دراسات وبحوث

حقيقة النبوة عند الغزالي (2)

ميثم الجنابي "الأنبياء أطباء أمراض القلوب"

(الغزالي)

النبوة ودرجات اليقين المعرفي: إن رفع النبوة فوق مصاف العقل الكلامي لم يعن رفعها في أفلاك اللاعقلانية وأسرارها المسحورة بافتنانها الخيالي، بل إدراجها في مدار ما وراء العقل. وهذا بدوره ليس إلا مدار إدراك العقل لبعض خواصها لا حقيقتها الكلية. لهذا أكد في (المنقذ من الضلال) على أن حقيقة النبوة لا تدرك إلا بالذوق الصوفي. وفي حال عدم قدرة المرء بلوغ ذلك فإن من الممكن تيقنها بالتجربة والتسامع في مصاحبة الصوفية بحيث يستطيع رؤية ذلك وملاحظته "بقرائن الأحوال". وإن لم تتوفر له فرصة مصاحبة الصوفية، فإنه يستطيع أن يتيقن ذلك بشواهد البرهان[1]. فالإيمان هو الدرجة الأولى والبسيطة، والبرهان هو الدرجة الأرقى والأرفع. أما البرهان الذي تكلم حوله الغزالي فهو مقرون بحقيقة القلب الإنساني، وما يتميز به عن الموجودات الأخرى، وبالأخص تميزه بالعلم و الإرادة، بمعنى وحدة الوجود الطبيعي بالرقي المعرفي الأخلاقي. وذلك لأن المعرفة الإنسانية لا يمكنها أن تتعدى، بما في ذلك عند النبي، حدود التجربة العملية والفكرية. فالتجارب العملية والفكرية هما رصيد وخزانة المعرفة المرهونة بإرادة الإنسان، تماما كما هو الحال بالنسبة للكاتب الحاذق، يقال له كاتب مع انه لم يكتب. غير أن وجود قدرته هي الرصيد أو الخزانة الدائمة. وفي هذا تتفاوت قدرات الناس رغم كونها غاية الإنسانية ودرجتها[2].

فالجميع يمتلك القدر الضروري من العلم والقدرة. لكنهم مع ذلك يتباينون تباينا يصعب حصره سواء ما يتعلق منه بكمية المعلومات ونوعيتها، ودرجاتها وطرق تحصيلها. هناك من يحصل عليها بإلهام على سبيل المبادأة والمكاشفة، وهناك من يحصل عليها بطريق التعلم والاكتساب. أما اختلاف السرعة والبطء في الحصول على المعرفة فهو الذي يؤدي إلى تباين منازل العلماء والحكماء والأنبياء والأولياء. وذلك لأن درجات الترقي غير محصورة بسبب عدم تناهي معلومات الله، والتي تشكل رتبة النبي فيها أعلى المراتب من حيث "تتكشف له كل الحقائق أو أكثر من غير اكتساب وتكلف بكشف إلهي في أسرع وقت"[3]. فهو الأسلوب الذي تشاطر المتصوفة به الأنبياء، رغم انفتاحه للعلماء (المتكلمين) والحكماء (الفلاسفة). فالمنازل لا حصر لها. والمترقي يعرف ما يتجاوزه لا ما بين يديه، تماما كما "إنا نؤمن بالنبوة والنبي ونصدق بوجوده ولكن لا يعرف حقيقة النبوة إلا النبي، كما لا يعرف الجنين حال الطفل، ولا الطفل حال المميز… فكذلك لا يعرف العاقل ما افتتح الله على أوليائه وأنبيائه من مزايا لطفه ورحمته"[4]. فهي المعرفة التي لا يمكن بلوغها خارج سلوك التصوف، وتطهير القلب تطهيرا كليا. وذلك لأنه لا طريق في بلوغ حقيقة المعرفة النبوية والأولياء مازالت القلوب محجوبة بحجاب المادة. فالقلوب كالأواني. فما دامت ممتلئة بالماء لا يدخلها الهواء. فالقلوب المشغولة بغير الله لا تدخلها المعرفة بجلال الله[5]. بمعنى مساعي التحلي بالصفة الربانية واستقرار "العلم والحكمة واليقين والإحاطة بحقائق الأشياء ومعرفة الأمور على ما هي عليه"[6]. فهي العملية التي تشذب أعماق الإنسان وترفعها إلى مصاف الشبه بالملائكة. آنذاك سيكون بإمكانه إدراك حقيقة النبوة من خلال معرفة السر القائم فيها بالإلهام، باعتباره علاقة بين الله والعالم. إذ ليس الإلهام هنا سوى الاستمرارية الفردية لروح النبوة، أو وحيها التاريخي. فهي المعرفة الحاصلة بالمشاهدة ونور اليقين، أو هي ذاتها الذوق، حسب عبارة الغزالي، أو ثمرات التجلي أو نتائج الكشوفات وبوادر الواردات، حسب عبارة الصوفية. وقد وصف الغزالي بعض جوانب هذه العملية حالما تناول قضايا الخلاف والاختلاف بين الإلهام والتعلم، أو بين ما اسماه بطرق الصوفية وطرق النظار في محاولته البرهنة على أن تمايزهما هو نتاج تمايز طرقهما في الوصول إلى الحقيقة. إذ لا يعني طريق الصوفية في هذا المجال سوى طريق الأنبياء، مما كان يتضمن أيضا النفي المبطن لطرق النظار (المتكلمين والفلاسفة) بالصيغة التي استوعب في ذاتها ما استوعبوه، إضافة إلى خصوصية طريقهم[7].

