دراسات وبحوث

عبد العزيز قريش: أسئلة في طريق إعداد درس مدرسي (1-3)

(من الأدبيات التدريسية)

(الممارس البيداغوجي فيلسوف؛ ولن يكون كذلك إلا إذا كان إنسانا، له معنى وقيمة وفعل)

ع.ق.

ـ قبل التفصيل كانت ملاحظة:

قد يجد القارئ أو المهتم أو الممارس البيداغوجي أو الباحث تفصيلا من قبيل الإطناب، ما كان ليرد في السياق العام للورقة. لكن الواقع الراهن للفعل المدرسي بكل تفاصيله ومعطياته يشي بأن حقائق كثيرة تغيب عن مقاربته، فيغيب معها الحل الناجع، والتعاطي المعقلن، القائم على التأمل والدراسة والبحث والاستقصاء والتحليل والوعي، بما يؤدي إلى اختلالات كبرى، ما كانت لتكون لو بسطنا المعطيات والمكتسبات ودرسنا كل التفاصيل بموضوعية وعقلانية وترو وبمسؤولية. لذا استدعت هذه الورقة بعض الغائب للشاهد الحاضر حتى يستفيد منها في رؤيته ومقاربته للفعل المدرسي نظريا وعمليا، ويستحضرها في ممارسته الصفية أو التخطيطية أو في قراراته السياسية، وإن كانت من باب الإطار الذي ينظر منه. وليس الغائب هنا من باب الإطناب أو الفائض عن الحاجة؛ وإنما هو عامل مساعد على الفهم والاستيعاب من أجل التطبيق، وتحفيز على التفكير، ورفع لكفاءة الأداء التدريسي تحت سقف الوضوح وتشريح الوضع. ورغم ذلك؛ فالتذكير بهذه البغية لفعل الإيراد، لا يبرز تحت ظله معناه أو دلالته إلا حين ينور الممارس البيداغوجي ويساعده على حل المشكلات والقضايا الإشكالية ما أمكنه، وعلى التمييز بين المخططات والمقاربات للإحاطة بالموضوع المدرسي بشكل أعمق وأفضل، وعلى فعله التدريسي القائم في مساحة التباين والاختلاف، بين الواقع الكائن والأمل المتوقع الممكن، في السيرورة المجتمعية والإنسانية المتنوعة.

وعليه؛ فبعض التفاصيل هي كفيلة باستحضار الغائب بسطا وتوضيحا وإضافة نوعية في ذهن الممارس البيداغوجي لتفعيلها في مناشط تفكيره، خاصة منه التفكير في المهنة وممارسة الرسالة الملقاة على عاتقه، فهو جدير بممارسة صفية عقلانية مهندسة ومعلمنة، تتكئ على أسس التكوين الأكاديمي والمهني والذاتي الجيد، الذي لا محالة هو عماد تطوير منظومتنا التربوية والتكوينية، وجسر انتقالنا من تربية تقليدية إلى تربية جديدة حديثة منفتحة على تطورات وتغيرات العالم في ألفية المعرفة وعصر الرقميات والنانو، المنعكسة على المتعلم/ ة إيجابا؛ خاصة على مستوى التفكير وأنواعه، بما يبرز أهمية الممارس البيداغوجي المتمكن من مجاله وأدواته وأهدافه. العارف لما يفعل لماذا يفعله وكيف؟ المحرر للمتعلم/ ة من كل مواطن السلب والاستلاب، الباني لاستقلاليته في كل أفعاله وقراراته تحت سلطة النقد والنقد الذاتي وتحمل المسؤولية. حيث (هنا تبرز مهمة المدرس الذي يجب عليه المساهمة في تنمية الروح النقدية لدى المتعلم وتحفيزه على اتخاذ المبادرة والتعبير عن آرائه ومعتقداته بحرية)1[1]. فهذا العصر الذي نعيشه هو عصر القوة بالمعرفة؛ فهو لا يرحم المنظومات التربوية والتعليمية الضعيفة بضعف أدمغتها، وبمكوناتها وقاداتها وسياسيها وبمخرجاتها وناتجها.

ومنه؛ فبسط المقال في مقامه يستهدف تمكين الممارس البيداغوجي على الخصوص مما يساعده في تخطيط درسه المدرسي كموجهات أو كمثيرات للانتباه إلى ما ينبغي استحضاره أو إيراده في تفاصل مخططه، فمثلا: التفكير في مشكلة الانطلاق يستحضر مواصفاتها وسماتها ومكوناتها وتشكلها ووظيفتها، حتى لا يقع في إيراد مشكلة سهلة، لا قيمة لها في خلق الحافزية. ولا في مشكلة صعبة جدا تعجز المتعلم وتحجمه عن الانخراط في التعلم لما تخلقه من عجز وعدم ثقة في النفس لديه. وبذلك فهذه الفرشة النظرية المرفقة لأسئلة التخطيط والإعداد للدرس المدرسي، ما هي إلا حاشية شرح لمتن ديداكتيكي للاستئناس بها في توجه التخطيط والهندسة التربوية للدرس المدرسي فضلا عن كونها نماذج حاثة لتأمل الوضعية التعليمية التعلمية التي لا تبسيط ولا تلقائية فيها. بل، وعي وعلم بمكونات الفعل التدريسي القائم بدرجة أساسية على الممارس البيداغوجي والمتعلم/ ة والمادة الدراسية وجماعة القسم بموجبات الشروط والمطالب وتوفرها، بما يرمز هذا الفعل إلى المجتمع المدرسي وصنوه العام.

ـ في السياق:

يشهد الفعل التدريسي ثورة هائلة في الاستراتيجيات التعليمية نتيجة الثورة المعرفية التي تعيشها المجتمعات المتقدمة، صانعة التقنيات والتكنولوجيا المتطورة، والمالكة للكفاءات العلمية المساهمة في إبداع وابتكار المعرفة على أعلى مستوياتها؛ خاصة منها تلك التي جاءت مع عصر الرقميات والعالم الافتراضي، الذي ألغى الحدود ومد الجسور بين البلدان والشعوب والثقافات، وأبقى على التفاعل بينها قائما. فلم تعد معه المعرفة مستقرة وثابتة ومسلم بها، وإنما هو الشك والنقد السبيل إليها. فانتقلت في ظله الطرائق التعليمية التقليدية ـ التي مازال العالم العربي بما فيه المغرب يحتضنها في منظومته التربوية والتكوينية، ولم يستطع الخروج من شرنقتها لضعف منظري منظومته تلك ـ من حالة السكون إلى حالة الحركة والغليان والفوران والثورة، لتتناثر على أطراف المستجدات العلمية والمنهجية شظايا ميتة. وانتقلت معه المعرفة من عالم الكم إلى عالم الكيف، ومن المعلومات الجاهزة إلى المعلومات المولدة، ومن المنهجيات التقليدية إلى منهجيات متطورة ومتجددة، تتناسب مع موضوعها ومسالك مقاربته. ومن تلقين المعلومة إلى تمليك التفكير وأنماطه وأنواعه، فغدت معه مهام الممارس البيداغوجي ممتعة وأكثر مردودية، ومهام المتعلم سهلة وأكثر انخراط وفعالية، فقد (كان تدريس التفكير أفضل كشف في الثمانينات والوعي بالتفكير دليل على النضج ولذا فلابد أن يمثل الوعي بالتفكير مكانه في المقررات والمناهج الدراسية)2[2] . ومن نظريات التربية التقليدية إلى نظريات ما بعد الحداثة أو قل إلى نظريات الرقميات والنانو والعالم الافتراضي والذكاء الاصطناعي وألفية المعرفة. في ظل هذا التغيير يجد الفعل التدريسي المغربي نفسه مقحما طوعا أو كرها في مراجعة الذات سواء كفعل مؤسساتي أو كفعل فردي؛ متسائلا عن عائده العملي على مستوى تحقيق أهدافه أو على مستوى تحقيق كفاءة مخرجاته، ومتسائلا من جهة أخرى عن مدى ملاءمته لمعطى عصره وزمانه في ظل استشرافه للمستقبل.

