قراءات نقدية

علَاوي كاظم كشيش جرح القصيدة وضمادها

1021 علاوي كشيشالقصيدة في شعر علاوي كاظم كشيش أنثى، تُجيد حُسن الكلام، لتكون أنت رجلاً في قولك الذي يُلامس أنوثتها ليكشف عن نهر (هرقليطس) الذي لا تنزل فيه مرتين، لأنه على الدوام مُتغير..

تلك هي القصيدة (الأنثى) تنثر قليلاً من الفرح لتمازجه ببعض من الألم، فتخرج القصيدة كعارضة أزياء فيها من جمال (عرض الأزياء والجسد) ما تطرب له النفس، وتكتنز من حلاوة الألم ما يهد الجبال..

لو كان الحُبَ أقل شراسة

لروضناه في الأقفاص

لو كان الحُبَ أقل ترافة

لطردناه خارج قصيدتنا

القصيدة (أنثى غجرية) في شعر علاوي كاظم كشيش و(غجرية) معنى غير مُبتذل للأنوثة، لأن فيها من متع الجمال ما تُقبل عليه النفس المحبة، وفيها من اللوعة والألم ما:

يكسر زجاج هدوئنا

الشعر خط سير وحياة عند علاوي كاظم كشيش:

في الورق الذابل شعر كثير

في الشعر الذابل ورق كثير

ما يُميز علاوي كاظم كشيش أنه مصاب بلوثة الشعر، فـ:

كل شيء مصاب بالشعر

في ترجيديا الصراع بين الألم والفرح يكتب قصيدته:

أعلم هذه الروح على اخضرار

أعلَمها بين الأنهار والجحيم

أجمع الطين والنار في جسد ذاهب نحو الربيع

علاوي كاظم كشيش ابن (الحرب):

وحروب الوق تعتصرُ

مشى بلاداً تخلَت عن طفولته

ودار فيها وحيداً

 يُجيد كتابة الشعر عنها والسرد، ولكنه في الآن ذاته يُجيد رسم صورة الجمال وهو يعيش لحظات الصراع ليخلق لنا ربيعاً في (رسم الكلمات) شعراً بعد أن لم نستطع خلق جمال مواز لربيع الحياة:

حاشد هذا القلب بالأغاني

1022 كشيش

أعوَد هذه الروح على الاخضرار

على البهجة والألم

قارئ لشعر الأولين والآخرين، يُجيد الكتابة بكل تنوعات الشعر، عمودياً كان أم تفعيلة، ولربما في النثر له صولات وجولات في لجم فضاضة كتاب قصيدة النثر المُتطفلين من الذين ينطبق عليهم قول قائل (أخوان أبشركم تره صارت القصيدة لا وزن ولا قافية، اكتبوا بكيفكم)!!.

اقرأ نصه هذا وتأمل الجمال:

كيف تُنقذ عاشقاً

كيف تحذف لذعة حُبَ من أغصانه

لا تأخذه إلى النهاوندلكي لا تندمل الموسيقى في قلبه

كيف تُنقذ عاشقة من هيامها؟!

كيف تشطب لدغة الحُبَ عن أغصانها؟!

أي شاعر هذا الذي تميل معه المفردات أينما مال، كيف تمكن من اختراق صمت النساء في تغنيهن بالجمال ليجعل منهن أشجار وحمائم ورعشة سماء...

حذراً أمر على ارتعاش غصوني فالخصب يضربني وتسكبني ظنوني

.......

ريان أقرأ كل نهر فائض عني   وأشيل من غرقي نهارات الجنون

إنه (شاعر الأنوثة الحُرَة) بامتياز، بل شاعر الشغف وبساتين المحبة (الأنسية) وبهاء التوَق المخضر بسُقيا دموع العاشقين.

"الابداع قلق"

لتأتي القصيدة حُرَة

...

فللقصيدة حياء عروس

...

وخُذ القصيدة الأنثى لتجمع بين النقائض كُلَها

يكتب علَاوي كاظم كشيش وجع القصيدة بلغة جمالية ليقهر الوجع بالغناء

ففي قلبك أيها العاشق جمال يهدر خُضرة تُضيء

وعصافير من بلادك تُغني

كُنَ جميلاً فتخشاك الثعالب

كُنَ نهراً ليشربك العابرون

ويهابوك بمحبة

يُحاول علَاوي كاظم كشيش أن ينساب مثل ايقاع حُبَ يكسر وحشة الولهان ويتدفق أحيناً كشلال جبلي هادر ليكسر حجارة صمت الغافل ويوجع الأرض التي حملت كل مآسي النساء الحالمات، بعض مهن أمهات:

أجعل الكلمات أمهات عاشقات

 وأخوات، وأخريات زوجات أو حبيبات ينتظرنَ (عودة الإبن الضال) لا لأنه يعشق الغياب، ولكنه يعشق لذة شعور الغياب في قلب أنثى:

على الرصيف موسيقى

لقد أصبحت أنثى أيها الجمال

وكالتين لاذعاً ولذيذاً

مفردات علَاوي كاظم كشيش خليط عجيب من جمال شاعر يحتفي بعطاي معاني اللغة وأشكلات شاعر مُتفلسف:

أنا نهر مُصاب بالحقيقة

وتلك هي مهمة الفيلسوف قبل الشاعر، ألا وهي البحث عن الحقيقة ليطلب من اللغة فوق ما تستطيع بعبارته..

أعود وأقول أنه (هرقليطي) في الشعر والفلسفة، ليجعل من نفسه وشعره نهراً:

أتدفق وأردَم منذ بدء الخليقة

ولا أتكرر

...ألمح نهاياتي فتلد البداية

أين البداية؟

...

أنا نهر مُصاب بالحقيقة

أواصل عزفي على الماء مُنفرداً

رؤيته للقصيدة مُغايرة فيها من التنظير بقدر ما يها من تكثيف الشعر لاثبات الرؤية، فالقصيدة خرق للغة بالكلام الشعري المُغيَر والمُخرج على غير العادة، لأن ما يكتبه الشاعر المبدع ولادة وديمومة وخلق وصيرورة حياة.

يكتب الشعر لا لأنه يرغب أن يكون شاعراً، بل الشعر هو الذي يكتبه، وأظن أن القصيدة والبيت الشعري يقض مضجعه ويستفزه بليله ونهاره ليدون أشعاره في الذاكرة حيناً، وعلى الورق المتاح حيناً آخر، وعلى كل ما يصلح لتدوين ارهاصاته الشعرية، لأن القصيدة عنده تلد نفسها، ولا يسعى بقصدية لكتابة قصيدة، وما انثيالاته وفيوضاته الشعرية هذه سوى مخاض عسير لقراءات معجونة بموهبة ضاغطة على المخيلة والعقل معاً لتُنتج نصاً بكل هذا الجمال الأخاذ تفرح به القصيدة لأنها تُحسن الظن به لاتقانه تضميد الجرح فيها ليستلذ به القارئ ويحمل الشاعر جرح القصيدة في مكنون قلبه لينزف الجرح على لسانه شعراً

"كُنَا ملوكاً وعروشنا الخراب".

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم