دراسات وبحوث

الشهرستاني وفكرة الحقائق الفلسفية / ميثم الجنابي

بل واخذ يتعداه أحيانا إلى بيان مضمون الحقائق الفلسفية. ولعل محاولاته العديدة لشرح بعض الآراء الغامضة للفلاسفة ومقارنة بعضها بالبعض الآخر دليلا على ذلك. فعندما يتطرق، على سبيل المثال، لمفهوم الحركة والسكون (عن الله) فإنه يشير إلى أن الفلاسفة لم تقصد بالحركة والسكون هنا النقلة المكانية أو الثبوت المكاني، ولا المقصود بها أيضا التغيير والاستحالة، ولا حتى ثبات الجوهر والدوام على حالة واحدة، إذ أن الأزلية والقِدم تنافي هذه المعاني. إذ ليست الحركة والسكون في العقل والنفس بالنسبة للفلاسفة سوى الفعل والانفعال. وبما أنه في العقل موجود وجودا كاملا بالفعل، لهذا قال الفلاسفة انه ساكن ومستغن عن حركة يصير بها فاعلا. وإن حركة النفس ليست إلا المفهوم المعبر عن سعي النفس بسبب نقصها لبلوغ الكمال. لهذا قالوا إنها متحركة طالبة درجة العقل. وأدى ذلك بهم للكلام عن سكون في حركة وعن حركة في سكون. فالعقل ساكن بنوع حركة، لأنه في ذاته كامل بالفعل ويخرج النفس من القوة إلى الفعل. بينما العقل هو حركة في سكون، والكمال هو نوع سكون في حركة، أي هو كامل ومكمل غيره. وعلى هذا الأساس فقط أضاف الفلاسفة مفهوم الحركة والسكون إلى الله، كما يقول الشهرستاني. ومن هذا المنطق انتقد بعض آراء المتكلمين السطحية الذين أساءوا فهم حقيقة أفكار الفلاسفة. وكتب بهذا الصدد يقول، بأن بعض أرباب الملل (الأديان) صار إلى القول بأن الله مستقر في مكان ومستو على مكان (إشارة للسكون) وإلى أنه يذهب ويجيء وينزل ويصعد (إشارة للحركة).

وطبق الشهرستاني هذه النظرة النقدية على مختلف مواقفه من آراء الفلاسفة. وأنجز هذه المهمة على مستويين. الأول وهو مستوى المقارنة والثاني وهو مستوى الجدل المباشر. فعندما تطرق إلى قضايا الحركة والسكون عند انبادوقليس (ت حوالي 430 ق.م) وفكرته عن أن الله متحرك بنوع سكون، نراه يشير إلى متابعة فيثاغورس (ت - 440 ق.م) والحكماء حتى أفلاطون (ت - 347 ق.م) له في هذه الفكرة. ويفرز أيضا التيار الذي عارضه عند كل من زينون الأكبر (ت - 263 ق.م) وديمقريط (ت حوالي 360 ق.م) اللذين صارا إلى أن الله متحرك. وفي استعراضه وتحليله لآراء فيثاغورس حول العدد يشير إلى أن القابل للواحد هو العنصر الأول كما قال به انكسمانس (ت ـ النصف الثاني من القرن السادس ق.م). وإن خرينوس وزينون الأكبر كانا من اتباع فيثاغورس إلا أنهما اختلفا عنه في بعض الآراء المتعلقة بقضايا إبداع النفس والعقل وما يترتب على ذلك من حلول متباينة لسلسلة الموجودات. ولاحظ أيضا اختلاف هيراقليطس عن فيثاغورس في الموقف من مبدأ الوجود (النار) مع انه كان يتبعه في قضايا أخرى. وإذا كان ابيقورس (ت 270 ق.م) يعتبر مبدأ الموجودات أجساما تدرك عقلا وتتحرك من خلاء في خلاء ولها ثلاثة أشياء (الشكل والعظم والثقل)، فإن ديمقريط يرى لها شيئين (الشكل والعظم).

