دراسات وبحوث

حق الانسان في الحرية وحظر التعذيب (1-2)

mohamad thamerالمقدمة: مثلما حرصت المواثيق الدولية والدساتير الداخلية للدول على أن توفر للإنسان حماية خاصة لحقه في الحياة قرنت ذلك الى حد بعيد بحقه في الحرية وحقه في أن لاينال تعذيبا وقد وصل هذا الاقران حد الدمج بين هذه الحقوق في صياغة واحدة، ومثلما تطور حق الإنسان في الحياة تمثل باتفاقيات خاصة تسعى الى الحفاظ على حياته فأن حق الإنسان في الحرية ومناهضة التعذيب تكرس هو الأخر وتجذر وتولت تحديد تفصيلات هذا الحق وبيان إساليب الحماية الدولية وما يرافقها من ظهور مصطلحات جديدة خصوصا مصطلح الأختفاء القسري بالنسبة لحق الإنسان في الحرية وظهور انماط جديدة من التعذيب بالنسبة لحق الإنسان في حظر التعذيب وأنشاء لجان دولية لضمان حسن تنفيذ تلك الاتفاقيات .

لقد كان لظاهرة محاربة الارهاب أثر سيئا على حق الإنسان في الحرية والأمن الشخصي وحقه في مناهضة التعذيب خصوصا بعد أحداث 11 أيلول 2001 أذ ظهرت في دول العالم المتقدمة التي تصنف نفسها بأنها المهد الأول لتشريعات حقوق الإنسان ما يناهض هذه الحقوق بدعوى الحجز الاستباقي والسجون السرية والسجون الطائرة ناهيك عن أضرار هذه الظاهرة ببقية منظمومة حقوق الإنسان كالحق في اللجوء والتنقل والظروف الصحية والاجتماعية للسجين وغيرها من الحقوق .

وإذا كان صحيحا أن المنظمات الدولية المهتمة بسجناء الرأي ومناهضة التعذيب تكشف دوريا عن انتهاكات يتعرض لها الإنسان في مختلف دول العالم وتكشف عن أصناف وطرق مبتكرة في هذا المجال فأن الاصح أن هذه المنظمات لم تكشف عن حقيقة مفادها أن ممارسة التعذيب من قبل اجهزة الدولة ضد مواطنيها ومصادرة حرياتهم بشكل ممنهج ومستمر يؤدي حتما الى أنعدام الوطنية لدى ضحايا التعذيب واستعدادهم للتنصل من هويتهم وأنتمائهم وبشكل يجعلهم فريسة سهلة لأي تنظيم ارهابي يبحث عن مجندين لتنفيذ عمليات ارهابية , أن مراجعة سريعة لواقع الدول التي تمارس اجهزتها الامنية والسياسية عمليات تعذيب ممنهجة تكشف عن وجود خلل في وطنية هولاء وأنتمائهم وحبهم لأوطانهم إذا لا يمكن أن نطالب شخص تم الاعتداء على جسده وشرفه وسمعته من قبل اجهزة دولته بأن يكون مخلصا وفيا لها وقد لاقي على ايدي اجهزتها ضروب من أنواع التنكيل .

وعلى هذا الأساس جاء البحث ليوضح نصوص الأعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمواثيق الدولية الأخرى والأقليمية المتعلقة بحق الإنسان في الحرية والأمن الشخصي وحظر التعذيب مقرونا بتقارير ووقائع تنشر لأول مرة وقضايا قانونية عرضت أمام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ثم مقارنة هذه النصوص بالدستور العراقي النافذ والشريعة الأسلامية الغراء وعليه جاء هذا البحث بمبحثين:ـ

الاول ـ الحق في حظر التعذيب والمعاملة اللاانسانية .

الثاني ـ الحق في الحرية والأمن الشخصي .

 

حظر التعذيب والمعاملة اللانسانية

نصت المادة الخامسة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على هذا الحظر فقد جاء فيها (لا يجوز أخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو الحاطة بالكرامة) وجاء في المادة السابعة من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية (لا يجوز أخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو الحاطة بالكرامة وعلى وجه الخصوص، لا يجوز أجراء أي تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر) وأكدت المادتان 28 و 73 من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 والنافذة في 2 أيلول 1990 أن على الدول أن تتخذ كافة التدابير المناسبة لضمان أدارة النظام في المدارس على نحو يتماشى مع كرامة الطفل الانسانية ويتوافق مع الحقوق المقرر للطفل وعلى أن لا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهنية .

والتعذيب وفقا للمادة الاولى من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة لسنة 1984 والتي دخلت النفاذ في 26 حزيران 1987 هو (أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث، على معلومات أو أعتراف، أو معاقبته على عمل أرتكبه أو يشتبه في أنه أرتكبه، هو أو أي شخص ثالث أو تخويفه أو ارغامه هو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الالم والعذاب لأي سبب من الاسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الالم أو العذاب المتاتي فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها) بينما عرفته اللجنة الاوربية لحقوق الانسان بأنه (المعاملة التي تسبب معاناة نفسية أو جسدية قاسية وغير مبررة )

ويمكن أن نسوق جملة ملاحظات على تعريف التعذيب: ـ

1 ـ يقصد بالعمل في تعريف المادة الاولى كل عمل أو أمتناع عن عمل أي سواء أكان العمل الذي ينجم عنه التعذيب هو القيام بعمل بحرمه القانون أو أمتناع عن عمل يفرضه القانون .

2 ـ أن التعذيب يمكن أن يتم بوسائل مادية ملموسة كالضرب وأيذاء الجسم بشتى أنواع الايذاء كما أنه قد يتم بوسائل معنوية كتخويف الشخص أو تهديده بالحاق أذى به .

3 ـ أن أكثر ضروب التعذيب تنحصر في تعذيب الشخص بقصد الحصول منه على معلومات أو على أعتراف وهذا العمل يمكن تصوره أثناء عمليات التحقيق التي تجري من قبل ضباط الشرطة أو القائمين بالتحقيق في مراكز الشرطة .

4ـ أن الموظف الرسمي بالرتبة الاعلى يسأل عن عمل الاشخاص الادنى منه أذ اشرف على هذا العمل أو سكت عنه أو وافق عليه .

6 ـ يحب يبلغ الاذى أو العذاب درجة من الشدة تخرج عن أطار العذاب أو الالم الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها .

وأوجبت اتفاقية مناهضة التعذيب على كافة الدول الاعضاء أتخاذ اجراءات تشريعية وادارية وقضائية فعالة أو أي تدابير واجراءات أخرى من شأنها منع التعذيب في أي أقليم يخضع لأختصاصها القضائي ولا يجوز التذرع بأية ظروف أستثنائية أي كانت (حالة الحرب أو الحروب الاهلية أو أعلان حالة الطوارئ أو عدم الاستقرار السياسي أو التهديد بالحرب أو الاوامر الصادرة من الرئيس الاعلى) وتمتد ولاية الدولة القضائية من حيث الموضوع على جميع أنواع التعذيب التي تكون مجرمة وفق قانونها الجنائي بما في ذلك محاولات ممارسة التعذيب أو التواطؤ أو المشاركة وبما يسمح للدولة بمد سلطانها القضائي من حيث الاقليم والاشخاص الى: ـ

1 ـ كل الجرائم التي ترتكب على أقليم يخضع لولايتها أو ظهر سفينة أو على متن طائرة مسجلة في تلك الدولة .

2 ـ عندما يكون الشخص مرتكب التعذيب من مواطني تلك الدولة .

3 ـ عندما تكون الضحية من مواطني تلك الدولة .

4 ـ عندما يكون مرتكب الجريمة موجودا في أقليمها .

