دراسات وبحوث

التفسير والتأويل الغزالي- استقامة العقل والروح (1-2)

ميثم الجنابي"النظر بعين الاعتبار هو إدراك حكمة الله في كل موجود"

(الغزالي)

لقد اقترن الظاهر والباطن بالتفسير والتأويل للدرجة التي أصبح من الصعب فصل أحدهما عن الآخر. وهو ترابط متجذر في الوعي الإسلامي. والمفارقة الفكرية لهذه الظاهرة تقوم في أن محاولة إزالة الهيبة المفتعلة لقدسية النص باعتبارها اجتهادا قابلا للخطأ والصواب أو ظنونا تتراوح في قربها وبعدها عن الحق، قد شكلت في الوقت نفسه الصيغة الثقافية لبناء "الصراط الإسلامي المستقيم". وقد كان ذلك يعني أيضا رصف المكونات التاريخية للكينونة الإسلامية التي عادة ما كان يجري إدراكها على أنها التجلي الممكن للحكمة الخالدة. وقد لازم هذا الإدراك في آن واحد قطرات الروافد الأساسية لصراط الاستقامة الإسلامية في دينها ودنياها، علمها وعملها، روحها وجسدها، اي باطنها وظاهرها ومن ثم تفسيرها وتأويلها. وقد جرى في تقاليد التفسير والتأويل ظهور وتوسع ميادين الهواجس والوساوس، واليقين والشك، والتصديقات والتصورات، والأحكام والتأملات، أي كل ما كان بإمكانه أن يبدع في وحدته  فرضيات الإدراك الحق "للحكمة الخالدة" في القرآن.

فقد انتجت الثقافة الإسلامية في مختلف ميادينها صيغا عديدة للتفسير والتأويل[1]. وبهذا تكون قد أدت في مجرى اشتراك مدارسها وتياراتها العديدة إلى صنع ما يمكن دعوته بثقافة التفسير والتأويل الإسلامية. والمقصود بثقافة التفسير والتأويل هنا هي تلك التي تمتلك إدراكها الخاص لتاريخها الذاتي. فالحديث يجري هنا لا عن أجنتها أو شظاياها المتناثرة في لغة الفكر والتاريخ، بل عن كلّها النظري والعملي، وذلك لما لهذه القضية من أهمية بالغة. فقد بلورت في آن واحد مزاجها الروحي اللعقائدي وأحكامها الأخلاقية والحقوقية بأثر الأهمية الجوهرية للقرآن في تكوينها العام. وهو الذي يفسر أيضا قيمة التفسير والتأويل في الوعي النظري الإسلامي. بمعنى تحولها إلى جزء من الثقافة المدرِكة لذاتها، باعتبارها قضية مستقلة في وجودها. وأن بلوغها لهذه الدرجة يعكس تراكم مكوناتها الأولى منذ أن احتل القرآن موقعه المباشر في إدارة شئون الأمة. فإذا كان القرآن زمن النبي محمد هو الوحي الساري في آياته وأقواله وافعاله، فإن تحوله إلى "كتاب" الأمة بعد موته قد أدى إلى رفعه إلى مصاف المصدر الأول، الذي أثار إلى جانب أمور أخرى "محنة" القديم والمحدث فيه. وقد عكست هذه المحنة في ثناياها قيمة وفاعلية الجذور المؤلمة لأعصاب الثقافة الإسلامية في أعمالها السياسية واجتهاداتها النظرية (الكلامية) والروحية (الأخلاقية) والفقهية (الحقوقية). فإذا كانت اجتهادات الفرق الكلامية الأولى تدور في الأغلب حول تبرير أفعالها، فإن تنظيرها اللاحق في ثنايا الاجتهادات الكلامية قد ساهم في بلورة القيم العلمية والعملية للتفسير والتأويل، أي سار في نفس الاتجاه العام لثقافة الحدود الفقهية. إذ جرى فيها ليس فقط تقنين القرآن في أصول التشريع، بل وتجزئته الدائمة في أحكامها. وهي العملية الضرورية الملازمة للاجتهاد. لكنها حالما تدخل في أطر المذاهب وعقائدها فإنها تكف عن أن تكون اجتهادا. الأمر الذي أدى بها بالضرورة إلى الانحطاط صوب الهيبة المزيفة للتقليد والتقديس. غير أن النتيجة المتكلسة في الظاهر كانت على الدوام عرضة للاختراق في ميادين الأخلاق والسياسة. لهذا شكلت الأخلاق الميدان الأكثر حساسية وصعوبة لهيمنة الظاهرية. وذلك لأنها الوحيدة القادرة على إبداع منظومات الباطن، وبالتالي حرية التأويل غير المحدود، وبالأخص في الطرق الصوفية التي شكلت مقدمة لآراء الغزالي ومواقفه بهذا الصدد.