وتحت سقف أسئلة هذه المساءلة؛ جاءت عدة مراجعات بمسميات عديدة؛ جمعها مصطلح الإصلاح، وهو مفهوم يتضمن في إحدى سيماته النووية إشارة سيميولوجية إلى عطب في المنظومة التربوية والتكوينية؛ ما يخل بتفاعل مكوناتها نسقيا، ويحد من فاعليته وتفاعله؛ ما يتطلب إصلاح ذلك العطب. والعطب هنا لا يفيد البتة أحاديته بل تعدديته. ومنها، ما يتعلق بالديداكتيك العامة والخاصة، وهي مسألة في غاية من الأهمية لأنها المسلك المنهجي نحو تحقيق الهدف من الفعل التدريسي في حقل من الحقول المعرفية المدرسة في المؤسسة التعليمية المغربية. ويعلم الجميع أن البناء المعرفي لا يستقيم دون استراتيجيات معرفية ومنهجية وعملية ناجحة وفاعلة وسليمة، تعرف الهدف، والمنطلق إليه، والسيرورة ونوعية المخرجات ومواصفاتها، والمعينات البيداغوجية المتضامنة والمنسجمة مع الكل، والظروف والمتطلبات والشروط ووعيها وتقدير تأثيرها. فهي منهجية تدري نفسها وقدرتها وكفاءتها في الفعل، وتؤمن بدورها ووظيفتها في إنجاح الدرس المدرسي. كما تعي أن تعميم ثقافة حب العمل وشرفه مؤشرا رئيسا للفعل التدريسي في المجتمع المدرسي والمجتمع العام؛ سيؤول حتما نحو النجاح في حاضر ومستقبل منظومة التربية والتكوين، لأن الفرد سيتخرج وهو يمتلك المهارات والقدرات والكفايات والمعارف والقيم والخبرات، بمعنى امتلاكه أدوات الوعي القيمي والتراكم والرصيد الخبراتي والمعرفة ومعرفة التجربة، التي سينخرط بها ابتداء في معترك الحياة العملية التي اختارها بإرادته وقراره المستقل دون فرض أو إلزام أو إكراه، وينخرط بها تبعا في معترك حياة المجتمع عامة، ومواجهة التحديات والإكراهات والصعوبات فضلا عن الاستفادة من الإيجابيات، وتحصيل سعادته في إطار فهم واقعه والتحولات والانعطافات العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإيديولوجية والعقائدية والتكنولوجية والرقمية التي تحدث وتستجد على مجتمعه وعلى المجتمع الدولي، ووعي مجمل العلاقات الداخلية والخارجية المؤثرة في الوضع الإنساني في المجتمع وخارجه، بما يمكنه من فهمها جيدا وهضمها واستيعابها والتكيف معها تعاملا وتوظيفا لصالحه.

ومنه، نجد موضوع هذه الورقة يقع في إطار الديداكتيك العامة حيث يتشكل من الحيثيات المنهجية التي تبني درسا مدرسيا في أية مادة من المواد المدرسة بعيدا عن التنميط الذي لم يبرحه الفعل التدريسي المغربي بعد؛ الذي يخرج منتوجا بشريا متشابها ومتجانسا في نفس الوقت. لم يزد أغلبه المغرب إلا تأزيما وتمزيقا اجتماعيا بدا طافيا في المعاملات والعلاقات الاجتماعية. (إن التمادي في عملية التجنيس الحضاري التي نشهدها حاليا، تهدد خصوصية الإنسان سرعان ما يفقدها، تحت وطأة الشائع والغالب، الذي يكتسب سلطته من شيوعه وغلبته لا من أصالته وتميزه)[3]. وبذلك فالورقة مستقاة من القراءة الأدبية للتربويات الوطنية والعالمية، تسعى إلى مد الممارس البيداغوجي بجملة أسئلة وخطوات تساعده على بناء درسه المدرسي وفق المعطيات الواقعية المختلفة لمتعلميه وبيئته وظروفه ومعيش يومه في المجتمع المدرسي المحتضن له، وتخرجه من الحالة السلبية التي تعيشها في المنظومة التربوية والتكوينية المغربية، التي مازالت تنظر إلى (التربية كأداة للثبات والاستقرار وتركز على انتشار التعليم لا نوعيته، ورغم ما يزخر به الخطاب التربوي الرسمي، من شعارات الحرية والديمقراطية والمشاركة، وتكافؤ الفرص ... فإن الواقع العملي لطرق وأساليب التعليم، والتقويم، وأهداف المناهج، ومضمونها، وأسلوب الإدارة المدرسية، والتعليمية أبعد ما يكون عن هذه الشعارات، فمازال أسلوب التلقين، والحفظ هو نهج التعليم السائد، وهناك قيود عديدة تحد من مشاركة الطالب [المتعلم/ ة] في عملية التعليم، ومساهمة المدرسين في عمليات الإصلاح والتجديد التربوي)[4].

ـ في أسئلة ومراحل هندسة الدرس المدرسي:

في الحياة المدرسية، هناك المعرفي وفوق المعرفي أو الميتامعرفي؛ فالمعرفي هو ما يقع ملموسا ومحسوسا في الفعل التدريسي، وما فوق المعرفي هو ما لا يقع بالملموس والمحسوس في الفعل التدريسي، بمعنى المفكر فيه موضوع ما وراء التفكير، الذي يعيه الممارس البيداغوجي في اللازمان واللامكان بمعنى غياب الزمن والمكان الفيزيقيين عنه، المفارق للتفكير والملتصق بما وراء التفكير فعلا مجردا بالمعنى الفلسفي، من أجل إعداد درسه المدرسي قبل ترجمته عمليا على أرض الحجرة الدراسية أحداثا وأنشطة تعليمية ووقائع معرفية وسلوكات وممارسات ومناولات مرتبطة بالزمان والمكان والأشخاص والماديات بصفة عامة؛ فهو سترجة ميتامعرفية قابل للفهم والاستيعاب والفعل والوعي، كما هي قابلة للخروج من إمكانية الوجود إلى حتمية الوجود الفعلي. وبذلك؛ فهي مجموع العمليات والمسالك والخطوات المنهجية والإجراءات المفكر فيها، التي يبذل الممارس البيداغوجي جهدا واعيا ورزينا لإخراجها من القوة إلى الفعل؛ على مستوى الهندسة البيداغوجية تخطيطا قبليا للدرس المدرسي، ثم على مستوى الممارسة الصفية تنفيذا بعديا لهذا الدرس، ثم على مستوى التقويم نهائيا، لأجل فحص مدى تحقيق الأهداف التعليمية المعينة والمرصودة، بوسائل ووسائط فعالة وناجعة، تحتضن المعرفة والقيم والسلوك والفعل، والكفايات والمهارات والقدرات، والعلاقات والتفاعلات البينية.