تتوافق هذه الصياغة مع ما وضعه في مؤلفاته ما بعد (إحياء علوم الدين). الأمر الذي يعني أن آراءه هنا هي الاستيعاب الحقيقي لتجاربه الفكرية. فقد تحولت آراؤه الكلامية الأولى الواضحة والجلية والمباشرة عن النبوة في مرحلة التصوف إلى كيان خفي باطن ومعقد. بمعنى تحولها إلى الصيغة التي أصبحت فيها النبوة عصية على غيرهم، أو حسب عبارته لا يعرف حقيقة النبوة إلا النبي. غير أن تجاربه اللاحقة أسست لإمكانية ما اسماه بالمعرفة الممكنة لحقيقة النبوة. فهو يشير في (المنقذ من الضلال) إلى الكيفية التي بان له فيها بالضرورة من ممارسة طريق التصوف حقيقة النبوة وخاصيتها[8]. وتتوافق هذه الفكرة من حيث اتجاهها العام مع ما اورده في (إحياء علوم الدين). أما تباينهما فينحصر أساسا حول تشديده في توكيده. فما كان مجهولا في(إحياء علوم الدين) عن حقيقة النبوة يصبح معروفا، أما ما كان محدودا من خصائص النبوة في (إحياء علوم الدين) فانه يصبح لا متناهيا. وليس هنا من تناقض في آرائه. فقد اشار في (المنقذ من الضلال) إلى أن الأصول الثلاثة التي آمن بها إيمانا يقينيا استنادا إلى دراساته الشرعية والعقلية قد رسخت في نفسه "لا بدليل معين محرر، بل بأسباب وقرائن لا تدخل تحت الحصر تفاصيلها"[9]. ووجدت هذه الدلائل والأسباب والقرائن انعكاسها المباشر وغير المباشر في براهينه عن النبوة. وليست هذه البراهين في جوهرها سوى براهين ارتقائه الفكرى النظري والعملي. وفيما لو اجرينا مقارنة بيانية سريعة بين نظراته عن الحقيقة واليقين، وبين نظراته عن حقيقة النبوة، كما اوردها في (المنقذ من الضلال)، فإننا سنرى تطابقهما شبه الكلي.