وحرمت الاتفاقية على الدول الاعضاء أن تطرد شخص أو أن تعيده أو ترده الى دولة أخرى أذا كانت هناك أسباب حقيقية تدعو للاعتقاد بأن هذا الشخص سيواجه التعذيب في تلك الدولة ويعد من الاسباب الحقيقية في سجل تلك الدولة فيما يتعلق بحقوق الانسان وأنتهاكاتها الفاضحة أو الصارمة لهذه الحقوق . وتضمن الدول الاطراف اتفاق من يتعرض لعمل من اعمال التعذيب وتمنحه الحق القانوني بالاطلاع على قواعد الاستجواب المتبعة وتعليماته واساليبه وممارسته والتدابير المتعلقة بالحجز والتوقيف والاعتقال والسجن وتضمن له أجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو الى الاعتقاد بأن عملا من اعمال التعذيب قد أرتكب في أي من الاقاليم الخاضعة لولايتها القضائية وأن تتخذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة شكواه أو لأي أدلة تقدم كما تضمن له الحق في أن ينال تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل أعادة تأهيله على اكمل وجه ممكن وفي حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لاعمال التعذيب يكون للاشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض دون أي اخلال بما تتضمنه النصوص القانونية المدنية والجزائية المرعية في تلك الدول من قواعد اصلح لضمان التعويض .

وأذا كانت المادة الاولى من اتفاقية مناهضة التعذيب قد أشترطت أن يكون الاذى شديدا فأن المادة 16 من ذات الاتفاقية حظرت على الدول الاطراف أن تسمح بالقيام بأي عمل من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهنية التي لا تصل الى حد التعذيب وتنطبق الاحكام القانونية الواردة على التعذيب على هذه الاعمال أيضا خصوصا فيما يتعلق بأرتكابها من قبل موظف عمومي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية أو يحرض على أرتكابها أو يوافق على أرتكابها أو يسكت عنها .

وفي أطار منع التعذيب يجب أن نشير الى اللجنة الأوربية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهنية والتي أنشأت بموجب الاتفاقية الأوربية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة لسنة 1989 والتي أسندت أليها مهمة حماية الأشخاص مسلوبي الحرية عند الضرورة من التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو القاسية حيث تتولى هذه اللجنة القيام بزيارات مفاجئة الى أي مكان في نطاق الولاية القانونية للدول الاطراف وذلك بتعاون تام من قبل السلطات الوطنية المختصة بعد أن تقوم اللجنة بأخطار حكومة الطرف المعني بعزمها على القيام بالزيارة وبعد هذا الاخطار يجوز لها في أي وقت أن تقوم أي مكان تشاء وعلى حكومة الدولة المعينة أن توفر التسهيلات التالية أمام اللجنة: ـ

1 ـ الدخول الى أقليمها وحق السفر دون حق .

2 ـ معلومات كاملة عن الاماكن المحجوز فيها الأشخاص المسلوبة حرياتهم .

3 ـ الدخول بلا حدود الى أي مكان توجد فيه أشخاص مسلوبة حرياتهم بما في ذلك حرية الحركة داخل هذه الاماكن بلا قيود .

4 ـ الحصول على أي معلومات ضرورية في سبيل أنجاز المهمة ولدى طلب هذه المعلومات تراعي اللجنة القواعد الواجبة أتباعها في القانون الوطني وكذلك الأداب المهنية وبشرط أن تبقى هذه المعلومات سرية .

5 ـ مقابلة الأشخاص المسلوبة حرياتهم مقابلة خاصة .

6 ـ الاتصال بأي شخص أخر تعتقد اللجنة أنه يمكن ان يزودها بمعلومات تتصل بمهمتها بشرط أن تبقى هذه المعلومات سرية .

7 ـ يجوز للجنة، عند الضرورة، أن تفضي فورا الى السلطات المختصة في الدولة المعينة بملاحظاتها .

ويرى جانب آخر من الفقه إن للتعذيب أهداف تكتيكية وأهداف نهائية . تتمثل الأهداف التكتيكية بصفة عامة بتحقيق القسر للحصول على المعلومات المفيدة سياسيا أو امنيا أو لتخويف الضحية أو أي شخص آخر، وهذه هي الأهداف المباشرة القائمة في ذهن الجلاد . وقد يمارس التعذيب لتحقيق تحطيم الشخصية الإنسانية للضحية، أو يفرض كعقوبة تكون مصاحبة للضحايا المتهمين بالجرائم الجنائية ونشر الرعب في الوسط الذي ينتمي إليه الضحية .

