قراءة في كتاب

قراءة في كتاب النقد الروائي العربيّ الحديث للدكتور خالد علي ياس

1406 كمالليس الناقد من يشغل نفسه بالتفكير في اختراع مناهج جديدة أو أدوات مختلفة، إنما النص هو الذي يفتح أمامه هذا المجال حسب متطلبات العصر الذي ينتمي إليه. وكما لا يخفى على أحد أننا عبرنا مرحلة المناهج السياقية وحتى النصية لم تعد ترضى الذائفة النقدية الحديثة، لكن هذا لا يعني تهميش تلك المناهج ، فالناقد الحاذق بإمكانه أن يعمل وفق تلك المناهج لكن بتقانات تلاءم عصره الحالي وذوقه الفني. يمكننا أن نتحدث عن تجربة دكتور خالد ياس في كتابه النقد الروائي العربي الحديث حيث انطلق من المنهج الاجتماعي المعروف لكن بأدواته الخاصة. يعد هذا الكتاب ضمن سلسلته الثلاثية المكونة من مقاربة في سوسيولوجية النقد العربي القديم . النقد الروائي العربي الحديث . رصد سوسيولوجي لتجارب ما بعد الحداثة كانت الانطلاقة اجابة على بعض الاستفهامات لمعرفة آليات العلاقة بين المنهج السوسيولوجي من جهة  ومناهج ما بعد الحداثة من جهة آخرى وقوفًا عند كيفية التداخل بينهم.

اعتمد الدكتور خالد علي ياس النقد السوسيولوجي لاتفاقه مع مدام دوستايل حيث أكدت في كتابها حول الأدب "أننا لا نستطيع فهم الأثر الأدبي ،وتذوقه تذوقًا حقيقيًا في معزل عن المعرفة بالظروف الاجتماعية التي أدت إلى إبداعه وظهوره" فاتخذ خالد ياس زاوية النظر الاجتماعي لرؤية التطور الروائي في تجارب ما بعد الحداثة لنقاد العرب ورصدها في دراسته الموسومة بـ رصد سوسيولوجي لتجارب ما بعد الحداثة.

يبدأ بمدخل تليه خمسة فصول. في الفصل الأول النقد السوسيونصي الحوارية ومبدأ ديمقراطية النص والمقصود بسوسيونص تعدد الأصوات في واقع النص حيث يحاول رصد تجربة النقاد الذين تحدثوا عنه منهم حميد لحمداني الذي حاول أن يجمع بين تكوينية غولدمان وحوارية باختين على أساس أدوات التحليل النصي حيث يعود إلى طابعها التمثيلي والتشخيصي يكون المبدع فيها مدفوعًا إلى تنويع الأبطال من مختلف المستويات الفكرية والاجتماعية كما يحدث عادةً في الرواية الواقعية     وقد اختار رواية الوطن في العينين لحميدة نعنع أنموذجًا فنيًا يدل على تحولات في البنية السردية العربية من تداخل مباشر مع الواقع إلى تداخل نصّي . كما يقف بعد ذلك عند تجربة الناقد العراقي فاضل ثامر ورأيه في النزعة الحوارية في الروايات وعلاقته بتعدد الأصوات ويعني ذلك تعدد أشكال الوعي في الرواية كما أنه يحدد رواية خمسة أصوات لغائب طعمة كبداية لرواية تعدد الأصوات. وأشار بعد ذلك إلى أن الناقد ياسين النصير هو أول من لمح إلى النقد الحواري في الساحة النقدية العراقية في كتابه القاص والوقائع ، كما أن الدكتور خالد ياس وقف عند تجربة الدكتور شجاع العاني وقفات طويلة وحدد اسلوبه كاسلوب مغاير ووضح ان شجاع العاني هو الذي اطلق على التعدد الصوتي تكافؤ السرد  ووقف بعد ذلك عند تجربة الناقد السوري سمر روحي الفيصل المركزة على أصوات الشخصيات المختلفة وبين الرؤية السوسيولوجية . وفي الفصل الثاني من الكتاب النقد السوسيونصي من البنية إلى السياق صارت البنية أولًا لأن البنية هي التي تنتج الواقع بمكوناته هنا علم الدلالة والتراكيب والمستوى المعجمي والسردي واللهجات الجماعية والخطابات صارت وسائل للوصول إلى البنية الدلالية العميقة ومكوناتها وقف بداية عند تجربة الناقد سعيد يقطين كونه من أوائل نقاد العرب اهتماما بهذا الجانب والناقدة اللبنانية يمنى العيد والمغربي البوريمسي  والمصري جابر عصفور وغيرهم وفي الفصل الثالث النقد الثقافي وعالمية الخطاب ما بعد الكولونيالي ما يتعلق بالتأثير والتأثر وتأثيرات الأدب الغربي على العربي ما بعد الكولونيالي  من خلال ثقافات التكنلوجيا والثقافة الرقمية والتفاعلية  وقف عند تجربة محسن الموسوي  ومحاولته لشمولية دراسته على المستوى التنظيري لمصطلح ما بعد الكولونيالية   ودرس علاقة الرواية بالموروث القديم والتأثير بالثقافة الغربية وانتقل بعد ذلك لتجربة محمد البرادة عن البعد الكوني للرواية العربية  وفي الفصل الرابع سنن النصً نحو تأويل اجتماعي للعلامة ما يتعلق بالسيميائية والتأويل  وعلاقة الدال بالمدلول حيث يحاول فهم البعد الاجتماعي عن طريق العلامات وقف عند تجربة بنكراد النص السردي نحو سيميائيات الايديولوجيا وفاضل ثامرويحول عنده بالرؤية حيث زاوج بين المنظور الاجتماعي والجمالي في الخطاب السردي ووضح انه لم يبتعد عن رأي من سبقه يشير الدكتور خالد ياس لتجربة سليمان حسين  وعبد الهادي الفرطوسي حيث زاوجا بين منهجي السوسيونصي والسيميائي في أعمالهما الفنية.

