دراسات وبحوث

اسحق قومي: من اللغات القديمة إلى السَّـريانية (2-3)

اسحق قوميالقسمُ الثاني من الشعوبِ الساريةِ أو الساميةِ همْ:

1- الكنعانيون: شعبٌ ساميّ يرجعُ إلى كنعانَ بنِ حامٍ بنِ نوحٍ: فسمّي الكنعانيون نسبةُ إليهِ ونرى بأنّ الأوراقَ تختلطُ في موضوعِ التسميةِ وأصلِها.فبعضُهم يرى بأن الاسمَ الكنعانيّ منسوبٌ إلى المعنيين في اليمنِ حيثُ أيَّد هذا القولَ المؤرخُ والجغرافيّ اليونانيّ سترابو أو إسطرابون. وبعضُ المؤرخين العربِ القدماءِ يُنسبون أصلَ الكنعانيين إلى العماليقِ. وهناكَ قولٌ يرى أنهم تسموا بكنعانَ نسبةً للونِ الأرجوانيّ الأحمرِ كانوا يقومون بإنتاجهِ، وبعضُهم أرجعَ كلمةَ كنعانَ إلى أصلِها في لغةِ الحضارةِ الفينيقيةِ أو الكنعانيةِ وهي من كلمةِ كنع وتعني انخفضَ، وكنعانُ هي المنطقةُ المنخفضةُ، وسمِّيَ الكنعانيون بهذا الاسمِ؛ لأنهم سكنوا المناطقَ المنخفضةَ في بلادِ الشامِ وبسطوا سيطرتَهم عليها، وبعضُهم يقولُ إن شعوباً أخرى أطلقتْ عليهم هذا الاسمَ ومهما يكنْ فقد سيطروا على موقعٍ هامٍ من سوريةَ ولبنانَ وفلسطينَ والأردنِ ومنذُ العصرِ البرونزيّ خاصةً عهدَ العمارنةِ ولمكانتِهم الجغرافيةِ التي شكلتْ نزاعاً دائماً بينَ الآشوريين والمصريين. كما ونرى ذكراً للكنعانيين كجماعةٍ اثنيةٍ من العهدِ البرونزيّ، وبعضُهم يقولُ تمَّ استبدالُ اسمِهم باسمِ سوريةَ بعدَ سيطرةِ الرومانِ.إلا أنهم مكوّنٌ أصيلٌ من مكوّناتِ الشعوبِ التي سكنتْ منطقةَ الشرقِ الأوسطِ.

2- العبرانيون:

 وهم آموريون في أصولِهم وكانوا في حالةِ البداوةِ. وهنا أقفُ قليلاً حتى أذكرَ بأنّ إبراهيمَ الخليلَ الذي خرجَ من أور الكلدانيةِ كانَ كلدانياً أكاديّ الحضارةِ واللغةِ وعندَ عبورهِ نهرَ الفراتِ إلى حاران سمّي هو ومَن معهُ بالعبرانيين مع تحفظي على ألقابٍ نطرحُها على أمورٍ لا تتماشى مع سياقاتِها التاريخيةِ.

3- وفي الأردنِ نستطيعُ أن نميزّ ما بينَ (شعوبٍ كالعموريين والمؤآبيين والآدوميين).

ونستخلصُ مما سبقَ بوجودِ ثمانيةِ شعوبٍ ظهرتْ في المنطقةِ يعودون إلى الشعبِ الأموريّ ولكن أعظمَ هؤلاءِ ومَن شغلَ التاريخَ همُ الشعبُ الآراميّ الذي ظهرَ بشكلٍ واضحِ المعالمِ منذُ الألفِ الثالثةِ قبلَ الميلادِ وقد أقامَ خمسينَ مملكةً آراميةً منها خمسٌ وعشرون مملكةً في بلادِ ما بينَ النهرين (العراقِ الحالي) ويُساويها في العددِ في البلادِ الشاميةِ. وعلينا بعدَ هذا أن نقفَ على محطاتٍ للغاتِ الساميةِ القديمةِـ

مع تحفظي ـ على تسميتِها كلِّها بالساميةِ.لأنّ هناكَ في بحثِنا نتعرضُ للغةِ السومريةِ (لغةِ سومرَ والحضارةِ السومريةِ).فهي ليستْ بالحقيقةِ بساميةٍ. لهذا من الخطأ أن ندعوها باللغاتِ الساميةِ. لما للغةِ السومريةِ من دورٍ حضاريّ وعلميّ وما حدثَ من تلاقحٍ وتقارضٍ بينها وبينَ اللغةِ الأكاديةِ التي منها اللغةُ البابليةُ واللغةُ الآشوريةُ. وبعدَ هذا نقولُ:

لا يوجدُ لدينا رأيّ واحدٌ موحدٌ في موضوعِ اللغاتِ القديمةِ ولا يرتقي إليه الشكُ.في حصافتهِ. وأريدُ أن أطمئنَ الإخوةَ القرّاءَ إلى أننا ونحنُ في القرنِ الحادي والعشرين. لانزالَ نختلفُ على أمورٍ عديدةٍ في موضوعِ اللغاتِ القديمةِ. سواءً أكانَ ما يخصُّ موضوعَ تسميةِ اللغةِ التي نتحدثُ بها معَ عدمِ قبولِنا بأنها في الحقيقةِ تحملُ اسماً آخرَ. والاسمُ الذي ندعي بأنّ لغتَنا تنتسبُ إليهِ يُخالفُ جوهرَ التسميةِ الحقيقيةِ للغتِنا التي نكتبُ بها. دافعُنا لذاكَ هو أننا نعتمدُ على اسمِ المنطقةِ الجغرافيةِ التي تأسستْ عليها إمبراطوريتُنا العظيمةُ التي كانتْ لنا على أرضِ آشورَ.