وعندما يتطرق إلى آراء أفلاطون عن المُثل والمعقولات الكلية، نراه يشير إلى أن جماعة من المشائيين وأرسطو منهم، لا يخالفونه في إثبات هذا المعنى، إلا أنهم يقولون هو معنى في العقل موجود في الذهن، وإن الكلي من حيث هو كلي لا وجود له خارج الذهن. أي رفض إثبات الكليات كهويات مستقلة قائمة بذاتها خارج العقل والمعرفة. وإن أرسطو خالف أفلاطون في الموقف من النفس بقوله أن النفس حدثت مع حدوث البدن. إلا أن الشهرستاني يضيف إلى ذلك ما شاهده من كلام لأرسطو، ربما يميل فيه إلى مذهب أفلاطون في كون النفس موجودة قبل وجود الأبدان. إلا أن نقل المتأخرين "هو ما سبق وأن قدم ذكره"، كما يقول الشهرستاني، أي اختلاف وتعارض آراء أرسطو وأفلاطون بصدد قضايا النفس.

وتجاوز الشهرستاني في محاولته النقدية حدود ما رسمه في مقدمته النظرية من تمسك بالحياد ورفض الجدل إلى ممارسته الجزئية له مع الآراء الفلسفية للفلاسفة أنفسهم. حقيقة أن هذا الجدل لم يتخذ صيغة النزاع الفكري، بقدر ما أنه صب في ما يمكن دعوته بالتدقيق النقدي النابع من اجتهاده الفردي لرفع علم الملل والنحل إلى مصاف التفلسف النظري. لهذا نعثر في مقالاته واستعراضه لآراء الفلاسفة على تقييم وأحكام متنوعة مثل "الشبهات" والمغالطات" والتحكمات" وغيرها. ومع ذلك لا يلزم القول بأن الشهرستاني قد خاض في كتابه (الملل والنحل) جدلا بالمعنى الدقيق للكلمة. لقد سعى، إن أمكن القول، "للتدخل" في بعض آراء الفلاسفة من أجل بيان حقيقتها كما استوعبها هو. فعندما استعرض آراء "طائفة من الفيثاغوريين" الذين قالوا بأن المبادئ هي الحروف المجردة عن المادة، وأوقعوا الألف في مقابل الواحد، والباء في مقابل الاثنين، نراه يعلق على ذلك قائلا: "لست أدري على أي لسان ولغة قدروها؟ فإن الألسن تختلف باختلاف الأمصار والمدن. أو على أي وجه من التركيب؟ فإن التركيبات أيضا مختلفة. فالبسائط من الحروف مختلف فيها، والمركبات كذلك. ولا كذلك العدد، فإنه لا يختلف أصلا". ولا يمكن إغفال ما في هذه الصياغة من محاولة لجعل العلم الفلسفي فلسفة تسبح في فضاء الوجود الطبيعي والماوراطبيعي وقضايا المعرفة. وبالتالي العمل من اجل نزع ثقل إفراط التأويل المفتعل عنها، الذي لا علاقة عضوية له بمنطق الفلسفة وقضاياها ومعضلاتها الجوهرية. لهذا نراه يرفض آراء هذه الطائفة التي تشبه "الحروفية الإسلامية" وأصحاب الغلو في التأويل وينتقد أيضا فكرة "التأليف" وجوهرية العدد الفلسفي في الفيثاغورية نفسها. إذ وجد في آراء فيثاغورس عن الأعداد والتأليفات العددية وأهميتها بالنسبة للعبادات الدينية انطلاقا من أن مقادير الصلوات وسائر العبادات هي لإيقاع هذه المناسبات في مقابلة تلك التأليفات الروحانية، شيئا مبالغا فيه. أي أنه ينتقد غلوّ التأويل والنزعة العندية (الذاتية) في الآراء القائلة بأنه "ليس في العالم سوى التأليفات". حيث وجد في تقريرها هذا والاعتراف بها أمرا عسيرا، رغم أنه اقر بإمكانية ما أسماه "بتقدير التأليف على المؤلف"، انطلاقا من أن التقدير على القدر  أمر يهتدي إليه ويعول عليه. ذلك يعني انه ترك المجال هنا أمام "الأدلجة" النسبية، لكنه أبعدها عن معايير المنطق الفلسفي وانساقه.