ففي استعراضه المكثف لتجربته الفكرية في بحثها عن الحقيقة واليقين يشير إلى ما اسماه بملاحظته المبكرة للتقليد، والتي يشترك فيها بقدر متساو وفي آن واحد ممثلو وأتباع الأديان جميعا. مما جعله يبحث عن "حقيقة الفطرة الأصلية، وحقيقة العقائد العارضة بتقليدات الوالدين والاستاذين"[10]. كل ذلك من أجل تميز الحق عن الباطل. وبما انه لا يمكن تمييزها في هذه التلقينات دون طلب حقيقة العلم، من هنا أصبح البحث عن العلم اليقيني مهمته الأساسية. بمعنى الكشف عن الحقيقة كما هي. بحيث يكون اليقين مجردا يها عن كل طارئ خارجي بما في ذلك المعجزة، مثل أن يعلم بأن العشرة أكثر من ثلاثة. فمن يقلب العصا حية يثير فيه التعجب دون الشك في حقيقة العلم. ومن هذه المقدمة اخذ يبحث في معطيات الحس. وبعد التجربة تبين له بأنها لا تمثل بحد ذاتها درجة اليقين. فالعقل يكذبها. وإذا كان الأمر كذلك فما هو يا ترى اليقين القائم في العقل ومعطياته؟ وبغض النظر عن رجوعه إلى الإقرار بما اسماه بالضرورات العقلية، إلا انه تكلم أيضا عن إمكانية "ما وراء العقل" باعتبارها الدرجة المعرفية، التي يفترضها منطق الشك العقلي نفسه. وأشار إلى ذلك بعبارة "ما هو الأمان من أن يكون كل ما يعتقده المرء في يقظته هو كنسبة ما في النوم إلى اليقظة؟ ومعطيات اليقظة الحسية والعقلية شبيهة بمعطيات النوم وحقائقه مقارنة بما نكتشفه عنها في اليقظة. وهي ذاتها الدرجات المعرفية التي نعثر عليها في صياغته العامة للبرهنة على النبوة. فهو ينطلق من أن جوهر الإنسان في أصل الفطرة خاليا من العلوم[11]. وإن الحصول على أخبار عن العلم يكون بواسطة الإدراك. وأن لكل إدراك واسطة مختصة بعالم من عوالم الموجودات. فاللمس لإدراك الحرارة والبرودة والبصر لإدراك الألوان والأشكال، والسمع للأصوات. وحالما يتجاوز المرء المحسوسات فإنه يأخذ بالتمييز. أما بوادر العقل فهو الطور الذي يدرك به الإنسان ويميز الواجبات والجائزات والمستحيلات وأمورا لا توجد في الأطوار التي قبله (الفطرة والحس). والعقل هو ليس الطور النهائي. فما وراءه طور آخر تنفتح فيه، حسب عبارة الغزالي، "عين أخرى يبصر بها الغيب"[12]. ويختلف هذا الطور تماما في إدراكه عن الدرجات السابقة (الحس والعقل).         

إن هذه المقارنة الشكلية في استعراضها لتجربته الفكرية في بحثها عن العلم اليقيني، وصياغتها العامة لما يمكنه أن يكون دليلا على إمكانية النبوة، تكشف في درجاتها عن التطابق الجوهري بينهما. إن نظرته إلى النبوة تتحول في آن واحد إلى جزء من نظريته المعرفية. وبهذا يمكن القول، بأنه حاول أن يؤسس للنبوة معرفيا مستندا بذلك أيضا إلى تجربته الفكرية في الشك العقلي والبحث عن اليقين، بالصيغة التي حول فيها النبوة إلى كيان مطابق "لمشكاة" الحقائق الصوفية.

لقد وضع نتائج بحثه عن اليقين المعرفي في أساس نظريته عن النبوة. من هنا رده على أولئك الذين انكروا النبوة، من أن إنكارهم هو مجرد نتيجة لعدم إدراكهم حقيقتها، أي بلوغ طورها المعرفي (ما وراء العقل). وبهذا يكون قد جعل النبوة درجة من درجات المعرفة. وبالتالي، فإن دحضها هو انعكاس لعدم بلوغها المعرفي، تماما بالقدر الذي يكون البقاء في حيز الاحساس والعقل المجرد عجزا عن بلوغ حقيقتها. وتشبه هذه الحالة حالة الأعمى فيما لو حدثناه عن الألوان والأشكال في حالة عدم معرفته ذلك بالتعلم. بمعنى استغرابه قولنا أو إنكاره إياه. غير أن ما ينقذ المرء هنا هو امتلاكه، حسبما يقول الغزالي، حالة مشابهة في بعض خواصها للنبوة، وهي حالة النوم. فالنائم يدرك أمورا في نومه أما بصورة صريحة أو على شكل مثال يمكن حل إشكالاته ومضامينه استنادا إلى "تعبير الرؤيا"[13]. لاسيما وأن الإنسان يمكنه الاقتناع بذلك بفعل تجاربه الدائمة. فلو افترضتا وجود انسان لم يجرب "إدراك الغيب" وقلنا له بأن هناك من الناس من يسقط مغشيا عليه كالميت ويزول عنه احساسه وسمعه وبصره فيدرك الغيب لأنكره، ولأعتبر ذلك شيئاً مخالفاً للعقل والمنطق. ولسعى للبرهنة على استحالته من خلال استعماله للقياس المنطقي القائل، بأن القوى الحساسة هي أسباب الإدراك. فمن لا يدرك الأشياء مع وجودها وحضورها، فإن عدم إدراكه لها مع ركودها أولى وأحق. ووجد في هذه الأحكام نوعا من القياس يكذبه الوجود والمشاهدة[14]. ولهذا قدم حالة النوم مثالا، لأنه سعى من خلاله الكشف عن أن الإنسان يفقد فيه احساسه المباشر بالعالم، ولكنه يدرك في الوقت نفسه، من خلال أحلامه ورؤيته الصريحة والقابلة للتأويل، مجريات أحداثه المقبلة. ومن خلال هذه المقدمة حاول الوصول إلى استنتاجه القائل بضرورة الإقرار بطور ما وراء العقل، باعتباره درجة في درجات الإدراك. بالقدر الذي يدرك العقل امورا يعجز الحس عن إدراكها، فإن النبوة هي الأخرى طور يجرى بها إدراك ما لا يدركه العقل. وأنها "طور يحصل فيه عين لها نور يظهر في نورها الغيب وأمور لا يدركها العقل"[15]. فالمراد بالنبوة اذن هو طريق إدراك الأمور التي لا تدرك بالعقل المباشر. لكن الغزالي لم يحصر خاصية النبوة في هذا الجانب بقدر ما انه أراد الكشف من خلالها عن خاصية النبوة المعرفية وأحد تجلياتها المعقولة للجميع.  لهذا اكد على انه إذا كان بإمكان كل إنسان أن يتحسس بتجربته الفردية هذه الخاصية المميزة للنبوة، فإنه لا يمكن إدراك خواصها الأخرى "إلا بالذوق من سلوك طريق التصرف"[16].