وهي المقدمة التي استند إليها الغزالي، تماما بالقدر الذي بلورت فيه كيفية إدراكه ولحد ما نموذج بديله المتوافق في مضمونه مع مجمل تصوراته وأحكامه عن الظاهر و الباطن وماهية القرآن نفسه. ولا يغير من ذلك شيئا كون الغزالي لم يضع كتابا خاصا في تفسير القرآن أو تأويله[2].

لكنه أبقى على نماذج من تأويله وتفسيره في مؤلفاته العديدة. إضافة لذلك انه قام بصياغة قواعد للتفسير والتأويل في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) عممت إبداع الثقافة الإسلامية بالشكل الذي سعت فيه إلى تأصيل روح الابتكار الحر باعتباره جزءاً من هموم البحث الدائم عن الحكمة العلمية والعملية (العقلية والأخلاقية).

إن لهذه  القواعد العامة مقدماتها الفكرية في مؤلفاته السابقة. بمعنى صيرورة بعض عناصرها الأولية في تناوله لمختلف القضايا الكلامية والفقهية والفلسفية. ويمكن العثور على هذه المقدمات بوضوح منذ بواكير أعماله النظرية وبالاخص في كتاب (معيار العلم في فن المنطق) حيث يمكننا هنا للمرة الأولى رؤية منطقية التأويل لا التأويل. إن استعماله للتأويل هنا يجري في اطار وتقاليد الفكر المنطقي الكلامي الفلسفي. فعندما يتناول على سبيل المثال مسألة الشروط المنطقية في الفقهيات، فانه أكد على قاعدة "ألا يكون نسبة المحمول إلى الموضوع على جهتين مختلفتين". فالماء في الكوز مرو ومطّهر، وليس بمرو ولا مطهر. مرو بالقوة وليس مرو بالفعل. ولم يجد في ذلك تناقضا. وحالما طبق هذه القاعدة على الآية (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) فأنه يحاول أن يكشف عن معقوليتها المنطقية أيضا من خلال نفي الرمي وإثباته. بمعنى عدم جعل جهة النفي هي جهة الإثبات. ولهذا لم يتناقضا[3]. إنه أراد الكشف عن أغلاط الفقهاء في استيعابهم لحقائق النص القرآني بسبب عدم تمكنهم من شروط المنطق. وحالما دفع بهذه الفكرة إلى نهايتها فإنه وقف أمام مهمة دحض الرفض السفسطائي للقياس استنادا إلى تناقض أقيسة الفقهاء والمتكلمين انطلاقا من أنه لو كان القياس صحيحا لما تناقض موجبها، مثل القول بأن الرحيم لا يؤلم البرئ من الجناية، والله أرحم الراحمين، فإذن لا يؤلم بريئاً من الجناية. في حين اعتبر هذه النتيجة كاذبة استنادا إلى واقع رؤيتنا لإيلام الله للحيوانات والبهائم والمجانين من غير جناية منهم. ولكن هل يعني ذلك الشك في قولنا إن الله أرحم الراحمين؟ وأجاب على هذا السؤال من خلال البرهنة على أن هذه الاستنتاجات عادة ما تنطلق من مقدمات جدلية مشهورة مسلّم بها من حيث استبشع نقيضها. وعادة ما يحدث ذلك بفعل مخالفة الجمهور (العامة) أو لما فيه من مخالفة ظاهر القرآن. وعندما طبق ذلك على قضية الرحمة فإنه اعتبر وصف الله بالرحمة على الوجه الظاهر كما تفهمه العامة هو وصف سطحي وذلك لأن الله مقدس عنه. إذ أن ألفاظ الرحمة والغضب وما شابه ذلك شبيهة بألفاظ النزول والمجيء. والأخذ بظاهر اللفظ والتسليم به دون التحقيق يؤدي إلى كذب النتيجة. وإن كون الله رحيما بالمعنى الذي تفهمه العامة هو ليس مقدمة أولية كما لا يدل عليها قياس الشرط المذكور. بمعنى أن محل الغلط هنا  يقوم في ترك التأويل في محل وجوبه، كما يقول الغزالي. وهو السبب القائم وراء انتشار التناقضات وكثرتها في أقيسة المتكلمين. وذلك لأنهم ينطلقون من مسلمات مشهورة أو تقليدية مترسخة من غير برهان، ومن غير أن تكون واجبة التسليم فعلا[4]. بصيغة أخرى، إننا لا نعثر في كتاباته ما قبل انتقاله إلى التصوف إلا على مواقف أولية وجزئية عن التفسير والتأويل ضمن آرائه ومواقفه المنطقية والفقهية. وهي الصيغ التي ظلت مع ذلك سارية المفعول في الأخلاقية الصوفية وأذواق تأويلها الباطني باعتبارها المستوى الأرقى للمنطق. وسوف يظل هذا التناسب غير المرئي يتطابق مع العلاقة التي تتحكم بتناسب العقلي المنطقي مع الروحي الأخلاقي بما في ذلك في أشد اللحظات ذوقا (صوفية).

