قراءات نقدية

أطياف رشيد وفن كتابة المسرحية

على الرغم من الامتداد الزمني الطويل  في كتابة فن المسرحية عربيا الا هذا الفن ما يزال يعاني انحسار الادباء عن الكتابة فيه مقارنة بكتابة الشعر او القصة والرواية والقصة القصيرة واذا كان الامر كذلك فان الادب النسوي هو الاخر يشهد مثل ذلك باستثناء كاتبات معدودات ومنهن اطياف رشيد التي صدر لها مؤخرا (ستارة زرقاء شفافة نصوص مسرحية) عن دار تموز 2015..

 ويضم الكتاب اثنا عشر نصا مسرحيا ذيلت جميها بتواريخ كتابتها باستثناء النصين الاخيرين اللذين كانا أطول النصوص.. واذا كان نص( صوت دمون) هو الوحيد الذي كتب على وفق رؤية رومانسية تم فيها استحضار امرئ القيس وصاحبته فاطمة؛ فإن سائر النصوص الاخرى هيمنت عليها الرؤية الواقعية الاجتماعية من قبيل معالجة قضايا الانسان والموت والحرب والوحدة والفراق.

ونجد في اول نص (سماء بيضاء) ان البطل رجل احرق نفسه في سبيل ان ينجو الاخرون في تناص راهني مع واقعة حرق التونسي محمد بو عزيزة لنفسه لتبدأ شراراة انبثاق الربيع العربي وتشاركه البطولة المرأة التي تعاضده في سبيل توصيل رسالة صادمة توقظ الرأي العام على حقيقة مفادها (أن الموت يتجدد من أجل مزيد من الموت)

وتشكل الحرب أساس معاناة الرجل البطل في نص (الرحلة 200؟ ) الذي هو أقرب الى الحوارية منها الى المسرحية القصيرة ودلالة الاستفهام مفادها وهم البطل ان السفر ما هو الا وسيلة للهروب او النسيان.

وكان نص (ستارة زرقاء شفافة) وهو الذي اختارته الكاتبة عنوانا رئيسا للنصوص كلها فكان الاكثر اتقانا من ناحية البناء الفني اذ توافرت فيه شروط النص المسرحي الناجح. وفيه عالجت الكاتبة ثيمة الخيانة معالجة غير تقليدية موظفة المفارقة توظيفا ذكيا بدءا من اختيار الحمام مكانا مسرحيا ووصولا الى الشخصيات الاربعة المتمثلة بامرأتين ورجلين ويكون اساس الصراع بينهم انهم تبادلوا الادوار تبادلا غير مشروع فوقعوا في المحظور ليكون الخيار امامهم أما الثأر وأما الصفح..

 وتنطوي الاسئلة التي يطرحها كل من الرجل والمرأة والخطابات التي يوجهها كل من الزوج والزوجة عن لعبة لغوية قد لا تُمسَك خيوط حبكتها ما لم يمسك القارئ طرفها باحكام .. والسبب هو المراوغة الكلامية التي تحاول تبرير فعل الخيانة مع اصطناع مسوغات دراماتيكية تعضد الحدث المسرحي وتدفع به نحو التصاعد والاصطراع.. لكن الانفراج ياتي باهتا بلون الستارة الزرقاء فالخائف لابد ان يكون قد ارتكب خطيئة والخطيئة لا بد لها من عقاب والعقاب تجسد في خاتمة المسرحية على هيأة صوتية وضوئية معا تتمثل في طرق وتكسير وصراخ وظلام ليسود الرعب ص42

والبغية توصيل رسالة اجتماعية مفادها أن التزويق اللفظي للقبح لن يفيد في تجميله فالخيانة خطيئة اخلاقية وان تزيت بزي الحرية واتخذت صيغة التمرد والثورة ..وهذا ما ينطبق على مبادئ وقيم كثيرة يتم التغرير بمشاعية ارتكابها وأحقية القيام بها كمفاهيم الانتحار والارهاب والتطرف مما يتم ترويجها على انها انغماس روحي وجهاد وحق في حين انها افعال باطلة واعمال قبيحة لا يمكن تزويقها في أي حال من الاحوال..

وشكل نص (معطف أسود) أطول النصوص كلها ويدور فيه حوار بين الخاطف والمخطوف عن الارهاب أ هو فعل سعادة وجمال أم هو فعل وحشية ودم؟!! وهو مع نص (ستارة زرقاء شفافة) يستحقان أن يتم تحويلهما الى عمل مسرحي يقدم للصغار والكبار ليوصل رسائل مهمة عن مفاهيم اختلط فهمها عند كثير من الناس.

ولو أطالت الكاتبة اطياف رشيد نص (كرة) الذي هو عبارة عن مشهدين دراميين لكان هول المفارقة كبيرا في أن ما هو غير مألوف (المقتول) صار عند (تلميذ المدرسة) مألوفا وبديهيا!!

وجدير بالاشارة إلى أن الكاتبة حرصت على توظيف الفنتازيا في بعض نصوصها كملمح استيهامي يضفي مزيدا من الصدمة والادهاش في نفس القارئ كما في نص (بث تجريبي) الذي هو مسرحية قصيرة وفيها يتحول الصوت الى شخصية مادية تساند الشخصية الرئيسة / المذيع وتعاضده على توصيل بثه الاذاعي الى الناس وقد صيغت الخاتمة صياغة متقنة وبترتيب عال جعلت منها خاتمة غير عادية حيث الصوت يخاطبه (اقرأ اقرأ )

واذا كانت نصوص الكاتبة قد استطاعت التنويع بين المسرحية في انتهاجها الواقعي والرومانسي وفي اختيارها للشكل الدرامي والمونودرامي؛ إلا إن بعض النصوص انزاحت عن المسرحية الى الحوارية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا وكتابة السيناريو فنص (موسيقى) هو اقرب الى القصة القصيرة جدا وقد استعملت فيها تقانة المونتاج الزماني.. واذا كانت الكاتبة قد عدت النصين (ضوء) و(نافذة بحجم كف) مونودراما الا ان نص (مكالمة لم يرد عليها) لم تعده كذلك مع انه مونودراما بامتياز لان البطلة ظلت صريعة توقها ووحدتها

إن نصوص أطياف رشيد التي تتقاسمها ثنائية رجل/امراة نصوص جديرة بالقراءة والمراجعة وهي بلا شك تضاف إلى خانة الأدب النسوي المسرحي في العراق.

 

ا. د. نادية هناوي سعدون

 

في المثقف اليوم