فالمفكر فيه؛ "الدرس المدرسي" هو الكائن الغائب الذي يتلمس ماوراء التفكير إمكانية وجوده عبر الوعي الإبستيمولوجي بأنطولوجيته من خلال ثلاثة أبعاد:

ـ بعد معرفي، يمتاح مشروعيته الوجودية من خلال التفكير فيما يجب نقله ديداكتيكيا من المعرفة العالمة إلى المعرفة المدرسية ثم المعرفة المدرسة ثم المعرفة المكتسبة تحت سقف شروط ومتطلبات ومطالب وحيثيات ومعطيات الفعل التدريسي المدرسي بكل مكوناته، وتحت سماء أطر نظرية وبراديغمات مناسبة، تستظل المعرفة بظلالها إرشادا وتوجيها وتأطيرا.

ـ بعد نقدي، يبرر مشروعية وجوده عبر المساءلة النقدية لمدى صدق تلك المعرفة المنقولة ديداكتيكيا طلبا لحقيقتها من زيفها، وتمحيصا لدورها في تشييد المعمار الفكري للمستهدف البشري أولا ثم المجتمعي تبعا واستلزاما، وتشكيل الإنسان وفق طموحها ومبتغاها ورؤيتها حاملا لما حملوها به، ولكونها ـ أي المعرفة المدرسية ـ غير حيادية وغير آمنة، وبراغماتية الطبيعة. مشكوك فيها لما تحمله من وجوه ظاهرة ومضمرة، ذات غايات معلنة وأخرى مسكوت عنها. ألا ترى ثقافة القطيع وهي ثقافة ذات أصل تربوي، تؤدي بالقطيع إلى المسلخ دون تعب الجزار؟ ولعل في قصة "رب المزرعة والحليب والتربية" دليل قاطع على عدم حيادية المعرفة؛ لأن رب المزرعة ركب التربية لتربية من أحجم عن شرب الحليب يوما ما، ولم يورد حاوية الحليب الوقود للنقل والتنقل؟!

ـ بعد منهجي، ويستشهد على مشروعية وجوده من خلال توظيف البعدين السابقين في تأسيس ذاته من جهة أولى، ومن جهة أخرى في تشييد البنى الفكرية للمستهدف البشري تحت سقف الوعي والنقد والفعل، دون توريطه في متاهات المنتج الواحد الموحد المنمط، المصنف تحت مصطلح "مخرج السلسلة" الذي لا يختلف عن غيره. ولا السقوط في مجتمع القطيع الشعبوي، الذي يعبر بجلاء عن انحيازية المعرفة المدرسية وبراغماتيتها الموظفة في الإنتاج وإعادة الإنتاج؛ إنتاج العلم والحضارة والتقدم أو إنتاج الجهل والبدائية والتخلف حسب ما (أفرزها هذا الكم الهائل من جحافل جيوش الأغلبية الصامتة، هذا البشر أحادي الأبعاد فاقد الهوية، صاحب النزعة الاستهلاكية المتضخمة، قليل الحساسية تجاه الغير، الذي يشكو من الجدب الروحي، والعزلة والضياع)[5].

فالدرس المدرسي يحضر في العملية التعليمية التعلمية بصيغتين؛ الأولى فوق معرفية والثانية معرفية، ضمن مهنية الممارس البيداغوجي المؤسس الحقيقي لهذا الدرس المدرسي تحت طائلة الواجب المهني والبعد الأخلاقي والإنساني، الذي لا يترك له خيار النقل الآلي من دليله المدرسي، وإنما يستفزه لاختلاف الكائن في دليله المرجعي مع الكائن الواقعي في المجتمع المدرسي وبالأخص جماعة القسم. تلك التي تشكل مرجعا أساسيا ومحكا حقيقيا مستحضرا في التأسيس الإبستيمولوجي والديداكتيكي والبيداغوجي للدرس المدرسي.

فهندسة الدرس المدرسي لا تقوم دون أسئلة قاعدية مؤسسة له تخطيطا وتنفيذا وتقويما ومراجعة ومعالجة؛ وهذه الأسئلة القاعدية تختلف من ممارس بيداغوجي لآخر، ومن معطى مستوى دراسي لآخر، ومن مجتمع مدرسي لآخر، ومن فعل دراسي لآخر، ومن تجربة مدرسية لأخرى؛ بناء على حيثيات تفصيلية فارقة، بيئية وثقافية واجتماعية واقتصادية وإيديولوجية وعقائدية وسياسية وفكرية، وحتى وراثية ونفسية وذاتية. لذا؛ وجدنا في الأصل تفاوتا بين الدرس المدرسي عينه، ما بين تجربتين وخبرتين وممارستين تدريسيتين. فلم يعد مقبولا الآن القول بتطابق الدروس المدرسية وإن كان دليل الأستاذ واحدا وحيدا في مقترحاته وتوجيهاته الموضوعية والمنهجية والأداتية والإجرائية. والصواب؛ القول بترادفها ترادف تقاطعات في مفاصل متقاطعة لا متطابقة. ومنه؛ أصبح الدرس المدرسي الواحد دروسا مدرسية تغني المشهد التعليمي بمعرفة التجربة التي يتقاسمها مجتمع الممارسة الصفية فضلا عن تناولها موضوعا للبحث والدراسة من أجل تأطيرها نظريا وهيكلتها معرفيا ثم ترصيدها وتركيمها معرفة عالمة تحت أطر نظرية ونماذج إرشادية.

ومن جملة تلك الأسئلة القاعدية؛ قرأت للممارس البيداغوجي ضمن الاستراتيجيات البيداغوجية الفعالة والناجعة عند "آلان ريونييهAlain Rieunier" الواردة في كتابه " تحضير درس أو إعداد درس" "Préparer un cours"[6] في إطار سلسلة البيداغوجيا Collection pédagogies تحت إشراف الخبير التربوي الكبير فيليب ميريو Philippe Meirieu ما يساعده على التفكير المنهجي في إعداد درسه المدرسي. من حيث التفكير المنهجي المتساوق مع الإنتاج المؤسس على التخطيط المعقلن والسليم هو طريق النجاح، وطريق تحقيق الأهداف المنشودة من الدرس المدرسي. فقد قال دكتورنا عبد الرحيم الهاروشي رحمه الله: (إن العمل بكيفية منهجية يؤول، مهما كانت وتيرة التعلم وأساليبه، إلى تدبير الوقت تدبيرا سليما ومراعاة أطوار مسلسل التعلم. وتتطابق هذه الأطوار مع مستويات اكتساب العلم الثلاثة:

ـ المستوى الأول: اكتساب المعارف.

ـ المستوى الثاني: معالجتها واستيعابها.

ـ المستوى الثالث: استعمالها في حل المشاكل، أي المشاكل العادية والطارئة التي تنتج عن أوضاع جديدة لا يوجد بالنسبة لها أي مخطط يمكن اتباعه ويتضمن كل طور وكل مستوى عددا من الأنشطة الفكرية التي يمكن تسميتها، أسوة بالحاسوب، بالأسماء التالية:

ـ الإدخال: ما يحصل عند إدخال المعطيات.

المعالجة: ما يحدث عند صياغة المعطيات.

الإخراج: ما يحدث على مستوى النتيجة أو التوظيف.