أما الخلافات التي ستظهر في وقت لاحق في بعض جوانب تفسيره وتأويله، فليس ذلك إلا بفعل تعمق وتوسع تجربته الفكرية والاجتماعية السياسية والروحية من جهة، وتناوله الملموس لهذه القضية أو تلك في أبحاث خاصة، من جهة أخرى. مما اعطى لآرائه السابقة صيغة العناصر الأولية القابلة للتغيير والتطوير. ففي (المستظهرى أو فضايح الباطنية) على سبيل المثال، تبرز أيضا الصيغة العقلانية مقارنة بما في (معيار العلم في فن المنطق) من خلال انتقاده للتطويع الفِرَقي المتحزب للتأويل في الإسماعيلية (التعليمية). فهو يقف هنا بالضد مما اسماه بالتأويل الذي لا يدل نظر العقل عليه، لأنه يؤدي به إلى السفسطة[5]. وهي ذات العقلانية التي حاول اظهارها في (الاقتصاد في الاعتقاد) من خلال تأويله للآيات التي تتماشى مع اطروحاته الكلامية الفلسفية بصدد قضايا وجود الله وصفاته وأفعاله. ويمكننا العثور عليه من خلال وجود وثقل نتاج الكلام العقلاني المعتزلي والاشعري في تأويلاته لآيات خلق الإنسان والاستواء والنزول[6]. لكنه يختلف مع المعتزلة في قضايا أخرى تتعلق بنتائج التأويل لا بالتأويل العقلي، أي تجاه كيفية توظيفه في بعض القضايا. ففي معرض انتقاده لآراء المعتزلة بصدد مسألة رؤية الله، ومقارنة آرائهم بآراء الحشوية، فإنه يشير إلى أن الحشوية لم تفهم معنى "وجود لا في محل"، أما المعتزلة فقد نفت الجهة ولم تثبت الرؤية. ولهذا وجد في استنتاج المعتزلة شيئا يؤدي إلى مخالفة الشرع[7]. من هنا يبدو واضحا، بأن الأسلوب العقلاني العام للغزالي والذي جرى إبراز ملامحه الأولية في (معيار العلم في فن المنطق) هو نفسه في كل من (المستظهري أو فضايح الباطنية) و(الاقتصاد في الاعتقاد)، وجزئيا في (تهافت الفلاسفة)، حيث ركز على إمكانية أن تؤدي تأويلات الفلاسفة إلى نفي النبوة. ولا يعني ذلك في الواقع، سوى تشابههما مع آراء المعتزلة من حيث كونهما يؤديان بنظره إلى خلاف  مع الشريعة، أي كل ما نعثر عليه في وقت لاحق في آرائه المنظومية عن التأويل ودرجاته. أما الفرق بين الفكرتين فإنه يقوم في الطابع النقدي الجزئي لآرائه الأولية وطابعها التعميمي فيما بعد. بمعنى اتخاذ انتقاده الأولى والمشبع بروح الجدل الكلامي طابع الايجاب المتزن. وهي النتيجة التي حصلت على تنظيرها المتجانس في صياغة مراتب التأويل ودرجاته الخمس التي تتطابق فيها مراتب التأويل مع عوالم الوجود. وبذلك يكون قد فسح المجال أمام التأويلات جميعها وضرورتها أيضاً، باعتبارها انعكاسا مناسبا لتعمق المعرفة واستعدادها. مما كان يتضمن في ذاته بذور إضعاف وتهشيم الأسس النفسية والفكرية للتكفير. وبهذا يكون من بين المفكرين المسلمين الأوائل الذين وضعوا منظومة شاملة في التعامل مع الجميع في تأويلاتها وأن يبقي في الوقت نفسه على نسبيتها المنهجية والمعرفية. إن الابقاء على النسبية المنهجية والمعرفية يعني الإقرار بتنوع الحقيقة وكذلك الإقرار بتباين مستوى ادراكها. إنه أراد إزالة التعصب و"العصمة" الذاتية في الأحكام، خصوصا في تلك القضايا التي تشكل في أفضل أحكامها اجتهادا يعكس استعداد المرء وقدرته لا غير في استيعاب ثقافة التأويل والتفسير. فالنسبية هنا هي الشرعية العقلية في الاجتهاد، التي يفرضها بالضرورة انتماء المفكرين للفِرق والمدارس والأحزاب. وهي النسبية التي ظلت مرتبطة في أحكام الغزالي بمدى اقتراب المعرفة من "حقائق" الفكرة المجردة و"الحكمة الخالدة". بمعنى في اكتشافها الدائم لحقائق الحكمة الخالدة. وهذه بدورها ليست إلا معرفة النفس وحقيقتها الفردية والاجتماعية والدينية والسياسية بما في ذلك في مجرى تعاملها مع "النص الإلهي". فالأخير ليس نصا قابلا للقراءة مرة واحدة وإلى الأبد  بقدر ماانه قابل للقراءة المستمرة والمتنوعة بما يتوافق  مع الضرورة في حاجاتها والأرواح في أخلاقها والفقهاء في اجتهادهم. وقد أسس الغزالي لهذا التنوع والتعدد في ما اسماه بتراتب الأرواح والعقول (التأويلية) بما يضمن لها حرية التمسك باستنتاجاتها. بمعنى إمكانية "ترويضها" بالشكل الذي يكسر حدية التعصب والتشدد، وأن يبقي عليها في اطار الوحدة المتنوعة للتأويل الإسلامي. وبهذا كان أسلوبه هنا يتطابق مع ما يمكنه أن يكون أسلوبا للإجماع المتنوع أو الإجماع الثقافي لا الفقهي. فقد وضع في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) منظومته التأويلية ردا على نفسية الكفير وتقاليدها الفكرية السائدة. مما اعطى لها طابعا سياسيا واجتماعيا أخلاقيا استند في تحليلاته وغاياته إلى ما هو جوهري في استنتاجاته السابقة وخصوصا ما وضعه في (إحياء علوم الدين).

