دراسات وبحوث

اسحق قومي: من اللغات القديمة إلى السَّـريانية (3-3)

اسحق قوميأما اللهجةُ الغربيةُ:

 لها خمسُ حركاتٍ وهي: فتوحو تُقابلُ الفتحةَ بالعربيّ وسقوفو تُقابلُ الضمةَ المائلةَ إلى الفتحِ. وربوصو وهي كسرةٌ مائلةٌ إلى الفتحِ، وعصوصو تُقابلُ الضمةَ بالعربيةِ، وحبوصو وتقابلُ الكسرةَ بالعربيةِ.

ويلاحظُ أنّ حروفَ الهجاءِ السّريانيةِ 22 اثنان وعشرون حرفاً، مثلُ الأحرفِ الفينيقيةِ. بينما نجدُ أنّ الحروفَ العربيةَ 29 حرفاً (تسعةٌ وعشرونَ حرفاً)وترتيبُها يختلفُ عن ترتيبِ الأبجديةِ السّريانيةِ، ولدى السريانُ حروفٌ مضاعفةٌ يختلفُ فيها اللفظُ حسبَ وقوعِها في سياقِ الجملةِ. وهي الحروفُ التاليةُ:

الباءُ وتلفظُ باءً أو (v) حسبَ وقوعِها في الكلمةِ... التاءُ وتلفظُ ثاءً أحياناً... الجيمُ وتلفظُ بالجيمِ المصريةِ أو بلفظِ الغينِ... الدالُ وتلفظُ دالاً و ذالاً... الحاءُ وتلفظُ خاءً في السّريانيةِ الشرقيةِ... الكافُ وتلفظُ كافاً عربيةً وخاءً...

وهناكَ تقاربُ لغويُّ بينَ السّريانيةِ والعربيةِ، يتوزعُ بينَ اللفظيّ، وعبرِ الأعدادِ، وفي الكلماتِ رغمَ تغييرِ حرفٍ واحدٍ بينَ اللغتينِ أحياناً وفي الألفاظِ المتباعدةِ التي تمتلكُ رسوباتِها في العربيةِ !

كلماتٌ عربيةٌ ـ سريانيةٌ متشابهةٌ، وهنالكَ ما لا يحصى من الكلماتِ المتشابهةِ بينَ اللغتينِ العربيةِ والسريانيةِ، سواءً بصورةٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرةٍ. هنا نسجلُ عينةً بسيطةً على سبيلِ المثالِ.نماذجَ كلماتٍ متشابهةٍ بصورةٍ غيرِ مباشرةٍ Lبعيرو = بهيمة // برتقالي = ليمونوا // حصان = سسيو (بالعربيّ ساسَ الخيلِ) // بقرة = تورتو (مؤنثُ ثورٍ).

أما الخلافاتُ اللغويةُ بينَ لهجاتِ الآراميةِ فليسَ بوسعنا الحديثُ المسهبُ عنها لكننا نشيرُ بعجالةٍ إلى أنّ تلكَ الخلافاتِ كانتْ منذُ نشأتِها ما بينَ بلادِ آشورَ وآرامَ ويزدادُ الخلافُ في الفترةِ المسيحيةِ والانقساماتِ التي حدثتْ ما بينَ النساطرةِ واليعاقبةِ.

وأما عن اللغةِ التي يسمونها بالسورتِ، فبعدَ مراجعتِنا لعددٍ من المقالاتِ التي تخصُّ هذا الجانبَ تبينَ لنا بأنهُ ليسَ هناكَ دراساتٌ علميةٌ إنما هناكَ استنتاجاتٌ تقولُ: إنّ اللغةَ التي يتحدثُ بها أهلُنا في شمالِ العراقِ اليومَ وجنوبِ شرقي تركيا يسمونها بالسورثِ. هذهِ اللغةُ كانتْ قد ولدتْ منذُ القرنِ الثامنِ أو العاشرِ قبلَ الميلادِ في بلادِ موزوبوتاميا نتيجةَ اختلاطِ اللغةِ الأكاديةِ بالآراميةِ. وهذا التلاقحُ اللغويُّ بينهما حدثَ عندما جلبَ الآشوريون ما يقاربُ من أربعةِ ملايين آراميٍّ من مناطقِ شمالِ وغربِ سوريةَ الحاليةِ إلى قلبِ الإمبراطوريةِ الآشوريةِ.وأكثرُ من ذلكَ الوجودِ الآراميّ في جنوبِ ووسطِ العراقِ اليومَ أدى إلى تزاوجٍ لغويٍّ وأنتجَ لغةً مشتركةً ومستقلةً بنفسِها عن لغةِ أهلِ المنطقةِ برمتِها وباتتِ اللغةَ المحكيةَ لكلّ من آشورَ وبابلَ منذُ القرنِ الثامنِ قبلَ الميلادِ. أما نحنُ لايمكنُ أن نجزمَ بالأمرِ على أنها هذهِ هي الحقيقةُ مالم يكنْ هناكَ دراساتٌ فائضةٌ حولَ هذهِ اللغةِ سيما هناكَ أدبٌ شعبيٌّ شفهيٌّ يمثلُ الثقافةَ الشعبيةَ التي تختزنُ حِقباً تاريخيةً واجتماعيةً. وما لم يتوفرْ مرجعٌ مؤكدٌ عن هذهِ اللغةِ.

وممَن عَمِل َ في المجالِ اللغويّ نستطيعُ أن نتلمسَ البداياتِ التي كانتْ مع:

1- يوسف الأهوزي نسبةً إلى الأهوازِ وكانَ أستاذاً في مدرسةِ نصيبين وتوفى في 580م.

2-ويعقوب الرهاوي، المتوفى 708، وقيلِ 710، اشتغلَ بآدابِ اللغةِ السّريانيّةِ وألّفَ فيها كتاباً كانَ عمدةً وسنداً يُرجعُ إليهِ.

3-وأشهرُ نحاةِ السريانِ (يشوع دناح) المتوفَّى في القرنِ الثامنِ.

4- حنين بن اسحاق 873.

5-والياس الطيرهالي 1049 وقد نهجَ في اللغةِ السريانيةِ منهجَ نحاةِ العربِ وغيرِهم.وقالَ صاحبُ (اللباب): (إن الحروف   الهجائيةَ في اللغةِ الساميّةِ تُبدلُ من حروفٍ أخرى وتبدأُ بالساكنِ، وصيغةُ الجمعِ تتبعُ الفعلَ إذا أُسندَ إلى فاعلِ جمعٍ بخلافِ العربيّةِ):

ولا نريدُ أن ندخلَ في جوانبَ لغويةٍ ومقارناتٍ بينَ الضمائرِ في اللغاتِ الساميةِ بل نكتفي إلى أنّ هناكَ تقارباً واضحاً في هذا المجالِ.

ولكن من خصائصِ السّريانيةِ أن ليسَ للسّانِ السّريانيّ أداةُ تعريفٍ للأسماءِ. والخصوصيةُ الثانيةُ هي وجودُ أداةٍ خصوصيّةٍ لإضافةِ الاسمِ إلى اسمِ آخرَ، وهي الدالُ تدخلُ على المضافِ إليهِ. وأنّ ميمَ الجمعِ تُقلبُ فيهِ إلى نونٍ. والمثنّى لم يبقَ منهُ أثرُ في اللسّانِ السّريانيّ.

والحركةُ التي لا يعقبُها مدٌّ أو حرفٌ مشدَّدٌ أو حرفٌ ساكنٌ تسقطُ دائماً في اللفظِ السريانيّ إلاَّ إذا أوجبَ إبقاؤها صعوبة.والحروفُ الهجائيةُ في اللغةِ الساميّةِ الأصليّةِ تُبدلُ من حروفٍ لأخرى.والاسمُ المفردُ وجمعُ المؤنثِ السالمِ إذا لم يلحقْ بهما شيءٌ يطلقُ آخرهما بالألفِ. والنونُ في بعضِ الأسماءِ الأوَّليّةِ تُقلبُ إلى راءٍ.

كما نجدُ صيغتين فُقدتا من اللغاتِ الساميةِ وبقيتا في اللغةِ السّريانيةِ وهما سفعل وشفعل.

كذلكَ وفي السّريانيةِ يصيرُ آخرُ الاسمِ (آ) وهو أداةُ التعريفِ. (الكتاب: خْثوبا). (الخبز: لِحْما)

 كما يبدأُ الفعلُ بالنونِ في صيغةِ المستقبلِ مثلُ: (سأقتل: نْكوتيل)

أصولُ الكلماتِ في السّريانيةِ ثلاثيةٌ كما في اللغاتِ الساميةِ. وهي الفاءُ والعينُ واللامُ، وما عداها زائدٌ إذا تغيَّرتِ الحركاتُ في وسطِ الكلمةِ تغيَّر المعنى ولا يوجدُ باللغةِ السّريانيّةِ تضعيفٌ،ولا مثنى وإن وجدْنا بعضَ الآثارِ لذلكَ. وتبدلُ النونُ راءً في بعضِ الأسماءِ (ابن: إبرا)، (ابنة، برجا).

وقدْ ظلتِ السريانيّةُ لغةً أدبيّةً حيّةً حتى القرنِ الرابعِ عشرَولم تزلْ لغةً طقسيّةً لدى الكنائسِ السّريانيةِ الشرقيّةِ والغربيّةِ حتى اليوم.

وأما عن الخطوطِ في اللغةِ السريانيةِ بلهجتيها:

1- الخطُّ الأسرنجيلي: ويعني المدورَ نسبةً إلى شكلهِ أو نسميهِ خطَّ الإنجيلِ. ويُسمى بالتقليدي. وبالسريانيةِ (سرطوأيونكَليو). وهو أقدمُ الخطوطِ وأكثرُها شيوعاً في القرونِ المسيحيةِ الأولى وقد يُسمى بالغربيّ. ويُعرفُ بالبسيطِ واليعقوبيّ والمارونيّ ويحتوي هذا الخطُّ على خمسِ حركاتٍ.

2- خطُّ مدنحايا أي الشرقيّ.ويُسمى أحياناً سوادايا ومعناهُ الشائعُ. وتكتبُ به (كنيسةُ المشرقِ الآشوريةُ والكنيسةُ الكلدانيةُ).

3- سرطو (غربي).

وهناكَ خطوطٌ أخرى منها الأورشليمي والمارديني والمنكاري. وهناكَ مَن يختصرُ هذهِ الخطوطَ فيقولُ: (شرطو أو سرطو. غربي، مدنحايا شرقي وأسطرنكيلا أو أسطرنجيلي أي تقليدي).وهناكَ كتابةٌ كرشونيةٌ ومعناها أن يُكتبَ بالسريانيةِ معاني اللغةِ التي تُترجمُ إليها كالعربيةِ أو التركيةِ أو الفارسيةِ.

خلاصة ُالقولِ، إنّ اللغةَ الآراميةَ التي اخترعَها الآراميون الأوائلُ أصبحتْ مصدراً لمعظمِ الكتاباتِ الحاليةِ في العالم.

ولأنّ الكثيرَ من أبناءِ السريانيةِ يكتبون باللغةِ العربيةِ أبحاثَهم وكتاباتِهم فقد وجدْنا أن نُقدمَ في هذا السياقِ ما الصلاتُ الحضاريّةُ واللغويّةُ بينَ السّريانيّةِ والعربيّةِ.

هُناكَ علاقةٌ وثيقةٌ ما بينَ السّريانيّةِ والعربيّةِ قبلَ الإسلامِ وبعدَهُ، ولا يُخفى على أحدٍ ممَن قرأَ التاريخَ ليتبينَ فضلَ (السريانِ) الكبيرَ على العربِ والعربيةِ. ولولاهم ما كانَ للعربِ تلكَ المعرفةُ في اللغةِ والخطِّ والترجمةِ وغيرِها. وهنا نقفُ عندِ الخطِّ العربيّ الذي تمَّ اشتقاقهُ من الخطِّ الاسطرنجيليِّ حيثُ تمّ أولاً اشتقاقُ الخطِّ الكوفيّ من الخطِّ الاسطرنجيلي وكانَ ذلكَ في القرنِ الأوّلِ قبلَ الإسلامِ حيثُ كانَ السريانُ الأوائلَ الذين علّموا العربَ القراءةَ والكتابةَ.

كما نتجَ عن إحدى حالاتِ الآراميةِ (السريانيةِ) الكتابةُ العربيةُ المربعةُ والخطان التدمريُّ والنبطيُّ، ومن هذا الأخيرِ جاءَ الخطُّ العربيّ بأشكالهِ العديدةِ.

وقد جاءَ في العقدِ الفريدِ لابن عبدِ ربهُ وفي الجزءِ الثاني..أنّ ثلاثةً من طيء اجتمعوا ببقعةٍ (وهم مرارُ بنُ مرة. وأسلمُ بنُ سعدة.وعامرُ بنُ جدره) فوضعوا الخطَّ وقاسوا هجاءَ العربيةِ على هجاءِ السريانيةِ.فتعلمهُ قومٌ من الأنبارِ. وجاءَ الإسلامُ وليسَ أحدٌ يكتبُ بالعربيةِ غيرُ بضعةِ عشرَ إنساناً. وهكذا قالَ: السيوطي في المزهر ج1.وصاحبُ الفهرستِ ص40 نقلاً عن ابنِ عباسٍ ما يشبهُ قولَ صاحبِ العقدِ.كما روى البلاذري في فتوحِ البلدان ص471كلاماً مطولاً على هذا النحوِ، مفادهُ أن اللغةَ السريانيةَ أساسُ العربيةِ.وقالَ: الآثريّ الشهيُر فيليب برجه في كتابهِ عن أصولِ الكتابةِ ص287. ما تعريبهُ (أنّ الكتابةَ العربيةَ وجدتْ.وكانتْ نصرانيةً قبلَ أن تتحولَ إلى إسلاميةٍ).وإذا قلْنا نصرانيةً فنقولُ بذاتِ الفعلِ سريانيةً.فالفضلُ الكبيرُ إذاً في تعلمِ الكتابةِ للعربِ يرجعُ لنصارى السريانِ الذين علّموها لنصارى العربِ حيثُ كانوا وحيثُ بشروا.ونحن إن قلْنا عربٌ لا نقصدَ إلاّ سكانَ شبهِ جزيرةِ العربِ.ولا نعني مطلقاً سكانَ سوريةَ من الذين يتكلمون بما يريدون تسميتَهُ اليومَ بالعربيةِ.لأنّ هؤلاءِ همْ مسيحيون سريانٌ أقحاحٌ منهم مَن أسلمَ عندِ الغزو الإسلامي.ومنهم مَن بقيَ على دينهِ.

هذا بالنسبةِ للخطِّ ومعرفةِ اللغةِ. أعتقدُ أنّ قراءاتي التاريخيةَ في هذا الجانبِ كانَ للسريانِ دورٌ لايتوقفُ عندَ هذا الحدِّ. بل همُ الذين أغنوا مسيرةَ النهضةِ العلميةِ عندَ العربِ وهمْ مَن علّمهمُ القراءةَ والكتابةَ. وقاسَ العربُ هجاءَ العربيةِ على هجاءِ السريانيةِ. ومن قبلُ نجدُ أثرَ السريانيةِ في بلادِ الحجازِ ومكةَ والمدينةِ. وجاءَ أن الرسولَ العربيّ محمداً بنَ عبدِ اللهِ:يقولُ لحسانَ بنِ ثابتٍ أتجيدُ السريانيةَ قال لا؟! قالَ اذهبْ وتعلمْها لأنها لغةُ الملائكةِ.هذا ما جاءَ في كتابِ صبح الأعشى للقلقشندي.فقد روى محمدٌ بنُ عمرِ المدائني.في كتابه القلم والمداواة.قولَ الرسولِ والذي يقطعُ الشكَّ باليقينِ.

 (لزيدٍ بنِ ثابتٍ أَتحسنُ السريانيةَ؟! قالَ.لا..قالَ.تعلمْها لأنها لغةُ الملائكةِ…).

ويقولُ صاحبُ صبح الأعشى.أنّ حسانَ ذهبَ وتعلمَها في سبعةَ عشرَ يوماً.وإذا سألنا أنفسَنا ما الذي تعلمَهُ حسانُ في هذهِ المدةِ القصيرةِ وهل كانَ عبقريَّ زمانهِ…؟ لقد تعلمَها نحواً وصرفاً (قراءةً وكتابةً).لأنهُ كانَ يتحدثُ بها كلاماً.سيما وأن محمداً بنَ عمرِ المدائني. يعدُّ كلامَ الرسولِ من الأقوالِ المسندةِ لا الضعيفةِ؟.

ولماذا لم يحضَّ الرسولُ زيداً بنَ ثابتٍ على تعلّمِ اللغةِ العربيةِ؟!! أولاً لم تكنِ اللغةُ العربيةُ قد وجدتْ آنذاكَ.وثانياً هو كانَ قد سمعَ عن هذا الأمرِ ــ بأنّ اللغةَ السريانيةَ هي لغةُ الملائكةِ وآدمَ ــ.أجل كانَ يسمعُ كلَّ هذهِ المعارفِ في ديرِ حراءِ الذي كانَ ديراً للرهبان. ونُشيرُ إلى أن زوجةَ الرسولِ الأولى خديجةَ ابنةَ عمِّ المطرانِ ورقةِ بنِ نوفلٍ (مطرانِ مكةَ أو بكةَ). الذي كانَ على مذهبِ النساطرةِ.كانتْ لغتُها سريانيةَ اللهجةِ الآشوريةِ الشرقيةِ، النسطوريةِ. ولم يذكرِ التاريخُ أنهما كانَا على خلافٍ لغويّ لأنهما كانا يتحدثان الآراميةَ (السريانيةَ) المستعملةَ هناكَ...ونعني (اللهجةَ الشرقيةَ الآشوريةَ).

