قراءة في كتاب

إبتسامة من رحم الألم.. رسائل تبث التفاؤل بلغة شعرية مكثفة

1209 لبنى شرارةديوان شعري للشاعرة اللبنانية المغتربة لبنى شرارة بزي..

صدر عن دار لندا مؤخرا ً الديوان الشعري الجديد الذي يحمل العنوان (إبتسامة من رحم الالم) للشاعرة اللبنانية المغتربة  لبنى شرارة بزي ويقع الديوان في 148 صفحة من القطع المتوسط وتنوعت قصائد الديوان في موضوعاتها ومضامينها الفكرية محلقة بين فضاءات الحب والشوق والحنين الى الأمكنة الاولى الى جانب بعض القصائد التي تحتوي على بُعد رثائي شفيف بلغة رومانسية رقيقة، حاولت الشاعرة من خلال قصيدتها التعبير عن مواقفها إزاء هذا العالم المثقل بالأحزان الشخصية والعامة من خلال الجملة الشعرية المكثفة المعبرة وبإيقاع شعري مضغوط  ودفق لغوي شاعري وبأسلوب السهل الممتنع، فالقصيدة تبدو بسيطة في معمارها الشكلي ولكن تكمن فعاليتها في آلية تجانس عناصرها اللغوية والدلالية التي تُبنئ عن ثمة حزن يغلّف حكاية القصيدة عند شرارة محاولة إزاحته (الحزن) عبر بث رسائل الامل والانطلاق نحو المستقبل

بعد ليل ..

أرهقني ظله الثقيل

وذات فجر ..

ولدت إبتسامتي

من رحم المستحيل .. (من قصيدة إبتسامة من رحم الامل ص 11) 

وتبدو القصيدة عند الشاعرة لبنى شرارة بزي متجددة في فعاليتها الشعرية من خلال الاهتمام بلغتها التي تزدهي بمعمارها الفني المعبر وببنيتها المختزلة لأساليب التعبير الشعري الفائض عن الحاجة ومن المعروف أن الشاعر الذي يقرأ جيدا ً ضرورات التجديد من خلال تطويع جملته الشعرية لأساليب التجريب المتواصل  لُينقّب دوما عن ما هو جمالي ليزيد على ما هو مترسخ في حديقة الشعر الغناءة بتلاوينه وأساليبه المتنوعة

من الأجل المحتوم

أعلل ُ النفس بالآمال

فلا يهزمني المستحيل

يمضي نهاري مترنحا ً

بين دمعة وآهة . ص 94 من قصيدة دمعة وآهة .

وفي إطار البحث عن المغايرة في النص الشعري المعاصر تتبدى لنا مفارقة الواقع بثقافتها الخاصة المعاصرة الاستهلاكية والتي تقترح واقعها الخاص من وسط ركام واقعها الخاص وهو ليس الواقع الفعلي بل الواقع الممكن وعلى هذا الاساس يوضح ادونيس في مقاربته عن الشعر الحقيقي والشعر الوظيفي، حيث يقول بأن (الشعر الوظيفي يكتفي بوصف حدث خارجي ممجدًا إياه أو معبراً من خلال تكثيف إنفعال يعبر عن وظيفة تصويرية بلاغية كما يفرق بين اللغة الشعرية واللغة اليومية التي ليست سوى حجاب للواقع) أما الشعر الحقيقي فتأتي جملته الشعرية لتحرق هذا الحجاب لتعبر عما لا تستطيع الاولى التعبير عنه في موضوعات مثل الانتظار، الفراق، التضحية وغيرها من الحالات والاسئلة العميقة التي تشكل هواجس قلق دائم لدى الانسان . وتعبر الشاعرة عن هذا الغياب أو الفراق من خلال أبيات قصيدة (يا غائبا ً أضناني هجره) ص 83

سألني قلبي

لم َ تهبُ نسائم الذكرى

مع تغير الفصول ..

ولم أشم ُ رائحة البيلسان في الحقول

حين ببالي .. تجول صورتُك

لماذا يحضر العشبُ في أيلول؟

على الرغم من مسحة الالم والحزن الذي يسكن معظم مضامين القصائد بسبب فقدان الشاعرة لزوجها حيث تعبر الشاعرة عن هذا الفقدان بذكرى جميلة وجرعة أمل تنتشل روحها الملئ بدفق الشوق وجمال الذكريات لتجعل من الجملة الشعرية نافذة جمالية في هذا الديوان بالذات لصناعة أمل من رحم الالم المتأتي من حالة الفقدان ومن مأساوية الواقع الانساني الذي نعيش .

وفي قصيدة (تعال نهزم المستحيل) ص87 ،تجسد الشاعرة رؤيتها في هزيمة الالم عبر بث روح الأمل حيث تقول:

عاهدت ُ طيفك

ألا ..

نفترق بعد اللقاء

فإبتسامة الامل تعيد ُ

لقلبينا الجريحين الشفاء .

جدير بالذكر أن مقدمة الديوان جاءت بقلم الشاعر العراقي المغترب كمال العبدلي الذي أثنى على موهبة الشاعرة واصفا ً إياها بالصوت الشعري الانثوي المتميز وذكر ان اهمية الديوان تاتي من خلال تظافر جملة عوامل مركبة ومتداخلة يكمل احدها الاخر توافرت عليها الشاعرة مجتمعة كالموهبة والخلفية المعرفية والتجربة وسلاسة اللغة وقوة السبك وانسيابية التداعي وانتقاء المفردات الموحية للمعنى المُراد .

 

إستبرق العزاوي – ديترويت 

 

 

في المثقف اليوم