قراءات نقدية

رابح بلحمدي: نقد سيميائي وتفكيكي وثقافي لرواية أمين الزاوي

حر بن يقظان تحت المجهر

رواية حر بن يقظان لصاحبها الدكتور أمين الزاوي هي أم روايات المؤلف التي سبقت والتي ألفها بعد ذلك لأنها تعكس شخصية المؤلف المخزونة في علبته السوداء، حاولت أن انجز قراءة بنائية على منوال صاحب المنهجية البنائية العالم السويسري فرديناند دو سوسير 1857/1913 محاولا إيجاد مدلولا لعلامات جاء بها نص الرواية غير مبال بالمؤلف

لكن التلاحم الشديد بين المؤلف ونصه نفسيا وتاريخيا وإجتماعيا جعلني أفرض على نفسي نقد النص من خلال مؤلفه ونقد المؤلف من خلال نصه لأن النص مرآت تظهر فيها الصورة الداخلية والخارجية وهي في غاية التعقيد تدفعك مرة أخرى بأن تتخلى عن الأدوات السابقة لتفكك الخطاب تماما بعد تعريضه إلى تشظية تماما كما تفعل الشرطة العلمية في تفكيك النسيج العضوي للوصول الى معرفة الرسالة المحمولة على جنات الضحية كالجنس والنسب وغيرها من المعلومات تماما كما صاغ الفكرة التفكيكية جاك دريدا 1930/2004 ثم إحالة هذا المنتوج مرة أخرى على تحقيق آخر نقدا ثقافيا على أساس أنه منتوج ثقافي ذا بعد فكري يريد إقناع القاريء على حمل هذه الأراء، هنا أصبح الأمر مهما جدا لمعرفة الجزء الواعي للكاتب من خلال كتابته والجزء اللاوعي للكاتب من خلال الأنساق التي يخفيها النص المسرود عفويا من خلال عقله الباطني الذي صنعته الجراح والضروف، أو الحيلة في تمرير خطاب ما بعد الكولونيالية أي نفس الخطاب الغربي الإستشراقي المسموم الذي وضحه المنظر الفلسطيني إدوار سعيد 1935/2003 في كتابه الإستشراق.

قبل ان أدلج في دهاليز حر بن يقظان ينبغي أن نتعرف على بيئة وشخصية الروائي أمين الزاوي.

أمين الزاوي:

روائي وكاتب جزائري ولد في 25 نوفمبر 1956 ب بباب العسلة المنطقة الحدودية التي تقع على الشريط الحدودي الجزائري المغربي، تحيط بها الجبال من كل جانب، وقد كانت أثناء الثورة التحريرية قلعة منيعة للمجاهدين الذين خاضوا في جبالها المعارك الطاحنة، ثم لتصبح منطقة للتهريب بين المغرب والجزائر لكل السلع وحتى المخدرات...

سكن المنطقة خليط من البربر، شلوح وعرب، ولد أديبنا من أسرة متوسطة الحال من أب كان إماما خطيبا وأم بربرية

أخ لسبعة بناة، عرف عن الروائي كما ذكر ذلك في أكثر من مناسبة بأن ليس للمثقف خطوط حمراء، يقول الخطوط الحمراء هي الجهل، متحرر لا يخفي شيء في كلامه وحواراته حتى أتهم بالتطرف.

سيمائية العنوان:

حر بن يقظان هذه العلامة المركبة يمكن إدراك دلالاتها بمعرفة ذلك التشابه الفلسفي بين حي بن يقظان لإبن طفيل الذي كان حيا بحريته في البحث عن الله عز وجل خالق الوجود، تعتبر هذه الرواية أقدم رواية عربية ألفت من طرف إبن سينا 980م/1037م ثم اشتهرت عن طريق الفيلسوف ابن طفيل الاندلسي 1110م/1185م، ترتبط الشهرة السريعة التي حققتها قصة حي بن يقظان وتأثيرها المستمر بما تقوله القصة عن الإنسانية، وكيف تنشأ أفكارنا وكيف نصل إلى مفاهيم مثل السببية والدين والأخلاق والله، وهي تقدم نظرة جديدة عن العلاقة بين الحس السليم والملاحظة والتجربة والتفكير المجرد.