قد تشوب كلا من هذه الأنشطة الفكرية بعض الشوائب فتكون مصدر إخفاقات أو صعوبات في المردود الدراسي)[7]. وهي ما يعلن عنها التقويم العلمي والنقد التربوي. وما تعلن عنه الطبيعة البشرية المتسمة بالخطأ. فالفعل المدرسي فعل بشري يعتريه ما يعتري البشر من صواب وخطأ، أو من وعي وغير وعي، أو من التباس الإدراك وصفوه وجلائه ووضوحه. وبالتالي؛ من الطبيعي أن يكون هناك إخفاق ونجاح، والمهم أمامها هو استثمار النجاح وتجاوز الإخفاق، بل المفيد هو تحويل الإخفاق إلى فرصة للنجاح. هكذا يجب أن تكون نظرتنا ورؤيتنا للفعل التعليمي أنه دائما فرصة نجاح. فهو المجال المهني الذي يعرف دائما الحقيقة بوجهها الإيجابي والسلبي معا؛ فالحقيقة بوجهها الإيجابي هي عندما نتوصل إليها بمنهج سليم ومثمر، والحقيقة بوجهها السلبي هي حين نعرف عكسها. ولكي تتضح هذه المقولة سأضرب مثالا: ذلك حين نعرف ميكانيزم اشتغال آلة ما، يكون هذا هو الوجه الإيجابي للحقيقة، وحين نعرف ضمن الميكانيزم نفسه كيف لا تشتغل هذه الآلة، فهذا هو الوجه السلبي للحقيقة، والحقيقة تبقى هي ذاتها تجاه ميكانيزم الآلة.

1 ـ في المراحل والأسئلة:

1.1. في المراحل:

حسب آلان ريونييه يقع إعداد درس مدرسي في ثمانية مراحل، تنتهي بالاستراتيجيات البيداغوجية. وهي: هدفية الدرس، وتقويمه، ومستوى التقويم، وتوافق التعلم مع هدفية الدرس، والنهج العام للدرس، والاستراتيجية المعرفية قصد التطوير والتنمية، والوضعية المشكلة للانطلاق/ الوضعية الديداكتيكية الاستكشافية/ الوضعية المشكلة البنائية، وتنشيط جماعة القسم.

2.1. في الأسئلة:

وهذه الأسئلة تهم تلك المراحل لتؤسس درسا مهندسا وممنهجا ومعقلنا ومضبوطا، يحقق اهدافه التي وضع لأجلها، وهي:

أ ـ لكل درس هدف معين يستهدف تحقيقه من خلال محتواه وأنشطته التعليمية التعلمية ومعيناته، وأدوات وتقنيات تنفيذه وتقويمه فضلا عن خطواته المنهجية وشروط ومتطلبات ومطالب إجرائه. وهو السؤال الذي يطرحه الممارس البيداغوجي بداية للدخول إلى درسه المدرسي أو بمعنى سؤال عتبة الدرس المدرسي، ويفصح عن ذاته في الصيغة الإنشائية التالية أو أي صيغة لغوية مرادفة تدل على نفس المعنى والدلالة بوضوح وصراحة:

* ما هدف الدرس؟ أو ما الهدف التعليمي الذي يحققه هذا الدرس المدرسي؟

وهنا يمكن استحضار سلم تصنيف الأهداف على مستوى درجاتها أو على مستوى أنواعها. ونقصد بمستوى درجاتها المستوى العمودي للتصنيف من حيث أعلاها إلى أسفلها: الغايات وتهم المستوى الفلسفي للمنظومة التربوية والتكوينية، بمعنى الفلسفة التربوية. والمرامي أو المقاصد وتهم المستوى السياسي للمنظومة التربوية والتكوينية. والأهداف العامة وتهم المستوى التنفيذي للسياسة التربوية والتكوينية، بمعنى وصف النتائج الفعلية والعملية للعملية التعليمية التعلمية في مختلف مكوناتها ومناهجها وبرامجها. والأهداف الخاصة وتهم مستوى مكون من مكونات وحدة دراسية أو درس من دروسها. والأهداف الإجرائية او السلوكية وتهم مستوى مراحل الدرس، بمعنى ارتباطها بمراحل الدرس من حيث لكل مرحلة هدف إجرائي قابل للتحقق.

وهذا التصنيف العمودي أو الشاقولي للأهداف يساعد الممارس البيداغوجي في معرفة درجة الهدف ومستواها الذي يشتغل عليه، وهو غالبا ما يشتغل على الأهداف الخاصة تلك التي أضحت في المقاربة بالكفايات تسمى الأهداف التعليمية. فقد تم التخلي عن بيداغوجيا الأهداف لصالح بيداغوجيا الكفايات. بل الأصح تطور بيداغوجيا الأهداف وترقيتها إلى بيداغوجيا الكفايات. وهذه أصبحت في بعض الأنظمة التعليمية العالمية متجاوزة نوعا ما بنظام البرامج التعليمية التي تتأسس على تعليم المهارات؛ خاصة، مهارات التفكير المتنوعة والمختلفة حسب نوع التفكير المراد اكتسابه من خلال الدورات التعليمية والتكوينية وبرامجها. مع العلم، هذا التصنيف يفيد الممارس البيداغوجي في نحت واشتقاق الأهداف بعضها من بعض حسب درجاتها. فمثلا تنحت المقاصد أو المرامي من الغايات، والأهداف العامة من المقاصد، والأهداف الخاصة من الأهداف العامة، والأهداف السلوكية أو الإجرائية من الأهداف الخاصة. وبذلك يمكن للممارس البيداغوجي إتقان تحديد الهدف ودرجته والاشتغال به وعليه. والفعل التعليمي لا يتخلى مطلقا على هدفيته، بمعنى وضع هدف معين يسعى إلى تحقيقه. فمدخل الفعل التعليمي هو الهدف المحدد والمعين من طرفه. وبما أن الاشتقاق والنحت يكون من الأعلى نحو الأسف فتحقيق درجة الهدف تكون من الأسفل إلى الأعلى بالتجميع والتلحيم التفاعلي بين جزئيات الهدف لصياغة بنية وظيفية تحقق الهدف الأعلى. وهكذا؛ عند تحقيق الأهداف الإجرائية أو السلوكية مجتمعة، تحقق الهدف الخاص، والأهداف الخاصة مجتمعة تحقق الهدف العام، والأهداف العامة مجتمعة تحقق المرامي أو المقاصد، والمقاصد مجتمعة عند تحقيقها تحقق الغايات.

وأما في ظل بيداغوجيا الكفايات أو المقاربة بالكفايات، فإننا نتحدث عن مدى تحقق الكفاية المنشودة، من حيث تصبح الكفاية هي الهدف من الدرس المدرسي، ومن الوحدة الدراسية، ومن المنهاج الدراسي، ومن المنظومة التربوية والتكوينية، ومن الفلسفة التربوية والتكوينية. فقد ارتبطت بهذه المستويات الاشتقاقية للنظام التربوي والتكويني أربع أنواع من الكفايات تأخذ مصطلحات متباينة حسب كل باحث ودارس ومنظر للكفايات، نستعرض منها:

ـ الكفايات القاعدية: وترتبط بالمواد الدراسية ووحداتها.

ـ الكفايات المرحلية: وتهم مرحلة تعليمية ودراسية معينة.

ـ الكفايات الختامية/ الأساس: وتهم سنة دراسية معينة.