ولم يكتف بالبرهنة على حقيقة النبوة، بل تعداها إلى البرهنة على إمكانية وجودها. انه يسير في الاتجاه القائل بإمكانية النبوة لا ضرورتها. فهو ينطلق من أن المعارف في العالم ما لا يمكن تصور العقل أن ينالها كلها. وهناك ما لا يمكن أن ينال بالعقل مثل استنتاجات علوم الطب والنجوم. إذ أن الباحث فيها يدرك أهمية "الإلهام الإلهي"، مما لا سبيل إليه بالتجربة. وذلك لأن في أحكام علم النجوم، على سبيل المثال، ما لا يقع إلا في كل ألف سنة مرة واحدة. وينطبق هذا بالقدر ذاته على خواص الأدوية والعقاقير مما يبرهن، بنظره، على وجود طريق آخر في الإدراك يتطابق مع وحي الأنبياء وإلهام الأولياء. غير أن الغزالي لم يطابق ولم يضع في براهينه طور ما وراء العقل مع معارضة العقل أو بالضد منه في إدراك حقائق الأشياء، ولم يقيد النبوة في الوقت نفسه بهذا المعيار فقط. أما تركيزه عليه فإنه يشير إلى أهميته الجوهرية في منظومته الفكرية عن النبوة.

فهو لم يرفض في ردوده على الشكوك المتوارثة بصدد النبوة، الشك ومنهجيته الضرورية. على العكس!انه جعل منه المقدمة الضرورية لليقين. وبما انه لا يمكن بلوغ اليقين دون المعرفة الحقة، لهذا حوّلها إلى وسيلة إدراك حقيقة النبوة الملموسة. وبهذا المعنى لا يحصر هذه القضية في ميدان الإيمان التقليدي، بل يذللها من خلال تأسيسه للمعرفة المبنية على المقارنة والتجربة الملموسة. إذ لا يمكن بلوغ اليقين بهذا الشيء أو ذاك، حسب نظره، دون معرفة أحواله أما بالمشاهدة أو بالتواتر وبالتسامع. تماما كما أن من يعرف الطب والفقه يمكنه معرفة الأطباء والفقهاء من خلال مشاهدة أحوالهم وسماع أقوالهم، وإن لم يرهم[17]. وذلك لأنه ليس صعبا بالنسبة لمن عرف الفقه معرفة أن الشافعي فقيه وجالينوس طبيب بالحقيقة لا بالتقليد[18]. وهو الأسلوب الذي يمكن تطبيقه على معرفة الأنبياء، بمعنى أن معرفة معنى النبوة هو وسيلة معرفة حقيقتها وحقيقة الأنبياء. وسعى لتطبيق هذا الأسلوب على قضية النبوة  بالانطلاق من المجرد إلى الملموس بعد دراسة عناصره وتحليلها. ويمكننا العثور على ذلك بوضوح على مثال تحليله لخواص النبوة كما وضعها في (إحياء علوم الدين) وعمّقها في كتاباته اللاحقة، وبالأخص في (المنقذ من الضلال). حيث قدم مثال النبوة المحمدية من خلال تأمل القرآن والنظر فيه وفي اخباره تماما. كما يمكننا معرفة حقيقة الشافعي وجالينوس وغيرهم من خلال النظر في إبداعهم. فقد اعتبر تأمل ما في القرآن والأخبار وربطه بالتجربة الخاصة في العبادات وأثرها في تصفية القلوب أسلوبا للحصول على العلم الضروري أو اليقيني بالنبوة[19]. (يتبع...).