وفي هذا الصدد نجد أطروحة جون جاك روسو 1712م/1778م التربوية إميل حيث شبه روسو الطفل في هذه المرحلة 12-15من عمره بالمتوحش النبيل في العقد الاجتماعي، تزداد قوة الطفل بسرعة أكبر بكثير من احتياجاته، أما النشاط لدى الطفل في هذه المرحلة فيأخذ شكلاً عقلياً، لذلك هناك قدرة على الاهتمام المستمر، وفي هذه الحالة يجب على المربي أن يستجيب وفقاً لذلك.

كما نجد نفس الفلسفة في التحرر والبحث عن الذات والحقيقة في أقدم رواية إنجلزية 1719م روبنسن كروز وهي قصة كتبها دانيال ديفو وهي سيرة خيالية لشاب انعزل في جزيرة لضروف خاصة ثم بعد سنوات يقابل أحد المتوحشين ويعلمه بالتدرج بعض ما وصلت إليه الحضارة وفي النهاية يعود روبنسون كروزو ومعه خادمه الذي علمه إلى أوربا.

نفس الفكرة البحث عن الحل الفلسفي للحياة الصحيحة في ظل الصراع والتعصب لمختلف مذاهب الكنيسة وإستباحة دم ومال وعرض الآخرين في أشهر رواية ألفها المفكر والفيلسوف التنويري جان جاك روسو 1712م/1778م والمسمات الكنديد أو المتفائل والتي كانت من مسببات الثورة الفرنسية مع رسائله الأخرى وفي هذه الرواية بالذات يصرح أمين الزاوي أنه تأثر بروسو وروايته الكنديد.

القضايا الكبرى التي خاضها المؤلف في روايته ونقدها:

بدأ المؤلف سرده للرواية على لسان حر بن يقظان قائلا: أنا حربن يقظان، أنا الروخو إبن أمه، يحملني جرح على جنحيه منذ الصغر فلماذا أنا حر بن يقظان؟ ولماذا أنا إبن أمه؟ وماهو هذا الجرح الذي يحمله؟

هو حر بن يقظان لأنه وجد نفسه في بيئة فقيرة لم تحقق له ما يطمح إليه بسبب الضروف الاجتماعية التي تعرفها منطقته المعزولة، تقيده أفكار الأب العربي المتدين حيث تتحكم فيه أعراف بعضها صحيح وبعضها الآخر جهل متكلس بسبب ضروف الإستعمار والتخلف والصغير لا يستطع التمييز بين الغث والسمين فيجعل كل شيء في سلة واحدة ثم يزيحه ليصل بمغامرة التحرر الى مبتغاه من خير أوشر

من حكمة وتعقل أو شهوات ونزوات وخاصة إذا كان قد تعرض هذا الأخير الى ظلم واغتصاب وغيرها كما صرح المؤلف بذلك في روايته منه:

* قوله أتردد على المدرسة القرآنية التي لم أكن ارتاح فيها إلى دروس ذلك الفقيه الذي تخيفني نظرات عينيه العميقتين كبئر جاف، كنت أخاف من لحيته ومن تلك العصا التي لا تفارق قبضة يده اليسرى، ذراعه اليمنى كانت مبتورة، بوترت بسبب انفجار لغم فيها حين كان يبحث عن بقايا النحاس بين اسلاك شائكة من أيام الاستعمار ليبيعها في سوق الخردة، أكثر من ذلك كنت أخشى لمساته المتكررة لفخذي وأليتي، كان يحملني ويضعني في حجره، يجلسني بعنف على شيء منتصب كالعمود بين ساقيه ويطلب من إستظهار سورة الفاتحة.

*** يوم إنقطعت عن المدرسة القرآنية شعرت بالسعادة، ومن يومها قررت أن أتعلم الفرنسية، كي أشفى من جرح، تعلم لغة غريبة أخرى هو نسيان لغة ارتبطت في ذهني بحجر الفقيه، وبملامسته، وبأنفاسه المتقطعة وهو يعصر جسدي الصغير وأنا ساكت لا أجد سوى كلام الله أشد فيه، لم أصرح بذلك لأبي.

وهكذا يستعمل الكاتب لغة مابعد الكوليانية في تشويه الدين الإسلامي بتشويه معلميه ولغة معلميه وتحويلهم الى مجانين لا يصلحون لشيء

غير الحيوانية كما جاء ذلك في كتاب تاريخ الجنون ل ميشيل فوكو والذي يبرر الإستعمار كما جاء ذلك في كتاب الإستشراق للمنظر الفلسطيني إدوار سعيد فهوى لا يرى الإستشراق إلا خطاب إقصاء وإعادة تمثيل المشرق العربي ومغربه طبعا من أجل الهيمنة عليه وأخذ ثرواته لخدمة شبكة معقدة من المصالح الاستعمارية عن طريق المجتمع السياسي في السيطرةعلى العلم والأدب والأنثروبولوجيا واللغة، المجتمع المدني، وهو استعمال نظرية جرامتشي على الهيمنة.