وتجدر الإشارة هنا إلى آرائه عما أسماه بالدرجات الخمس لترتيب الاعتقاد في إدراكها لعلاقة الظاهر بالباطن، والحقيقة بالشريعة. فالقسم الأول منها هو ما يكون الشيء في نفسه دقيقا نكلّ الافهام عن ادراكه مثل سرّ الروح. والقسم الثاني ما هو مفهوم في نفسه إلا أن ذكره يضر بأكثر المستمعين مثل سرّ القدر. والقسم الثالث ما يكنى على سبيل الاستعارة والرمز ليكون وقعه في القلوب أفضل وأجلب للمصلحة. والقسم الرابع أن يدرك الإنسان الشيء جملة ثم يدركه تفصيلا بالتحقيق والذوق. والقسم الخامس أن يعّبر بلسان المقال عن لسان الحال[8]. وهي الدرجات التي لا تتطابق مع ما وضعه في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة)، لكنها تؤسس لها من حيث صياغتها فكرة الدرجات والترتيب في الاعتقاد (الإدراك)، أي درجات إدراك النسبة بين الظاهر والباطن في القرآن. ونعثر على النموذج النظري الآخر لهذه الفكرة في تفريقه بين طريق النظار (المتكلمين) وطريق المتصوفة، أو بين العقل والذوق عندما أشار إلى ما أسماه بدرجات العوالم أو الوجود وهي الوجود في اللوح المحفوظ، والوجود الجسماني، والوجود الحقيقي، والوجود الخيالي، والوجود العقلي[9]. وإذا كان الغزالي يشير إلى أربعة عوالم فلأنه وضع عالم اللوح المحفوظ وراء الموجودات الأخرى. وهي فكرة تتطابق من حيث انعكاسها المعرفي والتأويلي مع ما في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة)[10].

