قراءة في كتاب

احمد بابانا العلوي: قراءة في كتاب فخ الهويات للاساذ حسن اوريد

(هل صحيح ان الانسان سيتمكن من السيطرة على الكون كله في نهاية المطاف، الا انه سيبقى عاجزا عن كبح نفسه).. لسترورد "الدينامية الاجتماعية.

1.  بتاريخ ( 20/06/2025/)قدم الاستاذ حسن اوريد بمدينة اكادير كتابه الجديد "فخ الهويات" الصادر عن دار نوفل/الفاضل بالدار البيضاء.. الكتاب يحتوي على عشرة فصول ومقدمة تمهيدية.. يتناول المؤلف في كتابه الجديد مسالة الهويات او على الاصح صراع الهويات.. وذلك من خلال تسليط الضوء على بعض اسبابها ودوافعا ومحفزاتها سواء فيما يتعلق بالحالة الفرنسية التي اسهب المؤلف في بحث وتحليل مظاهرها والوقوف عند ابعادها الثقافية ومضاعفتها الاجتماعية.. كما تطرق الى انفلات الهويات في العالم العربي..

يحدثنا المؤلف في فاتحة الكتاب عن الدافع الذي حفزه على تاليف الكتاب والذي يعود الى سؤال طرحته صحفية عليه حول وضعية المسلمين المهاجرين في اوروبا وعن السبب الكامن وراء رفضهم او عدم اندماجهم في مجتمعاتها..؟

نظرا لان السؤال يطرح مسالة متعددة الوجوه والابعاد تحتاج الى مقاربة عميقة ودقيقة تحيط بزوايا الموضوع من اطرافه مع الحرس على تجنب الخلط بين السبب والنتيجة او بين الغرض والعلة..

وعلينا ان لا نكتفي بالاحالة الى عنصر واحد في مقاربة قضايا معقدة بعيدة الغور لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات البشرية....

كان السؤال عن وضعية الجاليات المسلمة في الغرب المحفز الرئيس للمؤلف الى كتابة اطروحة حول موضوع صراع الهويات وسقوطها في مازق التصادم الاثني والثقافي والاقصاء الذي يرفض الاخر..

وليس غرضي هنا تقديم عرض لمضامين الكتاب.. اولا لان المؤلف تكفل بتقديم عرض مجمل لكتابه في المقدمة التمهيدية للكتاب.. وثانيا لانه قدم عرضا ضافيا بمناسبة توقيع الكتاب باكادير تناول فيه بالشرح والتحليل والاضاءة مختلف الزوايا والمسائل التي تشكل مازق الهويات في العالم اليوم.. لهذا ساكتفي بالاشارة الى بعض المسائل الجوهرية التي تشكل بنية اطروحة الكتاب.. وسداه ومرتكزاته..

في الفصل الأول من الكتاب يتطرق المؤلف الى مجمل الأفكار التي أسهمت في صياغة مفهوم الهويات.. وتمخض عنها صراع الهويات.. وقد نسجت حول هذا الصراع نظريات واطاريح من باحثين غربيين تناولوا فيها مختلف العوامل والأسباب الكامنة وراء نشوء ظاهرة الهويات كما حاول بعضهم تحديد اشكالها ورصد امتداداتها وخطرها على السلم والعيش المشترك بين المجتمعات..

الامر الذي يتطلب حلولا ناجعة تعيد الوئام والانسجام والتناغم بين الهويات المتنازعة وذلك بالارتكاز الى المصلحة الجامعة والقيم والمبادئ الموحدة الضامنة للعيش المشترك..

وقد اسهب المؤلف في عرض الافكار والتصورات التي بلورها الفكر الحديث حول ظاهرة الهويات وما تفرع عنها من روافد وتصدعات اجتماعية وثقافية وسياسية..

انطلق المؤلف من وضعية المهاجرين في فرنسا وخاصة ما احاط الجالية المسلمة من الملابسات ادت الى انفجار الصراع وذلك با نتفاضة الاحياء مما اجج الصدام ووسع دائرته ومضاعفاته بين (1990/2023).

لقد تفرعت عن ظاهرة المهاجرين ظاهرة الاسلام فوبيا (العداء للاسلام) وكذلك العرقية والمركزية الهوياتية.. وتم الرجوع الى المرحلة الاستعمارية باعتبارها البؤرة التي انتجت الهويات المضطربة والمتنازعة..

حاول المؤلف ان يبحث سؤال الهويات انطلاقا من انسداد افاق الانصهار والاندماج الاجتماعي والسياسي والحضاري.. وما ترتب عنه من تنافر مضاد ورعب تولد عن ازمة بنيوية ادت الى خلق عدو لمواجهة صراع الهويات في الغرب..

لقد تمخض عن صراع الهويات توجه راديكالي (نتيجة تداخل القضايا الاجتماعية والثقافية) ومن ثم نزوع الى العمليات الارهابية وحروب اهلية وتولدعنه شرخ عميق بين الكيانات الاجتماعية والقومية وذلك بفعل تاثير الدول الغربية على النخب وتوجيهها لخدمة مصالحها

يرى المؤلف ان مسالة الهوية معقدة ومركبة تستند الى شرعية ثقافية مغيبة ويجب معالجتها بحذر حتى لا تنتهي الى انفراط العقد الاجتماعي مما يؤدي الى تمزق اللحمة ويفضي الى حرب أهلية وينسف قواعد العيش المشترك بين الجمعات ويرهن المواطنة..