ويقولُ البير أبونا في كتابهِ (تاريخُ الكنيسةِ الشرقيةِ) ج1.إن ّاللغتين العربيةَ والسريانيةَ تنتميان إلى دوحةٍ واحدةٍ هي الآراميةُ.وهنا أتحفظُ على ماجاءَ في قولِ البير أبونا من أن السريانيةَ والعربيةَ تنتميان إلى دوحةٍ واحدةٍ.وتحفظي يشملُ السريانيةَ لأنها والآراميةَ ذاتُ الدوحةِ (الشجرةُ الوارفةُ).إنما أرى أنّ العربيةَ من خلالِ ماسبقَ فهي غصنٌ من أغصانِ الآراميةِ (السريانيةِ).وهنا نتحدثُ علمياً عن العربيةِ المكتوبةِ وليستِ العربيةُ التي كانَ يتحدثُ بها عددٌ من القبائلِ ولكلٍّ منهم لهجتهُ الخاصةُ بهِ.

وأمّا أثرُ السريانيةِ على العربيةِ فقد أقرّ ذلكَ عددٌ من الباحثين هذا التأثيرَ وأثرَ السريانيةِ على اللغةِ العربيةِ.وأهمُّ هؤلاءِ (بروكلمان ومجموعةٌ من الباحثين)، إذ " في القرنِ الرابعِ قبلَ الميلادِ، قامتْ دولةُ الأنباطِ العربيةِ، وامتدتْ من خليجِ العقبةِ إلى دمشقَ، وشملتْ معظمَ شمالي جزيرةِ العربِ، وكانتْ عاصمتُها سلعَ أو البتراءَ.وعربُ البتراءِ استعملوا الآراميةَ في كتاباتِهم بينما كانوا يتحدثون باللهجةِ التي يسمّونها عربيةً ويقول بروكلمان: إن الكتاباتِ المختلفةَ التي نقشتْ على قبورِ سلعَ (البتراءِ) ، تدلُّ على أن الأنباطَ قد استعملوا في هذهِ النقوشِ اللغةَ الآراميةَ التي كانتْ لغتَهم الرسميةَ حتى في ظلِّ الأخمينيين". أجل لأنّ الحروفَ الهجائيةَ لم تكنْ قد استنبطتْ عندَ عربِ الشمالِ وحينَ ظهرتِ الحاجةُ للكتابةِ كانَ من الطبيعي أن يأخذوا أبجديتَهم التي كتبَ بها القرآنُ من الآراميةِ التي استعملَها الأنباطُ.

وبعدَ الإسلامِ: تبدأ عمليةُ التلاقحِ الثقافيّ بينَ السّريانيةِ والعربيةِ في عهدِ الأمويين بشكلٍ واضحَ المعالمِ وتبلغُ أوجهَا مع الفترةِ العباسيةِ، ما كانَ له الأثرُ البالغُ في النهضةِ العلميةِ التي عرفتها الحضارةُ الإسلاميةُ في هذهِ الفترةِ.

لقد " كانَ لاتساعِ دولةِ الإسلامِ، وحاجةِ العربِ إلى ما عندَ الأممِ من العلومِ أقوى البواعثِ على طلبِ الفلسفةِ والعلومِ، ونقلِ تلكَ العلومِ إلى اللغةِ العربيةِ، وبما أن الطابعَ العربيّ هو الذي ميزَ الدولةَ الإسلاميةَ في عهدِ الأمويين 41 – 132 هـ / 661 – 749م، بقيتِ الدولةُ الأمويةُ عربيةَ المظهرِ، كما لم يبتعدِ الخلفاءُ الأمويون عن هذا الطابعِ إلا في المجالاتِ التي دفعتُهمُ الظروفُ إليها دفعاً، لقد كانوا بصددِ إرساءِ أسسٍ جديدةٍ لدولةٍ ناشئةٍ على نهجٍ لم يكنْ للعربِ بهِ عهدٌ من قبلُ، وكانَ بودّهم أن يستكملوا كلَّ مقوماتِها، ولم يكنْ بدٌّ من أن تواجههم مشكلاتٌ نتيجةَ لما يمارسون من نشاطٍ جديدٍ، كلُّ ذلكَ جعلهم يلجؤون إلى ذوي الخبرةِ فيما جدَّ من أمورٍ، فهم لم يناقضوا أنفسَهم حين استمدوا العونَ من كلِّ قادرٍ عليهِ من أهلِ الثقافاتِ اليونانيةِ والسريانيةِ، ما أتاحَ للعقليةِ العربيةِ أن تُلقحَ بلقاحٍ علميّ جديدٍ حملهُ إليها السّريانُ على وجهِ التحديدِ ".

" وكانَ للناطقين بالسّريانيةِ الفضلُ في يقظةِ العربِ العامةِ، ونهضتِهم الفكريةِ في بغدادَ زمنَ العباسيين خاصةً، ما لم يكنْ مثلهُ لأمةٍ، تلكَ النهضةِ التي غدتْ ولا تزالُ مفخرةَ العصرِ العباسي القديمِ، فقد كانَ العالمُ العربيّ الإسلاميّ ما بينَ 133 – 236 هـ / 750 – 850 م مسرحاً لحركةٍ من أبرزِ الحركاتِ وأخطرِها في تاريخِ الفكرِ …

فكانَ السّريانُ همُ العقلَ والروحَ والوعيَ والتحققَ والتجسدَ الذي عبرتْ عليهِ هذهِ العلومِ لتصلَ إلى العربِ المسلمينِ،لابل همْ أسُّها ونسغُها، وهمْ ولولاهمْ ما وجدنا تلكَ العلومَ اليونانيةَ محمولةً في الفكرِ العربيّ فيما بعدُ وكانَ أن استفادَ العربُ من وجودِ السريانِ التراجمةِ وأصحابِ المدارسِ الذين مكنّوا العربَ من التعرفِ إلى الأنشطةِ الثقافيةِ اليونانيةِ، وفي جهةٍ ثانيةٍ لابدّ من الإشارةِ إلى رغبةِ الحاكمِ العربيّ في تطويرِ آلياتِ الفكرِ عبَر هؤلاءِ الجهابذةِ السريانِ.

 والحقُّ يُقالُ، إنَّ شغفَ بعضِ الخلفاءِ بالعلمِ وتعلقهمْ بالمعرفةِ كانَ لهما الفضلُ في بروزِ هذهِ الناحيةِ، ولقد وجدَ هؤلاءِ المثقفون من الخلفاءِ ورجالاتِ البلاطِ إسنادَ هذهِ المهمةِ الساميةِ والضروريةِ إلى علماءِ السّريانِ ليكونوا واسطةَ العقدِ في حركةِ الترجمةِ والنقلِ التي نشطتْ على أيديهمْ أكثرَ من سائرِ الأممِ، إيماناً منهم بقدرةِ هؤلاءِ على القيامِ بهذهِ المهمةِ الشاقةِ، وقد ساعدَهمْ في ذلكَ مرونةُ لغتِهمُ السريانيةِ وإحاطةُ هؤلاءِ التراجمةِ بالعلومِ التي ترجموها مع تضلعِهم العميقِ فيها، بالإضافةِ إلى تعمقهمْ في آدبِ اللغتين العربيةِ واليونانيةِ.

وبعدَ هذا فقد مرَرْنا على اللغةِ الآراميةِ السّريانيّةِ الآشوريةِ، وتشكلِّها الأولِ، وكيفَ تطوَّرَتْ، وأثرتْ في مختلفِ اللغاتِ السابقةِ لها، فاستوعبتْها وهضمتْها وطوَّرتْها، وأغنتْ بحرفِها الآراميِّ السريانيِّ المتطورِ أصلاً عن الأبجديةِ الفينيقيّةِ التي كانت ــ أحدَ أغصانِ الآراميةِ ــ ورأينا أثرَها في العالم ِالمشرقيّ وحتى مصرَ والبلادِ التي سيسكنُها العربُ الذين كانوا يتحدثون إحدى لهجاتِ اللغةِ الآراميةِ وكيفَ سيأتي اليومُ ليستعيروا ويقيسوا أبجديَّتَهم بعدَ خطِّهم من اللغةِ السريانيّةِ، كلُّ هذا وتأثيرُ السريانيّةِ على اللغةِ العربيّةِ فيما بعدُ وتقارضُهما في العديدِ من الكلماتِ وحتى في الصيغةِ النحويّةِ والصرفيّةِ.