ـ الكفايات العرضانية/ المستعرضة/ الطولية/ الافقية/ الممتدة: وتهم خط تعليمي طولي طويل زمنيا وتعلميا، وربما مدى الحياة.

والكتاب الأبيض حدد أنواع الكفايات الطولية في:

* الكفايات المرتبطة بتنمية الذات، والتي تستهدف تنمية شخصية المتعلم كغاية في ذاته، وكفاعل إيجابي تنتظر منه المساهمة الفاعلة في الارتقاء بمجتمعه في كل المجالات؛

* الكفايات القابلة للاستثمار في التحول الاجتماعي، والتي تجعل نظام التربية والتكوين يستجيب لحاجات التنمية المجتمعية بكل أبعادها الروحية والفكرية والمادية؛

* الكفايات القابلة للتصريف في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، والتي تجعل نظام التربية والتكوين يستجيب لحاجات الاندماج في القطاعات المنتجة ولمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وهذه الكفايات لها طابع استراتيجي أو تواصلي أو منهجي أو ثقافي أو تكنولوجي. وبذلك يصيغها بطابعه الخاص فتصير الكفايات حسب الكتاب الأبيض إما استراتيجية أو تواصلية أو منهجية أو ثقافية أو تكنولوجية، وتتطلب مطالب يعلن عنها في:

(تستوجب تنمية الكفايات الاستراتيجية وتطويرها، في المناهج التربوية:

ـ معرفة الذات والتعبير عنها؛

ـ التموقع في الزمان والمكان؛

ـ التموقع بالنسبة للآخر وبالنسبة للمؤسسات المجتمعية "الأسرة، المؤسسة التعليمية، المجتمع"، والتكيف معها ومع البيئة بصفة عامة؛

ـ تعديل المنتظرات والاتجاهات والسلوكات الفردية وفق ما يفرضه تطور المعرفة والعقليات والمجتمع.

وحتى تتم معالجة الكفايات التواصلية بشكل شمولي في المناهج التربوي، ينبغي أن تؤدي إلى:

ـ إتقان اللغة العربية وتخصيص الحيز المناسب للغة الأمازيغية والتمكن من اللغات الأجنبية؛

ـ التمكن من مختلف أنواع التواصل داخل المؤسسة التعليمية وخارجها في مختلف مجالات تعلم المواد الدراسية؛

ـ التمكن من مختلف أنواع الخطاب "الأدبي، والعلمي، والفني..." المتداولة في المؤسسة التعليمية وفي محيط المجتمع والبيئة.

وتستهدف الكفايات المنهجية من جانبها بالنسبة للمتعلم اكتساب:

ـ منهجية للتفكير وتطوير مدارجه العقلية؛

ـ منهجية للعمل في الفصل وخارجه؛

ـ منهجية لتنظيم ذاته وشؤونه ووقته وتدبير تكوينه الذاتي ومشاريعه الشخصية.

ولكي تكون معالجة الكفايات الثقافية، شمولية في مناهج التربية والتكوين، ينبغي أن تشمل:

ـ شقهـا الرمزي المرتبط بتنمية الرصيد الثقافي للمتعلم، وتوسيع دائرة إحساساته وتصوراته ورؤيته للعالم وللحضارة البشرية بتناغم مع تفتح شخصيته بكل مكوناتها، وبترسيخ هويته كمواطن مغربي وكإنسان منسجم مع ذاته ومع بيئته ومع العالم؛

ـ شقهـا الموسوعي المرتبط بالمعرفة بصفة عامة.

واعتبارا لكون التكنولوجيا قد أصبحت في ملتقى طرق كل التخصصات، ونظرا لكونها تشكل حقلا خصبا بفضل تنوع وتداخل التقنيات والتطبيقات العلمية المختلفة التي تهدف إلى تحقيق الخير العام والتنمية الاقتصادية المستديمة وجودة الحياة، فإن تنمية الكفايات التكنولوجية للمتعلم تعتمد أساسا على:

ـ القدرة على تصور ورسم وإبداع وإنتاج المنتجات التقنية؛

ـ التمكن من تقنيات التحليل والتقدير والقياس، وتقنيات ومعايير مراقبة الجودة، والتقنيات المرتبطة بالتوقعات والاستشراف؛

ـ التمكن من وسائل العمل اللازمة لتطوير تلك المنتجات وتكييفها مع الحاجيات الجديدة والمتطلبات المتجددة؛

ـ استدماج أخلاقيات المهن والحرف والأخلاقيات المرتبطة بالتطور العلمي والتكنولوجي بارتباط مع منظومة القيم الدينية والحضارية وقيم المواطنة وقيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية)[8].

وفي ظل الرسميات الوزارية يستقصي الممارس البيداغوجي الهدف/ الكفاية لمستواه الإجرائي التنفيذي لتحقيقها من خلال درسه المدرسي مع متعلميه وفق معطيات فعله التعليمي ومجتمعه المدرسي. ويدون ذلك في جذاذة درسه أو بالأحرى في تخطيط وهندسة درسه المدرسي.

ب ـ لكل هدف مدرسي آلية وميكانيزم للتقويم؛ فبدون تقويم؛ لا ندري درجة تحقق الهدف. والتقويم هنا صدى رجع أنواع التقويم، مع حصره حتما في بابه بالتقويم الختامي أو النهائي الذي من حيث ارتباطه بهدف الدرس المدرسي، وهو تقويم يقيس مدى تحقق الهدف من خلال معايير ومؤشرات قابلة للتحقق والقياس معا. ونطرح بخصوصه سؤال:

* ما كيفية تقويم هدف الدرس؟

وهي كيفية تستغرق التخطيط لعملية التقويم بتضمينه العمليات والأدوات والإجراءات والمتطلبات والشروط والمستلزمات التي ستوظف في تقويم الهدف، بما يؤدي إلى فحص درجة تنفيذها والحكم عليها، ومنه الحكم على الدرس المدرسي نجاحا أو فشلا في تحقيق هدفه، واتخاذ القرار المناسب لنتائجه. وليس واردا هنا الحديث عن تعريف التقويم وتفاصيل حيثياته، وتلك مهمة الأدبيات التربوية تراجع في محلها. وإنما الحديث وارد في التذكير بأن التقويم الختامي أو نهائي يستجلب القول بأن الدرس المدرسي منهجيا يتكون من مفاصل أو مراحل محددة تعين لها أهداف مناسبة لها، قابلة للقياس والحكم على تحققها. ومنه؛ نلج إلى أنواع التقويم وفق مراحل الدرس علما بأنواع التقويم كثيرة تتعلق بمجال التوظيف والوظيفة وزمن التوظيف ومراحله، وطبيعة المقوم وخصائصه، وطبيعة الأدوات والوسائل الموظفة في التقويم، وطبيعة نظامه المرجعي، وطبيعة مخرجات الفعل التعليمي ... فهو مجال واسع تنظر تفاصيله في كتب الاختصاص بما فيها كتب الاختبارات والقياس.

