قراءات نقدية

اللاوجود في رواية: متاهة الأرواح المنسية لبرهان شاوي

اللاوجود: هو اللاشيء، والعدم، والفقدان، والذي ينقلنا إلى يتضمن مفهوم الغياب، الفراغ، التيه، الدوران المغلق ...الخ.

يؤسس المتن السردي لروايات برهان شاوي، هيكلاً نقدياً خاصاً بكتاباته، وشخصياته، ومحور نمطها المعيشي، الخاص بها، لنجد ذاتنا أمام مؤسسة سردية متكاملة، عن طريق سلسلة متاهات  مترابطة، ومتداخلة مع بعضها البعض، ليحقق المنجز الروائي لكاتبها، عائلة سردية خاصة به، وبقلمه الذي خط هذه السرديات الناقدة، والرافضة لكل ماهو موجود، لتنطلق من اللاوجود، إلى الوجود المعلن، والصريح.

ولنجد ذاتنا بإزاء نتاجات ناقدة، خارقة للتابوات، والمقدسات جميعها.

فالخوض في النقد المعلن وتشكلاته داخل النتاجات السردية، محاولة نقدية تستدعي النظر إِلى السرد بوصفه خطاباً إيديولوجياً و ليس سردياً، وهذا الأمر مَنْ دواعي تشكل الحس النقدي الذي تشكل لدينا في التعامل مع سرديات برهان شاوي .

إذ نلتمس في رواية(متاهة الأرواح المنسية) فكرة الجنة والعدالة الإلهية، ويغلب عالم السحر على الكثير من أجزاء الرواية، وشخصياتها ليست ببعيدة عن شخصيات متاهته السابقة (متاهة آدم، متاهة الاشباح، متاهة إبليس،  متاهة قابيل، متاهة العميان، متاهة حواء)، ففي سؤال (حواء صحراوي) لـ (آدم سميث)، تقول:

̏- هل أنت ملحد ... ؟

-فوجئ .. لم يفهم قصدها من وراء السؤال، فأجاب وكأنه يقدم تبريراً:

-لا..

-لكنك ترفض المقدس .. ؟ لا تعترف بأي مقدس..

-الإلحاد ليس نفي المقدس ولا هو نفي الشكل وساند للمقدس وإنما هو نفي مطلق لكل شيء .. ̋ .

يحاول (شاوي) عن طريق متنه السردي هنا، أن يقدم جملة استفهامية (هل أنت ملحد؟) في إشارة إلى التشكيك في أمر الإيمان ونفي الدين، وما تعرضه هذه الجملة، نوعاً مَن أنواع نقد الدين، أمام رفض المقدس، وعدم الاعتراف بـ (المقدسات كلها).

ومما جاء في سرد شخصية (ايڤا الذهبي)، القول:

̏ انا متمردة على التقاليد الدينية والاجتماعية. لا أخاف من أي شيء .. حتى من الجن والشياطين، لا أخاف القرآن والدروس الدينية كانت إلزامية عندنا .. أذكر أنني

حفظت جزء (عمّ) كاملاً حين كنت في سنواتي الأولى .. حضرتُ جميع الدروس والمحاضرات الدينية الأسبوعية الإلزامية .. كنت أخاف من الربّ .. أتصوره جباراً .. مرعباً .. مستبداً يحب الانتقام وتعذيب البشر ǃ ǃ  ̋  .

ترفض (ايڤا) الدين وأفكاره جميعها وفي قرارة نفسها تعمد إلى رفض التقاليد الدينية الاجتماعية، وإنها لا تخاف (من أي شيء) وأرادت الكل لا التخصيص، لذلك يبدو انها متأسفة على ضياع سنواتها الأولى في حفظ (جزء عمّ)، وحضورها المحاضرات الدينية الأسبوعية الإلزامية، آنذاك كانت تخاف من الخالق ؛ لأنها تظنه (جباراً، مرعباً، مستبداً، يحب الانتقام وتعذيب البشر)، وهذا يوضح انقلاب الذات لدى (ايڤا) مَنْ مرحلة الخوف إلى مرحلة اللا خوف وإعلان حالة التمرد على تعاليم الدين.

وتمهد (ايڤا) حديثاً عن عائلتها ؛ لأن عائلة (ايڤا) كانت متدينة وغنية جداً، يعود أصلها-عائلتها- إلى الدولة العثمانية،وعلى الرغم من هذا الانتماء العريق، إلا أنها

شخصية متمردة على التعاليم الدينية كلها،  على الرغم من اطلاعها على الكثير من الكتب السماوية، تقول : ̏عائلتي تنظر إليّ كمجنونة.. مريضة نفسياً.. مسكونة بالجن والشياطين.. لأنني ببساطة أنتقد مناسك الحج (...).. فمناسك الحج كلها لها علاقة بالحجارة.. فهي طواف حول حجر.. ورمي الشيطان بحجر .. تقبيل للحجر ..حجر ..حجر ..حجر.. هذا بعض ما أتحدث به مع أفراد العائلة.. وهكذا يتم ضربي وشتمي ..أخي الكبير يقول لي سوف أقيم الحد عليك يوماً.. تركت الدين من عشر سنين ولم أعد.. وجدت سلامي الروحي ̋ .

شكل الفكر الأيديولوجي ذو المعنى الوجودي المعلن للنقد ضد المقدس الديني وفكرة النص القرآني مساحةً واسعةً ضمن سردية النص ؛ لأن إعلان (ايڤا) هذا التمرد يخرج عن قناعة ذاتية،إذ يجعل من الحجر غاية تنطلق عن طريقها لنقد المقدسات، ولا تكتفي بهذا إذ تجعل من مناسك الحج مناسك للأوثان؛ لأن الحج كله عبارة عن حجر لديها.

طواف حول حجر

رمي الشيطان بحجر

تقبيل للحجر

النتيجة = حجر ..حجر.. حجر..، إذ عمدت الى التأكيد.

أضيف، بإن شخصيات الرواية صيغت بتكنيك سردي، وبميتافيزيقيا واعية، تنبع عن وعي، وادراك كامل، وأنها لم تكتب بصيغة تعبوية.

 

بقلم: د. وسن مرشد

 

في المثقف اليوم