فلا بد من كبح جموح الهويات حتى لا تؤدي الى هدم حصن المواطنة الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات الحديثة.. وذلك بالاخذ بقواعد العيش المشترك التي تحث على احترام الوحدات الثقافية والدفع بتفاعلها وتعارفها من اجل مصير مشترك يحض على الحوار بين الثقافات ويتجنب زيغ الخطاب الهوياتي الذي يغير من وضع قائم لانه يقف في وجه أي تكتل يحد من هيمنة فئة حاكمة.. ويذهب المؤلف الى اننا امام ضغط قضايا الهوية المعقدة نحتاج الى فكر ثاقب للفهم من اجل التغيير.. كما نحتاج الى معرفة واسعة وأدوات نقدية موضوعية.. فالفكر يسمح لنا بتقبل الاخر وتفهمه..

2.  ان فصول الكتاب تتناول القضايا الهوياتية من جوانبها المختلفة فكل فصل يكمل الفصل الذي يليه.. بحيث هناك خط ناظم بين جميع الفصول.. الفصل الأول "مازق الهوية يحيل االى صناعة العدو والى الانفلات الهوياتي. والى الإسلام فوبيا.. وقد حظيت الحالة الفرنسية باهتمام المؤلف باعتبارها تمثل النموذج للصراع الهوياتي في المجال الأوروبي.. لهذا نجده يتوقف مليا عند ازمة الضواحي (المدن الفرنسية) ودوافعها الهوياتية كما تطرق الى العلمانية او اللائكية وانحرافها الى أيديولوجية والى تحول الصراع من صراع طبقات الى صراع اعراق وتاثير الماضي الاستعماري في تاجيج الصراع الهوياتي..

فيما يتعلق بالعلمانية تحدث المؤلف عن النموذج الفرنسي " اللائكية " وذهب الى ان المفهوم في الأصل اللاتيني يعني خدمة الصالح العام في نطاق العقل والحس النقدي. وخلص الى ان العلمانية تتعارض مع الدغمائية.. الا انه تم توظيفها للتصدي لمظاهر الاسلمة با عتبارها تهدد المجال العام.. وقد نتج عن هذا التوظيف تحول العلمانية الى ايديولوجية متعددة الوجوه بحيث لم تعد محايدة بل أصبحت منحازة خاصة ضد الإسلام والمسلمين.. واصبح دعاتها يقرون بالانتماءللحضارة والثقافة المسيحية.. وتوحدت التيارات الفكرية والسياسية في مواجهة الظاهرة الإسلامية..

تحدث المؤلف باسترسال حول مضامين العلمانية وتطورها وما عرفته من نزوع هوياتي رغم انها تطرح نفسها باعتبارها عابرة للهويات..

لقد شهدت فرنسا احداثا اجتماعية واحتجاجات عنيفة من أوساط المهاجرين.. كان لها تاثير بالغ في الانزياح نحو تاويل مؤدلج للعلمانية مما أدى الى خلق مناخ من عدم التسامح باسم اللائكية.. ونتيجة لهذا التوجه فقد خلص المؤلف الى ان تعامل فرنسا مع الجاليات المسلمة سوف يشكل رهانا جيواستراتيجي..

تجدر الإشارة في هذه العجالة الى ان الكتاب يتضمن أطروحة عن صراع الهويات في الدول الغربية في العقود الأخيرة وما نجم عنها من انعكاسات على العالم العربي والإسلامي.. ومن ثم كان السؤال الأساسي لاطروحة الكتاب يتمحور حول إشكالية الهويات ومقاربتها من منظور فكري يتيح لنا فهم العالم وفهم انفسنا من خلاله حتى نتمكن من الانخراط فيه..

ان مفهوم الهوية يزداد اتساعا مع ما تعرفه المجتمعات من قضايا مستجدة سواء استندت الهوية الى العرق او اللغة او الدين.. والأخطر في خطاب الهويات انه يفضي الى الشحناء والبغضاء..

وللمفهوم اغراء وجاذبية لجماعات عديدة نظرا لزعمهم انه يقدم كبديل عن تدهور السرديات الأيديولوجية الكبرى التي سادت مع هيمنة الحضارة الغربية..

كما أسهمت العولمة بالدفع بالخطاب الهوياتي كما رافق التنميط الاقتصادي انشطار ثقافي وانكفاء على الخصوصية.. ثم انتقل الخطاب الى التشدد والتصارع واستدعاء الاخر باعتباره عدوا.. ولا شك ان كل مازق هوياتي ينتهي الى فخ..

وينجم عن الصراع ضرورة تدبير الاختلاف اما بصياغة هوية مشتركة تستند الى شخصية حضارية جامعة تحقق إرادة العيش المشترك.. من خلال تدبير الاختلاف الثقافي والسياسي.. او بوجود عقد اجتماعي تنتظم حوله الدولة..

ويرى المؤلف ان مازق الهوية انها تتبنى العنصر العرقي الذي يسقطها في مغالاة تمجيد الذات والسمو على الاخر.. ثم تتحول الهوية الى أيديولوجية تضر بالعيش المشترك.. وترفض دينامية التداخل والتعارف.. بسبب حالة العمى المتقاطع لهويات متنافرة.. والحل الانجع الذي يراه المؤلف يكمن في التغيير والاندماج من اجل مجتمع افضل في ظل عالم تسوده القيم الكونية..

خاتمة..

اما السؤال الذي يطرح نفسه على القارئ والباحث حسب ظني هو: هل صراع الهويات يندرج ضمن المتغيرات الحضارية والتاريخية الكبرى..؟. ام انها مجرد فقاعات عابرة لحركات احتجاجية تخدم مصالح شرائح وفئات ونخب اجتماعية قابلة للاندماج والانصهار في الوضع القائم أي "استاتيكو" باعتباره الهدف الاستراتيجي للغرب لابقاء هيمنته على العالم.. وخنق تطلعات الشعوب في التقدم والتحرر والاسهام في النظام الحضاري العالمي..

***

احمد بابانا العلوي – باحث مغربي

 

في المثقف اليوم