لقد بحث الشهرستاني عما يمكن دعوته بالنموذج الموضوعي لتقييم المدارس الفلسفية. ولم يصب على الدوام كبد الحقيقة، لكنه أفلح في صياغة أسلوب التعامل المستقل في تقييم الفلاسفة. ووجد ذلك انعكاسه أحيانا في الصيغ الجدلية تجاه مواقف الفلاسفة من بعضهم البعض. من هنا يمكن فهم انتقاده لأرسطو وعدم اتفاقه معه في تفضيله بعض الفلاسفة على أفلاطون. وكتب بهذا الصدد يقول بأن أرسطو لم ينصف عندما كان يؤثر قول ديمقريط على قول أستاذه أفلاطون الإلهي. ولم يقصد الشهرستاني بدفاعه هذا عن أفلاطون معارضة ضد ديمقريط، بقدر ما أنه وجد في هذا النوع من التقييم تجنيا على الحقيقة.

لقد عكس جدله المباشر وغير المباشر مع الفلاسفة أسلوبه الفلسفي في التعامل مع إبداع وقيم الفلسفة نفسها. وجعله ذلك أحيانا يسعى "لتطوير" ما بدا في رأيه كامنا في آراء الفلاسفة، وانتقاد "إهمالهم" لما كان ينبغي الاهتمام به والالتفات إليه. ففي الوقت الذي أشار إلى ما اسماه بانعدام الإنصاف في تقييم أرسطو لديمقريط مقارنة بأفلاطون نراه لا يبخل في رفع شان ديمقريط والتفلسف حول بعض أفكاره، التي لم تحض باهتمام جدي رغم عمقها الكبير، كما يؤكد الشهرستاني. وعندما يورد إحدى الحكم المنسوبة إلى ديمقريط عن أن "العقل ليس من جهة الحس، ولا النفس من جهة البدن"، فإنه يسعى لبيان مغزاها العميق. وكتب تعليقا بهذا الصدد يقول فيه :"قيل بأن الاختيار في الإنسان مركب من انفعالين: انفعال نقيصة وانفعال تكامل. والإنسان أميل إلى الأول بحكم الطبيعة والمزاج. والآخر ضعيف إلا إذا وصل إليه مدد من جهة العقل، فينشئ الرأي الثاقب ويحدث الحزم الصائب، فيحب الحق ويكره الباطل، فمتى وقف هذا المدد من القوة الاختيارية، كانت الغلبة للانفعال الآخر. ولو تركب الاختيار من هذين الانفعالين أو انقسامه إلى هذين الوجهين، لتأتي على الإنسان جميع ما يقصد بالاختيار بلا مهلة ولا ترجيح، ولا هينة ولا تريح، ولا استشارة ولا استخارة. وهذا الرأي الذي رآه هذا الحكيم لم أجد أحدا آبها له ولا عثر عليه أو حكم به أو أومأ إليه". ذلك يعني بأن الشهرستاني تتبع حقائق الفلسفة بحثا عما يمكن دعوته بالخط الفلسفي المستقيم، الذي لا يمثل الجدل فيه سوى أسلوب تعميق الفلسفة ذاتها. ونعثر على ذلك بوضوح في تقييمه لما أسماه "بشبهات" برقليس (ت 485 م)، التي أوردها في مجرى استعراضه لآرائه. واكتفى الشهرستاني بالإشارة إلى أنها مجرد آراء يمكن نقضها، انطلاقا من أن في كل واحدة منها "نوع مغالطة وأكثرها تحكمات". وترك مناقشتها في (الملل والنحل) لأنه أفرد لها كتابا خاصا أورد فيه إلى جاب هذه الشبهات "بعضا من شبهات أرسطوطاليس وتقريرات ابن سينا ونقضها على قواعد منطقية". وهو دليل إضافي عن عزمه في تحرير كتابه من الجدل المباشر والمذهبية الضيقة. وبهذا يكون قد تعامل مع التراث الفلسفي تعامل المؤرخ المحترف للفلسفة.