 

ا. د. ميثم الجنابي

...........................

[1] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص142. لقد تضمنت هذه الفكرة في ذاتها النفي المعرفي والأخلاقي لإدراك النبوة العقلي. ولا يعني هذا في الواقع سوى عقل المتكلمين الجدلي، والذي يمكن تطويعه من اجل إثبات مذهبية الرؤية أو تدجين آراء الخصم. بينما يستلزم التصوف تحسس النبوة في أذواقها. بمعنى التحلي بصفاتها. وهو طريق سوف يضعه الغزالي في فكرة تقول بأنه لا يعرف حقيقة النبوة إلا النبي، تماما كما لا يعرف حقيقة الله إلا الله. ولم يقصد بذلك رفع شعار الرؤية العندية إلى مصاف المطلق، بل للتأكيد على أن إدراك حقيقة النبي يقوم في استبطانه الكامل، أي الاستبطان الكامل للمطلق في المظاهر. وإلا فإن المعرفة سوف تبقى نسبية ظاهرية، أسلوبها المقارنة وغايتها الوصف أو التبرير. ووضع هذا "العجز" المعرفي في وسيلة المعرفة الحقة. من هنا فكرة التحلي بصفات الحق أو النبوة كوسيلة لإدراك حقائقهما.

[2] الغزالي: إحياء علوم الدين، ج3، ص8.

[3] الغزالي: إحياء علوم الدين، ج3، ص8.

[4] الغزالي: إحياء علوم الدين، ج3، ص8-9.

[5] الغزالي: إحياء علوم الدين، ج3، ص9.

[6] الغزالي: إحياء علوم الدين، ج3، ص11.

[7] الغزالي: إحياء علوم الدين، ج3، ص18-26.

[8] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص143.

[9] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص143.

[10] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص81.

[11] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص144.

[12] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص144-145.

[13] المقصود بذلك تفسير الأحلام، والذي احتل موقعه الخاص والمتميز في ثقافة الخلافة آنذاك. ولم يكن ذلك معزولا عما في الأحلام من قوة تستجيب للذوق المجذوب بنماذجه المثلى. فقد لعب تفسير الأحلام أو تفسير الرؤيا دورا يصعب حصر آثاره ومآثره بالنسبة للثقافات القديمة. وإذا كان هذا الفن محصورا في الأغلب في مجال التعبير الرمزي، أي محاولة استدراك "حقائق المستقبل" أو "سرّ الغيب" في الرموز المتعارف عليها عن أحداث المنام، فإن بقاياه "النظرية" تقوم في استقلال العناصر القائمة في رؤية المستقبل. وبالتالي، فإن الفرضية القائلة باحتواء الأحلام على حقائق المستقبل هي التي تقف وراء أثر تعبير الرؤيا أو "رؤية الغيب" في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية ومستوياتها الفردية والسياسية والنفسية والأخلاقية. لهذا كان بإمكانها أيضا أن تخدم مثال النبوة وتفسير "واقعيتها".  

[14] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص146.

[15] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص146.

[16] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص147.

[17] لقد كانت فكرة الغزالي هذه شكلا من أشكال التصدي لانتشار ظاهرة النبوات الكاذبة. فهو يشير في كتاب (المستظهري أو فضايح الباطنية) إلى حالات إدعاء البعض للنبوة. غير أن هذا التصدي لم يعد في المرحلة الصوفية جزء من احتراب الفِرق، بل أسلوبا متعاليا في تأسيس إمكانيته الحقة، باعتبارها دراسة لصفاتها الحقة، بما في ذلك إدراك حقيقة النبوة وتذوقها بالشكل الذي يجعل منها بؤرة وحيه المتجدد أو إلهامه الدائم. وإذا كانت آراءه هذه تقترب في ظاهرها من الصيغة السنّية الشائعة، فإنها تمثل من حيث مضمونها في تآلفه الفكري الصيغة الأولية لبلورة العناصر المعقولة للحقيقة المحمدية (المجردة)، كما نعثر عليها لاحقا عند ابن عربي. وليس مصادفة أن ينتقد ابن عربي آراء الغزالي بصدد موقفه من النبي والولي.  

[18] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص148-149.

[19] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص149.

 

في المثقف اليوم