قراءات نقدية

الكفر الحلو.. قراءة في رواية إيلي شافاك قواعد العشق الأربعون (2)

علي المرهجتنهل شافاك من التصوف والعرفان، وتستمد بخيال عاشق بناء سرديتها من علاقة شمس التبريزي وجلال الدين الرومي.

تحضر في روايتها رؤى المحبة والعشق وتغيب عنها ما تقتضيه بنية السرد في الزمان والمكان وتقلبات الأحداث والصراع الداخلي في تكوين عوالم السرد.

تلعب على اوتار الملل التي يُعانيها الإنسان الغربي من فرط هيمنة التقانة والنزعة المادية التي جففت ينابيع العشق، ولكن عشق زوربا النابع من فيض المحبة ووجدانه التكويني في رواية (كازاتساكي) غائب، إنما تصنعه شافاك بمهارة تقني لا بإنسيابية عارف صوفي.

أسرة إيلا وديفيد:

إيلا الزوجة والأم التي تجاوزت الأربعين من العمر مشغولة في اعمالها المنزلية، وديفيد هو الزوج الذي يعيش يومه بين العمل ووإنجاز مُتطلبات حاجاته الأسرية، ويعيش بعض من لحظات المُتعة الجنسية خارج أطار هيمنة العلاقة الزوجية.

إيلا تعرف هذا كله، ولكنها تكتشف على حين غرّة ضياع عمرها وارتباطها بزواج فاشل، بعد قراءتها لرواية كاتب مبتدأ بعنوان "الكفر الحلو" طلب منها بحكم الصداقة قراءتها، وبعد أن بدأت بقراءتها تنبهت إيلا للضائع من عُمرها، فعرفت بعد دخولها سن الأربعين أن العشق جوهر الحياة وهدفها السامي، وهي لم تعشه مع ديفيد.

ما يُميز شافاك هو قدرتها على الربط بين زمنين كلاهما مُختلف، القرن الثالث عشر، والقرن الحادي والعشرين، زمن الرومي، وزمن إيلا، ففي كلاهما صراع ديني، ولكن في وسط الصراعات الدينية إنبرى الرومي للدفاع عن روحانية عالمية، وربما ما نحتاجه اليوم نحن أبناء القرن الحادي والعشرين هو شبيه لما احتاجه وتعلق به شمس الدين والرومي، عبر دعوتهما لترك جهاد الكفار إلى جهاد النفس.

ومن دون الولوج إلى عوالم الحكمة الصوفية التي تناولناها في مقالنا السابق بعنوان "الكفر الحلو"/ القسم الأول، نحاول هنا تحديد طبيعة الصراع النفسي الذي تعيشه بطلة الرواية إيلا، فهي مرة تضع اللوم على زوجها لانه يعيش علاقات غرامية وجنسية خارجية لذلك خفت وهج شعلة العشق في روحها، وأخرى تضع اللوم على نفسها، لأنها أهملت جسدها وفقدت رغبتها الجنسية.

وفي كلا الحالين فقدت شُعلت المحبة وهجها.

يشتد صراع هذه الشخصية الداخلي حينما تستمر بقراءة رواية "الكفر الحلو" وهي تنظر إلى طفليها التوأمين المتشاكسين معاً ودوماً، ولكن ابنتها (جانيت) كانت تستشعر همها والحزن الذي تعيشه والدتها، وأدركت الأم حيّرة البنت فأجابتها " لقد مضى وقت طويل على زواجنا أنا ووالدك، ويصعب ان نظل عاشقين بعد كل هذه السنوات".

تعود إيلا لتعيش لذيذ حوارت الدراويش وعشقهم التي عاشها التبريزي و جلال الدين الرومي، لتتمعن بمقولة العشق الأولى " إن السعي وراء الحُب يُغيرنا. فما من أحد يسعى وراء الحُب إلَا وينضج أثناء رحلته. فما أن تبدأ رحلة البحث عن الحُب، حتى تبدأ تتغير من الداخل والخارج".

وشغفت بقول التبريزي للرومي "فليس من مهمتنا أن يحكم أحدنا على إيمان الآخر".

نامت إيلا وهي تقرا هذه الحكم من رواية "الكفر الحلو"، وفي صباح يوم ٢٤/مايو/ ٢٠٠٨، استيقظت لتجد أن وجبة الفطور أهم.

إنتهى القسم الأول من الرواية، ولم اجد فيها من صراع داخلي سوى صراع إيلا النفسي والاجتماعي، واللعب على منظومتي الغوص في الماضي والخروج منه في هذه الشخصية البطلة، أو بين ماضي رومانسي مُلتهب بوهج العاطفة والوجدان والعشق الأخّاذ، وحاضر لا حياة فيه ولا عشق.

لكن لا يكفي تداخل الازمنة والبناء الحكمي عالم سردي خلّاق، ولك في كتابات نجيب محفوظ في (القاهرة ٣٠) و(الثلاثية) و(الحرافيش) ملاحم واساطير وصراع واقعي دراماتيكي ديناميكي للشخصيات في تمازجها وخلافتها وعوالمها المُتخيلة، وضغط السياسة.

وستجد في عوالم الدراما التي صنعها أسامة انور عكاشة في (ليالي الحلمية) و(الشهد والدموع) وغيرها ذلك الصراع والتنافس الاجتماعي بين الخير والشر وتداخل صرا الشخصيات اجتماعيا ونغسيا وسياسيا واقتصاديا في عوالم رواية محفوظ ودراما عكاشة.

ذلك ما لم اجده في رواية شافاك إلى الآن.

وأظن أن قيمتها تكمن في توظيفها الاستعاري لشخصيتي التبريزي والرومي...

 

د. علي المرهح

 

في المثقف اليوم