قراءات نقدية

الشاعر منذر عبدالحر في حضرة الامام موسى بن جعفر الكاظم

wejdan abdulazizلا شك يتمادى الشعر بخروجه من ساحات العاطفة والانفعال الاني والعابر احيانا الى ساحات التأمل والتصوف بالحب اليقيني الذي لايساور المحب فيه أي شك، في ان الحبيب هو الاجدر بهكذا حب .. واظن ان شاعرنا منذر عبدالحر، قد سقط صريعا بحالة استشراقية سمت به الى مصاف متصوفة الحب، بقصيدة حاولت ان تركب نغمة دعاء التوسل بشخصية استحقت الاندهاش الى حد الذوبان في حبها وتوسم القرب منها، فعلينا الوقوف وقوفا جليا من قضية الاسلام والانسان في آمال وطموحات الائمة الاطهار عليهم السلام، ليس بمعزل عن كونهم يتمثلون ويهضمون فكرة الاسلام فقط، بل حتى صاغوها عقيدة مبدئية غايتها انقاذ البشر بتنوير طريقه في الحياة، ثم انهم قاموا بتحويل الاسلام من فكرة نظرية الى حيز العمل وكيفية استثمار قضية الفناء والموت، لصنع سعادة الدنيا باتصالها الاتصال السرمدي بسعادة الاخرة، فصراع الفناء مع البقاء وضع له الامام موسى بن جعفر علة وجودية ارتبطت بالادراك والفهم الاستيعابي لكلا الشقين الفناء والبقاء ... وجعل الفناء كخادم مطيع للبقاء بعلة وجوديهما وعلة فائدة العلاقة المضمرة بينهما .. وهذا تطلب من الامام ان يبدأ من الداخل، أي داخل اعماقه ليخرج بفهم كامل لغوامض الكون وعلاقات اشيائه، عكس الاخر الذي بدأ بالخارج لمحاولة فهم غوامض الكون كما قال فيها الكسيس كاريل في كتابه (الانسان ذلك المجهول) ومن هذا كان الامام قد ادرك ان الانسان لابد ان يتخلص من علل وجودية، ليتجلى الى مستويات الطموح الاسلامي لهذا الانسان ذي البعدين: الاول السافل البغيض المتعفن والنتن والذي عبر عنه القرآن الكريم بالصلصال والحمأ المسنون، فمن بُعد الصلصال والطين الى بُعد السمو حيث يكون ذاته وفطرته، وهي السمو بالمعاني الانسانية، لتكون هي الله او روح الله كمعاني كنائية قبل ان تكون معاني خالصة أي يوجب السعي للسمو من الطين الى الروح أي هذين القطبين قطب التراب والطين وقطب الله وروح الله، وهو سعي ليس بالسهل القريب، هكذا كان جهاد الامام كأنسان انطلق من صناعة ذاتية نقيه استلم اسسها من رسالة الاسلام ليتغلب على قطب التراب والطين أي ما سفل من الانسان ليحلق بعيدا الى روح الله، وهذا التحليق صنع منه انسانا معجزة في خلق حياة مثالية قادرة لتكون سندا للحياة الاكثر استقرارا وثبوتا، وهي الحياة الاخرة، فكان الامام الكاظم انسانا حرا، صنع الحرية للاخرين، واثبت لكل معانديه ومعارضيه، ان الاسلام يحمل اسس السعادة في الحياة الدنيا ناهيك عن كسب الحياة الاخرى، التي من الغيب بالنسبة للاذهان القاصرة عن الادراك، ولكن في مدركات الامام الكاظم، هي الاقرب بيقين صدقه الصافي .. من هذه المدركات استجمع الشاعر منذر عبدالحر وعيه وكتب قصيدته بحرف من الصدق، وحاول جادا الارتفاع من مستنقع الشك المريب، الى سمو الاستقراء في مسيرة الامام، قد يكون نجح في حالات، وهبط عنده الوعي في حالات اخرى، كون ايمان الامام الكاظم لاتحويه كلمات، انما يحويه التصوف بحب الله والمحاولة الجادة للوصول الى القرب اليقيني، يقول الشاعر منذر عبدالحر:

(يا كاظم الغيظ ، يا بحرا ً من الورع ِ

جئناك َ زحفا ً على درب ٍ من الوجع ِ

جئناك َ يا سيّد التقوى لتمنحنا

فيضا ً من الأمن ينجينا من الهلع ِ

مُذْ غيّبوك َ بقاع الظلم غيّبهم ْ

إثم ُ الظلام ِ وساروا في دجى الجزع ِ

يا ابن الهواشم ِ يا بستان َ معرفة ٍ

يا خير َ من صبروا في أصعب البقع ِ

بابُ المراد ِ..وباب ُ الداخلين إلى

نور الشفيع بقلب ٍ خاشع ٍ ورع ِ

جئنا جموعا ً على عهد ٍ تسجّله ُ

عبر َ العقود ِ دماءُ الطهر والولع ِ

بحبّ آل رسول الله أجمعهم

فالحبُّ موقفنا في كلّ مصطرع ِ

لا نقبل ُ الذّلَّ يا صوت َ الحسين غدا

صوت َ العصور ِ كمسموع ٍ ومستمع ِ)

فالشاعر هنا لم يقصد بزيارته الى الامام الا بقرينة (بستان معرفة) وخيرة من صبروا على البلوى، ليهنأ الجميع بالحب والجمال والحرية، وهذه القرائن كفيلة باعلاء صوت الحسين، حيث كان استشهاده في الطف المشروع الإسلامي الذي تكاملت حلقاته بعد الاستشهاد وأستثمره الآخرون في أمثلتهم التاريخية الخالدة ولهذا تأسست حلقات استثمار شهادته في ترسيخ قيم الحق والإباء والشجاعة ونصرة المظلوم، والشاعر من محبي اهل البيت لابد من حمل رسالتهم المقرونة بالحب والجمال، وصنع حياة ينعم فيها الجميع دون تفريق في الجنس والعرق والقومية، لهذا بقي الشاعر يردد :

 

(وجئت ُ زحفا ً خطاي النبض ُ أشرعة ً

إلى الضريح ِ وزاد الحبّ ُ من طمعي

بأن أرى نورك الوضّاء شاهدة

على الزمان وأن احضى بمتّسع ِ

من الطواف ِ أعيش ُ العمر َ أكمله ُ

أسعى إليك ولا أرقى إلى شبع ِ

جوع ٌ للقياك جئت ُ اليوم َ أرصده ُ

وأستغيث ُ بقلبي ناسجا ًسجعي

قصيدة ً كلّ ما فيها يفوح شذى ً

مدادُها الصدق ُ موشوما على طبع ِ)

شعاره الحب، فهل يشبع الانسان من الحب؟؟ القرينة العقلية تنفي هذا الشبع بدليل قول الرسول الكريم : (لايؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه)، وهنا نفى الايمان واثبته بقرينة الحب، فلنصرخ، صرخة واحدة بوجه الظلاميين الذين لايعوون معنى الاسلام ولايدركون مغازي الحياة الجميلة التي يصنعها لهم، فالاولى بنا ونحن نجاهد التكفير، ان نرفع راية اهل البيت عالية ليتجدد الاسلام، وتنعم الانسانية جمعاء بهذا الحب الصادق ...

 

ـ في ذكرى استشهاد الامام موسى بن جعفر عليه السلام

يا كاظم الغيظ

 

وجدان عبدالعزيز

في المثقف اليوم