دراسات وبحوث

عبد الحميد الزهراوي.. منّظر الفكرة القومية السياسية (1)

ميثم الجنابيإن مأثرة عبد الحميد الزهراوي (1855-1916) الكبرى تقوم في دراما تجسيده الفعلي لحقيقة الفكرة السياسية التي تمثلها ومثلها وسعى لتأسيسها في الوعي الاجتماعي العربي الحديث. من هنا مفارقة دوره الفاعل في تأسيس الفكرة العربية (القومية) السياسية وصورته المغمورة في التاريخ العلني للعالم العربي الحديث. لكنها مفارقة تكشف بدورها عن أن الشخصيات الكبرى وأفكارها الحية عادة ما تذوب في مسار الحركة التاريخية وتتلاشى في أفق البدائل.

إن القيمة التاريخية والفكرية والثقافية لإبداع ونظرية الزهراوي بصدد الفكرة القومية تقوم في كونه أحد أكبر المفكرين الأوائل للفكرة القومية العربية وتأسيسها الفلسفي والسياسي والاجتماعي والثقافي.

فقد مثل عبد الحميد الزهراوي الحالة الحرجة لتوليف تيارات كان يصعب تأسيسها بمعايير المنهج الموحد آنذاك، وذلك لأن اغلب مكوناتها كانت تتسم بقدر كبير من التأمل والبحث والتجريب، والمقصود بذلك تيارات النهضة الأدبية والإصلاحية الإسلامية واليقظة القومية. وليس مصادفة أن نعثر فيه على ما يمكن دعوته بالصيغة الباردة لتوهج الفكرة السياسية الإصلاحية لمعاصره الكواكبي (1854-1902) وحرارة الفكرة السياسية القومية لنجيب عازوري. ووجد ذلك انعكاسه فيما يمكن دعوته بالصيغة المعتدلة والعميقة أيضا لتوحيد فكرة التربية السياسية وروح الجمعية (وليس الجماعة). وهذه بدورها ليست إلا الصيغة الذكية للفكر القومية السياسية. وليس مصادفة أن نعثر عليها مبثوثة في كل ما تناوله من قضايا، كما أنها تبرز في حصيلة استنتاجاته العملية الداعمة لتأسيس الفكرة القومية باعتبارها فكرة سياسية.

فقد تراكم تأسيس الفكرة العربية القومية بوصفها فكرة سياسية في مجرى توسع وتعمق وتنظيم الرؤية الواقعية والعقلانية والتاريخية والاجتماعية والسياسية تجاه مختلف القضايا وعند مختلف التيارات والشخصيات العربية التي سبقت الزهراوي على امتداد عقود عديدة من الزمن. وليس مصادفة فيما يبدو أن نعثر على صدى هذه الإحساس والإدراك العقلي والعقلاني الذي ميز كتابات ومواقف الزهراوي من القيمة التاريخية والروحية والسياسية والقومية للفكر النظري والمفكرين. إذ نراه يعير اهتمامه الكبير لدور من اسماهم برجال "الفكر والنوابغ الذي عليه مدار سلوك الأمة، بل مسالك الحياة الاجتماعية والسياسية". من هنا مناقشته لما اسماه بأسباب قلة آثارهم رغم كثرتهم، والتي حصرها في كل من التفرق حسب الجماعات، واختلاف مصادر المعلومات والفكر، بمعنى أن منهم من أستاذه الإنجليز، وآخر أستاذه الألمان، وثالث الفرنسيون، ورابع الأسلاف، وما إلى ذلك. الأمر الذي يضعهم في تضاد وصراعات وعدم قبول أحدهم بالآخر. بينما يشكل التقليد، وتمايز القابلية، وتغاير الإرادات، وتفاوت الأعمار، وتباعد الديار، وتباين المناهج، وصراع الأحزاب السياسية البقية الباقية من هذه الأسباب.