أما الأهداف النهائية فتتمثل بحفظ النظام السياسي أو النفوذ السياسي لمجموعة معينة أو مسيطرة، وتفادي التهديد بالضرر المحتمل من أي نوع، واثبات الولاء والتبعية للنظام بممارسة التعذيب ضد المعارضين .

وقد كرست إعلانات واتفاقيات مناهضة التعذيب تحديدا مشابها لأهداف هذه الممارسة فضلا عن تقارير المنظمات المعينة بحقوق الإنسان .

فإعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الصادر عن الجمعية العامة تؤكد المضامين المتقدمة أي تخويف الضحية أو تخويف آخرين .

وقد أشارت المادة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 لذات الأغراض التي أشارت إليها المادة (1) من إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وفي التفاتة لارتباط التعذيب بمرحلة الاستجواب نصت المادة (1) من إعلان مناهضة التعذيب على انه (على كل دولة ان تجعل طرق الاستجواب وممارساته، وكذلك الترتيبات المعمول بها في حجز ومعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم في اقليمها، محل مراجعة مستمرة ومنهجية بهدف تفادي جميع حالات التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة) وأشارت المادة (11) من اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 إلى انه (تبقى كل دولة قيد الاستعراض المنظم قواعد الاستجواب، بحجز ومعاملة الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية، وذلك بقصد منع حدوث أي حالات تعذيب) .

ان تمييز التعذيب من ممارسات اخرى قد تتشابه معه أمر يرتبط بتعريف التعذيب فعندما نعرف التعذيب نحدد مفهومه بصورة دقيقية وهذا ما تطرقنا إليه في السطور المتقدمة، ويبدو من خلال استقراء ودراسة الأدبيات المتعلقة بممارسات التعذيب وجود مفاهيم أو مصطلحات أخرى قد تختلف مع مفهوم التعذيب منها على سبيل المثال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ويبدو ان إعلان سبيل حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة قد حدد معيار التمييز في المادة 1/2 التي نصت على انه (يشكل التعذيب شكلا متفاقما ومتعمدا من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية او اللاإنسانية أو المهينة) .

فمعيار التمييز فيما يبدو من النص المتقدم إنما يستند إلى جسامة وشدة وقسوة الفعل المرتكب ضد الضحية من قبل الجلاد .

وعلى مستوى الفقه ترتبط مسألة التمييز بين التعذيب والمفاهيم المشابهة الأخرى بتعريف التعذيب حيث يمكن متابعة معايير التمييز من خلال استعراض بعض التعاريف المقدمة لممارسة التعذيب .

فقد عرف DUFFH . J . P التعذيب كونه يعني المعاملة اللاإنسانية التي احتوت على المعاناة العقلية أو الجسدية التي تفرض بقصد الحصول على المعلومات أو الاعترافات أو لتوقيع العقوبة والتي تتميز بحالة خاصة من الإجحاف والشدة وهكذا فإن معيار التمييز بالنسبة للتعذيب عن أوجه المعاملات الأخرى هو الألم ودرجة حدته . وذهب كاتب آخر إلى القول ان السلوك الذي يستشعر أي إنسان في العالم انه يشكل تعذيبا يكون كذلك ويؤيد ذلك ما ذهبت إليه اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان التي أكدت على ان الحبس الانعزالي اذا طبق في ظروف قصد منها التحقير أو الإهانة او الإكراه، فقد توافر فيه وصف التعذيب فضلا عن المعاملة المهينة أو الحاطة بالكرامة .

وفي قضية اتهمت فيها بريطانيا بانتهاك المادة الثالثة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ولانها قامت عام 1971 باستعمال وسائل في استجواب المتهم وهي الوقوف الدائم على الحائط، ووضع رأس الشخص في كيس اسود طوال الوقت باستثناء فترة الاستجواب، والتعرض للضوضاء الشديدة والحرمان من النوم والحرمان من الطعام والشراب . وقررت اللجنة ان هذه الوسائل تمثل معاملة لا إنسانية وحاطة بالكرامة، وهي لا تؤسس للتعذيب حيث لا تصل المعاناة فيها إلى حد القسوة المفروض توافرها في التعذيب، وأشارت المحكمة إلى ان الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان إنما قصدت التمييز بين التعذيب على سمة خاصة هي الربط بين أسلوب المعاملة اللاإنسانية وشدة المعاناة الناتجة، كما ان المعاناة الفادحة البالغة الشدة المتطلبة لوصف الممارسة بالتعذيب يجب ان تكون ظاهرة ومستقرة قبل التعذيب .