إنّ اللغةَ السريانيةَ (الآراميةَ) لايمكنُ أن تكونَ اللغةَ الأكاديةَ ولهجتيها. ولايمكن أن تكونَ اللغةَ الكنعانيةَ الفينيقيةَ الأوغاريتيةَ ولا السينائيةَ ولا لغةَ بيبلوس ولا تلَ العمارنةِ في مصرَ بل هي لغةٌ مستقلةٌ أثبتتْ جدارتَها وهي التي نكتبُ بها كما أسلفنا.مع الإشارةِ ونكررِ.

إن اللغةَ السريانيةَ المحكيةً ليستِ اللغةَ السريانيةَ المكتوبةَ.ونعودُ مرةً ثانيةً لنؤكدَ للإخوةِ أنّ علينا أن نميزَ بينَ الأسلوبِ السياسيّ الدبلوماسيّ والمنطقِ العلمي المبني على وثائقَ تاريخيةٍ وأبحاثٍ علميةٍ، وهو أن اللغةَ التي يتحدثُ بها الآشوريّ والطوعبدينيّ والسوريّ الجزريّ وأبناءُ شعبِنا أينما وجدوا في المغترباتِ ومن الذين ولدوا في بيوتٍ تتحدثُ اللهجةَ الشرقيةَ (لهجةَ آشورَ) أو ممن ولدوا وأهلُهمْ يتحدثون اللهجةَ الغربيةِ، لهجةَ الرّها.فإنهمْ يتحدثون السريانيةَ المحكيةَ. فإذا كُنّا نقرّ من خلالِ الوقائعِ التاريخيةِ بأنّ الإمبراطوريةِ الآشوريةِ هي إمبراطوريتُنا.فإن اللغةَ التي نتحدثُ بها اليومَ هي اللغةُ الآراميةُ، السريانيةُ والتي سادتْ على الإمبراطوريةِ الآشوريةِ وتحدثتْ بها وليستْ باللغةِ الآشوريةِ التي كانتْ لهجةً أكاديةً على الإطلاقِ. ــ إلا إذا أخذنا اسمَ اللغةِ من خلالِ الشعبِ الذي يتحدثُ بها وهو ليسَ بالشعبِ الذي أنتجَها في شكلِها الأبجديّ أقلَ ما يمكنُ ـــ وكما سبقَ وقلنا اللغةُ الآشوريةُ (اللهجةُ الشماليةُ للغةِ الأكاديةِ) كانتْ قد انتهتْ منذُ ما قبلَ الميلادِ بسنواتٍ طِوالٍ.

هذا القولُ الذي نتبناه لا نتبناه إلا من خلالِ المعطياتِ التاريخيةِ والبحثيةِ ولا نتبنى رأياً مزاجيّاً أو شوفينياً.فإذا كانَ لنا إمبراطوريةٌ آشوريةٌ. وعرفنا العالم في المحافلِ الدوليةِ باسمِ القضيةِ الآشوريةِ فهذا لايمكنُ أن يُلغي أنّ اللغةَ التي نكتبُ ونقرأ بها ومن خلالِها هي اللغةُ الآراميةُ التي سُميتْ بالسريانيةِ.

ونحنُ في قياسِنا للغتِنا نأخذُ بقياسِ لغتين الأولى هي اللغةُ العربيةُ:

 التي سُميتْ بالعربيةِ نسبةً إلى يعربَ بنِ قحطانَ.فإننا نقيسُ عليها وبها اللغةَ الآراميةَ (السريانيةَ) والتي تُنسبُ إلى آرامَ بنِ سامٍ بنِ نوحٍ.

أو قياسُنا الثاني:كما في موضوعِ وحقيقةِ اللغةِ الإنكليزيةِ:

 التي ظلتْ تسميتُها مستقلةً عن الأقوامِ التي تتحدثُ بها.

 إنّ التاريخَ البشريَّ بجميعِ محمولاتهِ ومنتجاتهِ الفكريةِ والثقافيةِ والعلميةِ والإبداعيةِ. هو في حالةِ مثاقفةٍ دائمةٍ ولايمكنُ أن تكونَ المجتمعاتُ البشريةُ عبارةً عن سجونٍ مغلقةٍ بل هي في حالةِ تواصلٍ وتأثيرٍ وتأثرٍ، تأخذُ وتعطي، وهكذا اللغاتُ بشكلٍ عامٍ. ولايمكنُ أن تكونَ السريانيةُ حالةً لاتخضعُ لهذهِ القوانينِ الاجتماعيةِ والصيرورةِ التاريخيةِ.

فالسريانيةُ هي نتاجُ تجربةٍ بشريةٍ تمتدُ منذُ ما قبلَ سومرَ وأكادَ وبابلَ وآشورَ وآرامَ ودمشقَ وفينيقيةَ وسيناءَ والحبشةِ. إنها تمثلُ كلّ الفكرِ اللغويّ لشعوبٍ سبقتِ الآراميين في مكتشفِهم الجديدِ الذي هو أبجديةٌ آراميةٌ ومع تطورِ الزمنِ سُميتْ بالسريانيةِ.

والسؤالُ الهامُ جداً هل اللغةُ الإنكليزيةُ في كندا تُسمى باللغةِ الكنديةِ؟ أو في أمريكا تُسمى باللغةِ الأمريكيةِ، هل في الهندِ اللغةُ الإنكليزيةُ تُسمى الهنديةَ؟!!

إنّ اللغةَ الإنكليزيةَ هي إنكليزيةٌ أينما وجدتْ أو مَن تحدثَ بها. هكذا لغتُنا.

وخلاصةُ البحثِ ونتيجةً لماسبقَ، لمجموعةِ الأفكارِ التي طرحناها فإننا نقفُ على أنّ لدينا لغةً ندعوها بالسريانيةِ.وبعضُنا يقولُ عنها إنها آشوريةٌ وربما قالَ إخوتنا كلدانيةٌ.

بدأ ظهورُها قبلَ الميلادِ وأصبحتْ لغةً للتخاطبِ في بلادِ ما بينَ النهرين كلِّه منذُ القرنِ السادسِ قبلَ الميلادِ وحتى ما بعدَ الميلادِ.ورأينا كيفَ بدأتْ تخبو عندما زاحمتْها اللغةُ العربيةُ.وإذا ما وقفنا على محصلةٍ لنتائجَ بحثيةٍ في تاريخِ اللغاتِ الساميةِ.علينا أن نقرَّ بـ:

1- أن اللغةَ التي نكتبُ ونقرأ بها ومن خلالهِا.هي لغةٌ آراميةٌ وليستْ سريانيةً ولا آشوريةً ؟!!!

إذْ لم تكنِ اللغةُ الآراميةُ محضَ مصادفةٍ أو على شكلِ برقٍ واختفتْ سريعاً ـ نعني بهذا أنها بقيتْ أكثرَ من ألفين وسبعمئةِ سنةٍ تُسمى بالآراميةِ وسُميتْ بالسريانيةِ لأسبابٍ متعددةٍ منها ما أطلقهُ الإغريقُ على شعبِ سوريةَ.

فالسؤالُ المنطقيّ يطرحُ نفسهُ من خلالِ هذهِ المغالطةِ التاريخيةِ والمنطقيةِ والواقعيةِ والعلميةِ بالنسبةِ للغةِ. اليونانيون أطلقَ التسميةَ على شعوبِ المنطقةِ تسهيلاً لهم في التعاملِ مع الاسمِ. (السريانِ.أو بالآشوريين).

لكنّ هذهِ التسميةَ تسميةٌ غيُر صحيحةٍ وغيرُ علميةٍ لأنها تُخالفُ الحقيقةَ العرقيةَ واللغويةَ لتلكَ الشعوبِ كما قلنا وبيّنا سابقاً، أي أنهم ظلموا الآراميين ولغتَهم بالتسميةِ. وعلينا أن نتفهمَ هذا الإجحافَ بحقِّ الآراميةِ والآراميين هذا أقلُ ما يمكنُ في البلادِ والممالكِ الآراميةِ الواقعةِ شرقي البحرِ المتوسطِ (بحرِ الرومِ) وحتى معَ الممالكِ التي بناها وأسسّها الآراميون في شرقي الفراتِ والتي تزيدُ على خمسِ وعشرين مملكةً آراميةً..

ثانياً:إذا كانَ الأمرُ كما يطرحهُ المثقفون والكتبةُ السريانُ أمثالُ المطرانِ الشاعرِ والباحثِ المرحومِ اسحق ساكا الذي عرفتهُ مديراً لمدرسةِ الخابورِ للسريانِ الأرثوذكسِ بالحسكةِ منذُ نهايةِ الخمسينياتِ من القرنِ العشرين، والتقينا في هولندا وألمانيا بمطلعِ التسعينياتِ من القرنِ العشرين الماضي حيثّ يقولُ في كتابهِ (كنيستي السريانية). وفي الصفحة 22 و23 إنّ السريانيةَ ليستْ متأتيةً كما قالَ بعضُ الباحثين من (كورش ملكِ الفرسِ) ولا من التسميةِ السياسيةِ آثورّ والصحيحُ برأيهِ جاءتْ من خلالِ أقوالِ علماءٍ أمثالِ (مار ديونيسيوس يعقوب بن صليبي مطران آمد (ديار بكر (1171) والمؤرخِ الكبيرِ مار ميخائيل البطريرك الأنطاكي 1199.فقد قالا إنّ السريانيةَ متأتيةٌ من سيروس الملكِ كنسبةٍ إليهِ (وهو ليسَ بسورس أو قورش الفارسي).. وهذا كانَ قد ظهرَ قُبيلَ النبي موسى وجنسهُ آراميّ وقد استولى على بلادِ سوريةَ وما بينَ النهرين وباسمهِ سمِّيتْ سوريا وأهلَها بالسوريين وعلى القياسِ نفسهِ فقد سُمِّيتْ قيلقيةَ نسبةً إلى قيليوس أخيه لسيروس ويتابعُ المطرانُ اسحق ساكا فيقولُ:

لقد تسمّى السريانُ بالسريانِ قبلَ السيدِ المسيحِ.أي بعدَ مجيء السلوقيين الإغريقِ ويُعيدُ موضوعَ كلمةِ سوريّ أو سريانيّ إلى الترجمةِ السبعينيةِ التي حدثتْ عامَ 280 قبلَ الميلادِ حيثُ تُرجمةُ لفظةِ آرامَ بكلمةِ سوريّ. وهكذا حلّ الاسمُ السريانيُّ السوريُّ محلَّ الاسمِ الآراميِّ. ويأتي أخيراً ليؤكدَ أنّ السريانيةَ أو السريانَ حلّتْ محلَّ الآراميةِ بفضلِ المسيحيةِ، وأنّ الاسمَ يأخذُ جانباً دينياً لا سياسياً.وقالَ المطرانُ كما غيرهُ إنّ الاسمَ السريانيَّ جاءَ من خلالِ اعتناقِ الآراميين للمسيحيةِ فأرادَ الآراميُّ المسيحيُّ أن يتميزَ عن الآراميِّ الوثنيِّ فقالّ بالسريانيِّ اسماً والسريانيةِ لغةً. أو أنهم قَبِلوا بالتسميةِ اليونانيةِ أن تُطلقَ عليهم.على الرغمِ من أنهم يعلمون بأنّ اسمَهم القوميَّ (الآراميَّ) سينمحي للأبدِ، وهكذا اسمَ لغتِهم.فهل كانوا على وعي مما يفعلون ؟! أم أنهم أمامَ مجدِ المسيحيةِ وتعاليمِها كلُّ شيءٍ لايستحقُ الوقوفَ عليهِ وعندَهُ؟!! كما فعلَ أهلُ الرها في مؤلفاتِ الفيلسوفِ والشاعرِ والمفكرِ برديصان حيثُ حرقوا ومزقوا وأتلفوا كلَّ ما كتبهُ هذا العبقريُّ لعاطفةٍ هوجاءَ لدى أهلِ زمانهِ الحمقى.ومما جاءَ في كتابِ (السريانُ الآراميون عبرَ التاريخِ) للخوري شابو الخوري. حيثُ نجدهُ يؤكدُ مَن سبقهُ بأنّ الآراميةَ لغةٌ لجميعِ الآراميين المنتشرين في بلادِ آرامَ ومن فارسَ إلى البحرِ المتوسطِ، وكانَ يُطلقُ عليهمُ اسمَ الآراميين لكن عندما استولى اليونانُ على هذهِ المنطقةِ عامَ 312 قبلَ الميلادِ أطلقوا على الأرضِ اسمَ سوريا مُحرفاً عن آشورَ ثمّ اختصروها إلى سوريا معَ أن شاعرَهمْ هوميروس دعا سكانَها بالآراميين ويقولُ: إنّ العلامةَ الأبَ (دي كارا) كانَ قد قالَ إنّ اسمَ سوريا موجودٌ في الآثارِ المصريةِ قبلَ علماءِ الإغريقِ لابل قبلَ استيلاءِ الآشوريين على سوريةَ، وكانَ ذلكَ مكتوباً باللغاتِ الثلاثِ الهيروغلوفيةِ والمصريةِ واليونانيةِ بقرونِ. ويوردُ الخوري في كتابهِ (السريانُ والآراميون عبرَ التاريخِ) تعددَ اللهجاتِ الآراميةِ فيقولُ:

الفينيقيةُ، الرهاويةُ، الفلسطينيةُ، التدمريةُ، النبطيةُ، السامريةُ، المندائيةُ ولكن أفصحَها هي اللهجةُ الرهاويةُ وبها تمتْ كتابةُ الأسفارِ الإلهيةِ.

ومهما يكنْ ومهما طالتْ مناكفتُنا للأفكارِ لابدّ أن ننتهي إلى أنّ هؤلاءِ الآراميين السريانَ الذين لم يعيروا أهميةً إلى اسمِهم القوميّ أوقعونا في ورطةٍ حقيقيةٍ دامتْ أكثرَ من ألفي عامٍ. وهي سببُ خلافاتِنا اليومَ حيثُ تظهرُ توابعُها الارتداديةُ وأعني بتلكِ الخلافاتِ الواقعةِ اليومَ المؤيدَ للاسمِ السريانيّ والمعارضَ وبينَ لغةٍ سريانيةٍ وتلكَ آشوريةٍ أو كلدانيةٍ.

 ومن أجل هذا نأتي ونُعيد:

آ- الحقيقةُ أنّ اللغةَ التي نكتبُ ونقرأ بها هي آراميةٌ وليستْ بسريانيةٍ أو آشوريةٍ.

لأنّ (السريانيةَ تعني حقيقةً آشوريةً بحسبِ ما أطلقهُ الإغريقُ علينا).

 وعلينا أن نميزَ بينَ مفهومي (الاسمِ والتسميةِ).فالاسمُ الحقيقيّ للشعبِ ذاكَ المتأتي من مبدأ وجودهِ وصيرورتهِ التاريخيةِ والجغرافيةِ والثقافيةِ.وما بينَ التسميةِ التي يُطلقُها الغرباءُ على هذا الشعبِ أو ذاكَ وخاصةً تلكَ التي لا تكونُ مطابقةً لحقيقةِ اسمهِ ولغتهِ.فما أطلقهُ الإغريقُ من تسميةِ سريانَ على جنسٍ هو آراميّ فهو ولايمثلُ الآراميين.

لكنّ المعضلةَ تكمنُ في عدمِ قبولِ الآشوريّ للغةِ التي دخلتْ على حياتهِ منذُ ستمئةِ عامٍ قبلَ الميلادِ وهي اللغةُ الآراميةُ، فهو لايقبلُ إلا وأن يُسمّيها بالآشوريةِ.على الرغمِ من أنّ اللغةَ التي يكتبُ ويقرأ بها الآشوريون والكلدانيون في نينوى وما جاورَها من أرضِ آشورَ هي آراميةٌ وليستْ كما يقولون إنها لغةٌ آشوريةٌ ويعنون بما عُرفتْ تاريخياً والتي كانتْ إحدى لهجاتِ اللغةِ الأكاديةِ.

ب- لنستقرْ على أمرٍ علميّ يتمثلُ في أن نُعيدَ ترتيبَ حقائقِنا اللغويةِ بتاريخيتِها وما أتاها عبَر مسيرتِنا فنقولُ:

إنّ اللغةَ التي نقرأ بها ونكتبُ هي آراميةٌ وليستْ بسريانيةٍ ولا آشوريةٍ ولا كلدانيةٍ.

لأنّ الفضيلةَ تقتضي أنْ نصوبَ خطأ تاريخياً أفضلَ من البقاءِ عليهِ. مع العلمِ نقرُّ على ما في هذا الأمرِ من صعوبةٍ تفوقُ صعوبةَ بناءِ مدينةِ في الهواءِ ـ وننبهُ إلى أننا سنبقى نتوهمُ بحقائقَ ليستْ هي الصحيحةَ ولا تحملُ النتائجَ العلميةَ لأبحاثٍ لغويةٍ ولها مفاعلاتٌ سلبيةٌ ومناكفاتٌ فكريةٌ ستؤدي لمزيدٍ من الانشقاقاتِ.

أجل. وبلى ونعم.نعلمُ علمَ اليقينِ من دونِ أدنى شكِّ بأنهُ أمامَنا أكثرَ من ألفي عامٍ حيثُ كانَ قد استقرَ الاسمُ السريانيّ سواءً أكانَ على اللغةِ أو الشعوبِ في المنطقةِ. (اللغةُ السريانيةُ، الشعبُ السريانيّ وهو في حقيقتهِ آراميٌّ وفينيقيٌّ في سوريةَ، وآشوريٌّ في العراقِ الحالي).

