبوت ليخدمه. إن إنسان المستقبل، كما هو مؤمل، سيكون صناعة إنسانية، وليس نتيجة خلق إلهي. ورغبة الإنسان في أن يحل محل الخالق مهذبة حتى الآن، لكنها في الوعي الباطن تنمو وتفرض نفسها باستمرار. وفيما أعتقد إن العودة إلى مركزية الإنسان هي هدف هذه الألفية التي نتعايش معها. وكما يقول الدكتور حسام: إن أهل الأدب سبقوا العلماء والتكنولوجيين في تصور الاختراعات. ويذكرنا بقصص السير والملاحم الشعبية، وفي المقدمة (ألف ليلة وليلة) وما حفلت به من صور عن إنسان يطير وغبار ذري وأبواب أتوماتيكية تفتحها ببصمة الصوت وغير ذلك. ويمكن لك أن تضيف قصص المعجزات والخوارق التي تخللت سيرة الأنبياء والصالحين. ولدينا منها كم هائل بدأ مع روايات السيرة والإسراء والمعراج، وانتهى بكتابات سعيد جودة السحار وشريكه سيد قطب. ولكن الغريب في الأمر أن الأسلاف قدموا رؤية مبتكرة لعجائب المخلوقات، بينما اكتفى الجيل الحالي بالمحاكاة والتكرار. لقد أغلق سيد قطب على نفسه دائرة ضيقة من معجزات الأنبياء، وسقط في فراغ نفسي، وقدم لنا صورا مسطحة تنقصها الحياة والحركة.