إننا نقف هنا أمام رؤية واقعية ومتفحصة ودقيقة للأسباب القائمة وراء مفارقة الظاهرة الفعلية والتاريخية لكثرة النخب وانعدام أو ضعف تأثيرها الفعلي. وفي الوقت نفسه تبرز ما يمكن دعوته بتناسب الأسباب وفكرة الأولوية. بمعنى إدراكه الحقيقة القائلة، بأن منظومة الأسباب الفاعلة في صعود الأمم وهبوطها لا تلغي مهمة إبراز الأولي من الثانوي، على العكس. أنها تفترض ذلك لما له من اثر جوهري بالنسبة للحلول العملية. وفيما لو انظرنا إلى ما وضعه الزهراوي بهذا الصدد، فإننا نقف أمام إبرازه لأولوية التفرق حسب الجماعات الذي يستدرج أو يفعّل البقية الباقية بالشكل الذي يجعل منها أسبابا إضافية للتخريب، مع أنها بحد ذاتها ليست أسبابا للتخريب، كما هو الحال بالنسبة لتنوع واختلاف "الأساتذة" و"مصادر العلوم والمعارف" وتغاير الإرادات وتفاوت الأعمار وتباين المناهج، أي كل تلك الأسباب التي يمكنها أن تفعّل المعرفة والوعي والإرادة والتنافس، ولكن في ظل تمسكها بفكرة الوحدة الكبرى، أي المرجعية الجامعة والعاصمة بالقدر ذاته لمسار الرؤية الواقعية والعقلانية. إذ لم تعن فكرة "التفرق حسب الجماعات" عند الزهراوي، بوصفها قوة مدمرة ومخربة سوى فكرة التفرقة المختلفة (وليس المتنوعة) ومن ثم انعدام ما سيطلق علية عبارة روح الجمعية، أي الروح القومية الاجتماعية الكبرى. فقد كان الزهراوي إلى جانب فكرة التنوع والاختلاف أيضا. لكنه وجد فيهما سببا يقف دون التطور السريع في ظروف التربية السياسية الضعيفة. ومن هنا أيضا استنتاجه القائل، بان مصادر العلوم العديدة والمختلفة لا تؤثر سلبا في حال استقلالهم بالتفكير. بعبارة أخرى، إن هشاشة الوعي السياسي وضعف فكرة الجمعية (أي الانتماء القومي الواضح والجلي بوصفه مرجعية جوهرية كبرى) وانتشار وهيمنة التقليد للقديم والجديد يجعل من المقدمات الشكلية للرقي المحتمل عوامل مخربة.

لم تكن هذه الرؤية واستنتاجاته العملية معزولة عما يمكن دعوته بالروح النقدي للزهراوي، أي الرؤية المنهجية التي حاولت أن تجعل من نقد النفس مقدمة العلم والعمل. وليس مصادفة أن يكون التيار العارم في فكره متشبعا بالحماسة النقدية، أي الرأي الشجاع أو الشجاعة المتروية. ومن الممكن العثور على ذلك في اغلب كتاباته وبنوعيتها أيضا، كما هو جلي في ربطها للعقل بالوجدان، والتاريخ بالمعاصرة، والحاضر بالمستقبل، أي كل ما كان يؤدي إلى تراكم ما يمكن دعوته بالرؤية الإستراتيجية تجاه إشكاليات الواقع والبدائل. في مقالاته العديدة إلى الشباب نراه يحاول البرهنة على ربط الاستقلال الفكري للشباب بالتعلم والعلم، باعتبارهما مكونات الشخصية الحرة والفاعلة. واعتبر الاستقلال الفكري معيار التمييز بين الحسن والقبيح في التاريخ والفكر على السواء. وفي الوقت نفسه نراه يشدد على ما اسماه بزمن الاستقلال الفكري وحدوده. بمعنى أن لكل فعل زمنه الخاص به وحدوده الفعلية. من هنا فكرته عن أن الاستقلال الفكري يتحدد ويرتبط أيضا بكيفية ومدى سبر تاريخ الماضي وتشريعاته ونتائجه وعلى مقدار معرفة الحاضر. ووضع هذه الحصيلة في استنتاجه عما اسماه بضرورة التعلم على أساس ترابط الأسئلة المتعلقة بماهية الأشياء ومكانها وكيفيتها، أي الإجابة على سؤال ماذا تتعلم وأين وكيف. وأجاب عليها بوضوح مباشر أيضا: تعلم العلوم كلها، في الجامعة والمدارس، وبالطريقة العلمية الصحيحة عبر تعميم الكتابة وتعلم العربية وتوسيعها.

وينطبق هذا على أسلوبه فيما كل ما تناوله من إشكاليات وقضايا ومشاريع. بمعنى تركيزه على جوهرية الرؤية النقدية بوصفها رؤية فاحصة ورزينة، عقلية وعقلانية من حيث تأسيسها النظري وأبعادها العملية وغايتها النهائية. لهذا نراه، على سبيل المثال، يقف بالضد مما اسماه "بالغيرة الدينية" التي حاولت تأجيج العداء بين الإسلام والنصرانية. إذ وجد في هذه الإثارة زمن الأزمات صفة مميزة لأولئك الذين ينسون تجارب التاريخ. وانطلق في فكرته هذه من أن الدين ليس سببا جوهريا في الصراع والغزو. وذلك لان الأمم جميعها  كانت غازية. إضافة إلى أن الغزو يجري، وكذلك الدفاع والخذلان وغيرها من الظواهر بين الأديان وبين أتباع الدين نفسه.