وفي قضية أخرى اقامتها الدنمارك والنرويج والسويد وهولندا ضد اليونان عام 1968 ذهبت اللجنة إلى تعريف المصطلحات الثلاثة ورأت أن كل تعذيب يجب ان يكون معاملة لا إنسانية ومهينة . فالمعاملة الأكثر تداولا والتي تسبب معاناة نفسية وجسدية قاسية وتكون مثل هذه الحالة غير مبررة ام التعذيب فهو يتمثل في المعاملة اللاإنسانية عندما تفرض قصدا بدرجتها المتفاقمة من اجل الحصول على المعلومات أو الاعترافات أو لإيقاعها كعقوبة . بينما عرفت اللجنة المعاملة أو العقوبة المهينة بانها المعاملة أو العقوبة التي تسبب إذلالا جسيما للشخص سواء في نفسه أو من قبل الآخرين أو التي تفرض ضد إرادته أو شعوره، فاللجنة الأوربية اعتمدت على درجة شدة المعاناة الناتجة عن الفعل المحرم، وطبيعة الإحساس الذي يولد هذا الفعل لدى الضحية للتمييز بين التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة .

من جانب آخر فإن مفهوم المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية تتميز عن المعاملة الخشنة غير المحرمة، فحتى تدخل المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية في نطاق التحريم يجب ان تتفاعل عوامل هي درجة القسوة، وطبيعة الإحساس الملازم للفعل، وجميع الظروف المحيطة بالشخص وقد ميزت اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان بين المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية والمعاملة الخشنة غير المحرمة في قضية رفعت من احد المواطنين النمساويين ضد حكومة النمسا 1959 حين أشارت اللجنة إلى أنها لاحظت جسامة العقوبة التي وقعت على الطاعن بمقتضى نظام النوم على أشياء صلبة، ولكن مع ذلك فإن هذه العقوبة التكميلية لا يتعرض لها الطاعن إلا مرة كل ثلاثة شهور، ولا تعد نظرا لذلك عقوبة غير إنسانية بالمعنى الوارد في المادة الثالثة من الاتفاقية .

أما المعاملة أو العقوبة الحاطة بالكرامة فقد ذهبت الللجنة الأوربية لحقوق الإنسان في قضية اليونان 1968 إلى القول ان المعاملة أو العقوبة الموقعة على الشخص يمكن أن تكون حاطة بالكرامة إذا انطوت على إذلال جسيم للشخص أمام الآخرين ودفعته للتصرف ضد إرادته ومشاعره، وذكرت اللجنة ذاتها في قضية THRER عام 1978 إلى ان المعاملة أو العقوبة تكون حاطة بالكرامة إذا هي قللت من منزلة أو وضع أو سمعة أو صفة الشخص سواء في عين نفسه أو في أعين الآخرين .

كما كان للجنة السويسرية لمنهضة التعذيب التي أنشئت عام 1977،اسهامها الذي لا ينكر حين تقدمت باقتراح اعداد اتفاقية دولية تتضمن النص على وسائل فعالة لمناهضة التعذيب . وأخذت اللجنة القانونية في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا الفكرة على عاتقها اعتبارا من عام 1981 وتمكنت في عام 1983 من الموافقة بالاجماع على مشروع لاتفاقية اوروبية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة . وقد اعتمدت لجنة وزراء مجلس اوروبا مؤخرا (24 يونيو 1987) مشروع الاتفاقية المذكورة .