وتبقى الإشارة لأدب الخيال العلمي. فقد تحول من اجتهادات خجولة إلى ظاهرة. وكان متعدد الأساليب والأشكال. ومنه قصص النبوءات المبكرة مثل أعمال هـ. ج. ويلز وجول فيرن. أو ملاحظات ليوناردو دافنشي المدونة في دفتر يومياته. فهي بالمصطلحات الفنية الحديثة قصص قصيرة جدا أو خواطر أدبية. وتغزو أسواق الكتابة في الوقت الحالي روايات اكتشاف الفضاء والدايستوبيا، وهي تعبير متشائم عن الفتوحات الخارقة للعلم. فالإنسان بطبعه كائن فرويدي. ودراما الخير والشر تتحكم بالأفراد والمجتمعات. هذا غير الأدبيات التي اهتمت بالماضي السحيق وفترات ما قبل التاريخ المكتوب. ولا أحد يمكنه تجاهل الأعمال المتميزة عن بدايات البشرية وأسباب اختفاء الديناصورات والكائنات العملاقة، أو نهاية عصر الأمومة والدخول في فظاعات وشرور الصراع على الأم. فألغاز المستقبل ليست أهم من ألغاز الماضي الدارس، ويكفي التذكير باجتهادات كلود ليفي شتراوس وداروين وزمرة من أدباء التشويق من نوع أجاثا كريستي وغراهام ماسترتون. وإذا كانت أعمال المستقبل يحدوها الخوف والرعب من الموت وما بعده فإن أعمال الماضي وبدايات البشرية ترمم هذا الرعب وتستأنسه وتحاول ترويضه. ثم إنها بالمقاييس العلمية تعتبر جزءا من الواقع لأنها لا تتنبأ ولكن تتعامل مع موجودات أو خبرات قديمة. لكن هذه التجربة لا تزال لدينا في المهد. وأول ما يرقى للذاكرة تجارب الدكتور مصطفى محمود في ثنائيته المبكرة (العنكبوت) و(رجل تحت الصفر). لقد قدم فيهما قراءة خيالية لأسباب العنف عند الإنسان العربي، مع محاولة للتفسير والتبرير، وبطريقة مبسطة لا تبتعد كثيرا عن حبكة ريبورتاجات همنغواي. ويجب أن لا ننسى المحاولة المعكوسة لعبده جبير في روايته (تحريك القلب). وهي رواية صناعية. ولا أعلم على وجه الدقة إذا تأثرت بـ “فرانكشتاين” ماري شيللي. فهي تختار للحبكة شكل ريبورتاج يتخلله سيناريو أو فيلموغرافيا. وتبدأ من وصف مشاكل قلب الشخصية الرئيسية لتصل إلى مشاكل قلب المجتمع الرازح تحت إرادة العسكر والتكنولوجيا. ومثله قصص (الصعود إلى نبتون) لعبدالحليم المدني. فهي توازي ما بين كسر قانون الجاذبية الأرضية وارتياد المجرة وبين كسر حدود واقعنا السياسي البائس المحروم من الحنان والحافل بالخسارات. وعليه إن رسالة أدب الخيال العلمي المعاصر لدينا لا تزال غير فنية، ويحركها هدفان: الأول تربوي والثاني ذهني. وأكاد أقول ذهاني، لأن كل شيء مقسوم بين أوهام الماضي وغموض المستقبل. ولا أعتقد أن لهذه الأعمال المتفرقة أية صلة بالتراث. فتجربتنا الأدبية تقتصرعلى االشعر والخيال الشعبي. وإذا كانت هناك أعمال قريبة من المعنى الفني للسرد فهي على علاقة بنفسها. ولا توجد وصاية لها على التجربة المعاصرة. إنما من منطق عريض إن (رسالة حي بن يقظان) لابن طفيل تدخل في هذا الباب. وقل نفس الشيء عن (منطق الطير) لابن العطار. أو (المنقذ من الضلال) للإمام الغزالي. وعموما كان أدب المتصوفة محاولة في الرؤيا ومجالها هو المطلق الذي يهتم بمشاكل المستقبل أو أقله اندماج المتناهي باللامتناهي. فاللوحات القلمية التي رسمها النفري وابن عربي ترسم وجوها لا يمكن مقارنتها إلا مع وجوه بيكاسو ولوتريامون. إنها محاولة مبكرة لإسقاط الفكرة على الصورة ولاعتبار الإنسانية مجرد روح هائمة في أرجاء تخيلاتها الذاتية. وخلال ذلك قدمت تفسيرات نفسية لواقعنا الجاف المحكوم بقانون الندرة. لقد كان الوعي الباطن يلغي نفسه بنفسه، منذ أيام العلقات، وعلى وجه الخصوص عند امرئ القيس، وابتداء من المعتزلة وبعدهم أدباء الأندلس أمثال ابن حزم انتقلنا لأسلوب المواجهة مع الذاكرة، وتصويرها بشكل أنقاض أو خرائب تضع القارئ في متاهة ذهنية، بحيث لا يعرف كيف يبدأ وأين ينتهي. باختصار كان عقلنا العربي، كما يقول الدكتور حسام، مدينا لذاكرته الخيالية التي قادت خطاه (ص79).