نحن نعلمُ بأنّ أهلَنا الذين ينحدرون من بلادِ آشورَ وأرضِ نينوى التاريخِ لايقبلون لابل يرفضون أن نسمّي لغتَنا بالسريانيةِ.فهذا الكلامُ مرفوضٌ جملةً وتفصيلاً.

من هنا تأتي أهميةُ المشروعاتِ العلميةِ لترسيخِ قناعاتٍ واقعيةٍ وعلميةٍ من خلالِ الصيرورةِ التاريخيةِ لانتشارِ وتبني الآراميةِ بينَ أهلِنا في آشورَ منذُ ما قبلَ الميلادِ لأنهُ لايمكنُ لعاقلٍ ويرفضها. إنما يمكنُنا أن نقرَّ في سياقِ العلميةِ والتاريخيةِ بأنهُ لاضيرَ من قولِنا إنّ اللغةَ الآراميةَ لغةُ شعبِنا المنحدرِ من آشورَ ونينوى وسوريةَ الداخليةِ، وأنّ اللغةَ السريانيةَ (الآشوريةَ) لغةُ قومين (آراميّ في الغربِ وآشوريّ في الشرقِ).

ونحنُ على قناعةٍ هناكَ العديدُ ممن لا ولن يقبلَ بهذا الرأيّ. بل سيبقى متمسكاً برأيهِ المؤلهِ والمقدسِ على الرغمِ من أن أغلبَ أمثالِ هؤلاءِ ليسوا بأكثرَ من مستهترين.فهمْ في الحقيقةِ معوقاتٌ أمامَ وحدةِ شعبِنا أينما وجدوا.

هذا هو رأينا الذي نتبناهُ بالمطلقِ مع تأكيدنا أنّ هذا الملفَ وأعني ملفَ اللغةِ وتسميتِها ليسَ مكتملاً ولا أفرضُ رأياً على أحدٍ، وأكررُ نحن بحاجةٍ إلى نتائجَ بحثيةٍ أوسعَ وأكثرَ قُرباً من الحقيقةِ التاريخيةِ، وأريدُ أن تمثلَ تلكَ الأبحاثُ طيوفَنا كافةً.وأنّ هذهِ الإشكاليةِ تستلزمُ الدعوةَ إلى عقدِ مؤتمرٍ عامٍ وشاملٍ كتبنا في هذا الصددِ من قبلُ وهاكم ما كتبناهُ وطالبنا بهِ:

الدعوةُ إلى مؤتمرٍ لحلِّ إشكاليةِ التسميةِ الواحدةِ، واللغةِ الواحدةِ، والعلمِ الواحدِ. والخطابِ السياسيّ الواحدِ.رأيّ حرٌّ غيرُ ملزمٍ موجهٌ إلى الحريصين والمعنيين من أبناءِ شعبِنا على مختلفِ تسمياتهِ المناطقيةِ والهجويةِ والطائفيةِ والقبليةِ.

إذا أردنا أن ننقذَ ما بقيَ لنا من وجودٍ على أرضِ أوطانِنا، ونُحييَ عظمةَ تاريخِنا وحضارتِنا التي كانتْ قبلَ آلافِ السنين. وإذا أردنا أن نوقفَ الزمنَ ليسمعَ لنا، ولقضيتٍنا العادلةِ، وحقوقِنا المشروعةِ على ترابِ أجدادِنا.

فلا يتمُّ ذلكَ لا بالدعاءِ إلى اللهِ ولا بكثرةِ القديسين، ولا بجهودِ أحزابٍ مضى على نضالاتِها أكثرُ من سبعين عاماً ولم تفعلْ شيئاً.لنتوحدَ أمامَ رؤيةٍ واحدةٍ تقومُ على الأسسِ التاليةِ:

1- يتمُّ الإعلانُ عن مؤتمرٍ شاملٍ وجامعٍ ومانعٍ عنوانهُ:

 (كيفَ نحلُّ إشكاليةَ التسميةِ واللغةِ والعلمِ الواحدِ والخطابِ السياسيّ الواحدِ؟).

والبدايةُ أراها أن تتشكلَ لجنةٌ من مجموعةِ مثقفين مهتمين من أبناءِ شعبِنا نسمّيها لجنةَ المؤتمرِ.تتبنى مشروعَ إقامةِ مؤتمرٍ عالميّ بإشراكِ علماءِ لغةٍ عالميين ممن لهم اهتماماتٌ لغويةٌ وتاريخيةٌ.وبعدَ أن تستقرَ اللجنةُ على مجموعةِ محاورَ تقومُ بالإعلانِ عن المؤتمرِ وذلكَ بتوجيهِ دعوةٍ إلى صفوةِ المثقفين والباحثين والتاريخيين والإعلاميين والمفكرين والفنانين التشكيليين والسياسيين وحتى خيرةِ رجالاتِ كنائسِنا وإلى الشخصياتِ المستقلةِ المثقفةِ أصلاً من أبناءِ مكوّناتِنا العرقيةِ والطائفيةِ.

2- إخطارُهم بأنّ مَن يودُّ أن يكونَ مشاركاً ومحاضراً في هذا المؤتمرِ عليه أن يُسجلَ اسمَهُ لدى لجنةٍ نُسمّيها لجنةَ المؤتمرِ.بعدَ أن تكونَ اللجنةُ قد كتبتْ ونشرتِ التعليماتِ التاليةَ:

آ- كلّ من يودُّ حضورَ المؤتمرِ كمشاركٍ فعّالٍ (محاضرٍ) عليهِ أن يُقدمَ بحثاً علمياً. وبمنهجيةٍ بحثيةٍ تقومُ على المناهجِ التاليةِ: (المنهجِ التاريخيّ، المنهجِ الوصفيّ، والمنهج التحليلّي والمنهجِ المقارنِ)، لمعالجةِ الإشكاليةِ التي دعا إليها المؤتمرُ.نكررُها هنا لئلا يقولَ أحدٌ إنني لم أفهمْ قصدَكم.

كيفَ نتوصلُ إلى تسميةٍ جامعةٍ مانعةٍ يعتمدُها شعبُنا أمامَ المحافلِ الدوليةِ، وكذلكَ بالنسبةِ للغتِنا. وهكذا للعلمِ الواحدِ كي يمثلَنا؟!!

ب- مدةُ تحضيرِ وتقديمِ الأبحاثِ من قِبلِ الباحثين:تُحددُ بثلاثةِ أشهرٍ تُقدمُ إلى لجنةِ المؤتمرِ ـــ التي أرى أن تتشكلَ من أطيافِنا جميعاً وبالتساوي ـــ ويتمُّ اعتمادُ كلّ الأبحاثِ المقدمةِ دونَ استثناءٍ أو إقصاءٍ لأحدٍ مادامَ هذا الباحثُ كانَ قد سجلَ اسمَهُ لدى اللجنةِ المعتمدةِ ويُمثلُ أحدَ أطيافِنا حتى لو كانَ ممن يتحدثُ العربيةِ أو التركيةِ أو الفارسيةِ أو الكرديةِ أو الإنكليزيةِ أو الفرنسيةِ أو الألمانيةِ وغيرِها.

ت- يتمُّ تحديدُ مكانِ المؤتمرِ ومدتهِ. وذلكَ بحسبِ أعدادِ المحاضرين على ألا يزيدَ عددُ الأبحاثِ المقدمةِ يومياً على أربعِ محاضراتِ (صباحيةً ومسائيةً).يتلوها مناقشةٌ مسجلةٌ بالصوتِ والصورةِ وأكثرُ من مُحْضرٍ (كاتبِ جلساتِ). وتتخللُها فتراتُ استراحةٍ. (قاعةُ المؤتمرِ تكونُ مزودةً بالأجهزةِ البصريةِ ووسائلِ الترجمةِ).

ث- تشكيلُ لجنةِ تقييمٍ للأبحاثِ المقدمةِ.

تتكوّنُ هذهِ اللجنةُ من أساتذةٍ وأئمةِ اللغةِ والتاريخِ وعلمِ النفسِ والتربيةِ والقانونِ والسياسةِ والدبلوماسيةِ. (لجنةٌ مستقلةٌ تعملُ بسريةٍ كاملةٍ على متابعةِ الأبحاثِ أثناءِ الإلقاءِ والمناقشاتِ وتختارُ بحثاً من الأبحاثِ الأربعةِ المقدمةِ يومياً ليوضعَ كبحثٍ في مسابقةٍ تصفويةٍ لكاملِ الأبحاثِ التي ستُقدمُ في المؤتمرِ).

ج- شرطٌ غيرُ قابلٍ للنقاشِ. يقولُ: إن حضورَ هذا المؤتمرِ المزمعِ عقدهُ. أن تكونَ أعدادُ الحضورِ بالتساوي بينَ جميعِ التسمياتِ التاليةِ لأنها تمثلُ أبناءَ شعبِنا.

 (1- الآشوريون، 2-الكلدانيون، 3- السريانيون، 4- الآراميون ,5-والموارنة) (مع تحفظي بأن السريانيةَ هي امتدادٌ للآراميةِ)..مع حضورِ نخبةٍ من كلِّ الطوائفِ الكنسيةِ (تكونُ قد سجلتْ اسمَها سابقاً).

شرطٌ أساسيّ حضورُ كلّ هؤلاءِ لإقرارِ نجاحِ هذا المؤتمرِ فوجودُ كلّ مَن يستحقُ الحضورَ والمشاركةَ أمرٌ هامٌ.على أن يكونَ هناكَ أكثرُ من خمسِ شخصياتٍ من كلّ التسمياتِ السابقةِ كمراقبين أيضاً في المؤتمرِ. عملُهم ينحصرُ في التنبيهِ لأيّ خطأ قد يحدثُ سهواً من قبلِ اللجانِ المعنيةِ بالمؤتمرِ من خلالِ مناقشاتِها.

ح- بعدَ الانتهاءِ من الجلساتِ النهائيةِ لمناقشةِ الأبحاثِ. تتمُّ عمليةُ قراءةٍ للأبحاثِ المستبعدةِ وتحديدِ الأسبابِ (التعليلُ المنطقيّ والعلميّ) ويُمكنُ هنا تقديمُ اعتراضاتٍ جديدةٍ قدْ يؤخذُ بها أو لا تأخذُ بها اللجنةُ المقيمةُ للمؤتمرِ والأبحاثِ.كما ويتمُّ تسميةُ الأبحاثِ التي أجمعتْ عليها لجنةُ الاختيارِ.فيتمُّ قراءةُ عناوينِ الأبحاثِ وأسماءِ الباحثين. وتعليلِ أسبابِ قبولِها في سياقِ المسابقةِ النهائيةِ.

خ- عندِ اكتمالِ قراءةِ الأبحاثِ المستبعدةِ والأسبابِ.تتمُّ عمليةُ تحضيرِ العناوينِ للأبحاثِ التي تمَّ اختيارُها لتكونَ عناصرَ دراسةٍ معمقةٍ من قبلِ المجتمعين كافةً بمشاركةٍ لكلّ مَن يودُّ المشاركةَ 3 دقائق فقط لكلِّ متداخلٍ.وبعدَها تتمُّ تصفياتٌ حتى يبقى معنا 3 ثلاثة أبحاثٍ نهائيةٍ. وهنا يتمُّ اختيارُ أفضلَ الأبحاثِ التي حددتِ التسميةَ بتعليلاتٍ علميةٍ وموضوعيةٍ وتاريخيةٍ وكذلك اسمَ اللغةِ واختيارَ العلمِ الواحدِ.

د- قبلَ الانتهاءِ من المؤتمرِ تتمُّ عمليةُ استراحةٍ لمدةِ يومٍ كاملٍ وبعدَهُ تتمُّ قراءةُ الإقرارِ النهائي للمؤتمرين على أن تكونَ التسميةُ لشعبِنا قد أُنجزت بكلّ موضوعيةٍ وعلميةِ غيرَ قابلةٍ للنقاشِ أو الرفضِ.

اسمُ الشعبِ....؟!!! اسمُ اللغةِ….؟!!شكلُ ولونُ العلمِ الواحدِ….

ذ- استدراكٌ في السياقِ نفسهِ:يمكنُ أن يُكلفَ المؤتمرُ منذُ اليومِ الأولِ الكتّابَ والشّعراءَ والفنّانين التشّكيليين بكتابةِ أناشيدَ يتمُّ اختيارُ أفضلِها من قبلِ المؤتمرِ. وكذلك الأمرُ بالنسبةِ للوغو يُمثلُ أطيافَنا وكذلك علماً موحداً لنا.

ثم أرى أن يكونَ ما أقرهُ هذا المؤتمرُ ملزماً لكلّ أطيافِ شعبِنا سياسياً، واجتماعياً وكنسياً.وعليهِ نبدأ فعلياً أعمالَ نضالِنا بأن يتبنى المؤتمرُ عمليةً تقومُ على التوصلِ لقناعةٍ مطلقةٍ بأن النضالَ القوميّ يجبُ أن تتمَ فيهِ عمليةُ خصخصةٍ لأحزابِنا ومنظماتِنا وهيئاتِنا وقنواتِنا التلفزيونيةِ والإذاعيةِ والصحفيةِ (لتوحيدِ خطابِها)..وأن يُعتمدَ على تشكيلِ أربعةِ أحزابٍ لاغيرَ تمثلُ نضالَنا لاسترجاعِ حقوقِنا المغتصبةِ بما فيها حقُّنا التاريخيُّ في أرضِ أجدادِنا ولو على جزءٍ منها.

وأن نعتمدَ الواقعيةَ السياسيةَ والموضوعيةَ ونبتعدَ عن كلّ ما يُسيء إلينا وإلى حضارتِنا وإنجازاتِنا الحضاريةِ والإنسانيةِ.والذي نستنتجهُ ونستخلصهُ مما سبقَ هو التالي:

إنّ لغةَ أيّ شعبٍ كان ليستْ دليلاً ومؤشراً على عرقهِ وانتمائهِ الدمويّ.

ومن هنا فإنّ لغةَ الشعبِ الآشوريّ الذي تكوّنَ هو الآخرُ عبرَ الزمنِ من شعوبٍ عديدةٍ وإن كانَ أكثرُ من 73% منه ينتمي إلى أرومةِ آشورَ. فإنّ لغتُهَ التي كانَ يتحدثُ بها وكانتِ الأكاديةَ لم تعدْ هي هي لغةَ القراءةِ والكتابةِ.بل حلتْ محلَّها اللغةُ الآراميةُ التي كانتْ قد سيطرتْ على الإمبراطوريةِ الآشوريةِ والبابليةِ الأكاديةِ الكلدانيةِ وأصبحتِ اللغةَ المحكيةَ والرسميةَ لتلكِ الشعوبِ.

أسجلُ خلالَ هذا البحثِ المقتضبِ أمرين اثنين هما:

1- إنّ اللغةَ السريانيةَ التي هي بالحقيقةِ لغةٌ آراميةُ وأننا قَبلنا بتسميتها بالسريانيةِ بناءً على ما أطلقهُ الإغريقُ عليها وعلى بني آرامَ فعلينا أن نقبلَ إضافةِ كلمةِ آشوريةٍ إليها لأنّ كلمةَ سريانَ تعني آشوريّ والعكسُ صحيحٌ بمعنى أنها لغةٌ آراميةٌ آشوريةٌ.

2- وعلينا تصويبَ العديدِ من الآراءِ التي كانتْ قد طُرحتْ منذُ أكثرَ من ألفِ عامٍ وما تلاها والتي تبيّنَ خطؤها من خلالِ التنقيباتِ الأثريةِ والدراساتِ العلميةِ التي تمَّ طرحُها مؤخراً. فإذا أبقينا تلكَ الآراءَ القديمةَ في سلوكيتِنا وتكوينِنا العقليّ والمعرفيّ ومثاقفاتِنا فنحن نعيشُ في حالةٍ كارثيةٍ حقيقيةٍ لأنّ الأجيالَ الحاليةَ والقادمةَ ستتبناها وستكونُ أحدَ الأسبابِ الإضافيةِ في عدمِ تحقيقِ الوحدةِ بينَ مكوّناتِنا. كما وأتبنى رأياً يقومُ في جوهرهِ على العلمِ ومنتجاتهِ ومثاقفاتهِ وليسَ على المزاجيةِ والرغباتِ الهوجاءِ في هذهِ المسائلِ.لهذا علينا تقعُ المسؤوليةُ التاريخيةُ والأخلاقيةُ إن لم نُعدْ ترتيبَ منتجاتِ أفكارِنا في مثلِ هذهِ القضايا وغيرِها، ونتبنى إعادةَ كتابةِ التاريخِ ومحمولاتهِ بأدواتٍ علميةٍ وموضوعيةٍ في كلِّ جوانبهِ التي تهمُّ المجتمعَ المشرقيّ قبلَ غيرهِ، وتهمُّ أبناءَ شعبِنا الآراميّ السريانيّ الآشوريّ الكلدانيّ المارونيّ.فإننا نسيرُ إلى منطقةٍ مظلمةٍ من توثيقِنا ومثاقفاتِنا على مختلفِ الصعدِ. وأخصُّ هنا الحديثَ عن اللغةِ وعلينا أن نثقَ بعدَ هذا الجهدِ المتواضعِ بإمكانِنا أن نسميها لغةً آشوريةً بالقدرِ نفسهِ الذي نقولُ فيهِ إنها لغةٌ سريانيةٌ.وأنْ نتخلى عن المنهجيةِ الشوفينيةِ والتعصبِ ونحن نجهلُ الحقائقَ.وألا نرفضَ الحوارَ الجادَ في أيّ فكرةٍ خاصةً تلكَ التي نعتبرُها تمسُّ ثوابتِنا ــ قد تكونُ تلكَ الثوابتُ قد بناها أسلافُنا على غيرِ حقيقتِها وواقعيتِها. ولانظلمُهم فالوسائلُ العلميةُ لم تكنْ بهذا القدرِ كما أن ظروفَهم وما عانوه من مذابحَ واضطهاداتٍ كلِّها كانتْ عواملَ ضاغطةً على كلّ مايطرحونه خاصةً عندما تشتتوا وعاشوا من دونِ إرادتِهم السياسيةِ وكلِّ مايتعلقُ بمنتجاتِ الحياةِ وصيرورتِهم التاريخيةِ. وما دمنا ندعي البحثَ عن الحقيقةِ علينا أن نتبنى مناهجَ الحقيقةِ العلميةِ وليسَ حتى المتواترَ من مثاقفاتِنا علينا أن نتخلصَ من المرحلةِ التي سبقتْ وكانتْ أغلبُ محطاتِها في هذا الجانبِ غيرَ علميةٍ لأننا على ثقةٍ بأنّ طمسَ الحقائقِ سيأتي الوقتُ لتنفضحَ كلُّ أسرارِ الماضي بمحمولاتهِ أمامَ الاكتشافاتِ والتنقيباتِ القادمةِ.

وأودُّ أن أرسخَ فيما قبلَ النهايةِ هذهِ المعلوماتِ عساها تكونُ مقنعةً، لهذا علينا أن نتأكدَ من معلومةٍ تقولُ بالنسبةِ إلى رعايا الإمبراطوريةِ الآشوريةِ ليسوا جميعاً بآشوريين بل كانوا يكتسبون آشوريتَهم من خلالِ المواطنةِ.إذْ كانَ هناكَ أكثرُ من عشرين قوميةً دخلتْ في بوتقةِ المواطنةِ الآشوريةِ ولكنها حافظتْ بالوقتِ نفسهِ على اسمِ قوميتِها مثال: الآراميون والكنعانيون (الفينيقيون).والآرارتو (الأرمن) والحثيون والفلسطينيون.ومع هذا وجدنا ذوبانَ العنصرِ الأكاديّ (البابليّ) في بوتقةِ الإمبراطوريةِ الآشوريةِ التي غلبَ عليها العنصرُ الآراميّ واللغةُ الآراميةُ قبلَ سقوطها بحوالي مئةِ عامٍ وأكثرَ.وكانتْ قوميةُ الأمةِ الآشوريةِ آنذاكَ تقومُ على هويةِ الدولةِ السياسيةِ والإداريةِ.ومن عدالةِ الإمبراطوريةِ الآشوريةِ أنها كانتْ تعاملُ الكلَّ ضمنَ حدودِ المواطنةِ.ولكن الآراميين كانوا قد أحاطوا بنينوى وكالح ودورشاروكين من كلِّ أطرافِها كما الأراضي الواقعةِ ما بينّ دجلةَ والزابين وتلكَ الأرضُ كانتْ مثلثاً آشورياً، وعلينا أن نعلمَ بأنّ بعضَ الملوكِ الآشوريين كانَ قد تزوجَ من نساءٍ آرامياتٍ، مثلَ الملكةِ الآراميةِ القديرةِ ناقية-زاكوتو زوجةِ سنحاريب ووالدةِ أسرحدون وجدةِ آشوربانيبال،وكلُّ هذا ساهمَ في حملِ اللغةِ الآراميةِ أن تشقَّ طريقَها إلى قصور الملوك الآشوريين.

وأخيراً وليسَ آخراً أتمنى أن أكونَ قد قدمتُ مجموعةَ أفكارٍ بنيتُها على الأبحاثِ التي تعتمدُ العلميةَ والموضوعيةَ والتاريخيةَ والتنقيبيةَ وليستْ تلكَ التي غُررنا بها لعقودٍ من الزمنِ. كما ولا أدعي بأنني وقفتُ على كلّ الحقائقِ بل هو مشروعٌ سيتنامى إذا ما حققنا دعوةً دعونا إليها.وأقصدُ دعوةً إلى عقدِ مؤتمرٍ عامٍ وشاملٍ لكلّ الباحثين والعارفين والمهتمين بشأنِ اللغةِ الآراميةِ السريانيةِ الآشوريةِ وغيرِها من أمورٍ تهمُّ شعبَنا بالدرجةِ الأولى وتهمُّ الأجيالَ الحاليةَ والقادمةَ.

والخلودُ لشهداءِ شعبِنا عبرَ التاريخِ. المجدُ للهِ ولشعبٍ يؤمنُ بحقهِ في الحياةِ ويناضلُ من أجلهِ.

 

المدرّس: اسحق قومي.ISHAK ALKOMI

شاعر، وأديب وباحث سوري. أحد المهتمين بشأن الأقليات في الشرق الأوسط.

آذار 2021م.ألمانيا. مدينة شتاتلون.

........................

الهوامش:

1- الحصافة: أيّ ونعني هنا بالحصافة كان محكماً لا خلل فيه.

2- تقارض. يتقارض، تقارُضًا، فهو مُتقارِض، والمفعول متقارَض، تقارض الصَّديقان الكتبَ: أقرض كلّ منهما الآخرَ.

 

المراجع:

1- بحث حركة الترجمة السّريانية في العصر العباسي للباحث اسحق قومي 2016م.المقدم للمؤتمر العالمي الثاني الذي نادت به جامعة القاهرة عام 2016م.

2- ويكيبيديا

3- كنيستي السريانية للمطران اسحق ساكا. ص.22و23.

4-صبح الأعشى للقلقشندي.

5-الآثري الشهير فليب برجه (أصول الكتابة) ص 287.

6- البير أبونا في كنيسة المشرق.

7- البلاذري في فتوح البلدان ص 471.

8- السيوطي في المزهر.ج1.

9- كتاب القلم والمداواة.محمد بن عمر المدائني.

10- بروكلمان ومجموعة من الباحثين.

11- كتاب اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية.للمطران اقليمس يوسف داود.1897م.

12-عالم الساميات ثيودورنولدكه. الألماني.

13- إبراهيم السامرائي"دراسات في اللغتين العربية والسريانية"دار الجيل بيروت ومكتبة المحتسب عمان الطبعة الأولى 1985 ص 88.

14- إبراهيم السامرائي"دراسات في اللغتين العربية والسريانية"دار الجيل بيروت ومكتبة المحتسب عمان الطبعة الأولى 1985 ص 88

15- الأباتي جبرائيل القرداحي، المناهج في النحو والمعاني عند السريان، تقديم الأب جوزيف شابو، دار المكتبة السريانية ـ حلب ، 2008 ، ص: 3

16- البراهين الحسية في تقارض السريانية والعربية ، ص: 10، 11.

17- مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي - المكتبة التوفيقية - القاهرة - 1997م.

18- د. أحمد محمد علي الجمل ، أثر جهود السريان على الحضارة العربية الإسلامية ص: 3

19- الشحات سيد زغلول،السريان والحضارة الإسلامية، النهضة المصرية العامة للكتاب،ص: 91

20 - هانز شيدر ، روح الحضارة العربية، ترجمة بدوي، نقلاً عن " أثر جهود السريان في الثقافة العربية

21- أخدت فكرة التقسيم هذه أبعاداً أخرى أكثر سلبية مع الاستشراق الفرنسي "ارنست رنان"الذي اعتبر في كتابه "التاريخ العام للغات السامية"الذي نشر سنة 1878 أن السلالة السامية أدنى مستوى في تفكيرها وإنتاجها الأدبي والحضاري.

Louis Hjelmslev «le langage»les éditions de minuit paris 1966 p: 22

Ferdinand de Saussure»cours de linguistique générale» grande bibliothèque Payot paris 1995 p:

Louis Hjelmslev «le langage» p:

Ibid p0.

23- موسوعة العيون المعرفية للديانة المندائية (الصابئة).

24- العقد الفريد لابن عبد ربه.ج2.

25- السريان الآراميون عبر التاريخ.للخوري شابو الخوري طباعة 2006م.ص68.

26- محاضرات للدكتور خزعل الماجدي حول الشعوب السامية واللغات السامية (يوتوب).

27-الأول:1. Moscati, S. (ed.), AN INTRODUCTION TO THE COMPARATIVE GRAMMAR OF THE SEMITIC LANGUAGES: PHONOLOGY AND MORPHOLOGY (Harrassowitz, 1964) pp. 3-21.

28= 2. Albright, W.F., and Lambdin, T.O., THE EVIDENCE OF LANGUAGE in CAMBRIDGE ANCLIENT HISTORY (1966) Vol. I, Chap, IV.

ألمانيا في 4/3/2021م

 

في المثقف اليوم