ومن الجدير ذكره في هذا المجال أن القضاء العراقي يكيف في الغالب حالات الضرب والإيذاء الجسيم التي تمارس من قبل أفراد السلطة العامة على أنها جريمة استعمال قسوة، بالرغم من جسامة الأفعال المرتكبة، وهذا ما يعد خطا في تكييف الوقائع، ففي قرار لمحكمة تمييز العراق ذهبت فيه إلى القول: (آن فعل أفراد مفرزة مكافحة أجرام السعدون الذين قاموا بالضرب بأعقاب البنادق والمسدسات على جسم المجني عليه مما سببوا له نزيفا واصابات جسيمة أثناء القبض عليه يعد جريمة استعمال قسوة ينطبق واحكام المادة (332) من قانون العقوبات .)، وكان يجدر بمحكمة التمييز أن تكيف الأفعال المتقدمة على أنها جرائم إيذاء عمدية وفقا للنصوص الخاصة بجرائم الإيذاء واعتمادا على النتيجة الحاصلة .

وتشير التقارير الصادرة من لجنة حقوق الانسان الى بعض ممارسات التعذيب ففي مارس أذار 1987 جاء في تقرير اللجنة أن مكتب مكافحة الحزب الشيوعي التابع للبوليس الوطني في العاصمة الكورية سيؤل قام بتعذيب الطالب (بارك تشوغ) أثناء الاستجواب تعذيبا شديدا تمثل بغمر رأس الطالب بالماء عدة مرات حتى الموت . كما تعرضت فصائل الشيوعين في تركيا والاخوان المسلمون لممارسات تعذيب من قبل الحكومة التركية بتهمة مقاومة النظام العلماني في الدولة التركية الساري المفعول منذ 1923 حيث ورد وصف لممارسات التعذيب على لسان أحد المدرسين المتهمين بألانتماء لمنظمة غير مشروعة هي (حزب العمال) حيث يقول (أن التعذيب النفسي الذي تعرضت له كان أسوء من التعذيب الجسدي فقد عشت في حجرة التعذيب مع بكاء وصراخ أبنتي البالغة الثانية من عمرها وهي تسمع صراخ أمها التي يعذبها البوليس في زنزانة الاحتجاز والاستجواب المجاورة لي ثم قاموا بتعذيب زوجتي بجانبي وهم يطلقون تهديدات حاطة بالكرامة، رأيت هراوة البوليس في شرجها، ولا أعرف عدد المرات التي علقت فيها من قدمي أو صلبت وقد أوثقت يداي أمامي أو خلف ظهري وهم ينهالون علي بالضرب ويوجهون الصدمات الكهربائية الى جسدي لقد عشت أياما بدى خلالها أن الصدمات الكهربائية الموجهة الى اصابع القدمين والاعضاء التناسلية واليدين والاذنين كانت مثل البرق الذي يخترق بطن الانسان) وفي تقرير منظمة العفو الدولية المنشور عام 1986 ورد في الصفحة 326 قول المنظمة أنها تلقت تقارير من مصر عن وقوع تعذيب وسوء معاملة للمتهمين حيث يقول التقرير (أن منظمة العفو الدولية نادرا ما تلقت تقارير عن التعذيب أو سوء المعاملة في مصر قبل تشرين الاول 1981، ولكن وبعد مصرع السادات في 6 تشرين الاول 1981 واعتقال الاف الاشخاص فيما بين تشرين الاول 1982 تلقت المنظمة العديد من تقارير التعذيب وسوء المعاملة التي تقع بصفه خاصة على اعضاء الجماعات الاسلامية وخاصة الجماعة المعروفة بأسم الجهاد الى جانب عدد من المتهمين اليسارين وقد يسر قانون الطوارئ المعلن في 6 تشرين الاول 1981 ممارسات التعذيب وسوء المعاملة والاعتقال طويل الامر بدون أذن قانوني وتدور ممارسات التعذيب في الادعاءات التالية: ـ

1 ـ الضرب بالعصى أو الكرباج

2 ـ التعليق من الايدي أو الارجل لمدة طويلة

ـ الحرق باعقاب السجائر

ـ التهديد بالقتل أو الاعتداء الجنسي على المعتلقين وزوجاتهم وافراد عائلاتهم

كما أن التعذيب والاساءة الى المحتجزين في سجون الولايات المتحدة في العراق أمر متكرر يحظى بموافقة السلطات المعنية، حتى بعد فضيحة سجن أبو غريب عام 2004، طبقا لما ورد في تقرير نشرته هيومن رايتس ووتش وضم روايات جديدة لجنود أمريكين .