ومراحل الدرس عادة تناسبها ثلاثة أنواع للتقويم هي:

ـ التقويم الأولي أو التشخيصي أو المدخلي: لاكتشاف كفايات ومكتسبات المتعلمات والمتعلمين في مجال الدرس المدرسي المقرر في الممارسة الصفية ليومه عتبة لدخول الدرس الجديد؛ وطلبا لتعيين أهداف لم تتحقق بعد متعلقة بالهدف الخاص للدرس المدرسي، وتحديد الكفايات والخبرات والموارد الجديدة التي سيحقق التدريس عبرها تلك الأهداف. وما تتطلبه من عمليات وإجراءات منهجية ومعينات بيداغوجية، المساعدة أو المساهمة في تحقيقها. وهو تقويم وظيفي يسعى إلى:

1 ـ وظيفة تشخيصية[9] Fonction diagnostique:

* إعداد خطة لحل المشكلات تقوم على:

ـ تحليل " الوضعية " الأشخاص، الموارد، المتطلبات.

ـ صياغة الوضعية في شكل مظاهر وسمات محددة.

ـ تحويل هذه المعطيات إلى مشكل.

* استعمال تفكير توقعي لانتقاد مشكل وحلوله.

2 ـ وظيفة تنبؤية[10] fonction prédictive:

ـ صياغة الأهداف.

ـ تنظيم عمليات حل مشكل.

وهذا التقويم يمكن الممارس البيداغوجي من الإطلالة على الكائن والواقعي لدى جماعة القسم، وتحديد الفوارق الفردية في الموارد والمكتسبات والكفايات الأساس التي يتطلبها تشييد المعمار الفكري الجديد للمتعلم، وتحديد كذلك مناطق التقاطع والمشترك بين أفراد جماعة القسم. فيتسنى له تعيين مدخل الدرس الجديد وسيرورته ومخرجاته ليقيسها في الختام ويصدر حكمه وقراره عليه. وهو بمثابة بوصلة توجه الممارس البيداغوجي إلى الاتجاه الصحيح الذي ينحو نحوه.

ـ التقويم التكويني أو البنائي أو التطوري أو النمائي: ويتم أثناء سيرورة الدرس وفق مراحله المنهجية وأنشطته وأحداثه التعليمية التعلمية؛ حين ينفذ الممارس البيداغوجي تخطيط الدرس المدرسي المستهدف والمعين. فهو تقويم تتبعي للمنجز التعليمي التعلمي ومدى تحقق أهدافه التربوية المتضمنة في الدرس المدرسي المدرس. فهو ذو:

1 ـ وظيفة الضبط[11] fonction de réglage:

* كيفية اعتبار الأحداث الجارية عن طريق:

ـ ترشيد العملية التربوية" الأهداف، الوسائل ".

ـ التعبير عن المظاهر المعيشة.

2 ـ وظيفة الإنتاج[12] fonction de production:

* جعل الملاحظة موضوعية عن طريق:

ـ الحصول على المعلومات باستمرار.

ـ إدماج المعلومات والتركيب بينها.

ـ إنتاج أدوات مناسبة.

ـ توقع النتائج النهائية

فالتقويم التكويني يمكن المتعلم/ ة من معرفة منحنى تعلمه بين مداه الإيجابي ومداه السلبي، بما يعطيه فكرة واقعية عن مدى تحقيقه للأهداف المقررة في تفاصيل الدرس المدرسي المنخرط فيه تعلما، والإكراهات والتحديات والصعوبات التي تقف أمام تعلمه وكذا النتائج الإيجابية المحصل عليها. فهو مرآة المتعلم التي تعكس سيرورة أدائه التعلمي دون قلب اليمين يسارا ولا العكس. كما هو سطح الماء الذي يعكس صيرورة التعلمات التي (تمكن من إصدار حكم من طرف المقومين / [الممارس البيداغوجي] على تعلم التلميذ من خلال عملية استدلالية وعلى أساس معلومات موثوقة ومؤشرات ومعايير انطلاقا من مرجعية متفق عليها ومتطلبات محددة مسبقا بهدف تسهيل عملية اتخاذ القرارات حول عملية التعلم أو نتائجها. وللقيام بالتقويم، لابد من وضع منهجية تساعد على التخطيط الجيد لجميع الأنشطة التي ينبغي القيام بها في هذا الإطار)[13].

ـ التقويم الختامي أو التحصيلي أو البعدي أو النهائي: وهو فعل تقويمي يتم في نهاية الدرس المدرسي ـ بما الحديث هنا يهم الدرس المدرسي ـ لتقرير حكم على مدى تحقق الهدف الخاص بالدرس المدرسي، واكتشاف الإيجابيات لاستثمارها والسلبيات لمعالجتها وتجاوزها على مختلف المناحي " مضامين، منهجيات، معينات، أداءات، مطالب ومتطلبات وشروط ... " وهو ذو:

1 ـ وظيفة الفحص[14] fonction de vérification:

* إنجاز تحليل مركب ومتعدد الأبعاد عن طريق:

ـ إعطاء قيمة لمجموع الآثار المتوقعة وغير المتوقعة التي مست المحيط والأشخاص والعمليات.

ـ تحديد الفارق بين النتائج والأهداف.

ـ إعادة طرح المشكل.

2 ـ وظيفة التواصل[15] fonction de communication:

* تحديد النتائج عن طريق:

ـ تركيب وإدماج المعلومات.

ـ تبليغ النتائج إلى المعنيين.

والتقويم بمفهومه العلمي وكعملية تطبيقية وإجرائية يستند إلى الأسس التالية[16]:

ـ إجراء يسمح بالحصول على مؤشرات وبيانات وعمليات ومعلومات عن سيرورة الفعل التربوي في عناصره المختلفة " مضامين، طرائق، وسائل " والتدخل لتكييفها مع مقتضيات عملية التدريس. وهذا ما يسمى بتقويم السيرورة.

ـ إجراء يمكن بواسطته اختبار نتائج التعلم المحصل عليها من طرف التلاميذ، واتخاذ قرارات صائبة للحكم على هذه النتائج. وهذا ما يسمى بتقويم النتائج.

ـ عمليات تهدف أساسا إلى اتخاذ قرارات صحيحة تهم التلاميذ مثلما تهم عملية التدريس ذاتها.

والتقويم بصفة عامة ينحو تقييم وتقويم ومعالجة مناحي شخصية المتعلم/ ة " المعرفية، الوجدانية، السلوكية " فضلا عن العملية التعليمية التعلمية بكل مكوناتها كتنظير أولا ثم كممارسة صفية لأجل التطوير والإبداع. لذا؛ فهو يتسم بالشمولية والتصحيح والاستمرارية والتعاون. فالتقويم بوجه من الوجوه هو نقد تربوي للعملية التعليمية التعلمية تخطيطا وتنفيذا ونتائج. ويبقى التقويم الناجح في تحقيق أهدافه يخضع لعدة مطالب بنائية وتنفيذية ولوجستيكية ووظيفية وتحليلية. ويتنوع وفق موضوعه وغايته ومنجزه ومكانه وزمانه وشكله وفلسفته وأطره النظرية ومجالاته والمنجز عليه أو المقوَّم، والتقسيم السابق هو حسب زمن إجراء التقويم؛ قبلي، آني، بعدي، مرحلي، سنوي، سلك، فترة، دورة. فالتقويم يظل خاضعا للحاجات النمائية للمتعلم/ ة حسب مرحلة نموه العمرية بكل أبعادها، وللهدفية، والاستمرارية، والموضوعية، والعلمية، والعملية، وللتمييز، والديمقراطية، والشمولية، والاقتصاد في الجهد والتكلفة، والحساسية، وتعدد الوسائط والمعينات والأدوات، والصدقية، والثبات[17] ... ولا يوجد التقويم التربوي خارج منطق الفعل التدريسي وناتجه التعليمي التعلمي لأنه لصيق بفحص النتيجة نوعا وكما ومعالجة واستثمارا وتوجيها. فلا وجود إذن لفعل تعليمي دون تقويم تربوي كاشف.

