قراءة في كتاب

ثامر عباس: عرض مختصر لفكرة كتاب: أثريات الانتلجنسيا

عرض مختصر لفكرة كتاب (أثريات الانتلجنسيا.. الموروث التقليدي لدى المثقف العضوي – (الهجنة الإيديولوجية) أنموذجا") للباحث ثامر عباس 

إن الفكرة المركزية التي يتمحور حولها موضوع هذه الدراسة تقوم على افتراض؛ إن ما يسمى (بالمثقف العضوي) في المجتمعات التي من النمط المتخلف القابل للتصدع والتشظي، لا يمتلك – بالضرورة - شهادة حسن سلوك تبرؤه من اتهام حيازة (الوعي التقليدي)، كما ولا تجيز له التمتع بالحصانة أو المناعة ضد ما أميل الى تسميته (الهجنة الإيديولوجية)، وبالتالي لا تعفيه من نيل حصته من النقد المعرفي والتعرية السلوكية . ولهذا فهو لا يختلف عن نظيره (المثقف التقليدي) من حيث (نوعية) الوعي الذي يضمره وإنما (بمقدار) ذلك الوعي، حيث إن كليهما ينتميان لنسق سوسيو- ثقافي واحد، ويمتحان من نسغ قيم وتصورات مشتركة، ويحتكمان إلى تراث وتاريخ وحضارة مشتركة، وهو الأمر الذي يفسّر لنا شيوع مظاهر (الازدواجية) في المواقف و(التناقض) في السلوكيات، التي غالبا"ما يقع ضحيتها المثقفين (العضويين) أنفسهم دون أن يفطنوا / يشعروا بذلك . وإذا ما أشرنا – في بعض الأحيان - إلى وجود فارق (ايجابي) بدرجة (الهجنة) الإيديولوجية وبمستوى استبطانها من لدن المثقف (العضوي)، فلأن ظروف معينة سمحت له بحيازة بعض المزايا الاعتبارية / النوعية مقارنة بنظيره (التقليدي)؛ منها، على سبيل المثال لا الحصر، انفتاح فكري أكثر مرونة على أفكار الآخر، وأفق ثقافي أوسع مدى لاستيعاب ثقافات المختلف، ورصيد معرفي أكثر غنى لتقبل  معارف المغاير .

وهكذا فقد قادتنا هذه الاستقراءات والاستنتاجات إلى ضرورة التمهل في إطلاق النعوت المزاجية وإزجاء الأوصاف العشوائية، والتريث من ثم في صياغة الأحكام القطعية والضوابط الجزافية، إزاء تحديد طبيعة الشرائح (المثقفة) وبيان أصولها السوسيولوجية / الطبقية، وإظهار خصائصها الابستمولوجية / المعرفية، والكشف عن اتجاهاتها الإيديولوجية / الفكرية، وإماطة اللثام عن مضمراتها السيكولوجية / الأخلاقية . لاسيما ما يتعلق بمسائل تصنيف أنماطهم وتوصيف أنواعهم ما بين (عضوي) و(تقليدي) بالمعنى الغرامشي الكلاسيكي، والتي أصبحت من أبرز معايير التصنيف والتوصيف الرائجة في دراسة النخب / الصفوات الثقافية في العالمين الغربي والشرقي على حدّ سواء . ولعل ما يعطي لهذا التصنيف أهميته وضرورته في نفس الآن، ليس فقط كونه يقلص من هامش الغموض والالتباس الذي يحيط بماهية هذا الفاعل فحسب، وإنما لأنه الأنسب علميا"والأجدى منهجيا"بالنسبة لمجتمعات بلدان العالم الثالث / المتخلفة، التي كانت – ولا تزال – تعاني من ضروب (نكوص) و(ارتداد) نخبها الثقافية إلى مضارب مواريثها التاريخية والاجتماعية والثقافية، على حساب ولائها الوطني وانتمائها الجمعي وارتباطها التاريخي واندماجها الحضاري، كلما شعرت إن هناك أزمة / عاصفة تلوح في الأفق السياسي، بصرف النظر – طبعا"- عن مستويات تحصيلها العلمي / الأكاديمي، أو إمكانات خزينها المعرفي / الثقافي . لا بل أنها تتصرف – في بعض الأحيان – بشكل يثير السخط والاستهجان، إزاء ضروب التعصب لجماعاتها الانثروبولوجية والتطرف لفكرياتها الأصولية . 

***

ثامر عباس

 

في المثقف اليوم