الحقبُ التاريخيةُ للغاتِ القديمةِ:

 في هذا المحورِ الهامِ الذي يُعدُّ بوابةً لمعرفةِ اللغاتِ القديمةِ علينا أن نعتمدَ في دراستِنا واستنتاجاتِنا على الحقبِ التاريخيةِ للغاتِ. وأُجيزُ لنفسي بالقولِ: إننا نرتكبُ خطأ علمياً في موضوعِ التسميةِ للغةِ السريانيةِ الآراميةِ على أنها غيرُ ذلكّ، وهذا التبني من قبلِ بعضِنا أساسهُ العاطفةُ والحنينُ لماضٍ لم يعدْ. كما أننا في الحقيقةِ أهملَنا إحياءهُ ردحاً من الزمنِ ولازلنا نختلفُ على كثيرٍ من أبجدياتِ مشروعِنا القوميّ. وأقصدُ أهمَّ دعائمهِ تسميتُنا القوميةُ واللغويةُ والعلمُ الواحدُ والخطابُ السياسيّ الموحدُ وتوحيدُ حالتِنا الطائفيةِ، وهذا الكمُّ من التراكماتِ والمسؤوليةِ التاريخيةِ التي تقعُ على المثقفين قبلَ غيرِهم لا يعفينا من أنّ اللغةَ التي يتحدثُ بها بعضُ أهلِنا اليومَ تحملُ مفرداتٍ لغويةٍ للغاتٍ قديمةٍ كالأكاديةِ التي تختزنُها ذاكرتَنا الجمعيةَ ومثاقفاتِنا التراثيةَ وسلوكَنا اليوميّ. وإنْ كانَ هناكَ أقلُ ما يمكنُ لغةٌ من تلكَ اللغاتِ باقيةً نتحدثُ ونكتبُ ونقرأ بها حتى اليومَ نعني بتلكَ اللغةِ هي السريانيةَ:

 التي هي في حقيقتِها امتدادٌ تاريخيّ للغةِ الآراميةِ.حيثُ إنّ اللغةَ الآراميةَ تشكلُ العمودَ الفقريّ لما نكتبهُ في جميعِ المجالاتِ الروحيةِ والعلميةِ والأدبيةِ والتاريخيةِ والطقوسِ الكنسيةِ كافةً. ويُشاركُنا فيها حتى اليومَ الصابئة المندائيون أيضاً.

ومن المعروفِ بأنّ اللغةَ الآراميةَ، السريانيةَ التي هي موضوعُنا كانتْ قد استقلتْ بأبجديةٍ معروفةٍ منذُ ما قبلَ القرنِ العاشرِ قبلَ الميلادِ.فهذهِ الشخصيةُ اللغويةُ لا يمكنُ لنا أن نُبقيها دونَ الكشفِ عن جوهرِها وحقيقتِها التي ولدتْ وتشكلتْ من خلالِها، لهذا سنبحثُ في هذهِ اللغةِ، وأينَ نشأتْ ومتى تمّ تغييبُها ولماذا؟ ومَن همُ الشعبُ المنتجُ لها ومتى تمَّ تغييرُ اسمِها واسمِ منتجِها ؟!!

ولكي نعودَ لما بعدَ الجذورِ الأولى للغةِ الإنسانيةِ. علينا أن نتحاورَ مع أولِ اللغاتِ التي تسبقُ لغتَنا الآراميةَ السريانيةَ الآشوريةَ ألاّ وهي اللغة ُالسومريةُ.

أولاً - اللغةُ السومريةُ أو الشومريةُ:

لغةُ حضارةِ سومرَ التي نشأتْ في جنوبِ العراقِ الحاليّ وكانتْ قد ظهرتْ منذُ القرنِ الرابعِ قبلَ الميلادِ واستمرتْ حتى انقرضتْ عامَ 1800 قبلَ الميلادِ وكانتْ تُكتبُ بخطٍّ سموهُ بالمسماريّ.ويمكنُ لنا أن نقسمَ تاريخيةِ اللغةِ السومريةِ إلى خمسِ مراحلَ: المرحلةِ الأولى: وتبدأُ منذُ 3100إلى 2600 قبلَ الميلادِ.

أما المرحلةِ الثانيةِ: فتبدأ من عامِ 2600 إلى 2150 قبلَ الميلادِ ووجدتْ في لغش وهنا في هذهِ المرحلةِ نجدُ مؤشراتٍ على قواعدِ اللغةِ بعدَ سيطرةِ الإمبراطوريةِ الأكاديةِ (2350–2200 ق.).

ثمّ يأتي عصرُ النهضةُ السومريةُ. وتشملُ مساحةً زمنيةً تبدأُ من 2150–2000ق.

وهناكَ المرحلةُ التي يُسمّيها علماءُ اللغاتِ والتاريخِ

المرحلةَ المتأخرةَ: وتبدأ من عامِ 2000 إلى 1700 قبلَ الميلادِ. كما كُتبتْ في هذهِ الفترةِ ملحمةُ جلجامش وتلي الفترةَ المتأخرةَ فترةٌ تبدأ من 1700 إلى 100 قبلَ الميلادِ. وهنا نجدُ أن اللغةَ السومريةَ تخبو كلياً.ولكونِها ليستْ موضوعَ بحثِنا فنحنُ لا نريدُ إلاّ أن نُشيرَ إلى المراحلِ التي مرتْ بها لغةُ سومرَ على الرغمِ من أننا نُكررُ بأن أصلَ السومريين دونَ أدنى شكٍّ أنهم غيرُ ساميين.وإنما إليهم يعودُ الفضلُ في المخترعاتِ القديمةِ التي توارثتْها عنهم شعوبٌ أخرى جارةٌ لهم.ومع توالي الحقبِ التاريخيةِ والتطورِ السياسيّ نرى الشعبَ السومريّ يمتزجُ عبرَ الزمنِ معَ الأقوامِ الأخرى التي كانتْ على مقربةٍ منهُ كالعيلاميين والبابليين والأكاديين والآشوريين والعموريين وذابَ بتلكَ الأقوامِ ولم نجدْ من ذكرٍ لهُ فيما بعدُ. كالآشوريين والآراميين ـ السريانِ ـ والعربِ والفرسِ.