وهذا لم يتوقف عن حدود الفكرة ووصل إلى أدوات ووسائل الكتابة أيضا. فنحن عرفنا في تراثنا قبل اختراع الإنترنت الهايبر تكست (النص المفرع) والهايبير ميديا (النص متعدد الوسائط). وفن الشرح والحواشي يماثل الهايبر تكست. لقد كان النص عند العرب كائنا حيا له دلالات متطورة (ص196)، وقد تعددت أشكال الشروح والاستدراكات، وقاد ذلك لتجاوز بنية السطر والتعاقب واعتماد تفريعات ونوافذ، وكان المتن يتصل بالشرح بشكل إطار حول النص وكأننا أمام حاسوب أو نوافذ متداخلة. ومن أهم الأمثلة على ذلك (منهاج الطالبين) للإمام يحيى بن شرف النووي و(نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج) للشافعي. والناظر للمتن والتعليقات يشاهد تشكيلات هندسية يمكن قراءتها بصريا أيضا. وقد تطورعن ذلك فن الغرافيك الإسلامي والتصوير بالحروف. وشهد هذا الفن قفزة هامة في فترة الخلافة العثمانية بسبب تجريم التصوير والاعتماد على التشكيل بالحروف والصور غير العاقلة كالنباتات والجماد. وهذا يعني أن للقصيدة المرئية المعاصرة عراب أو أب شرعي. لقد بدل الشعر العربي المعاصر من ترتيب الحواس الخمس. فوضع الأذن مكان العين. والأنف مكان الأذن. بمعنى أنه أناط مهمة عضو بغيره. وهذا الترتيب الغريب بعيد كل البعد عن الفوضى. فهو يهتم بالحالة النفسية قبل أن يهتم بالمرئيات. ويساعدنا على اكتشاف أنفسنا. مثلما فعل الفنان الغرافيكي قبله بالحروف. لقد اكتشف العرب سخافة الواقع المرآتي وأهمية تفجير الطاقات الداخلية. هذا غير (رسالة الغفران للمعري). فقد سبقت جويس في استعمال الفلاش باك وتيار الشعور. وعموما إن الاطناب والاستطراد من أهم مواصفات البلاغة العربية. حتى أن عمود الشعر العربي يقوم على القفز من مستوى في المشاهدة والتعبير إلى مستوى آخر. فالمركزية الشديدة ظاهرة حديثة في التفكير البشري. وقد ظهرت على يد المذهب الطبيعي ولاقت حتفها مع موت الواقعية الاشتراكية. وترتكز حاليا فلسفة القصيدة التفاعلية على هذا المبدأ، فهي تضيف للنص المكتوب العديد من الصور والمشاهد المتحركة والتي تحتاج لاستعمال أساليب متعددة الوسائط، وهذا يفترض إلغاء أساليب التصوير القديمة. ومن الأمثلة على ذلك جماعة "إلى" (علي رشيد وكيتا باردول في الفن التشكيلي، وعادل حوشان في الشعر والقصة). إنهم يقطعون مع السابق للتأسيس لمنعطف لا يخلو من النبوءات والتبشير بقيم مختلفة.

ان التكنولوجيا لم تلعب أي دور في تطوير الأشكال والموضوعات الأدبية و لكن على الأرجح غيرت من فلسفة وفكرة الأدب، بلغة أوضح نقلت دارات التواصل الأدبي و أشكال التعبير من مستوى فردي إلى مستوى جماعي، وأصبح التأليف في عصر الثورة الرقمية عملية ذاتانية (وعي باطن جماعي لذات شاملة). وعلى هذا الأساس قسم الدكتور حسام أنواع القراء إلى متصفح ومتفاعل ومشارك. وهذا يفتح المجال أمام ثورة في طرق الكتابة. وبالنتيجة يجب أن نتوقع أنواعا بديلة في كتابة النصوص كالنص الذكي أو نصوص الخبرة. والمقصود بها شكل من أشكال الكتابة الذكية التي يملأ بها الحاسوب الفراغات ويصحح الأخطاء ويقترح البدائل أو المرادفات.