طبعا أن الزهراوي يدرك الأثر الفعلي والمحتمل للدين في إثارة الصراعات والخلاف، كما يدرك دوره في الصراع التاريخي بين عالم النصرانية  وعالم الإسلام، إلا انه سعى هنا لتأسيس أولوية الرؤية النقدية تجاه النفس من اجل تذليل إمكانية استغلال الدين بالشكل الذي يجعله أداة إضافية لتوسيع مدى الانحطاط والانغلاق. ولم تكن هذه الرؤية معزولة عن النقد غير المباشر لتاريخ الاستغلال السياسي للدين (الإسلامي) في توسيع مدى الاستبداد والانحطاط في عالم الإسلام نفسه. مع ما في هذه الرؤية من أبعاد سياسية قومية (عربية) دفينة. ومن الممكن رؤية هذه الأبعاد في فكرته القائلة، بأن "الدين ليس قوة في إثارة العصبية". ولا يمكن إغفال ما هذه الفكرة من خروج على مألوف التقاليد الإسلامية التاريخية والسائدة بالأخص في مراحل الانحطاط. لكنها كانت تحتوي في أعماقها على إبراز قيمة وأولوية الوعي السياسي الحديث وفكرة الجمعية (القومية). وذلك لأن الاتكال على الدين باعتباره مصدرا للعصبية كان يعني بالنسبة له البقاء ضمن حيز الضعف أو الانعدام الفعلي للتاريخ السياسي القومي الحديث. وبالتالي لم تعن فكرته عن أن "الدين ليس قوة في إثارة العصبية" سوى البحث عن "عصبية" جديدة تتجاوز "ضعف التربية السياسية". من هنا أيضا يمكن تتبع آراءه المتجانسة بهذا الصدد في مجرى تطبيقها على حالة الصراع الخشنة آنذاك بين "الشرق" و"الغرب"، أو عالم النصرانية وعالم الإسلام في تلك المرحلة.

فقد شدد الزهراوي على أن هجوم الغرب على الشرق "ليس هجوم دين على دين، وإنما هو هجوم قوة على ضعف، وعلم على جهل، وغنى على فقر". بعبارة أخرى، إننا نقف أمام وضوح في الرؤية تبحث عن سبب الخلل في النفس أولا وقبل كل شيء من خلال إرجاعه إلى أشكاله الجلية والواضحة والجوهرية أيضا، والتي وجدها في اختلاف بل وتناقض ثنائية القوة والضعف. ووجد ذلك تعبيره في نقده العام والدقيق لمقدمات ومظاهر الخلل والضعف الشامل للعالم العربي. إذ نراه ينتقد واقع التردي العربي في كافة الميادين والمستويات من خلال نقده لظاهرة غياب العمران، والاستيراد التام لكل شيء من الخارج، وانتشار الجهل، وسوء الإدارة، وانعدام الحرية. كما نراه ينتقد ظاهرة ما اسماه بانعدام الهيبة للرؤساء (العرب) بسبب خضوعهم للأستانة. وكذلك انعدام الأخلاق العامة الرادعة، والاهتمام بالمظاهر وانعدام الجوهر. ووضع كل ذلك وغيره في أساس موقفه من الغزو الأوربي للعالم العربي، باعتباره نتيجة لضعف النفس وقوة الآخرين. فعندما تناول، على سبيل المثال، قضية احتلال ايطاليا لليبيا، فإننا نراه يوجه نقده أولا وقبل كل شيء للنفس ثم للدولة (العثمانية) ثم للمجتمع الإسلامي، ثم للعرب (لفقدانهم جيشهم المستقل وأسطولهم..) ثم للحالة الاجتماعية (الأمراض..). من هنا نراه ينتقد بشدة أولئك الذين يردون كل أسباب الانحطاط إلى أوربا. بل ونراه يسعى بقوة للبرهنة على أن ماضي السلطة (العثمانية) وحاضرها يكشف عن عمق ومدى السفالة والرذيلة في الدولة والمجتمع على السواء، وإن الرذيلة فيه ومنه أولا وقبل كل شيء. ومن هنا استنتاجه الفكري والعملي الذي يكرر بمعايير المواقف السياسية ما سبق وأن توصلت إليه الفكرة الفلسفية عن مهمة معرفة النفس باعتبارها أولوية المعرفة. لكنه يضعها ضمن سياق التاريخ السياسي الحديث والحالة التي وصل إليها العالم العربي في ظل الهيمنة التركية والغزو الأوربي والضعف العرب الشامل. ووضع هذه الأولوية في استنتاجه القائل، بان من الضروري معرفة النفس أولا ثم معرفة الآخر. فهي المقدمة الوحيدة القادرة عل إدراك ومعرفة مقدمات وأسباب الضعف من اجل تلافيها. وذلك لان سيادة القوة على الحق نابع من اثر القوة، كما يقول الزهراوي. من هنا استنتاجه القائل، بان سبب الظلم ينبغي نسبه إلى النفس وليس إلى الغير. وأن مواجهة القوة ينبغي أن تكون بالقوة. وانه إذا كانت القوة هي التي تغتصب، فلم ولماذا وكيف نفتقدها. وجمع كل ذلك في فكرة جوهرية تقول، بان القوة نصير الحق، وأن القوة بالوحدة.