ولو وقفنا قليلًا عند النموذج التوصيلي للعملية الأدبية باعتبارها علاقات متشابكة بين ثلاثة أطراف النص والكاتب والمتلقي للأخير أهمية خاصة وذلك لارتباطه بقراءاته الثانية للنص إن اختلاف الشروط السوسيوثقافية ومستوياتها يعدد وجهات النظر وكيفية اقبال النص وتحليله. وقف في الفصل الأخير عند تجربة

فيصل درّاج ويعود مجددًا لتجربة سعيد يقطين  وحميد لحمداني وغيرهم.

ما نلاحظه إن لم يكتف الدكتور خالد ياس برصد التجارب والتعليق عليها بل نراه يحكم على ما جاؤوا به وفق نقد النقد كما في حكمه على رأي الجنابي والحقيقة أنه لم يوفق في اختيار عيناته بشكل تام لأن بعضها لم يكن مؤسلبا ضمن مفاهيم الحوارية مثل القربان  لفرمان.

لا يشعر الناقد خالد ياس القارئ بغيابه إنما مع رصد التجارب هو دائم الحضور تارة نراه معلقًا وتارة متفقًا وتارة غير متفق كما في النماذج التالية

"مع أنني لا أتفق مع درّاج في جانب الإخفاق كليًا لأن الرواية العربية تعيش اخفاقًا على مستوى الوعي فقط ضمن صلتها بتاريخ الكتابة" ويقول في موضع آخر "لا أعتقد أن الناقد توفق في هذه الانتقالية في المنهج المزاوجة السيميائية بحوارية باختين" وفي موضع آخر

"وقد وفق فعلاً في دراسته الأخيرة باستعارة مقولة المهيمنة من شعرية باكوسن"

نستطيع أن نقول أخيرًا إنها تجربة تدل على وعي الناقد بأدواته النقدية كما وعيه بمتطلبات عصره لذا كان الأستاذ خالد ياس موفقًا في اختياره للعنوان ودراسته وتطبيقها. نحيط بالذكر إن هذه الدراسة حازت على جائزة كتارا للرواية العربية ٢٠١٧ فئة الدراسات النقدية.

 

آشتي كمال

 

 

في المثقف اليوم