لكن يرى الدكتور حسام أنه لم يكن بمقدور خيالنا الأدبي أن يجاري التيار الكاسح للاختراعات الحديثة في العالم. ومثل هذا القصور نجم عن حالة التراخي والسلفية والجمود التي ورثناها بعد عدة قرون من الاستعمار والتخلف. فقد دخلت التكنولوجيا إلى بلادنا مع الاستعمار. ولذلك هي هدف للشك والريبة حتى لو أنها ساعدت على التنوير والنهضة. إن للتكنولوجيا دور هضم وابتلاع مثل الاستعمار تماما. والخوف من ضياع الهوية الوطنية في عصرالعولمة من أعتى التحديات التي تواجه الإنسان المعاصر. ولا أعتقد أن التكنولوجيا جزار أو سفاح يحمل سلاحا فتاكا ضد أصالة الإنسان وانتمائه. بل هي مستوى تجريدي آخر من الرموز،. ويمكن دائما تصنيف الرموز في نوعين: فطرية وهي جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان في كل مراحل تطوره، ومكتسبة بواسطة نظام المعرفة. والحقيقة إن مجال عمل السيميولوجيا هو في تحييد لغة الاستعمار. وكما أرى إن العولمة داء لا بد منه، وإلا ابتلينا بداء فتاك آخر وهو العزلة التي تتسبب بالاغتراب والحصار. ويتخذ هدف رفع الحواجز بين الشعوب عدة أشكال، منها العولمة في الغرب والأممية في الشرق. هذا غيراتساع رقعة الإسلام السياسي، فهو أيضا له ثقافته التي تختبى وراء أقنعة علمية لتهرب من لفت الانتباه للبرنامج الاجتماعي الذي تفكر به. لقد بدأت العولمة من إرساليات التبشير ثم الترحال أو الهجرة. ومهما تعددت الأسباب إن الثقافة أساسا، بلغة لاكان، الآخر الذي بواسطته نكتشف أنفسنا. وهي مثل اللغة والقانون تنبه الوعي الباطن للرموز التي نعبر بها عن أفكارنا. إن الثقافة الواحدة تلغي نفسها للتأكيد على المعنى المبهم للموت وعلى ألغاز الحياة المتواصلة. ولنأخذ اليابان على سبيل المثال. فكاتب مثل كازو إيشيغورو يكتب باللغة الإنكليزية عن تقاليد وأخلاق اليابان، وبأسلوب يغلفه الحنين والحزن والتفجع. في حين أن كاتبا مثل هاروكي موراكامي يكتب باللغة اليابانية عن الإنسان اللامنتمي أو اغتراب العولمة. وكأن النزوح كان يتم في الداخل بينما الوعي يأخذ موضعه في الخارج. وهذه معضلة جوهرية لها علاقة بالاستاطيقا أكثر مما لها علاقة بالتكنولوجيا. فالذهن يعنى بوقته المفقود وليس بحقيقته فقط. ولذلك لم تكن التكنولوجيا وحدها تفاجئ الكاتب بالاختراعات الحديثة. ولكن الكاتب كان يفاجئها بمطالبه وتخيلاته.

وكما ورد في الخاتمة إن زيادة عدد مستخدمي الحاسوب أدى للتوسع في أمرين اثنين. الأول زيادة رقعة الحوار بين الأدب والتكنولوجيا. والثاني زيادة دور التناص وانتشار الكتابة التكوينية التي دخلت في مرحلة الثورة أو الانقلاب بسبب نمو العقلية الحاسوبية بدلا من الذاكرة والبديهة والتدوين. (ص240). ويطيب للدكتور حسام هنا التمييز بين العلوم والتكنولوجيا. فالطرف الأول برأيه أقرب للطبيعة، والثاني أقرب للإنسان. بمعنى أن العلوم ذات هدف عام ورسالة تؤثر بالحضارة، بينما التكنولوجيا ذات هدف عاجل يؤثر بالأفراد وأسلوب حياتهم. ويبدو أن فلسفة الدكتورحسام كانت مع تفكيكية دريدا وليس مع حفريات فوكو، ومع التكهن وكدّ الذهن وليس مع الاستدلال. وأخيرا، لا أرى أي إمكانية لتأكيد فكرته أن البيولوجيا تتوسع على حساب الفيزياء. فعلم الخلية والمورثات يحتاج لتفسير فيزيائي، والبيولوجيا في أبسط تعريفاتها هي لغة الحياة لتفسير سلوك المادة. وهذا يعني أنها كيمياء فيزيائية. ولو لا معارفنا باستجابة جدار الخلية ومحتوياتها للاجهادات، ولولا تقدم علم العدسات، لما أمكن تحقيق أي تطور في الهندسة الوراثية، والتي هي، برأي جيل دولوز، منعطف أساسي في فهم قضايا الوجود والحركة.

 

* الأدب والتكنولوجيا وجسرالنص المفرع. 326 ص. مطبوعات رام الله. 2018.

** الخيال السياسي. سلسلة عالم المعرفة. 2017. الكويت. ص11.

 

صالح الرزوق

جامعة حلب/ 2019

 

 

في المثقف اليوم