وقبلَ أن ندخلَ إلى ملفِ اللغةِ الأكاديةِ أرى أن نؤكدَ ظاهرةً هامةً بينَ لغةِ سومرَ وأكاديةِ. فقد ظهرَ تكافؤ لغويٌّ بينهما. ويُقالُ إن الأكاديةَ والسومريةَ انتشرتا وكُتبتا في الزمانِ نفسهِ لابل كانتِ السومريةُ ملائمةً للكتابةِ عندِ الأكاديين الساميين.

فما هي أولُ اللغاتِ الساميةِ القديمةِ ؟!:

إنّ مصطلحَ الساميةِ نشأ عامَ 1770م. أطلقهُ تلاميذُ مدرسةِ غوتنغن أو كوتنكن المتخصصةِ في التاريخِ وقد اشتقوهُ من اسمِ سامَ الذي هو ابنُ نوحٍ.وترى هذهِ المدرسةِ بأن الشعوبَ التي يمكنُ أن نُسمّيها بالساميةِ هي التاليةُ: البابليون، الآشوريون، الآراميون، الفينقيون (الكنعانيون)، العبرانيون العموريون، الآدوميون، والمؤآبيون والعربُ. وأصلُ التسميةِ مستمدةٌ من العهدِ القديمِ (التوراةِ). وأولُ من استخدمَ التسميةَ هو العالمُ (الألماني شلوتزر).

وتُقسمُ اللغاتُ الساميةُ بحسبِ ظهورِها في بلادِ ما بينَ النهرين إلى مجموعتين:

آ- ساميةٍ شماليةٍ شرقيةٍ.ب- وساميةٍ شماليةٍ غربيةٍ.

 والشماليةُ: هي الأخرى تُقسمُ إلى مجموعتين شرقيةٍ وغربيةٍ.

1- الشماليةُ الشرقيةُ:

تضمُ اللغةَ الأكاديةَ. واللغةَ البابليةَ واللغةَ الآشوريةَ. واللغةَ الآموريةَ، وهذهِ اللغاتُ هي أقدمُ اللغاتِ الساميةِ القديمةِ كما قلنا سابقاً.

2- أما الساميةُ الشماليةُ الغربيةُ تتكونُ من اللغاتِ التاليةِ:

 اللغةِ الآراميةِ (السريانيةِ). والنبطيةِ. والمندائيةِ.

أما على الساحلِ السوريّ فنجدُ:

3- اللغةَ الكنعانيةَ وتنقسمُ إلى:أوغاريتيةِ (فينيقيةِ).وعبريةِ وعمونيةِ ومؤآبيةِ

4- الجنوبيةَ: وتضمُ اللغةَ الأثيوبية والعربيةَ بفرعيها (الشمالي والجنوبي).

أما اللغةُ العربيةُ الشماليةُ فتقسمُ إلى قسمين شماليةٍ بائدةٍ وشماليةٍ باقيةٍ. ِولأنّ موضوعَنا ليسَ كلّ اللغاتِ إنما اللغةُ التي نسمّيها بالسريانيةِ نقولُ:

ماذا لو أعدنا قراءةَ التاريخِ اللغويّ للغاتِ الساميةِ القديمةِ. ولنبدأ من اللغةِ الأكاديةِ؟!

2- اللغةُ الأكاديةُ:

لغةٌ ساميةٌ في جوهرها. تأثرتْ باللغةِ السومريةِ وخطِّها الذي كانتْ تُكتبُ بهِ. وقد ظهرتْ حوالي 3000سنةٍ قبلَ الميلادِ وبعضُهم يثبتُها في أواسطِ الألفِ الثالثِ قبلَ الميلادِ. وقد تراجعتْ أمامَ اللغةِ الآراميةِ منذُ القرنِ الخامسِ قبلَ الميلادِ وانقرضتْ نهائياً عامَ 100 للميلادِ. وإن ظلتْ هناكَ بعضُ كلماتِها في لغتِنا ولهجاتِنا المحكيةِ منها والمكتوبةِ.

ورغمَ هذا تبقى اللغةُ الأكاديةُ النبعَ الذي سقى الأدبَ الآشوريّ والبابليّ حتى أزمنةٍ متأخرةٍ.

وعلينا أن نميزُ فيها ثلاثَ مراحلَ:

الأولى: ما قبلَ سرجون. والثانيةَ: العهدَ السرجوني. والثالثةَ: عهدَ سلالةِ أور.

وقد انقسمتْ إلى لهجتين: وبعضُهم يسمّيها لغتين أكاديتين.

آ- اللغةُ الآشوريةُ في شمالِ بلادِ ما بينَ النهرين ونميزُ فيها:

1- الآشوريةَ القديمةَ: وتبدأ من 2000 إلى 1500 قبلَ الميلادِ.

2- الآشوريةَ الوسيطةَ: وتبدأ من 1500 إلى 1000 قبلَ الميلادِ.

3- الآشوريةَ المتأخرةَ: وتبدأ من 1000 إلى 600 قبلَ الميلادِ أي أنها تنتهي بسقوطِ نينوى عاصمةِ الإمبراطوريةِ الآشوريةِ 612 قبلَ الميلادِ على يدِ الميديين.

ب- اللغةُ البابليةُ وتُقسمُ إلى:

1- اللغةِ البابليةِ القديمةِ: وتبدأ من 2000 إلى 1500 قبلَ الميلادِ.

2- البابليةِ الوسطى: وتعودُ للفترةِ ما بينَ 1500 إلى 1000قبلَ الميلادِ.

3- البابليةِ المحدثةِ أو المتأخرةِ: وتعودُ إلى 1000 قبلَ الميلادِ وإلى القرنِ الأولِ الميلاديّ.

وكانتِ الحضارةُ البابليةُ قد ظهرتْ ما بينَ القرنين الثامنِ عشرَ والسادسِ عشرَ قبلَ الميلادِ. وكما نعلمُ فإنّ بابلَ أولُ مراكزَ للحضاراتِ القديمةِ. وتُشيرُ الوثائقُ إلى أنهُ في العصرِ الآشوريّ الأخيرِ. كانتِ البابليةُ هي المستعملةَ حيثُ سادتِ الشرقَ حتى وصلتْ إلى الصينِ وغرباً إلى مصرَ وعيلامَ والأناضولِ.

ومع تأسيسِ الإمبراطوريةِ البابليةِ الحديثةِ أي الكلدانيةِ تبدأ اللغةُ الآراميةُ لتحلَّ محلَّ اللغةِ الأكاديةِ منذُ عامِ 539 قبلَ الميلادِ. أي في القرنِ السادسِ قبلَ الميلادَ.

وإذا كانتِ اللغةُ الأكاديةُ قد نشأتْ في جنوبِ العراقِ وامتدتْ إلى وسطهِ وشمالهِ والعالمِ، فإنّ اللغةَ التي نشأتْ في الساحلِ السوريّ وفي المنطقةِ الشماليةِ الغربيةِ فهي الكنعانيةُ ونستطيعُ تقسيمُها إلى فرعين:

آ- الكنعانيةِ البدائيةِ أو الأمِّ: وتبدأ قبلَ 2000سنةٍ قبلَ الميلادِ.

ويتفرعُ عن الكنعانيةِ البدائيةِ اللغاتُ التاليةُ:

1- الكنعانيةُ الشرقيةُ: والمقصودُ بها هنا لغةُ الأموريين وقد ظهرتْ منذُ 2000 إلى 1400 قبلَ الميلادِ.

2- اللغةُ الكنعانيةُ السينائيةُ البدائيةُ: وتبدأ من 1500 إلى 1450 قبلَ الميلادِ.

3- اللغةُ الكنعانيةُ الجنوبيةُ:ولها فرعان هما:

- لغةُ بيبلوس (جُبيل) وقد وجدتْ حوالي 700 قبلَ الميلادِ. وتتفرعُ عنها لغةُ الفونيك.

- اللغةُ الفينيقيةُ وتستمرُ من 1000 سنةٍ قبلَ الميلادِ إلى 50 سنةً قبلَ الميلادِ.

وأما الفرعُ الثاني للكنعانيةِ الجنوبيةِ:

تتضمنُ لغةَ جاءتْ من خلالِ (رسائلِ تل العمارنة) بمصرَ. وتبدأ هذهِ الفترةِ من 1400 قبلَ الميلادِ إلى 1300 قبلَ الميلادِ.

وهنا يبدأ الظهورُ الأولُ للغةِ العبريةِ البدائيةِ الأمِّ:

وتبدأ هذهِ الفترةُ من القرنِ الثالثِ عشرَ والثاني عشرَ قبلَ الميلادِ

ويتفرعُ عن العبريةِ البدائيةِ اللغاتُ التاليةُ:

1- لغةُ العمونيين (وهم شعبٌ كنعانيٌّ).2- لغةُ الآدوميين.3- لغةُ المؤآبيين.4- لغةُ مملكةِ يهوذا. (وهنا نقصدُ عبريةَ الكتابِ المقدسِ في عهدهِ القديمِ وتُدعى بالعبريةِ الكلاسيكيةِ ويعودُ تاريخُها إلى القرنِ العاشرِ قبلَ الميلادِ).

5- لغةُ إسرائيلَ أو مملكةُ إسرائيلَ.

واللغةُ الكنعانيةُ هي لغةُ أهلِ الساحلِ السوريّ وموطنُها رأسُ شمرا.وكانتْ قد ظهرتْ وانتشرتْ منذُ القرنِ الحادي عشرَ قبلَ الميلادِ وحتى القرنِ الخامسِ قبلَ الميلادِ. وتُقسمُ اللغةُ الكنعانيةُ (الفينيقيةُ) بحسبِ تطورِها واستمرارِها إلى ثلاثِ مراحلَ: (المرحلةِ القديمةِ. والمتوسطةِ، والحديثةِ).وتتألفُ الأبجديةُ الفينيقيةُ من 22 حرفاً أبجدياً.مع أهميةِ الإشارةِ إلى تأثرِ (الأوغاريتيةِ) بما اكتسبَهُ أولادُ عمومتِهم من الكنعانيين أثناءَ عملِهم في كتابةِ اللغةِ القبطيةِ (الهيروغليفيةِ).والذين نقلوا من المعانيّ اللغويةِ ما لا يُستهانُ بهِ. لأن الفراعنةَ كانوا يستقدمون أيديَ عاملةً ـ المهرةَ من الكنعانيين ـ لرسمِ الرموزِ في اللغةِ الهيروغليفيةِ.

وهناكَ صلةُ قرابةٍ حقيقيةٍ بينَ الكنعانيةِ وبينَ العبريةِ والفلسطينيةِ والموآبيةِ والعمونيةِ والآراميةِ وتفترقُ الكنعانيةُ (الفينيقيةُ) عن الأكاديةِ كونَ الأبجديةِ ليستْ واحدةً وإن بقيتِ اللغةِ الفينيقيةِ (الكنعانيةِ) سجينةَ الخطِّ المسماريّ حتى اندثرتْ في القرنِ الأولِ الميلاديّ.

إنما ما قدّمتهُ للعالمِ الغربيّ آنذاكَ من أبجديةٍ تمكّنُ أهلَهُ من توليدِ أبجدياتٍ مختلفةٍ لهُ منها.

 وأما عن قرابةِ الآراميين من الفينيقيين فهم بالحقيقةِ أولادُ عمومةٍ ولا شكَّ في هذا القولِ من خلالِ استنتاجاتٍ عدةٍ وقراءاتٍ تاريخيةٍ وعرقيةٍ ولغويةٍ.

أما الفرعُ الثاني للمنطقةِ الشماليةِ الغربيةِ للغاتِ الساميةِ فتتضمنَ:

آ- الآراميةَ البدائيةَ:وتبدأ من 1400 إلى 1000قبلَ الميلادِ.

وعنها تأتي الآراميةُ القديمةُ. التي تبدأ من القرنِ العاشرِ إلى القرنِ الثامنِ قبلَ الميلادِ.

ثم تليها الآراميةُ الرسميةُ:التي استخدمتها الإمبراطورياتُ كالآشوريةِ والبابليةِ والفارسيةِ.

وتبدأ من 700 إلى 300 قبلَ الميلادِ.

ومن هذهِ اللغةِ انطلقتْ عدةُ لهجاتٍ حسبَ ظهورِها وأماكنِها منها:

 (آراميةُ زنجرلي، وآراميةُ مصرَ، وآراميةُ الكتابِ (سفر عزرا)، وآراميةُ بلادِ موزوبوتاميا (ما بينَ النهرين).وآراميةُ المنطقةِ العربيةِ، وآراميةُ بلادِ فارسَ، وآراميةُ أفغانستان، وآراميةُ باكستان.

ومن الآراميةِ الرسميةِ:

 يظهرُ لدينا الآراميةٌ الوسطى:

 والتي تبدأ من 300 قبلَ الميلادِ إلى 200 بعدَ الميلادِ وهي التي تحدثَ بها السيدُ المسيحُ

ويتفرعُ عن اللغةِ الآراميةِ الوسطى اللغات ُالآراميةُ التاليةُ:

آ- الآراميةُ الفلسطينيةُ والمنطقةُ العربيةُ وتشملُ:

1- آراميةَ سفر دانيال.

2- آراميةَ الأنباطِ (البتراء سلع).

3- آراميةَ مخطوطاتِ قمران.

4- آراميةَ المربعاتِ.

5- آراميةَ العهدِ الجديدِ (الكتابِ المقدسِ ـ الإنجيلِ).وكتاباتِ المؤرخِ اليهوديّ يوسيفوس فلافيوس المولودِ في أورشليم عامَ 38 ميلاديةً.

6- آراميةَ كُتبِ الربانيين اليهودِ المبكرةَ (وكلمةُ الربانيين جمعٌ لكلمةِ رابي وهو حاخامٌ يهوديٌّ معلمٌ ومفسرٌ للشريعةِ).

ب- آراميةَ سوريةَ وما بينَ النهرين (موزوبوتاميا).وتشملُ على:

1- آراميةِ حضارةِ تدمرَ.

2- آراميةِ الحضرِ جنوبِ غربي مدينةِ نينوى أو الموصلِ.

3- البابليةِ المبكرةِ.

ج- الآراميةَ الوسطى وعنها نشأتِ الآراميةُ المتأخرةِ ما بينَ 200 إلى 700 ميلاديةٍ.

وتفرعَ عنها عدةُ لغاتٍ آراميةٍ:

1- (الآراميةِ السوريةِ (كلُّ ما كُتبَ ويخصُّ المسيحيةَ في سوريةَ).الآراميةِ الفلسطينيةِ.الآراميةِ السامريةِ (السامرة).والآراميةِ الفلسطينيةِ اليهوديةِ.أي لغةِ الترجومِ الفلسطينيّ.

 2- الآراميةِ الشرقيةِ:

وتشملُ السريانيةَ المستخدمةَ في الكنيستين. اليعقوبيةِ ويقصدون بها الكنيسةَ السريانيةَ الإنطاكيةَ. والكنيسةَ النسطوريةَ (الكنيسةَ الآشوريةَ الشرقيةَ).

3- الآراميةِ المتأخرةِ:ويعنون بها الآراميةُ الحديثةُ فقد وجدتْ في سوريةَ ولازالتْ هي لغةُ أهلِنا في بلداتِ ومدنِ القلمونِ (معلولا وجبعدين، وبقعا).وفي جبالِ طورعبدين وكردستان وأذربيجان (طورابورا) وفي سهلِ نينوى بالعراق.

ونذكرُ هنا اللغةَ الساميةَ الجنوبيةَ الغربيةَ والتي تنشأ عنها اللغةُ العربيةُ البدائيةُ ولها فرعان:العربيةُ الشماليةُ والتي تبدأ من 500 سنةٍ قبلَ الميلادِ إلى 300 للميلادِ وتشملُ اللغاتِ (الثموديةَ واللحيانيةَ).

والعربيةَ الكلاسيكيةَ وتظهرُ من 400 للميلادِ وفيها دّونَ القرآنُ الكريمِ وعنها نشأتِ اللهجاتُ العربيةُ الحديثةُ.

وأما الساميةُ الجنوبيةُ الشرقيةُ: فنجدَ ظهورَ العربيةِ الجنوبيةِ حوالي 800 سنةٍ قبلَ الميلادِ وحتى 600 ميلاديةٍ، وتشملُ لغاتِ سبأ وقتبان وحضرموتِ ومعينَ وأوسان، ويتفرعُ عنها أيضاً العربيةُ الجنوبيةُ الحديثةُ في سوقطرةَ والمهرة وشاور.وعن العربيةِ الجنوبيةِ تنشأ اللغةُ الأثيوبيةُ حوالي القرنِ الأولِ الميلادي وعنها تأتي اللهجاتُ الأثيوبيةُ تغرينا وتغري والأمهرية وهراري وغوراغي وغفتا وأرغوبا.

و بعدَ هذهِ المنهجيةِ من التقسيماتِ الإداريةِ للغاتِ نبدأ باللغةِ الآراميةِ فنقولُ:

كانَ للآراميين في دمشقَ لغةٌ محكيةٌ قبلَ اختراعِ أبجديتِهم ولم تكنْ بعيدةُ عن محيطِها اللغويّ.

وبعدَ أن استنبطَ أهلُها أبجديتَهم وأضحتْ لغتُهم لغةً مكتوبةً. في ذلكَ الفضاءَ الواسعَ الذي يبدأ من دمشقَ ويمتدُ إلى الصينِ والهندِ والعالمِ. علينا أن نقرّ بأنّ الأبجديةِ الآراميةِ كانتْ نتيجةَ جهدٍ بشريّ دمشقيّ المنبتِ والهوى ولكنهُ لم يأتِ من فراغٍ بل من تجربةٍ لغويةٍ بشريةٍ تمتدُ عبرَ الأزمنةِ والجغرافيا.من حضارةِ سومرَ في الشرقِ وإلى أهلِ رأسِ شمرا في الشمالِ الغربي من دمشقَ. إلى سيناءَ ورسائلِ تل العمارنة في الغربِ، كلُّ هذا الإرثِ اللغويّ تمّ استنساخُ خلاصتهِ من خلالِ الأبجديةِ الآراميةِ التي تسمتْ فيما بعدُ بالسريانيةِ الآشوريةِ. ونستطيعُ أن نميزَ في اللغةِ الآراميةِ مايلي:

1- أنها تُكتبُ من اليمينِ إلى الشمالِ كما الكنعانيةِ والعبريةِ والعربيةِ فيما بعدُ.

2- والآراميةُ لم تحدْ عن سياقِ ترتيبِ أبجديتِها عن أبجدياتِ اللغاتِ التي سبقتها

 وإنّ كانتْ أبجديتُها تُختصرُ بـ (أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفس، قرشت).

والآراميةُ أقربُ للكنعانيةِ (الأوغاريتيةِ من غيرِها).

وتبدأ كما قلنا منذُ القرنِ العاشرِ قبلَ الميلادِ وحتى 300 سنةٍ بعدَ الميلادِ.

ولكنها هي الأخرى مرتْ بمراحلَ ثلاثٍ: (الآراميةِ الرسميةِ والمتوسطةِ والآراميةِ المتأخرةِ).

وتلتقي الآراميةُ تاريخياً وجغرافياً مع اللغاتِ الساميةِ وغيرِ الساميةِ القديمةِ من حيثُ الوظيفةُ والمهامُ والتقنياتُ التي شكلتْ مداميكَها الأولى.ففي الشرقِ اللغاتُ. السومريةُ والأكاديةُ والبابليةُ والآشوريةُ.

وفي الجنوبِ الإفريقي نجدُ لغةَ الحبشةِ ولغةِ جنوبِ الجزيرةِ العربيةِ.كما وتلتقي مع الغربيةِ والجنوبيةِ والفصحى وبقيةِ اللهجاتِ العربيةِ.

فالسريانيةُ هي حصيلةُ تطورِ للغةِ الآراميةِ ولا خلافَ بينهما ما دامتِ الأبجديةُ واحدةً. الخلافُ الوحيدُ هو في رسمِ الكلمةِ بينِ آراميةٍ وسريانيةٍ.وما أصابَ المجتمعاتِ من تغيراتٍ سياسيةٍ وقعَ على تسمياتِ اللغاتِ التي كانتْ تتحدثُ بها تلكَ الشعوبُ.

ولا يجوزُ أن نقولَ إنّ السريانيةَ لهجةٌ من لهجاتِ اللغةِ الآراميةِ.سيما في موضوعِ الكتابةِ وكما بيّنا سابقاً. وكما للآراميةِ لهجاتٌ في أرضِ أجدادِها وتاريخِ نشأتِها.هكذا للسريانيةِ لهجاتٌ.والخلافُ المثارُ والمتداولُ ممن يدرسون تاريخَ اللغاتِ الساميةِ القديمةِ ومنها السريانيةُ. ينكرُ بعضُهم أن تكونَ السّريانيةُ والآراميةُ واحدةً متناسين أن الأبجديةَ واحدةٌ. وهذا معيارٌ علميّ في هذا الشأنِ والسياقِ.

ونحسمُ القولَ بأنّ السريانيةَ ليستْ لهجةً من لهجاتِ الآراميةِ.

كما ينكرُ بعضُهم أن تكونَ السريانيةُ هي اللغةَ التي يتحدثُ بها أهلُنا في العراقِ ويكتبون بها ـ والدليلُ هنا هو في موضوعِ الأبجديةِ والخطِّ الإسطرنجيلي ـوأتحفظُ على مَنْ يقولُ إنّ لغةَ أهلِنا في آشور و (نينوى). وما يُحيطُ بها بأنها لغةٌ آشوريةٌ. بمعنى اللهجةِ الشماليةِ للغةِ الأكاديةِ قديماً.إنّ أهلَنا في الكنيسةِ الشرقيةِ أو المسيحيين العراقيين اليومَ كمكوّنٍ قوميّ في الحقيقةِ لا يكتبون ولا يتحدثون بأبجديةٍ أكاديةٍ أو لغةٍ آشورية كما يزعمون. بل بأبجديةٍ آراميةٍ سريانيةٍ.فاللغةُ السريانيةُ ــ التي يتحدثُ بها شعبُنا الممتدُ في الزمنِ والتاريخِ والجغرافيةِ ـــ. في جوهرِها هي لغةٌ آراميةٌ سُميتْ بالسريانيةِ فيما بعدُ سنأتي على إيضاحاتٍ حولَ التسميةِ من الآراميةِ إلى السريانيةِ أو الآشوريةِ.

فما هي اللغة ُالسّريانيةُ ؟!

اللغةُ السّريانيةُ، هي دوحةٌ من أصلِ اللغاتِ السّاميةِ وهي الآراميةُ عظماً ولحماً، تاريخاً وعلماً. أبجديةٌ محكمةٌ لم تتغيرْ مع مرورِ الزمنِ وحتى اشتقاقاتُها اللغويةُ واحدةٌ ولا يمكنُ الفصلُ بينَ جوهرِ الآراميّةِ والسّريانيّةِ على الإطلاقِ. لأنّ الأبجديةَ هي واحدةٌ وموحدةٌ كما قلنا. إنما الفصلُ يكونُ فقط برسمِ الكلمةِ، والتقنيّةِ التي اعترتْهَا المتغيراتُ الإيجابيةُ. وليسَ في المعنى والجوهرِ والوظيفةِ.

وأما العصرُ الذهبيّ للغةِ السريانيةِ فقد كانَ ما بينَ القرنين الرابعِ والقرنِ السادسِ الميلاديين حيثُ تميزَ هذا العصرُ بوفرةِ الإنتاجِ الأدبيّ والعلميّ وبرزَ عددٌ كبيرٌ من الأعلامِ خصوصاً في مجالِ الأدبِ والشعرِ والفلكِ، وأحدُ روادِ تطورِ اللغةِ السريانيةِ هو القديسُ أفرامُ واسمهُ الحقيقيّ هو مردوخ. المتوفى في عامِ 373م ويسمى بكنارةِ الروحِ القدسِ، وقبلَ أن يذهبَ إلى الرها قامَ بتعميدهِ خالهُ مار يعقوب النصيبيني واسمُ أمّهِ لمار أفرام نحشيرتا وكانَ من مؤسسي مدرسةِ نصيبين. ولا يفوتنا الشاعُر برديصان في مدرسةِ الرُها الذي سبقَ الشاعرَ مار أفرام مردوخ في الشعرِ والأدبِ وكانَ قد ولدَ عامَ 154ميلاديةً وتوفى 225ميلاديةً.

والسؤال كيفَ تكوّنتِ الأبجديةُ الآراميّةُ التي هي أساسُ السّريانيةُ ؟!!

إن موعدَ نشوءِ اللغةِ الآراميةِ المتطورةِ عن اللغاتِ التي سبقتْها كانَ خلالَ القرنِ الرابعِ عشرَ إلى القرنِ العاشرِ قبلَ الميلادِ وكانَ اختراعُ الأبجديةِ الآراميةِ قفزةً نوعيةً في عالمِ اللغةِ والألسنِ القديمةِ ما جعلها لغةَ العلمِ والتجارةِ العالميةِ والدوليةِ آنذاكَ. وسادتْ وزاحمتِ اللغةَ الأكاديةَ حتى أسقطتها منذُ نهايةِ القرنِ الخامسِ وبدايةِ القرنِ السادسِ قبلَ الميلادِ كما أسلفنا سابقاً. وانتشرتِ الأبجديةُ الآراميةُ كالنارِ في الهشيمِ في الشرقِ القديمِ.لسهولتِها لفظاً وكتابةً.وكانتْ تؤدي القصدَ والمقصودَ بسهولةٍ لم تعرفْها الشعوبُ في المنطقةِ من قبلُ مع لغاتِها القديمةِ.

وفي القرنِ الرابعِ قبلَ الميلادِ كانتِ الآراميةُ قد غدتِ اللغةَ الرسميةَ والوحيدةَ في المنطقةِ من إيرانَ وأرمينيا وآسيا الصغرى إلى الأردنِ وسيناءَ جنوباً والبحرِ المتوسطِ وتميزتِ الآراميةُ بتطورِها في القرنين التاليين الثالثِ والثاني قبلَ الميلادِ حيثُ تميزتْ بلهجتين شرقيةٍ انتشرتْ في بلادِ النهرين وأرضِ آشورَ (بالعراقِ الحالي) وفي الغربِ في بلادِ دمشقَ التي سُميتْ فيما بعدُ ببلادِ الشامِ فكانَ هذا التميزُ طريقاً إلى ظهورِ التسميةِ السريانيةِ.

 وفي التسميةِ هناكَ عدةُ آراءٍ: فبعضُهم افترضَ أنهُ مصطلحٌ يونانيّ معتمدين على فتحِ الاسكندرِ المقدوني لبلادِ الشمسِ أو عبادةِ الشمسِ (سوريةَ) في القرنِ الرابعِ قبلَ الميلادِ 312 قبلَ الميلادِ.وأنّ الإغريقَ هم من أطلقوا كلمةَ سريانَ أو سيريا على سكانِ سوريةَ ولغتِهم لأننا لم نجدْ للفظةِ سريانيةِ أن وردتْ في العهدِ القديمِ بل كانتِ الآراميةَ. ويتفقُ مع هذا القولِ ما جاءَ في كتابٍ للمطرانِ اقليمس يوسف داود عامَ 1896م (اللمعةُ الشهيةُ في نحو اللغةِ السريانيةِ).كما ويتفقُ أكثرُ العلماءِ على أن لفظةَ سريانيّ هي نفسُها سوريّ حيثُ كانَ الإغريقُ قد أطلقوها على الآشوريين ولكونهم أسقطوا الألفَ في كلمةِ آشور ـ آسّوريا ـ لتصبحَ سوريا واستعملَ هيرودتوس لفظةَ سوريا أو سيريا للإشارةِ إلى الأجزاءِ الغربيةِ من الإمبراطوريةِ الآشوريةِ.

ولكنّ عالمَ السامياتِ الألمانيّ ثيودور نولدكه أولُ من أشارَ إلى رجوعِ كلمةِ سريانَ إلى الآشوريين سنةَ 1881م حيثُ استشهدَ بأعمالِ جون سلدون سنةَ 1617م.وقد تمَّ الإثباتُ من خلالِ نقوشِ (جينكوي) في جنوبِ شرقي تركيا حيثُ ظهرتْ ترجمةُ لفظةِ آشور بالفينيقيةِ بكلمةِ سوريا.

وإذا كانَ علماءُ الغربِ قد أدلوا بدلوهم فإنّ في قاموسِ زهيرا (عربيّ سريانيّ) للقسين شليمون خوشابا وعمانوئيل بيتو يوخنا يذكرُ القاموسُ أن تسميةَ السريانِ والسريانيةِ هي تحريفٌ فارسيّ يونانيّ للاسمِ آثور أو آشورَ مستندين إلى ظاهرةِ تبادلِ الأصواتِ (ش ـ س) أو (ت ـ ث) بينَ اللهجتين الشرقيةِ والغربيةِ ولو سلمنا بهذا فتكونُ السريانيةُ والآشوريةُ ذاتَ دلالةٍ واحدةٍ وكلمتين مترادفتين في جوهرهما.والجميعُ يتفقُ على أنّ اسمَ سريانَ ولغةً سريانيةً قد حلّ محلَّ اسمِ آرامَ ولغةً آراميةً.

وهذا تمَّ بعدَ الميلادِ وليسَ قبلَهُ وأقدمُ الوثائقِ التي تذكرُ مصطلحَ اللغةِ السريانيةِ بدلاً من اللغةِ الآراميةِ تعودُ إلى عامِ 132م في مملكةِ الرّها.وكانتْ مملكةُ الرها أولَ مملكةٍ تعتبرُ السريانيةَ لغةً رسميةً لها. ولكن السريانيةَ المكتملةَ اليومَ نضجتْ حرفاً وقواعدَ بعدَ القرنين الرابعِ والخامسِ الميلاديين فسريانُ القرون الثلاثةِ الأولى أشبهُ بالآراميةِ. وهنا يرى العلماءُ بأن السريانيةَ هي تطورٌ طبيعيّ للغةِ الآراميةِ.

وممن أدلى بدلوهِ في هذا الجانبِ ما جاءَ في قولِ المطرانِ الكاتبِ والشاعرِ اسحق ساكا يقولُ إنما سميتْ بالسريانيةِ: (نسبةً إلى شخصٍ يُدعى سوريوس). وغيرِها من آراءٍ. وأميلُ إلى التحليلِ الذي يعتمدُ على تقنيةِ اللغةِ اليونانيةِ ومجيء اليونانِ إلى بلادِ الشمسِ (سوريةَ).

ومهما كانَ فقد أصبحتِ اللغةُ الآراميةُ تُدعى بالسّريانيةِ وتجاوزتْ ديمومتُها أكثرَ من ألفٍ ومئةِ عامٍ وحلتْ محلَّ بقيةِ اللغاتِ القديمةِ السائدةِ.وذلكَ لعدةِ أسبابٍ أهمُّها سهولةُ أبجديتِها حيثُ انتشرتْ في بابلَ وسومرَ وبلادِ آشورَ وبلادِ ما بينَ النهرين العليا والوسطى، وفارسَ والهندِ والسندِ وبلادِ سوريةَ الطبيعيةِ التي تقعُ شرقي البحرِ المتوسطِ وسيناءَ وبلادِ الحجازِ واليمنِ وحضرموتَ والبحرين (دلمن).

واستمرتْ في نفسِ التسميةِ الآراميّةِ حتى القرنين السادسِ والسابعِ الميلاديين عندَ الكثيرِ من القبائلِ التي لم تدخلِ المسيحيةَ وانحسرَ وجودُها أثناءَ الغزوِ العربيّ الإسلاميّ للديارِ الشاميةِ وبلادِ ما بينَ النهرين حوالي عامِ 633 إلى 644م وما بعدَ.

وتتكوّنُ اللغةُ الآراميةُ ـ السريانيةُ ـ من اثنين وعشرين حرفاً صامتاً وثلاثةِ حروفِ علةٍ. وتتفقُ السريانيةُ مع الكنعانيةِ أو الأوغاريتيةِ الفينيقيةِ بـ 22 حرفاً صامتاً دونَ حروفِ العلةِ.

وجميع ُالحروفِ السّريانيّةِ تقبلُ الاتصالَ بالحرفِ الذي قبلَها، وثمانية ُحروفٍ تدعى بالواقفةِ لا تقبلُ الاتصالَ بما بعدَها..

والسّريانيةُ على لهجتين: الشرقيةِ وهي الكلدانيةُ والآثوريةُ وتنتشرُ في العراقِ وإيرانَ وجبالِ زغاروس.

 والغربيةِ في سوريةَ ولبنانَ. والفرقُ بين اللهجتين هو في نقاطِ بعضِ الحركاتِ والحروفِ وفي رسمِ الخطِّ ليسَ إلاّ.

فالشرقيةُ: لها سبعُ حركاتٍ هي:تباخا ويُقالُ لها سقابا وتقابلُ الفتحةَ بالعربيةِ ورباصا تُقابلُ الضمةَ، وارواصا عبارةٌ عن ضمةٍ مائلةٍ إلى الفتحِ، وزلاما بثيقا عبارةٌ عن كسرةِ مائلةِ للفتحِ، زلاما قشيا وتقابلُ كسرةً مائلةً للفتحِ، وحباصا أو خواصا تُقابلُ الكسرةَ بالعربيّ.

 

اسحق قومي - ألمانيا

 

 

في المثقف اليوم