* يصف أحد أقاربه الذي كفله في الجزائر العاصمة ليكمل دراسته بعد أن جيء به من منطقته المنعزلة لكونه متدينا وينتمي للإخوان المسلمين، لم يشفع الاطعام واللباس والاواء إلا أن يقول عنه بتهكم:

*** هكذا جاء بي سيدي مولاي الى العاصمة لمواصلة دراستي الثانوية، كان يخيفني خاصة في الليل أو عند القيلولة.

*أما شيخه محمود مرسي القنادسي يعتبر الفرنسية لغة الكفار والطريق الذي يوصل الى جهنم.

* أما زوجة سيدي مولاي فهي أصغر منه بنصف عمره وكأن مشكلة المتدينين الإسلاميين الزواج من الصغيرات أي يجرون خلف شهواتهم ولديهم شبقية زيادة عن خلق الله في هذا الكون مع أن الغرب يكاد يعبد الجنس بما لديهم من إباحية لا حد لها، ولها قنواة ومواقع تقدم الخدمة بلا انقطاع نهيك عن اللواط والسفاح بل حتى الجنس مع الحيوان، كل هذا يتم فيغض الطرف عنه ليبقى العربي والمسلم وحده الموسوم بهذه الحالة المرضية.

* الكلام في هذا لا ينتهي عند المؤلف في جميع رواياته يصف في موقف آخر لالا مولاتي زوجة قريبه الذي أواه أنها مرة تبادل النظر المريب مع الداعية ومرة تلاحق حر بن يقظان في السرير وهو نصف عار قال فتحتضنني بعنف وهي تتابع إقاع القراءة، وتارة يريد تخليصها من عيون الازهري الشرسة، وهو يبيت مع بنتيها في فراش واحد عاريتين ليمارس الجنس، وكأن كل من إعتنق الإسلام صار في عقدة من الكبت والجنس لا حد لها.

العلامة الثانية التي أعطت مدلولات وأنساق كثيرة تختفي بشكل خفي مستعملا الحيلة والدهاء السردي لتخرج من كهوف هذا الروائي المظلمة لا لتنوير بل خدمة أجندة ما بعد الكولونيالية في الجزائر بضرب اللغة العربية والإشادة بالفرنسية لتكون المهيمنة نهيك عن ضرب الوحدة الوطنية بخدمة القضية الفرنكوبربرية قوله إبن أمه أي بمفهوم المخالفة يتنصل من الإنتماء الى أبيه العربي يؤيد هذا الكلام علامات أخرى في بنية النص الروائي منها:

* قال: افكر جهة الأم والأخوال اكثر ما افكر جهة شجرة الأب والأعمام... امي أسافو وهو اسم أمازيغي يعني الشعلة... مربي الخيل يعقوب عسل الزمن اليهودي علمها الكتابة والقراءة بالفرنسية وتعلمت منه الحساب ولعبة الورق الاسبانية الكارطا هذا الرجل دوخ أمي كانت تحبه يساعدها على ركوب الفرس، الوحيد الذي كان يحتضنها ويشد خصرها.. حرب على حدود مصر تؤدي الى اختفاء اليهودي يعقوب عسل الزمن لتدخل امه حالة الحزن بينما المرأة العربية النايلية عشيقة ابيه والتي كانت سببا في انجابه المثيرة للشبق غواية الجسد.

* ثم يثير قضية أن المغرب العربي الذي هو امتداد لهجرات يمنية وفنقية قديمة زد عليها الفتح الإسلامي والهجرات الكبرى لبني هلال زد المقاومة للاستعمار ثم ثورة التحديد التي زادت من لحمة الوطن كما هو في بيان أول نوفمبر حيث يقول هذا الأخير أن المغرب بجميع اقطاره أمازيغ لما يقول:كما يقول العلامة عبد الرحمن بن خلدون: تنتهي حدود بلاد تمزغة حيث لا يرتدي الرجال البرنوس، ولا يتناول الناس الكسكسي كأكلة تعود تكون يومية وهذا تعليق بمحال وهذا لم يقله المؤرخ ابن خلدون اطلاقا، لكن كما قلنا هو الادب ما بعد الكولونيالية وأقلام مسمومة تخدم الغرب المستعمر، الكذب عن المؤرخ وتضليل القاريء لتشويه هوية المغرب العربي...........