وكان المجلس الاجتماعي والاقتصادي قد أصدر عام 1970 قراره المرقم 1503 لغرض التيسير على الافراد والجماعات المهتمة بحقوق الانسان أن تشكو حكوماتها من التعذيب وسائر الانتهاكات للحقوق الانسانية ويمكن لهولاء الافراد والجماعات أن ترسل البلاغ أو الشكوى الى سكرتير عام الامم المتحدة في نيويورك أو للمقرر الاوربي في جنيف ويحيل السكرتير العام هذه الشكوى أو البلاغ الى مركز حقوق الانسان في جنيف والى المفوض السياسي لحقوق الانسان وهناك جزء من سكرتارية الامم المتحدة لحقوق الانسان يختص بتلقي هذه الشكاوى والبلاغات وتلخيصها في قائمة سرية يرسلها الى اعضاء لجنة حقوق الانسان واللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الاقليات كما يرسلها الى الدول المشكو في حقها . ويجوز تقديم البلاغ أو الشكوى في أي لغة على أن يوضح كاتبها وقائع التعذيب أو الانتهاكات الاخرى للحقوق الانسانية المنسوبة للدولة وعند وصول الشكوى أو البلاغ الى المركز المذكور يجري فحصها بواسطة فريق عمل يتكون من خمسة اعضاء من اللجنة الفرعية ثم تحيلها اللجنة الفرعية الى لجنة حقوق الانسان التي تتكون من ثلاث واربعين عضوا من ممثلي الحكومات . ولهذه اللجنة أن تجري تحقيقا بواسطة اللجنة المؤقته يكون من أختصاصها سماع شهادة الشهود أو أن تقوم اللجنة بتعيين مبعوث خاص لتقصي الحقائق كما فعلت في السلفادور وبوليفيا وتحرر اللجنة تقريرا سنويا ترفعه الى المجلس الاجتماعي والاقتصادي يتضمن توصياتها بشأن الشكاوي التي نلتقيها، لكي يتبنى المجلس هذه التوصيات ويعمل على تنفيذها أو أن يرفعها الى الجمعية العامة للامم المتحدة لكي تتبناها وتعمل على تنفيذها . أن هذا الاجراء قد يتيح للافراد وجماعات حقوق الانسان في الدول العربية والدول التي هي على شاكلتها تعاني من ممارسات التعذيب رفع قضيتهم الى الميدان الدولي الذي يملك أليه لاشارة مسؤولية الدولة عن أنتهاكات حقوق الانسان كما أن الجمعية العامة للامم المتحدة قد انشأت بقرارها الصادر في 20 كانون الاول 1978 صندوق من أجل ضحايا التعذيب في تشيلي ثم تحول في 16 كانون 1981 الى صندوق عام لضحايا التعذيب في أي مكان وهو يتلقى المساهمات المالية ثم يقوم بتوزيعها على الاشخاص الذين أنتهكت حقوقهم الانسانية أنتهاكا خطيرا نتيجة التعذيب كما يمنح هذه المساعدات لاسرهم ويدير هذا الصندوق السكرتير العام للامم المتحدة مع مجلس أدارة يتكون من خمس أعضاء لهم خبره واسعة في مجال حقوق الانسان ويتم تعيينهم بواسطة السكرتير العام لمدة ثلاث سنوات . كما يبرز هنا وقدر تعلق الامر بالتعذيب دور النقابات ذات العلاقة خصوصا (نقابة المعلمين، نقابة الاطباء) ونقابة الاطباء بشكل خاص أذ أن الاطباء أكثر قربا من المعتقل أو السجين الذي يتعرض للتعذيب بحكم عملهم أطباء رسميين في المعتقلات والسجون وقد وضعت القمة العالمية والجمعية العامة للامم المتحدة في 18 كانون الاول 1982، اداب مهنة الطب بصدد واجبات الاطباء في مواجهة المعتقلين والمسجونين ويدعو هذا الميثاق الى كفالة حماية الصحة البدنية والعقلية للمسجنونين أو المحتجزين وأن يقدموا لهم العناية الطبية اللازمة ويحظر الميثاق على الاطباء المشاركة بأي طريقة (سلبية أو أيجابية) بعمليات التعذيب أو أن يحثوا أو يتواطؤ مع الاخرين على أرتكابها أو أن يستخدموا معرفتهم ومضاراتهم الطبية هي للمساعدة في أساليب الاستجواب التي يحتمل أن تسبب أثارا ضارة على الصحة البدنية أو العقلية للمسجون أو المعتقل أو أن يشهد الطبيب أو يشارك في الشهادة بأن السجين أو المعتقل لائق لتحمل أي شكل من أشكال المعاملة أو العقوبة التي من شأنها احداث أثار ضارة على الصحة البدنية أو العقلية . وقد يتعرض الطبيب لضغط أو عقاب من جانب السلطات بسبب تصرفاته السابقة وهنا يجب على نقابات الاطباء لتنفيذ توصية جمعية الصحة العالمية في طوكيو عام 1975 حيث دعت النقابات الطبية الى حماية أعضائها بكل الاجراءات ضد كل محاولات تهدف الى أخضاع الاطباء أو افراد عائلاتهم للتهديد والوعيد والاخذ بألثار بسبب رفضهم الموافقة على التعذيب وهكذا لا يشعر الطبيب بأنه لا يواجه الالة البوليسية الغاشمة بمفرده وأنما يسنده وتسانده النقابات الطبية وهي بطبيعتها نقابات قوية ولها نفوذ في شتى البلاد .