جـ ـ سؤال التقويم يقود إلى سؤال كفاية مستوى أداة التقويم للدلالة عن النتائج بصدق وشفافية وتحت شروط ومتطلبات الإحصاء التربوي ومواصفات أدوات القياس. فمثلا: في البعد المعرفي؛ هل مستوى صنافة بلوم كافية في التعبير عن نتائج التقويم؟ وأي مستوى من مراقيها يعبر عن ذلك؟ وما يقال هنا يقال عن الجانب الحس ـ حركي، وعن الجانب الوجداني. ومن ثمة يمكن إدراج السؤال الثالث في إعداد الدرس المدرسي:

* ما مدى كفاية مستوى أداة التقويم للدلالة على النتائج؟

فهذا السؤال يحيلنا على تحديد مستويين من أداة التقويم، مستوى الدرجة ومستوى المواصفات. فمثلا: فإذا ما أخذنا صنافة بلوم وهي تتكون ستة مراقي؛ وليكن أحدها هو مستوى: التحليل، حيث يفيد، أن يقدر المتعلم/ ة على تحليل وتفكيك براغي المادة الدراسية المتداولة في الدرس المدرسي، وعلى تفكيك مجموع الأنشطة موضوعا ونهجا وفعلا وتفاعلا إلى أجزائها المختلفة، وفهم وإدراك تعالق مكوناتها، مما يساعده على فهم بنيتها ووظيفتها. وأما مستوى المواصفات؛ فيعني الاشتغال على معايير ومؤشرات هذا التحليل وعتبات التحقق. فالأدبيات الإحصائية التربوية تفيد أن لأدوات التقويم مواصفات عدة منها: الصدق، والثبات، والموضوعية، والشمولية، وقابلة التوظيف لما وضعت له/ قابلية التطبيق، الاقتصاد، والتعاون، والديمقراطية، والحساسية ... مما يجعل أداة التقويم ناجعة في التقويم وفي قياس النتائج بكل صدق وشفافية وموضوعية. وعليه؛ تؤدي الأداة الخاطئة أو الهشة إلى نتائج خاطئة أو مغلوطة أو غير صادقة، كما يقع مع مجتمع المدرسي المغربي الذي يمتلك حساسية مفرطة نحو البحث التربوي والبحث العلمي بصفة عامة، ويصاب برهابه كلما دعي إلى المشاركة في بحث أو في استمارة أو استطلاع الرأي، لأنه يعتقد أن البحث سيعري عن ذات الشخص المشارك، وبذلك؛ فكثير من بحوثنا لا تعبر عن الحقيقة ولا تقدم معلومات وبيانات واقعية وموضوعية وحقيقية معبرة عن الكائن في مجتمعنا المدرسي.

د ـ الأسئلة الثلاث السابقة تؤدي إلى السؤال الرابع، المتعلق بنوع التعلم المكتسب الذي يلائم ويوافق الهدف. حيث يفيد فعلا أو مفهوما أو منطلقا ومبدأ أو طريقة أو استراتيجية معرفية أو سلوكا أو إيماءة أو أكثر من إفادة. فهو يفصح عن ذاته في:

* ما نوع التعليم والتكوين المكتسب الذي يناسب هدف الدرس المدرسي؟

وهو سؤال؛ جوهره، كفاية الفعل التي ستغطي الحدث التدريسي بكل تفاصيله ومقاطعه التعليمية والتعلمية، والتي ستخرج تخطيط الدرس من القوة إلى الفعل تحت مفعول مجموعة من الموارد والعمليات والتجارب والخبرات المكتسب والمخزنة في الذاكرة، يستدعيها المتعلم/ ة بتحفيز الممارس البيداغوجي لاكتساب أو تطوير أو تعديل المكتسبات السابقة من معارف أو قيم أو أنماط سلوكية أو مفاهيم أو نظريات ورؤى فكرية معينة أو استيعاب جديدها، تحت تأثير فعلي التعليم والتعلم، وأثر الخبرة والتجربة والبيئة. كما هو في مظهره مضمون كفاية الفعل المستهدفة أداة لتحقيق الهدف الخاص أو الرئيسي للدرس المدرسي القائم في حجرة الدرس. وبذلك فهو فعل ومضمون فعل في الآن نفسه، يستوحي منه الممارس البيداغوجي نمط تعاطي مكتسب المتعلم/ ة مع الهدف طلبا للانسجام والتوافق والتكامل والتعاون معه من أجل تحقيقه. ترفده حاليا بيداغوجيا الكفايات بخطابها وأدبياتها ووضعياتها المتنوعة من الوضعية المشكلة الديداكتيكية المحفز الرئيس للمتعلم/ ة على التعلم والانخراط فيه، لاستشعاره بالنقص في موارده أو طرقه أو أنماط تفكيره أو جمعيها وغيرها من استشعارات النقص والخصاص في منحى معين؛ و(يمكن إجمال الأسباب التي تدفع بالواحد منا إلى البحث عن المعلومة في ما هو نظري أو عملي؛ فقد يكون الباعث معرفيا محضا، وقد يكمن في الرغبة في حل مشكل عملي أو تقني. وما يجمع بين الحالة الأولى والثانية هو أنهما يولدان فينا الوعي بالنقص فيما يتعلق بالمعارف المطلوبة لحل مشكل ما أو اتخاذ قرار معين. وهو ما يعد حافزا كافيا للبحث عن معلومات جديدة، والسعي في نفس الوقت إلى استرجاع تلك المخزنة في الذاكرة. وعليه، فكل قرار نتخذه يبقى رهين طبيعة المعلومات التي نتوصل بها، وأن بناء المعرفة واستجابتنا لوضع معين يتوقف على التأليف بين المعلومات الجديدة والمخزنة في الذاكرة. ومن ثم، فالرغبة في الحصول على المعلومة مرتبط بالرغبة في استبعاد عدم اليقين أو تخفيض درجته على الأقل. على هذا، يتطلب الأمر التمييز بين الحالة التي تكون فيها المعلومات غير كافية بشكل قد يؤثر على قرارنا، أو يجعلنا نتردد في اتخاذه)[18]. ومن الوضعية البنائية التي نبني من خلالها التعلمات والموارد الجديدة لدى المتعلم/ ة عبر محطات منهجية تفعل تعليماتها المتنوعة. ثم الوضعية التقويمية التي تكشف عن درجة ونوع التحصيل المعرفي والأداء المهاري والسلوك الإخباري الذي حققه المتعلم فضلا عن مدى تحقق الأهداف أو مدى تحقق الكفايات المقررة للدرس المدرسي. وهناك وضعيات أخرى تأتي في سياق الاستثمار أو المعالجة كوضعية التعزيز في حالة التمكن أو وضعية التعويض أو وضعية التصحيح في حالة عدم التمكن من الكفاية المستهدفة. وهذه الوضعيات المتنوعة هي التي تبني عند المتعلم/ ة نوع ونمط المسلك المعرفي والمنهجي والأدائي، وتمكنه من كفايات الفعل بعيدا عن مجال الفعل.

