قراءات نقدية

المولدي فرّوج: في مزايا العروض العشر

المولدي فروجكثير من النّقّاد لا يحتملون أن يقتحم الشعراء قلعة النّقد أو أن تقترب آراؤهم منها وتدّعي الطّائفتان (طائفة الشعراء وطائفة النقاد) أنّ مكّة أدرى بشعابها.

أعتقد أن تجربتي في الكتابة وهي تبلغ عامها السّادس والأربعين تسمح لي بالكلام في شأن شعريّ أفادني كثيرا وصوّب خطواتي ومنحني سرّا لم أستطع تحديده إلى الآن. صاحب الفضل هذا هو العروض.

ولا أريد هنا أن أضع نفسي مقام الواعظ ولا أن أدعي أبوّة أحد فالشّعراء أصدقائي أحترمهم وأحب قصائدهم. والنّقّاد والباحثون يمتلكون مفاتيح الدخول إلى مساحات النقد وأدوات فرز الشّعر عن اللاشعر. وهم أحرار في اختيار الباب الذي يلجون منه والعكاز الذي يتكئون عليه والفانوس الذي ينير طريقهم.

وللشّعر نفسه جمالية تحميه وتقدّ شكله وتثبّت وجوده.

وللعروض فضائله الكثيرة علي.

1- علمني العروض أن الشّعر العربي لم يعرج في مشيته، فاستقام ومشى مترجّلا ومتكئا على الإنشاد لا على السّرد فجمع بين الإيقاع والإبداع وأيقظ الكلمات النائمة من جمادها فحرّكها في اتجاه ذاكرة المتلقي.

2- أكّد لي العروض أن الموسيقى هي لغة الإنسان المشتركة وأنّ تطابقَ المسموع والمفهوم هو العصب السّحري الذي يَقدّ من الكلام شعرا ويخرج بالقصيدة من الصمت إلى الصّوت فيجتاز عتبة الأذن ليبثّ سحره في النّفس، رغم اختلاف الموازين الشّعرية من قصيدة الى أخرى.

3- أثبت لي العروض أن العرب يقرؤون الشّعر بآذانهم لا بعيونهم، حتى ذلك الذي يكتبونه على الورق.

4- بيّن لي العروض أنّ البراعة والإتقان يكمنان في تركيب الكلمة على القافية بشكل يثير الدّهشة والإعجاب. وأن المفردة إذا وُضعتْ مكانها طوعًا لا جرّا ولا كرّا إنما تزيد الجملة جمالية وتنمي الزاد اللغوي للشاعر. 

5- علّمني العروض أن أصارع سلطته فأفرض عليه اختياري للبحر وللقافية وأتحدى سياجه فأجعل من السّجان خادما مطيعا وأوتارا أعزف عليها اللّحن الذي أختار.

6- علّمني العروض كيف أبني جسر التواصل مع الآخرين على أعمدة الإعجاب والإبهار.

7- قال لي العروض إن الشعر العربي شامخ وسيبقى الوحيد في العالم الذي خلق بحور وزنه معتمدا على العلم والفنّ أي الرياضيات والموسيقى في نفس الوقت.

8- علمني العروض أن أشتغل على قصائدي سمعيا (بالترجيع) وكتابة (بالتوقيع) وكثرة الاشتغال هذه مكنتني من حفظ قصائدي.

9- أكّد لي العروض أنّ حفظ القصائد يجعل الشاعر يتلافى الأخطاء اللغوية عند إنشاد قصائده.

10- أضاف اليّ العروض أن تصويب الخطا العروضي عادة ما يقود إلى استجلاب لفظ يضيف إلى البيت الشعري معنى أشمل ومغنى أجمل ورؤية أكمل.

يمكنني إذن أن أقدّر العروض حق قدره وأن أعترف بفضله الكبير على شعري. ولا أنكر مزاياه.

فما هي مزايا العروض؟

لا أتمنّى أن أضع نفسي مقام الواعظ، فالنّقّاد والباحثون يمتلكون مفاتيح الدّخول إلى مساحات النّقد وأدوات فرز الشّعر عن اللاشعر، وهم أولى بالقيام بمهمّة الوعظ، وللشّعر جماليّة تحميه وتقدّ شكله وتثبّت وجوده.

وأعتقد أن للعروض فضائله الكثيرة على الشّعر لأنّ:

ــ الشّعر العربي يقوم على الإنشاد لا على السّرد فيجمع بين الإيقاع والإبداع.

ــ الموسيقى لغة الإنسان المشتركة وهي عصب سحريّ يزين الكلام ويخرجه شعرا من الصّمت إلى الصّوت.

ــ العرب يقرؤون الشّعر بآذانهم لا بعيونهم.

ــ إذا وُضعتْ المفردة مكانها طوعًا لا اضطرارا تزداد الجملة جمالية وتنمّي الزّاد اللّغوي للشّاعر. 

ــ الشّاعر يفرض اختياره للبحر وللقافية فيجعل من السّجان خادما مطيعا وأوتارا يعزف عليها ألحانه.

ــ الشّعر العربي خلق بحور وزنه معتمدا على الرّياضيات والموسيقى في نفس الوقت.

يجبر العروض الشاعر على الاشتغال على نصّه سمعيا وكتابة، وكثرة الاشتغال هذه تحصّنه من الأخطاء عند الالقاء. وقد تفاجئه بلفظ يضيف إلى السّطر الشّعري معنًى أشمل ومغنى أجمل ورؤية أكمل.

 

المولدي فرّوج

 

في المثقف اليوم