ويذكر أن المادة السابعة من العهد الدولي هي التي أضافت لقطة (القاسية) الى العقوبة أو المعاملة بعكس المادة الثالثة من الاتفاقية الاوربية التي خلت منها التي وضحت بأنه لا يجوز أخضاع شخص لتجارب علمية أو طبية بدون رضاه التام، وقد قررت المحكمة الاوربية لحقوق الانسان في قضية سورتك أن اعادة أي شخص الى أي دولة (عمليا ليس من دون الاتحاد الاوربي) نلاحقه بتهمة جريمة ستكون عقوبتها الاعدام أو يقضي فترة طويلة في السجن بانتظار الاعدام سيشكل خرقا للمادة الثالثة من الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان ولكن هذا الانتهاك سيلغى أذا قدمت الدولة الطالبة لهذا الشخص ضمانات بعدم أعدامه ولكن وعلى أية حال فأن دول الاتحاد الاوربي التي ترغب في اعادة أو ترحيل شخص تعتقد أنه يشكل تهديدا لانها ستواجه ردود أفعال سيئة وصارمة خصوصا وأن المادة الثالثة من الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان التي حرمت التعذيب جأت بنص مطلق لا يخضع لأي أستثنأت متعلقة بالامن العام وأن اتفاقية مناهضة التعذيب تنظر أليها المحكمة الاوربية على أساس أنها جزء من القانون العرفي الدولي وأن ممارسات التعذيب تشكل جريمة تخضع لما يشبه الاختصاص القضائي الدولي .

وأكد الاسلام على سلامة الفرد وعدم تعريضه للتعذيب أو الاذى أو المعاملات القاسية والوحشية أو تلك التي تحط بكرامته عندما أوقع العقوبات الرادعة على من يرتكب هذه الافعال لقوله تعالى في سورة البقرة (الاية 178)] ياأيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى، فمن عفى له من أخيه شيء فأتباع بالمعروف واداء أليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن أعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم [ولم يقصر الاسلام حماية الانسان المسلم من التعرض للتعذيب والاذى فقط، بل عم هذا الحكم على الناس جميعا ولو كانوا من المشركين لقوله تعالى في سورة التوبه الاية (6)] وأن أحدا من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون [ولم تقتصر الحماية على المفهوم المادي للانسان بل شملت الحماية حفظ كرامة الانسان من مجرد الكلام بالسخرية والاستهزاء] يأ أيها الذين أمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولانساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالانقاب باس الاسم الفسوق بعد ألايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون [وقوله تعالى في سورة الحجرات ألاية (12)[يأ أيها الذين أمنوا أجتنبوا كثيرا من الظن أن بعض الظن أثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه وأتقو ألله أن الله تواب رحيم].

في المثقف اليوم