 

ا. د. ميثم الجنابي

..........................

[1] ليس المقصود بذلك تباين الآراء والمواقف حول حد وحقيقة التفسير والتأويل السائدة في الكتب المدرسية الكلامية، بقدر ما يعني مظاهرها في المجالات العلمية والعملية. ولا يعني ذلك انتقاص ما في هذه التحديدات من قيمة منهجية ومعرفية. إذ أنها تحتوي أيضا على أسلوب المدارس وشخصياتها الكبيرة في تدقيق ما تراه ضروريا في أساليب تعاملها مع المادة المدروسة، أي حصيلتها النظرية والعلمية والعملية. وهي قضايا لها أهميتها المباشرة ضمن اطار التعليم المدرسي فقط.

[2] لم يضع الغزالي تفسيرا بالمعنى التقليدي للكلمة والمصطلح. ما ينسب إليه بهذا الصدد هو من الموضوعات، أي المؤلفات الكاذبة. لهذا لا نستطيع الحديث عن صيغة منظمة للتفسير والتأويل عنده بالمعنى التقليدي، أي بالصيغة التي تستلزم أولا وقبل كل شيئ التعامل الكلي مع النص القرآني سواء بطريقة جزئية مع آياته وسوره أو بصورة شاملة جامعة. لكننا نعثر عنده على ما يمكن دعوته بقواعد التفسير والتأويل التي بلورها للمرة الأولى في كتبه (جواهر القرآن ودرره) و(فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة). لقد تناول فيهما مادة التأويل وقواعده. أما استعمالها المباشر فقد نثره في مختلف أعماله وبالأخص في كتابه (إحياء علوم الدين). ونقف هنا أمام إشكالية "تاريخية" ذات علاقة بالتسلسل الزمني لتأليف هذه الكتب. فقد كتب (إحياء علوم الدين) قبل كتابة (جواهر القرآن ودرره) و(فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة). غير أن هذه الإشكالية تزول في حال افتراض أن ما وضعه فيهما هو نتاج تأمله وتعميمه لتجاربه في التأويل منذ كتاب (إحياء علوم الدين). وهو افتراض يمكن تأييده استنادا الى كتاب (الإحياء) نفسه.

[3] الغزالي: معيار العلم في فن المنطق، ص92-93.

[4] الغزالي: معيار العلم في فن المنطق، ص167.

[5] الغزالي: المستظهري أو فضائح الباطنية، ص5، ص34.

[6] الغزالي: الاقتصاد في الاعتقاد، ص24-29.

[7] الغزالي: الاقتصاد في الاعتقاد، ص35.

[8] الغزالي: إحياء علوم الدين، ج1، ص100-104.

[9] الغزالي: إحياء علوم الدين، ج3، ص21.

[10] يؤيد هذا الاستنتاج ما سبق وأن أشرت إليه عن أن منظومة التأويل النظرية في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) قد استجمعت في قواعدها (قوانينها) أفكاره المتناثرة في مؤلفاته السابقة وبالأخص (إحياء علوم الدين). لقد استطاع الغزالي أن يحوّل حصيلة أفكاره بهذا الصدد إلى قانون نظري في التأويل.

 

في المثقف اليوم