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن فكرة "القوة بالوحدة" ترتبط أيضا بجوهرية فكرة الحرية والاستقلال والتقدم، من هنا يمكن رؤية الترابط العضوي بينهما على انه ترابط بين نقد الاستبداد العثماني والدعوة للاستقلال القومي. فمن الناحية الاجتماعية السياسية ليست فكرة الحرية والاستقلال والتقدم سوى مصدر وأسلوب القوة، وما يقابلها هو مصادر وأساليب الضعف. ومن هذه الفكرة كانت تتلألأ ملامح الفكرة الاجتماعية السياسية القومية، أي عندما أخذت هذه الفكرة تصبح رديفا أو موازية للفكرة القومية ومتغلغلة فيها. وليس مصادفة أن نراه يتساهل في نقد تأثير الدين (بوصفه مكونا ثقافيا) في الصراع "الشرقي – الغربي" (النصراني – الإسلامي)، مع انه كان كبير الفاعلية من حيث قدرته على التأليب ومن ثم تغطية المصالح أو تغليفها وتقديمها بالطريق القادرة على استقطاب القوى ومختلف مظاهر اللاعقلانية (من تضحية وما شابه ذلك). وينطبق هذا على كل ما تناوله في النقد من صيغ أيديولوجية يمكنها أن تحرف الوعي السياسي عن إدراك الأسباب الحقيقة والأولوية في البدائل.

إن  فكرة "القوة بالوحدة" التي قال بها عبد الحميد الزهراوي كانت وثيقة الارتباط بفكرة الحرية والاستقلال والتقدم. وهذه بدورها ليست الا الصيغة المعبرة عن نقد الاستبداد العثماني والدعوة للاستقلال القومي. فمن الناحية الاجتماعية السياسية ليست فكرة الحرية والاستقلال والتقدم سوى مصدر وأسلوب القوة، وما يقابلها هو مصادر وأساليب الضعف. ومن هذه الفكرة كانت تتلألأ ملامح الفكرة الاجتماعية السياسية القومية، أي عندما أخذت هذه الفكرة تصبح رديفا أو موازية للفكرة القومية ومتغلغلة فيها. وليس مصادفة أن نراه يتساهل في نقد تأثير الدين (بوصفه مكونا ثقافيا) في الصراع "الشرقي – الغربي" (النصراني – الإسلامي)، مع انه كان كبير الفاعلية من حيث قدرته على التأليب ومن ثم تغطية المصالح أو تغليفها وتقديمها بالطريق القادرة على استقطاب القوى ومختلف مظاهر اللاعقلانية (من تضحية وما شابه ذلك). وينطبق هذا على كل ما تناوله في النقد من صيغ أيديولوجية يمكنها أن تحرف الوعي السياسي عن إدراك الأسباب الحقيقة والأولوية في البدائل

حدد أسلوب الزهراوي هذا وحدة الرؤية الواقعية والعقلانية ومواقفه تجاه مختلف القضايا التي تناولها. بحيث يمكن رؤيتها في مواقفه من القضايا الفكرية الفلسفية والدينية والفقهية والروحية وغيرها. ففي سلسلة المقالات التي كتبها عن (التكاليف والعقول) حاول البرهنة فيها على أن ضرورة الالتزام بفكرة الحق في كل مسألة وإتباعه هي القاعدة، وليس الاعتماد على ما يقوله إنسان أي كان وعلى أي مذهب أو فرقة بعينها. كما نراه يرد على أولئك الذين قالوا بصعوبة فهم حقيقة القرآن، قائلا، بأن القرآن مفهوم معقول، وانه مشروح بأعمال النبي، وإن حكمة التكليف تقوم في تنوير عقولنا بمعرفة الله. وطبق هذا الأسلوب في موقفه من علاقة القرآن بالسنّة وعلاقة العادات والعبادات والمعاملات عندما أكد على أن القرآن والسنة ينطلقان ويعتمدان من مبدأ كون الحسن والضروري والنافع متوافق مع العقل والطبيعة. وضمن هذا السياق يمكن فهم فكرته عما اسماه بالتدين المتفلسف، أي التدين الذي يرتقي من حيث رؤيته وتأسيسه للفكرة والمواقف تجاه مختلف القضايا بقدر من التفلسف (العقلي والعقلاني) الهادي إلى إرساء أسس الاعتدال (العقلانية). من هنا فكرته عن أن حسنة هذا التدين المتفلسف تقوم في تأسيسه للتروي والتفكر، أي الاعتدال. لهذا نراه ينتقد الفكرة السائدة والواسعة الانتشار في التقاليد الدينية عن أن العقل يؤدي إلى الكفر. إذ وجد فيها أمرا مجافيا للعقل والدين والإيمان على السواء. بل نراه يتوصل إلى فكرة حادة ودقيقة وعقلانية بهذا الصدد تعارض وتناقض مع هذه الفكرة، كما في قوله بأن زعم البعض أن إتباع العقول يؤدي إلى الكفر هو مخالفة للحقيقة، وانه لا يؤدي إلى الكفر إلا عدم إتباع العقل.

