قراءات نقدية

الشعر كلب من الجحيم كما الحب

khoulod albadriتماهيا مع أسم المجموعة الشعرية للشاعر والروائي الأمريكي تشارلز بوكوفسكي "الحب كلب من الجحيم" أبدأ قراءة مجموعة الشاعر عباس ريسان "سبع صور لسماوات قلقة " الطبعة الأولى 2017

في الإهداء يقول الشاعر :

"كلماتنا هي وجودنا

وهذه بعضها " ص5

ولنبدأ بالكلمات مثلما أراد لنا الشاعر، في قصيدة كونشرتو "

1_الشاعر:"من أين تلج القصيدة لروحك، دلني ؟!

جمرة على كفّك والريح تصرخ، وأنت مثل نبّي تطمر

القبح بالجمال " ص7

هذه مهمة الشاعر أن يبرز جمال الكون والوجود رغم القبح الذي أخذ يغلف الحياة، محاولا أن يبث صور الجمال في أفق الوجود. المرأة، الحبيبة، التي تنتظر شاعرها ليكتبها قصيدة على مقاس فتنتها. ويطالبها أن تكون هي القصيدة.

." كلما حاولت أن اقطف جمالك،ألهث، مثل عصفور

تحت غيمة باكية،

سأقول لك شيئا لذيذا، انتظريني ريثما

أرتب حروفي على مقاسك، حينها ستعلمين إنك

القصيدة التي أريد "ص9

نتابع الصور التي التقطها لنا الشاعر في مجموعته سبع صور لسماوات قلقة. وهنا نجد صورة أخرى لكنها هذه المرة تثير فينا الألم.

"لن تخسر شيئا

وأنت تجمع صور الموتى،أو كما يطلق عليهم الآخرون شهداء،

كل الخراب الذي تلتقطه، هو انتصار لحقيبتك،

في البدء ستصاب بالخيبة، ينقرك اليأس

ويعتريك الحزن، كلما قلبت جثة، أو سهوا دست على

ساق أحدهم، " ص10

صورة من صور الرماد والأنين كما يقول الشاعر.

أما قصيدته " للكلب عظمة ولا شيء لي" . نرى أن هذا (الكلب) بدأ يفرض تواجده في أكثر من قصيدة، فيأخذ له الشاعر عدة لقطات "صور" هذا الموفور الحظ الذي يحظى بالشبع.

":تلك العظمة، بفم الكلب، كم انتظرناها، كم على قارعة

الجوع وقفنا محدّقين بالفراغ،" ص16

 يتعاظم وجع الشاعر في نفس القصيدة .

"... كان ذلك الكلب أوفر حظا من الجميع

ننتظر، نحن النازلين بالخطأ، المتواجدين سهوا،

أن يعاد ترتيب هذا الكون من جديد، حينها لن يكون لنا

بالمرصاد كلب،

وربما لن تكون بيننا حروب

ننتظر " ص17

هنا الكلب من جحيم، بل هو الجحيم نفسه ؟ وإذن متى تنتهي هذه الحروب ؟ حتى يُكتب لنا العيش بسلام في هذه الحياة .

"في نباح البحر "

ينبح البحر ! النباح صوت الكلب، لكنه هنا أسقطه على البحر، وطبعا أراد به شيئا آخر، فهل أراد الشاعر بنباح البحر صوت الأمواج، الهدير المتصاعد منها ؟ فبدت صورة هذا النباح وقد أخذت تسد ناظري الشاعر .

"...هو المحال أن تستفيق على الضفاف

ونباح البحر يسد ناظريك " ص19

نقول يحق للشاعر ما لا يحق لغيره. الشاعر ابن الجنوب المخضب بعطر الفرات والمتشبع برائحة وطين ضفافه. وعود على بدء، لماذا لا يستفيق على الضفاف ؟! .أبسبب هذا النباح ؟ أينبح البحر لمرأى الجثث الطافية التي سببتها الحروب ؟ للمراكب الغرقى، للطفولة المخضبة برمل السواحل، للجثث المهاجرة المتناثرة تدفعها الأمواج كما النباح .!   

بعد كل هذه الصور المؤلمة والمفرحة، نرقص طربا مع قصيدته " في نشيج للذكرى " القصيدة غنائية ذات موسيقى عالية، وكأنما كتبت للطفولة. كي تغنى . تتقافز كلماتها عند القراءة .

" نركض، نركض، مثل البط، نتلفت إلى كل جهات

أمانينا، نرقص، نسقط ثم نقوم،

يمسك واحدنا الآخر مثل قطار، نصرخ بوجه العالم بأنّا

ما زلنا نتنفس "

... نركض، نركض، خلف السيارات، وراء حصان لا

يغضب، كلما أن نسحب ذيله،

عندما كنا ندفع ما نملك من (عيدية ) كي نصعد في

العربات، كنا نتباهى بالشتم،" ص20

هي لقطة من ذكريات الطفولة والعيد . ذكريات البراءة الأولى التي لم يدنسها الموت وصوره البشعة، حيث آلة الحرب التي سحقت كل شيء جميل في الوجود وصبغت ذكريات الأجيال باللون الأحمر.

عودة أخرى إلى الحبيبة، وشكوى الشاعر من كلب يحرسها مهووس بالركض خلفه كلما رآه. لماذا يا ترى أيتوجس منه ؟! أم يستغرب حضوره المتكرر ؟!

"أملأ عينيّ منك، كيلا أصاب بالعمى

أخنق نفس خطواتي، أمام بابكم، حتى لا يرتعب

 كلبكم المهووس بالركض خلفي " ص23

"...الكلب الذي ينبح، يثير حفيظة السمع، ويقلق الخطوات

لكنه لن يغير اتجاه الرغبة بالوصول، وإن عرقل

الهدوء وسمر النظر ." ص33

ضمت المجموعة صورا جميلة التقطها الشاعر بمهارة، وإليكم بعضها .

1"- العمر هذه الشجرة اللابسة معطف خريفها "ص33

2"- العرافة تعرف أسرار الحرب، تفهمها

حين تساقط خوفي بين يديها، قالت :الأجساد الغضة

اكثر عرضة لتقبيل الموت " ص36

3- "هو الموت يجيء خلسة لكنه كالشمس في الرحيل "ص40

4_"أحدهم قال : انتعلوا اللحظة حين سقوطها، وحاذروا أن

تكونوا مجرد جسر لعبور الصوت، العيد يعني أن

تبتسم بوجه الحزن، وأن لا يتألم من تبلل بالهم، وعليه

أدعوك أن لا تتجهم وأنت تمر بقرب شروده،" ص67

 في هذه المجموعة ستشاهد أكثر من سبع صور لسبع سماوات شعرية التقطها لنا الشاعر من سماواته القلقة

 

خلود البدري

 

 

في المثقف اليوم