نفذ الشهرستاني وظيفة المؤرخ الموضوعي للفلسفة والناقد المتفلسف. فعندما يورد الحكمة المنسوبة إلى زينون الأكبر، والقائلة بأنه "ما رأينا العقل قط إلا خادما للجهل"، فإنه يكملها في رواية السجزي، الذي استعاض عن كلمة الجهل بكلمة الجد. أي "ما رأينا العقل قط إلا خادما للجد". ولم يشر الشهرستاني فقط إلى الفرق الظاهر بين هاتين الفكرتين، بل وعلق عليها قائلا: "إن الطبيعة ولوازمها إذا كانت مستولية على العقل استخدمه الجهل، وإذا كان ما قسم للإنسان من الخير والشر فوق تدبيره العقلي كان الجد مستخدما للعقل. ويعظم جد الإنسان ما يعقل، وليس يعظم ما يجد. ولهذا خيف على صاحب الجد، ما لم يخف على صاحب العقل". وهو موقف يبين تفلسف الشهرستاني ودقة تعبيره عن مهمات الفلسفة العملية (الأخلاقية) العقلانية إلى جانب كونه مؤرخا لها ومحترفا إياها. ولم يكن ما وضعه وتفلسف به مجرد فكرة عابرة. ومع أننا لا نعثر إلا على القليل منها في كتابه، إلا أنها مؤشر ظاهري عن منهجه في التعامل مع تقاليد البحث الفلسفي. ولعل مأثرته هنا تقوم في محاولته إرجاع التقاليد الفلسفية صوب مسار العلم الفلسفي. ولا نعني بمسار العلم الفلسفي هنا سوى النظر إلى استقلال العلم الفلسفي وتميزه بتقاليده وأساليبه وموضوعاته وغاياته الخاصة. وهي نتيجة نعثر عليها أيضا في بنية الجزء الفلسفي من كتابه. أما من الناحية العلمية فقد تضمنت محاولته جعل الفلسفة علما ضروريا في تقاليد "أصحاب المقالات" استمرار لتطور علم الملل والنحل، كما أنها حطمت بعض أسس وعناصر العقائدية الضيقة والمذهبية اللاهوتية.

وقد تعمقت هذه الجوانب الفلسفية والعلمية في منظومة الشهرستاني من حيث شكلها ومحتواها. وليس مصادفة أن يبدأ الجزء الفلسفي بالأساطين السبعة أو الحكماء السبعة فاليس الملطي وانكساغورس وانكسمانس وابنادقليس وفيثاغورس، وسقراط وأفلاطون. وهو تصنيف قديم لا جديد فيه استمده من تقاليد الدوكسوغرافيا الإغريقية وكتابات العلوم الإسلامية الموازية لها. إلا أن محاولته تجميع أفكارهم الفلسفية، وبالتالي تخطيط منظومة فكرية ـ فلسفية لكل منهم، كانت تتعدى في الكثير من جوانبها تقاليد التصنيف الإسلامية للحكماء والفلاسفة ونوادرهم وحكمهم. إضافة لذلك أنه وجد في رسم وتخطيط وربط الأفكار الجوهرية المميزة لأي من الأساطين السبعة (وكذلك الحال بالنسبة للفلاسفة جميعا) إعادة "الاعتبار" لهم وبالتالي دمجهم في تراث الفلسفة، الذي أخذ يهمل مقالاتهم رغم أهميتها التاريخية والفكرية للعلم الفلسفي. وكتب بهذا الصدد قائلا، بأن المتأخرين من فلاسفة الإسلام أغفلوا ذكرهم و"ذكر مقالاتهم رأسا، إلا نكتة شاذة نادرة ربما اعترت على أبصارهم وأفكارهم وأشاروا إليها تزييفا". من هنا تتضح المهمة الضمنية التي حاول الشهرستاني إنجازها في ما أسميته بإرجاع الفلسفة إلى تيارها ومحيطها الطبيعي. فهو يتكلم عن واقع إغفال الفلاسفة المسلمين المتأخرين لآراء الفلاسفة القدماء، وعن اهتمامهم بالنكت والنوادر الفلسفية. بعبارة أخرى انه أراد القول، بان اهتمامهم لم يتجاوز الانتقاء الجزئي والإساءة إلى فهم حقائق الأفكار الفلسفية كما وضعه في عبارة "ربما اعترت على أبصارهم"، و"أشاروا إليها تزييفا".