وطبق موقفه هذا في مجرى تناوله قضايا الفقه وتراثه وحاضره ومستقبله وأهميته. إذ نراه يتناول بصورة نقدية تاريخ الفقه المدّون في تفريعات المعاملات والعبادات بشكل عام وحالة الجمود والتحجر الحالية بسبب ارتباطه بسلسلة الكتب والمدونات والقيل والقال وليس بالحياة والواقع ومتطلباتهما العملية. ووضع نقده المتنوع هذا في سلسلة تتكون من أربع حلقات هي أن زمن الفقهاء والفقه القديم ليس زماننا، وأن قول الرسول هو العمل بالرأي وما قالوه الفقهاء هو اجتهادهم وليس قول الله، وأن آراءهم المتضادة ليس لها من مبرر سوى منافعهم ومنافع السلطان، وأخيرا أن تعدد وتنوع المذاهب أدى إلى تفرقة المسلمين. ولم يكن هذا الموقف النقدي من الفقه والفقهاء معزولا عن التقاليد العقلانية النقدية العميقة في الفكر الإسلامي بشكل عام وعند الغزالي بشكل خاص. فقد كانت اغلب مواقفه النقدية تجاه الفقه والفقهاء مأخوذة من الغزالي. بمعنى تركيزه على أن الفقه الميت هو نتاج التقاليد المدرسية الميتة. من هنا دعوته للتجديد بالخروج من إطار الكتب إلى التجربة الفعلية للعالم المعاصر. وذلك لأن الفقه الحقيقي هو ليس معرفة غسل الفرج ومسح الخفين وما شابه ذلك. وطبق ذلك على موقفه من أصول الفقه من خلال تحديد مواقف ملموسة ودقيقه من القياس والإجماع والسنة والقرآن. إذ اعتبر القياس معقول مقبول وضروري، أما الإجماع، فلا إجماع فيه لأنه لم يحدث ولن يحدث ولا طابع ملزم فيه. أما السنّة فإنها أكثر تعقيدا، لهذا تفرق القوم بسببها، ولم يبق إلا القرآن فهو الحجة الكبرى الوحيدة. في حين وجد في اغلب ما كتب وأثير الجدل حوله في الفروع خزعبلات، لاسيما وأنها جميعا مبنية على الظنون، وبالتالي فهي غير ملزمة ولا مقدسة. بينما نراه ينتقد مختلف مظاهر البطالة والاعتماد على الآخرين في التصوف. ويقف إلى جانب المبدأ النظري والعملي القائل، بأن الزهد والنسك لا يمنعان العمل. وأن النبي محمد هو نموذج أمثل في الزهد والعمل. أما الغلو في التصوف فهو ابتعاد عن العقل والطبيعة والحق. فالكمال الإنساني مقرون بقانون الاعتدال. والكمال هو فضيلة، وكل الكاملون جامعون لخصال الاعتدال.

وإذا كانت بعض آراءه النقدية لا تخلو من شطط وعدم دقة في الموقف من الفقه والتصوف، فلأنها لم تكنن تسعى لتدقيق المفاهيم وأصولها ونتائجها ومظاهرها، بقدر ما كان يسعى إلى نقد الواقع المعاصر من أجل الخروج من حالة الفساد والخراب المادي والمعنوي الذي انحدر إليه العالم العربي في ظل سيطرة تقاليد الفقه والتصوف آنذاك، أي كل تلك الصيغة التي لازمت تحلل الدولة العثمانية واستشراء الجمود والاستبداد فيها. بعبارة أخرى، إننا نلحظ في نقده للجمود والتخلف والتقليد الوجه الآخر لنقد جمود وتخلف البنية السياسية للدولة العثمانية واستبدادها. ليس هذا الاستبداد سوى الوجه الآخر لاستبداد التقليد والنصوص الميتة وشخوصها المحنطة. من هنا موقفه من الاجتهاد واعتباره إياه المسألة الدينية الأهم والأنفع في مجال الإصلاح. وبالتالي لا يعتد بقول من يقول لا اجتهاد.

مما سبق يتضح، بأن الهاجس العميق في فكره النقدي العقلاني بهذا الصدد يقوم في إبراز جوهرية الوحدة المعقولة بمعايير الحياة الواقعية. من هنا يمكن فهم تشديده على جوهرية القرآن والعقل فقط في الأصول بوصفهما مصادر الوحدة الواقعية والممكنة، والنظر إلى كل ما له علاقة بفقه الجسد والروح بمعايير المنفعة ومتطلبات الحياة العصرية والعقل والطبيعة والحق. ومن ثم إشغال العقل فيها بوصفه أسلوب الاجتهاد الضروري. الأمر الذي حدد بدوره القوة الفعلية لنقديته العقلانية، وذلك لأنها كانت تجمع بقدر واحد استمداد طاقتها من رؤية باحثة عن الأسباب، وتوجيه يناسبها صوب التأسيس العملي السياسي لنتائجها. لهذا نراه، على سبيل المثال، يشدد على أن سبب تخلف العالم العربي يرجع إلى استخفاف الحكومات بالعقول في علم نظام الاجتماع.

ووجد هذا الأسلوب طريقه إلى كيفية تناوله لمختلف الإشكاليات الفكرية والسياسية الكبرى التي كانت تواجه الدولة العثمانية وموقع العالم العربي فيها. ففي موقفه من الحماسة المنتشرة آنذاك في الدولة العثمانية عن ضرورة إعلان الحرب على أوربا كلها نراه يحذر من أن ذلك مجرد طيش لأنه يؤدي إلى جعل العدو الواحد (الدولة الواحدة) أعداء عديدين. كما انه لا يمكن خوض الحرب ضدها وكل أسلحتنا (وليس الأسلحة فقط) منها. وبالتالي فان الحماسة وحدها لا تكفي ولا الشجاعة بهذا الصدد، بل حسن الرأي. وأخيرا، إن المحافظة على الحياة أفضل من الموت السريع.

وقد تكون مواقفه من العالم العربي وإدراك مصالحه الكامنة هي المجال والميدان الذي كانت تتراكم فيه هذه الرؤية النقدية الواقعية والعقلانية. إذ نقف أمام ظاهرة تغير مواقفه مع بقائها ضمن سياق الدفاع عن المصالح الكبرى والحيوية للعالم العربي. لهذا نراه يقف بالضد من أولئك الذين اعتبروا علاقة السلطنة بانجلترا خطأ سياسيا. بل نراه على العكس من ذلك يجد فيها حسنة انطلاقا من إدراكه لأفضلية انجلترا مقارنة بالدول الأوربية الأخرى. كما أن الصداقة معها سوف يضيق عليها إمكانية التدخل في شئون الدول والمناطق العربية. وبدون ذلك تتدخل بوصفها عدوا أيضا.

لم تكن هذه الرؤية الواقعية والعقلانية والنقدية معزولة عن أسسها الفلسفية، أي تلك الصيغة التي وجدت منفذها الجزئي والنسبي والعلني فيما أطلق عليه عبارة التدين المتفلسف، باعتباره أفضل التدين. ومن ثم يمكن اشتقاق عبارة الواقعية والعقلانية المتفلسفة منها، بوصفها الصيغة الضرورية لتأسيس الرؤية السياسية العملية بأبعادها الاجتماعية والقومية.

 بعبارة أخرى، إننا نعثر عند الزهراوي على صيغة أولية وجزئية، لكنها فاعلة بمعايير الرؤية السياسية عن وحدة العقلانية ومنظومة الرؤية. فعندما يتناول على سبيل المثال، مسالة الحب والكراهية، فإننا نقف أمام محاولة صياغة نظام للحب والكراهية على أساس فلسفي أخلاقي. ووضع ذلك في سلسلة الأسباب والبدائل تتكون من ستة عناصر وهي على التوالي:

ففي الاسباب وضع كل من

 

الشر- الأوهام الباطلة

الأوهام – الجهل

الجهل- قلة القراءة والكتابة

قلة القراءة – رداءة أصول التعليم

رداءة أصول التعليم بسبب التقليد الأعمى

التقليد هو اختلال شئون النفوس

 

اما البدائل فهي كل من

 

حب الحقائق

تنوير الأذهان

تكثير القراءة والتفقه بها

ضرورة الأصول النافعة في التعليم

ضرورة الفهم بالتفكر

ضرورة وصف العلاج لكي تشفي النفوس منها

 

 ووضع هذا الإدراك للسببية في فكرة البديل. بحيث يمكننا الحديث عن نظام رؤية يوحد في ذاته المتناقضات من اجل أحداث توازن في النفس عوضا عن اختلالها الدائم. وانطلق بذلك من المقدمة القائلة، بأن حياة الإنسان كنظام معروف بعد وجوده. فالحب هو اعتقاد خير راجع أو مناسب للنفس المحبة من الجهة المحبوبة. والبغض ضده. فهو اعتقاد شر راجع أو مناسب للنفس الباغضة من الجهة المبغوضة. الأمر الذي يجعل من الممكن إدخالهما في نظام. وان هذا النظام يبدأ بحب الذات، لأن الإنسان لا يحب في نهاية المطاف إلا ذاته. ومنه يمكن بناء نظام انطلاقا من أن حب الذات أصله طبيعي. مما يستلزم بدوره وجود حدّ (حقوق). من هنا ضرورة الحدود (القانون) لأن تجاوزها يؤدي إلى الشر. ولا يمكن الوقوف عند الحدود دون حب الآخرين (الغير). ولا يمكن حب الآخرين دون حب النفس. ورفع هذه المقدمة النظرية إلى مستوى التأسيس العقلاني للفكرة السياسية. وكتب بهذا الصدد يقول، بأن الحب والبغض شيئان متضادان في الوجود (الإنسان). من هنا ضرورة الحدود (القانون) لان تجاوزها مضرة. وهو مصدر "الدفاع الذاتي" (من الانحلال الداخلي والعدو الخارجي). مما يستلزم بدوره محبة الآخرين كعلاج لإمكانية تجاوز الضرر. وهذا بدوره يستلزم التقيد بنظام المحبة الجامعة، أو الخير العام. وبالتالي فمتى كان الحب والبغض ناشئان من فكر سليم كانت السعادة. فالحب والبغض وجهان للخير والشر. الخير هو استعمال الإنسان ما خلق الله له من القوى والاستعداد لأجله استعمالا مشروعا (تابعا للشرع) يراعي فيه حق الغير، والشرّ ما هو ضد ذلك. ووضع هذه الفكرة في استنتاج اجتماعي وأخلاقي أوسع يقول، بأنه إذا كانت ذوات غيرنا مثل ذاتنا، فإن ذلك يستلزم أن نصلح لها ما يصلح لنا. وينطبق ذلك على كل ما له علاقة بالحياة والممات، أي بكل ما له علاقة بحاجات الفرد والجماعة بما في ذلك على مستوى الفكر والهواجس، بالألم والفرح، والخوف والرجاء. ثم رفع هذا الاستنتاج إلى مصاف التوظيف العملي من خلال إدراجه ضمن فكرة الإرادة. وكتب بهذا الصدد يقول، بأن الإنسان العاقل يحب الحسن والاستحسان وبغض ضدهما. فالإنسان يحب الأشياء الجميلة، لكن حب الأشياء واستحسانها مرهون بالإرادة. وبالتالي، فإن جمال الإنسان يظهر بحبه أو استحسانه للجميل والخير. ووجد هذا الاستنتاج المتعلق بفكرة الإرادة طريقه إلى فكرة أخلاقية سياسية تؤسس للحرية والحق والاعتدال من خلال نقد حالة الجمود والاستبداد. إذ نراه يصور حالة الجمود بوصفها الصفة الملازمة لمعاصريه. وبالضد من ذلك كتب، بأنه إذا جرى تقرير أساس لبناء نظام الأخلاق والشريعة(القانون)، فإن الشيء الجوهري في الأخلاق هو ذم جمود النفس، وذم غلواءها، والدفاع عن الاعتدال. وهذا بدوره ليس إلا المقدمة التي تميز الإنسان عن غيره من الحيوان. فحب التمييز يميز سلوك الإنسان في كل شيء. لكن خصوصيته الكبرى تظهر في استخدام الفكر. فالحسن في حب التميز هو ارتقاء الحياة النوعية، بينما السيئ في حب التميز هو حرص النفوس على الاستبداد، أي الاستيلاء على حرية الغير.

إننا نقف هنا أمام لوحة فلسفية تغلّف الأبعاد السياسية لنقد الاستبداد، وتؤسس لفكرة الحرية والاستقلال الفردي والجمعي والقومي. وليس مصادفة أن يربط الزهراوي كل هذا التفلسف بفكرة القوة لما لها من أثر في صيرورة الأمم على امتداد التاريخ، وقيمة حيوية تامة في ظل الشروط الجديد لصيرورة الأمة القومية. إذ نراه ينطلق من تقرير الفكرة القائلة، بأن حب القوة طبيعية في الإنسان. ليس هذا فحسب، بل أنها أيضا لازمة من لوازم الكمال. فالقوة فاعل ومنبت في كل الموجودات الحسية والغيبية. ففي الحس هي قوة نفسية (ملكة)، وفي الغيبيات هي قوة غيبية (ملائكة). وبالتالي، فإن التقصير في طلبها هو مرض نفسي واجتماعي.

فقد قسم الزهراوي القوة تنقسم إلى قسمين، قوة طبيعة (جسد – عقل – قلب) وقوة صناعية (قومية – دينية – مدنية). وأن كمال القوة يجري من خلال تضافرها في روابط. بعبارة أخرى، إننا نقف هنا أمام محاولة تأسيس الفكرة الصناعية (الثقافية أو الحضارية) بوصفها استمرار ونفيا للمستوى الطبيعي. وفي الوقت نفسه النظر إليها باعتبارها ظاهرة تاريخية ملموسة. لهذا نراه يعتبر القوة القومية (رابطة القرابة) المرحلة الأولى، ثم تليها القوة الدينية ثم المدنية. فالقومية بالنسبة له ترتبط هنا بفكرة رابطة القرابة، بينما دينية برابطة الفكر والأفكار، أما المدنية فترتبط برابطة الأعمال لحب الزينة والتميز، أي للدولة المدنية والحضارة. وانطلق في تفسيره لهذه المراحل والمستويات من أن الرابطة القومية تنفع الإنسان، ولكنها لا تقضي على العداوة بينه وبين الآخرين. أنها رابطة بتراء، لأنها تجمع من جهة وتفرط من جهة أخرى. كما أنها لا تقر ولا تجّسد الحقيقة القائلة، بأن الإنسان واحد كيفما كان لونه ولسانه. ووضع هذه المقدمة في فكرة سياسية ثقافية عميقة مناهضة للإثنية البدائية التي عادة ما تميز الكثير من الحركات الجنسية (القومية الحديثة). وكتب بهذا الصدد يقول، بأنه قد ترسخ في الوعي والذاكرة والتقاليد فكرة غير صحيحة تعتقد بأن الرابطة القومية رابطة طبيعية. بينما هي ليست كذلك. وتجارب التاريخ بما في ذلك الحديث تبرهن على ذلك. واستنتج من ذلك موقف عملي سياسي يقول بضرورة الوقوف ضد التعصب القومي لأنه ناقص. وبالأخص ذاك الذي يتميز بالإثم والعدوان.

