قراءات نقدية

إستبرق عزاوي: الرمز في قصيدة الشاعرة اللبنانية المغتربة لبنى شرارة

استبرق العزاوييزخر مهجرنا الامريكي بوجود عدد من الأصوات الشعرية النسائية المتميزة من اللواتي يملتكن مشروعا ً شعريا ً أدبيا ً ناضجا، يحاول الخوض في فضاءات الشعر وانماطه الكلاسيكية والحديثة، من خلال إطلاق العنان للملكة الشعرية ومحاولة تطويع الفكرة لقالب شعري مناسب، ومن الشاعرات اللواتي إستطعن تكريس تجربتهن الشعرية بخطوات ثابتة ومؤثرة هي الشاعرة اللبنانية المغتربة لبنى شرارة التي أصدرت عددا من الدواوين الشعرية التي خاضت خلالها في قصيدة النثر والتفعيلة متنقلة بين آفاق الجملة الشعرية المعبرة مستخدمة الرمز والايحاء لإيصال أفكارها، ومن المعروف أنشعراء قصيدة النثر يفضلون دائما توظيف الرمز حيث يعتقدون أن ذلك يضفي رونقا جماليا على هيكل القصيدة الى جانب محاولة التواري خلف بعض المفردات للتعبير عن حالة معينة ويترتب في بعض الاحيان على تلك الظاهرة نوع من التوصيل الصعب للمتلقي نتيجة ماوراء الغموض من فلسفة فنية وحياتية ولكن في تجربة الشاعرة اللبنانية لبنى شرارة ثمة إختلاف في طريقة توظيف تلك الرموز حيث أنه تعمد الى عدم التوغل في الغموض لتُبقي المتلقي قادرا على فك شفرة جملتها الشعرية بدون غموض عميق ويتجلى ذلك في عدد من قصائدها حيث إعتمادها على الجمل القصيرة المعبرة ذات الموسيقى الهادئة والحالمة أحيانا ً كثيرة .

ليتها تمطر بقوة

وأنا .. وأنت َ

نسير كمزنتين هائمتين

نهطل شوقا ً وحبا ً نروي الأرض َ

فتنبت ُ ياسمينا ً وفلا ً .

وهنا نلمس حضور الرمز المتمثل في مفردة (المطر) ويمثله من حياة وحيوية، ولعل مفردة المطر من أكثر المفردات توظيفا ً في الجملة الشعرية منذ حقبة الشعر الكلاسيكي حتى ولادة الأنماط الشعرية الحديثة، فلاننسى قصيدة المطر للشاعر العراقي المعروف (بدر شاكر السياب) المليئة بالإكتناز الرمزي .

وفي معرض الحديث عن الرمزية يقول الجرجاني في حديثه عن الرمزية الشعرية

(وليس في الأرض بيت ٌ من أبيات المعاني قديم أو محدث إلا ومعناه غامض ومستتر، ولولا ذلك لم تكن إلا كغيرها من الشعر ولم تُفرد فيها الكتب المصنفة وتشغل بإستخراجها الأفكار الفارعة) .

فالرمز إذن عنصر مهم وأساسي يلازم اللغة الشعرية في معظم ما يُكتب من نتاج شعري إلا القليل الذي يعمد الى إستخدام لغة شعرية مباشرة لهدف تعبوي أو غيره من الأسباب .

وفي معرض الحديث التجربة الشعرية لشاعرتنا المغتربة لبنى شرارة يمكن القول أن الشاعرة سلكت طرقا مختلفة لبناء الصورة الرمزية الخاصة بقصيدتها وتحاول إبتكار أساليب عديدة لإستخدام ونجحت بتصوير مشاعرها المعقدة في أحيان كثيرة . وفي قصيدة الوداع الأخير توظف الشاعرة مرة أخرى المطر والقمر  ولكن هذه المرة في أجواء رثاء حيث تقول :

في ذلك اليوم

حين ودّع َ ليلُنا القمر َ

همس َ للشمس بسر ٍ

فتأهبت للغياب

ذلك الصباح سرق منا آخر ضحكاتنا ومضى .

لم نكن ندري ..

بأنه اليوم الأخير

ومن حكايتنا الفصل الاخير .

وهنا تخط شاعرتنا عبر الصورة الرمزية لتصبح ذات كيان منعزل عن الصورة الواقعية وبذلك تكون الصورة الرمزية تباينت عن الصورة الصورة المجازية سواء كانت من قبيل الاستعارة أو التشبيه . ويمكن القول أن الشاعرة لبنى شرارة تتقن عملية إيجاد الثغرات في هيكل قصيدتها كي يمر منها ثمة ضوء يفتح المجال للقارئ في تفسير مقاصد أبياتها الشعرية كي لا تبدو له مجرد تراكيب لغوية مبهمة ومستعصية على الفهم لدى البعض وهنا تتجلى القدرة اللغوية للشاعرة ومدى شاعرية جملتها الشعرية وإحتضانها لجوهر المعنى الاساسي للقصيدة .

 

إستبرق عزاوي – ديترويت

 

 

في المثقف اليوم