سعى الشهرستاني إلى وضع منظومة من المبادئ التصنيفية للآراء الفلسفية بالضد مما هو سائد في علم الملل والنحل المتأخر وانهماك المؤرخين والأدباء في جمع نوادر الفلاسفة ونكتهم، الذي جعل من الفلسفة مجموعة من الحكم والمواعظ الأخلاقية القريبة من فن آداب السلوك. لهذا نفهم لماذا اعتبر هذا النوع من التفلسف مجرد نكت شاذة ونادرة لا يجمعها منطق واضح المعالم. بحيث أدى ذلك بها إلى أن تصبح مادة عارضة تتحكم بها المصادفة والذاكرة أكثر مما هي نتاج الضرورة المنطقية. وأدى هذا بدوره إلى أن تفقد الفلسفة طابعها العلمي (على الأقل في ما يتعلق بالحكماء السبعة)، بسبب تحول فكر الفلاسفة إلى مجرد حِكم جزئية. ونتيجة لذلك تأخذ المنظومة الفكرية للفيلسوف بفقدان ترابطها الداخلي مع ما يترتب على ذلك بالضرورة من تزييف واستنزاف لطاقاتها الحقيقية.

حددت أراء الشهرستاني المذكرة أعلاه، مسار تعامله اللاحق مع مادة الفلسفة ومدارسها. حيث حاول جمع شذرات الفلسفة الأولية بدء من فاليس الملطي وانتهاء بأفلاطون الإلهي وكذلك الاتجاهات الفلسفية ومدارسها المتأخرة وتنظيم آراء فلاسفتها بصورة نقدية من خلال إبراز الفلسفة (العلم) فيها. وأدرك أيضا صعوبة المهمة، لكنه كان يفعل بوحي الرؤية النقدية المتراكمة في تقاليد علم الملل والنحل الإسلامي. لهذا أكد على أنه بعد أن تتبع بالنقد ما كتبه الأسبقون عن الأفكار الفلسفية ومدارسها، فإنه يلقي زمام الاختبار للقارئ في المطالعة والمناظرة بين كلام الأوائل والأواخر. أي أنه أراد الكشف عن الصلة الجوهرية بين التراث الفلسفي ورؤية استمراره واختلافات مدارسه. وفي غضون ذلك حاول إبراز ما بدا له جوهريا في الفكر الفلسفي، وبالأخص القضايا المتعلقة بالطبيعة وما وراء الطبيعة والمعرفة بوصفها مبادئ كبرى وأساسية في تحديد هوية المدارس الفلسفية. وطبق بحذاقة ما سبق وأن صاغه في مقدمته النظرية (المدخل) عن كيفية تحديد الفرق الإسلامية. ذلك يعني انه يفرز المدارس التي تتميز بمقالات أصيلة تمس المبادئ الكبرى للاتجاه. وافلح لحد ما في محاولته هذه، كما هو جلي في ثنايا تحليله لتقاليد العلم الفلسفي، وفي محاولته جعل الفلسفة علما (منطقيا) له معضلاته الخاصة. وأشار بهذا الصدد على أن الفصل المتعلق "بالحكماء الأصول" لم يتعد في جوهره مهمة الفائدة العملية. إذ لم يجد عندهم آراء خاصة بصدد القضايا المميزة لأفكار ومبادئ الأساطين السبعة. وإن آراءهم في الغالب هي "حكم مرسلة عملية أوردناها لئلا تشذ مذاهبهم عن القسمة، ولا يخلو الكتاب من تلك الفوائد". ذلك يعني انه لم يجد في "الحكم العملية" فلسفة بالمعنى الدقيق للكلمة. لكنه لم يهمل إيرادها من منطلق فائدتها العملية. وفي هذا الجمع الخاص (لحكماء الأصول) يبرز تصنيفه العلمي أيضا، الذي عبر عنها بكلمات "لئلا تشذ مذاهبهم من القسمة". لقد أراد جمعهم في إطار محدد تاركا للقارئ مهمة الاستمتاع والتأمل. وطبق فكرته هذه على كل بحوثه المتعلقة بالفلسفة والفلاسفة، بحيث جعل منها أساسا منهجيا في التعامل مع تقاليد علم النحل الإغريقي وعلم الملل والنحل الإسلامي وتصانيف الحكماء ونوادر الفلاسفة الواسعة الانتشار في ثقافة الخلافة.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2272 الأحد 11 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم