قراءات نقدية

المثقف والثقافة المزدهرة.. سعد محمد رحيم أنموذجاً

تنفست الثقافة العراقية في ظرفها الآني اوكسجينها، بعد أن تكبدت بغازه لسنوات عدّة.

وأسهم دور المثقف العراقي في تغيّر الواقع الثقافي بإزاء السلم التصاعدي .

والمثقف :هو الشخص الذي يفهم ويدرك مشكلات المجتمع، ويسعى ليصبح عمله جزءاً من الرأي العام.

أما الثقافة: فهي الوعاء الجامع للفنون أغلبها، كـ (المعرفة، والأخلاق، والتطور التكنلوجي، والأثار، والموسيقى، والقوانين...الخ)، وتتطور هذه الفنون كلما ازداد الوعي الثقافي والفكري، وتنخفض كلما انخفض الوعي الفكري،نفهم من هذا أن أرتباط الثقافة وازدهارها مرتبط بمدى تطور الوعي الثقافي والفكري والتقني عند الإنسان، والعراق خير منبعاً؛ لأنه مهد الحضارات والثقافات التي استقت منها بلدان العالم.

بعد (2003) يمكننا القول: إن الثقافة العراقية والمثقف شهدا حالة من الأزدهار، عن طريق تنفس الأقلام الإبداعية استقلالية وجودها- الحرية-، إذ شهدنا أنتشار كتابات عدّة، أسست قاعدة مركزية وحضوراً مثمراً، شارك هذا الحضور في معارض –كتاب- عدّة، ليتحول النتاج الثقافي العراقي إلى سفيرٍ دائم بين دور العلم والثقافة، بعد أنّ حُرم من هذا الدور لسنوات طوال، وتحولت النتاجات الثقافية الى نتاجات مباشرة رافضة لقيود الممنوع، لتتسلل بعض هذه الكتابات ضمن نطاق التابو، وكل هذه الحرية تصب بالأتجاه الأيجابي للثقافة العراقية؛ لأن اساس الأزدهار الثقافي هو كسره للرتابة والضغط المسلط بإتجاهه، وهذا لايعني أن كل النتاجات في درجة التميز والابداع، بل هناك نتاجات هابطة، لكنها لاتشكل كثرة بازاء النتاجات المثمرة، وبالمقابل دور الطباعة اغلبها لاتمتلك درجة التميز لغياب الرقابة عنها، ولا أقصد الرقابة الضاغطة هنا، انما الرقابة الأدبية.

إذ لم تستدع الكتابات العراقية الجديدة (الحديثة) الشخصيات الضاغطة لتمجيدها –التي كانت تحاصر الكتاب ونتاجاتهم-، بل ذهبت لتتمرد عليها وعلى التاريخ المتردي؛ لأنه بؤرة الفساد .

لذا نجد الكتابات العراقية سعت إلى نقد كل الممارسات الضاغطة بإزاء المثقف والثقافة، عن طريق المباشرة أولاً، وعن طريق المخادعة بأستعمال اسلوب التورية والمواربة وهو قليل؛ لأنه أسلوب قديم-التورية والمواربة- وظف سابقاً لحماية الذات الكاتبة من الضغط – السياسي الذي مارس نفوذه بأتجاه المبدع وعمله سابقاً-.

واحتضنت النتاجات الأدبية العراقية الواقع بحذافيره، لذا نجدها قد خاضت معركتها الرئيسة ضد مأساتها الخاصة، فعندما يعيش الفرد في مناخ ضاغط وغياب الحرية الفكرية، يبقى سلاحه الوحيد (الكلمة) يوظفه ليطرق باب الحرية، وهذا ماتعيشه الثقافة العراقية الأن-بعد أن عانت لسنوات طوال أبان الحصار الثقافي والسياسي من الضغط -، إذ أسست لذاتها مرتكزات وحضوراً واضحاً تشهد له مناهل العلم والأدب.

ورواية (مقتل بائع الكتب) للروائي الراحل (سعد محمد رحيم) والتي أختيرت ضمن القائمة القصيرة لـ (الجائزة العالمية للرواية العربية)، مثال حي للكثير من النتاجات الأبداعية العراقية المثمرة،حتى وأن لم تنل الجائزة الأولى، لكن ترشيحها للجائزة العالمية بحد ذاته جائزة، فضلاً عن أنها ركزت على نقطة جوهرية عندما أشارت منذ اللحظة الأولى للقارىء إلى الهدف الرئيس لسردها، عندما ادرجت تحت عنوان( مقتل بائع الكتب)، ليعد عتبة نصية أولى تشد القارىء إلى شغف القراءة، وبقرائته هذه يعيد قراءة تاريخ العراق المعاصر، عن طريق شخصية المحقق، فضلاً عن تطرقها لنقطة مركزية عايشها الواقع العراقي وهي( الموت المجاني)، الذي اصبح هوية العراق، وهذا يدل على امتياز السردية العراقية والواقع الثقافي الذي ادرج اولوياته لمناقشة الواقع الأجتماعي اولاً، ثم مناقشة القضايا المرتبطة بالواقع المعاشي، لتصل هذه النتاجات الثقافية لفئات القراء عامة سواء القارىء ( العادي، او المثقف).

وهناك كتابات عدّة، اسست للثقافة العراقية الأزدهار والألق، سواء على المستوى السردي، أو الشعري، أو الكتابي، وثمرة جهود مبدعيها مبنية منذ سنوات عدّة، وأساليبهم الملتوية في الكتابة عن طريق المواربة والمخاتلة سابقاً خير دليلاٌ على وعي الكاتب العراقي الرافض لكل ممنوع .

ولايفوتنا ذكر معرض الكتاب، وهو خير وثيقة وصورة مباشرة وشاهد بصري لأنتعاش الثقافة العراقية.

وأضيف، أنّ كل ماتم ذكره هو جزء بسيط لواقع مزدهر يحسب للثقافة العراقية بإزاء الرقي والأبداع، وهي ثقافة تشهد لها الأجيال؛ لأنها عاصرت الظروف ونقلت الحياة الاجتماعية الضاغطة فكرياً، لتؤسس لذاتها حضوراً تشهد له مناهل العلم والأدب.

 

بقلم :د. وسن مرشد

 

 

في المثقف اليوم