أما الرابطة الدينية، بوصفها الدرجة الثانية، فانه عادة ما يجري التأسيس لها من قبل مصلحين ملهمين. كما أنها عادة ما تكون ردا على حالة الفساد والحطام والصراع. فكل امة تنتج مصلحيها. مما أدى ذلك إلى ظهور مصلحين تتوحد بأثر جهودهم شعوب ولغات. الأمر الذي جعل من هذه الوحدة (الرابطة) أقوى من أواصر الأبدان ووشائج الأوهام. وبما أن الذين أرادوا الإصلاح يتألف هداهم من توجيه النفس الإنسانية صوب عالم الغيب وتوفيق عواطف الإنسان، من هنا تعدد وتنوع الأديان بفعل تعدد وتنوع الأزمان. وبالتالي، فإن القوانين التي يجري سنّها، بأثر هذه المرحلة (أي قوانين الأديان والشرائع الدينية) عرضة للتغير. وذلك لأن ما كانت تقوم به من اجل تأليف القلوب في فترة ينقلب إلى ضده، كما أن ما قامت به لضرورة آنذاك قد لا تكون الآن ضرورة. وبالتالي، فإن الرموز التي أخذت في وقتها على ظاهرها كما هي عادة ما يجري تطويعها بشكل آخر. كل ذلك يعطي لنا إمكانية القول، بأن الظروف تتغير ويتغير معها كل شيء. وأن الثابت الحق هو الفطرة، كما يقول الزهراوي1 .

 أما الرابطة المدنية، فإنها مبنية على أساس القاعدة القائلة، بأن الناس في حاجة أثناء اجتماعهم إلى ناموس فطري أو تعليمي. وتتميز هذه الرابطة بأثر التطور الاجتماعي الحديث بسيادة النظام والناموس والقانون والشريعة والمنهاج. فالمدنية هي التعاون في العلوم والأعمال. وأن علمها الأساسي، أي علم أسباب المدنية هو طب الاجتماع. وأن من يعمل بهذا الطب هو السياسي. وذلك لأن المدنية رابطة سياسية. والمدنية فعل لا يتناهى، يعمرها سياسيون ويبيدها سياسيون. وأن التاريخ يكشف ويبرهن على انه لا أمة متمدنة رأسا، بل في تدرج.

ووضع كل هذه المقدمة النظرية في أساس موقفه السياسي العملي من حالة الدولة العثمانية والعالم العربي فيها. فقد انطلق هنا من مقارنة المدنية وضياعها في أوربا وآسيا. واعتبر الفرق بينهما (زمنه) محكوم ببناء وضياع المدنية. وجعل من الاستبداد والحرية أقطابا وأضدادا لهذه الحالة. بمعنى انه ربط صعود المدنية بإزالة الاستبداد، ومن ثم بناء الحرية ونشر التعليم. لهذا نراه يتوصل إلى أن المدنية بالنسبة للعالم العربي (زمنه) تقوم في كل من محاربة الاستبداد وحب الوطن بالأعمال والخير العام، ومحاربة التقليد، والعمل من اجل الوحدة. أما الحصيلة الدقيقة لكل هذه المكونات فيقوم في استنتاجه القائل بضرورة ربطها بفكرة عامة. من هنا قوله بضرورة تحديد السياسة بقانون عام، والعمل من اجل بناء نظام عام ووطن عام وقوة عامة. وقد كانت تلك إحدى أعمق الأفكار النظرية السياسية العملية في تأسيسها للفكرة القومية العربية آنذاك.

***

ا. د. ميثم الجنابي

...................

1- وضمن هذا السياق ينبغي فهم الفكرة التي قالها الزهراوي عن أن الدين الكبير الحق يوّحد الناس بغض النظر عن الصور واللون والجنس ويقاربهم في القلوب ويهذب الأخلاق والنفس، لا تستمد فحواها من تقاليد الفكرة الدينية القديمة، بقدر ما تستمد حقيقتها من رمزية العبارة الداعية إلى تجاوز الطابع المطلق للفكرة الدينية عبر إرجاعها إلى أصولها التاريخية، ومن ثم النظر إلى الحاضر بمعايير الحاضر. ووجدها في الفكرة القومية الحديثة المتحررة من الإثم والعدوان.

 

في المثقف اليوم