*** يتحدث عن النضال الفلسطيني بشيء من الإزدراء بنقده أحد الطلبة الفلسطينيين في الجامعة يشاركه الغرفة ياسر البرغوثي من قطاع غزة الذي يشرب الوسكي الباهظ الثمن بينما هو يشرب البيرة، يقول عنه غادر الجزائر الى الولايات المتحدة الامريكية وانه سجل بجامعة لوس انجلس ويشتغل مع ابن عمه في مطعم لبناني كأنه يقول هل هؤلاء الفلسطنيين يستحقون المساعدة من طرف الجزائر.

* يحكي عن السلطة الجزائرية بوصفه للهواري ابن من كفله في العاصمة والذي إنخرط في الحركة الطلابية، اختار اقوى الحركات وأكثرها قربا من مركز القرار، كان دائما يتحسس الريح حيث مالت يميل خلف التصفيق والقفز على المنصات والتمسح بالشخصيات التي تزور المدرسة الوطنية للإدارة.والتي يتخرج منها الولاة والوزراء ورؤساء الحكومات والسفراء والمدراء العامون للشركات والمؤسسات الحساسة إنها المدرسة التي فرخت وتفرخ رجالات الدولة منذ تأسيسها 1964 دلالة كلمة فرخت وتفرخ تدل على الكثير من الأنساق نلخصها في لاحقا.

يحكي أيضا قصة حصوله على الاعفاء من الخدمة الوطنية، بعد ان سجل في مستشفى المجانين، وهذا يدل على ما وصلت اليه الدولة الجزائرية من الإنحطاط برغم وجود هياكل واطارات وانجازات بعد تشكل الدولة الجزائرية الحديثة، والتي مورست ضدها مخططات الاستعمار مثل الإرهاب والعشرية السوداء ثم بعدها نشاط المنظمة الإرهابية الماك.

خلاصة القراءة يقول جانبول سارتر الفيلسوف الوجودي إن القاريء للرواية لا يهتم بالمؤلف نفسه بل يريد أن يصنع ماهيته من خلال هذا الخطاب فماهي الماهية التي تتشكل من رواية حر بن يقظان وكل روايات المؤلف التي تحمل نفس الانساق التي تمس بثوابت الأمة الجزائرية في دينها ولغتها ووحدتها وأخلاقها وفكرها،وتقبل الغزو الثقافي ومن ورائه قابلية الاستعمار مرة أخرى كما قال مفكر العصر مالك بن نبي عليه رحمة الله.

وفي خاتمة هذه الدراسة النقدية والثقافية أأكد أن كل روايات المؤلف جميلة السرد بديعة الخيال الا انها تخدم أدب ما بعد الكوليانية وتخدم فكرة الاستشراق.

نفس الانساق في رواية شارع ابليس. عطر الخطيئة. الساق فوق الساق.معاهدة افيان.ففي رواية الباش كاتب يظهر رد فعل سلبي اتجاه بناء الجامع الأعظم فيقول:هذا الجامع الأعظم افسد جزءا من منظر المدينة لقد بني بشكل نافر وبعقلية بدوية شاذة.أقاموه على بضعة امتار من شاطيء الصابلات، الذي يعد من أجمل شواطيء المتوسط وهو المكان الذي كان يجيئه راجلا ألبير كامو للخلوة والسباحة والقراءة وتأمل جمال المدينة بحرا وسماء وهندسة.حيث كان يقيم في حي بلكور الشعبي علما أن ألبار كامو هو أديب عبثي لا يرى للوجود غاية أو هدف كما يظهر ذلك في روايته الطاعون، الغريب فهو يبكي عن المكان الذي كان يتفسح فيه كأنه نبيه المرسل.

هذا هو أمين الزاوي الروائي يعيد نفس الأغنية المسمومة معادات العربية، الدين والدعوة إلى تمزيغ الكبرى بكل الوسائل الإبداعية والإعلامية إلى أن يثبت غير ذلك في روايات أخرى نتمنى أن يرفق بوطنه وأمته وخاصة بعد إنكشاف الغرب عن حقيقته في الأحداث الأخيرة والتي أخرجت الشعوب الأوربية الى الشارع في مظاهرات وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه.

***

الأستاذ الشاعر رابح بلحمدي - البليدة الجزائر 

في المثقف اليوم