قراءات نقدية

الواقع الأجتماعي.. قراءة في رواية (انتهازيون.. ولكن)، لعلاء مشذوب

شكلت الروايات الحديثة قراءة حقيقية لواقع اجتماعي معاش، وهو صورة مرئية معاشة، نعيشها بتفاصيلها، أنتقلت إلى وثيقة سردية مدونة .

وحققت الروايات الحديثة هذه النمطية في الكتابة السردية أغلبها ؛ لأنها سردية واعية لواقع اجتماعي مأساوي.

واسست هذه الكتابات نقداً معلناً للضغوطات المحيطة بواقعنا جميعها، وأخطر هذه الضغوطات تلك التي تلبست برداء الدين والسياسة، وهو ما يعرف بضغط الأسلام السياسي، أو ضغط الأحزاب السياسية الدينية، وهو ماسعت رواية (انتهازيون.. ولكن)، إلى معالجته وقراءته، ونقده، بالطريقة السردية.

وتحت مظلة الحكم الفاسد تجري عمليات الانتهاز والاستغلال، وهذا ما جسدته الرواية، إذ إنَّ امتيازها اينحصر في شخصياتها الموظفة ضمن نطاق عائلة واحدة باستثناء الشخصيات الثانوية (سلوى، توفيق)، أمَّا (ناهض، وفائز،و خالد، وجبار، وحسون، وصباح (اختهم)، والأب، والأم) عائلة انتهازية بحد ذاتها، وهؤلاء يصورون تحولات / انتهازيون، فـ (جبار) الابن الأكبر لهذه العائلة يمثل المثال الأكبر للإنتهازية، حتى في زواجه كان انتهازياً.

وسعى الروائي إلى توظيف تقنية الاسترجاع للماضي وربطها بفكرة الانتهاز في زواج (جبار)، فالقضية الاجتماعية المعروفة في زواج المرأة من الاخ الشقيق بعد وفاة زوجها، هذه القضية جعلها عذراً وسبباً في زواجه - جبار - ليملك المال والبيت، العائدات من زوجة اخيه. 

وتصنف شخصيات هذه الرواية تحت نطاق الشخصيات المسطحة ؛ لأنها من عائلة واحدة، لا تتجدد.

ويوظف عنوان الرواية (انتهازيون .. ولكن)، وتفصيله وشرحه داخل الرواية، عندما يصور ويسرد انتهازية الأحزاب، وانتهازها واضطراب الأوضاع، وعن طريق هذه التوظيفات سعت الرواية الى نقل الحقيقة نفسها بحبكة روائية معاشة.

واهتمت سردية الرواية برصد واقع العراق بعد (2003). ̏ بعد الفوضى الكبيرة التي عمت المحافظة والبلد في العموم ̋.

فانتهازية جبار اوصلته لنيل ̏ النقطة التي راهن عليها جبار هو أنه أصبح يمثل الحزب الديني في محافظته، بعد أنّ استطاع أن يزيح من طريقه الرئيس السابق للحزب ̋، وهذه إشارة واضحة لحرب الأحزاب، ويعيش العراق حرب أحزاب الداخل وأحزاب الخارج، لتتحول حياة الإنسان العراقي إلى حياة مضطربة إذ ̏ صار الواقع بيد السلطة وأجهزتها اللعينة واحداً من الاحتمالات ̋ المعاشة يومياً.

و ̏ على الرغم من أنَّ الأحزاب الدينية كلها تكونت خارج العراق، ففي ايديولوجيتها أن تكون ثائرة ومناهضة ضد الظلم والاحتلال، فكيف هي اليوم تضع يدها بيد الاحتلال وتتسنم مناصب سيادية في المحافظة، وإن كانت بالشكل فقط ̋.

ولكل روائي منابعه الخاصة التي يظهر عن طريقها بنية نصه الروائي، وتكون هذه البنية، إما بالتضمين المباشر - أي تضمين النص بلغته التي ورد بها - أو بالتضمين غير المباشر - أي تضمين النص عن طريق المراوغة والإشارات الطفيفة - .

وفي هذا النص السردي نرصد كلا التوظيفين المباشر وغير المباشر، إذ يوظف الروائي تقنية الاستمرارية بوساطة الفعل المضارع الذي يغلف هيكلية النص كله (تكونت، تكون، تضع، تتسنم)، هذا التوظيف إشارةً مباشرةً لفعل الأحزاب ؛ لأنها في تجديد دائم من دون توقف.

و(على الرغم من الأحزاب كلها ..)، إشارة إلى هيكلية بناء الأحزاب ونفوذها المعلن واضح، وجعلها في سياق الفعل المضارع، فهي ثابتة لا تتحرك، بل في عملية تجديد مستمر، عن طريق امتلاكها (الدين، والسياسة، والقداسة، والحضور الطوعي، والغياب...الخ).

وتعد الإشارات والمباشرات الموظفة داخل النص السردي، من التقانات التي يستعملها الروائيون في كتاباتهم السردية على النحو الآتي:

(فإنّ في ايديولوجيتها أن تكون ثائرة ومناهضة ضد الظلم) ← جمع ثائرة ومناهضة← ضد الظلم، هذه صورة مبطنة مزيفة، عملية إعلامية ودعاية مجانية لنفسه، مناهضة ضد الشعب وثائرة، (فكيف وهي اليوم تضع يدها بيد الاحتلال وتتسنم مناصب سيادية في المحافظة) ← الصورة هنا تعكس الصورة السابقة، فدلالة الصور تجسيد لواقع مزيف..

ونرصد في قوله: (إن كانت بالشكل فقط)← فالظاهر غير الباطن. ← وهو دلالة على الكل من دون الإشارة الى المفرد، أي أن المستبد يضع مصالح الاحتلال بيده فـ (تضع، تتسنم) فعل استمراري.

اضيف،أن الرواية وغيرها من الروايات حققت امتيازها على المحيط السردي، والأجتماعي؛ لأنها دونت ما هو معاش، وممنوع، ومحظور، بلغة كتابية واعية، بعيدة عن التزيف، والتهليل المتبع في بعض السرديات.

 

د. وسن مرشد

 

في المثقف اليوم