وهذا السؤال يرتبط في سياق التدريس بنظريات التعلم التي تنظم حقائق ووقائع ومحتوى التعلم في صيغة عملية التعليم، وتبسطها وتشرحها وتفسرها وتتنبأ بها فضلا عن هندسة التعلم في سيرورة توظيفها. ففي ظلها يقع التعلم بالفعل من خلال إنجازه ترسيخا للتعلم لأنه منجز المتعلم/ ة نفسه، صادر عنه. لذا ركزت بيداغوجيا الكفايات على إكساب وتمكين المتعلم/ ة من معرفة الفعل، أو المهارات التشغيلية، وهي القدرة، المثبتة بالممارسة، على تنفيذ مهمة ما بشكل ملموس ومحسوس. والتي يجدها المتعلم/ ة في أفعال الممارس البيداغوجي وسلوكه العملي الميداني قدوة مثالية له، ويقتدي بها، ويتمثلها في حياته، ويتشبع بها. فهي ما يشير إليها بمصطلح الدراية موضوع الخبرة العملية التي تشهد على الإتقان التقني لمجال الكفاية أو المهارة، والتي تسمح بتطبيق المعرفة. وعليه؛ هي بالمجمل القدرة على تنفيذ خبرة الفرد ومعرفته المكتسبة في حياته ومناحيها ومجالاتها المتنوعة والمتعددة. ونفصح عنها من تركيب فعل المعرفة وفعل الإجراء أو الأداء والنشاط بالعدد أو بالوصف. فمثلا: أعرف تنظيم عرضا مسرحيا لمائة متفرج، تشكل معرفة الفعل. فالفعل ومعرفته كفيلان ببناء التعلمات والموارد والمعارف والمهارات والكفايات عند المتعلم/ ة. فمثلا: تدريس مفهوم الدارة الكهربائية من خلال وضعية مشكلة تتعلق بإصلاح عطب وقع في دارة منزل المتعلم/ ة، يكون أجدى إن كان عمليا وفعليا وتطبيقيا بموازاة شرح مفهوم الدارة الكهربائية نظريا. لأن التعلم عمليا وفعليا وتطبيقيا يشكل تسنينا لتخزين المفهوم في الذاكرة طويلة المدى، ومرجعا في الاستدعاء والتعبئة للمفهوم من جديد لتوظيفه في وضعيات جديدة. ومن أمثلة معرفة الفعل نقف على:

ـ معرفة الاشتغال في فريق.

ـ معرفة التكيف.

ـ معرفة كيف أكون مستقلا وحرا غير تابع.

ـ معرفة حسن تدبير الاختلاف.

ـ معرفة تدبير التوتر بشكل جيد دون نواتج سلبية.

ـ معرفة كيف أكون فضوليا دون إحراج أو معرفة كيفية إدارة الفضول.

ـ معرفة اتخاذ القرارات.

ـ معرفة كيف أتحدى.

ـ معرفة توجيه الأسئلة.

كما أن التعلم بالسلوك أو المثال والقدوة مبدأ أساس في التربية الإسلامية وحتى في التربية الحديثة؛ ذلك أن مفهوم "النمذجة" يجد مكانا له فيما يسمى التعلم بالسلوك، أو المهارات السلوكية، بمعنى مهارات التعامل مع الآخرين. فـ (المعلم كنموذج للسلوك المعرفي المرغوب فيه والذي يظهر في كل موقف من مواقف الحياة اليومية وفي الاستراتيجيات داخل الفصل والمدرسة)[19]. فالممارس البيداغوجي بالنسبة للمتعلم/ ة ليست خطابا ملفوظا على سمعه وإنما هو تجسيد للملفوظ على الأرض سلوكا وممارسة، محسوسا بالحواس من سمع ونظر ولمس وشعورا ... يتشكل المتعلم/ ة وفق ممارسه البيداغوجي. حيث هو القدوة الحسنة له، أهم الوسائل فعلا وتأثيرا، وأقربها للتوفيق، وأنجعها فاعلية في حياة المتعلمين/ ات. تحول خطاب الممارسة الصفية من مجرد تراكيب لغوية ذات ظلال لغوية إلى سلوك وقيم ومبادئ ذات ظلال دلالية في الواقع المعيش للاقتداء والتأسي، والممارسة العملية في الحياة، تتحرك على وجه البسيطة وقائع وأحداثا وحقائق وتصرفات ومعايير وأخلاقا تشي بانسجام القول مع الفعل واتحادهما في عملة واحدة هي التربية بالقدوة. ودائما ذلك التحويل من القول إلى الفعل تسنينا وشفرة لتخزين التعلمات والموارد والمكتسبات المتنوعة في الذاكرة طويلة المدى. كما تعمل القدوة أو التعلم بالسلوك على:

ـ بناء المعرفة والمهارات والكفايات والموارد بصفة عامة عند المتعلم/ ة بأمر الواقع المعيش.

ـ بناء العادات والأخلاق والسلوك المدني والسليم والمتخلق لدى المتعلم/ ة.

ـ مساعدة المتعلم/ ة على فهم الحقائق العلمية والظواهر الكونية فضلا عن فهم التعلمات.

ـ تشكيل شخصية المتعلم/ ة، وفتح آفاق واسعة أمامه من المعرفة الحقيقية للحياة، بتمكينه من كفايات التحليل والتركيب والفهم والنقد والاستيعاب ...

ـ مساعدة المتعلم/ ة على التركيز على تحصيل الأهداف، وعلى تقدير المسؤولية وتحملها؛ ما يدفع بالمتعلم/ ة إلى النجاح والتفوق والإيجابية والتألق.

ـ مساعدة المتعلم/ ة على معرفة التحديات والصعوبات والمعيقات التي قد تواجهه بجانب معرفته لأحسن وأنجع الطرق والخطط لمعالجتها وتجاوزها.

ـ العمل على توفير الوقت والجهد في العملية التعليمية التعلمية، وللمتعلم/ ة في اشتغاله المعرفي.

ـ تنمية السلوك الإيجابي عند المتعلم/ ة، والسمات الحسنة والجيدة كذلك، وتعزيزها ودعمها عمليا.

ـ تكوين صورة أو نظرة أو رؤية سيكولوجية إيجابية عند المتعلم/ ة عن ذاته وقدراته وأداءاته عمليا وواقعيا، ومنحه الثقة في النفس لما يقتدي به من سلوك وفعل.

ـ تعديل السلوك عند المتعلم/ ة وفق مكامن الخلل في مكتسبه العملي والإجرائي والأدائي نتيجة كون التعلم بالسلوك يقنع واقعيا بالدليل والحجة الممارسة فعليا أمام المتعلم/ ة أو من خلاله.

ـ العمل على حيوية المتعلم/ ة داخل النشاط التعليمي التعلمي بإخراجه من سلبية التلقي إلى إيجابية المشاركة في البناء. لأنه ـ التعلم بالسلوك ـ يمنح المتعلم/ ة مساحة واسعة للمشاركة في بناء المعرفة بالسلوك والممارسة وبالقدوة، (فلم يعد الطلبة مجرد متفرجين ومتلقين سلبيين للمعرفة، بل عليهم المشاركة بنشاط وبشكل شخصي في بنائها، عبر اقتراح بعض الأفكار وتطويرها ودعمها بالحجج وتدبير الارتيابات)[20].

ـ تعلم المتعلم/ ة بالتجربة مادام التعلم بالسلوك وما ظل التعلم بالقدوة في ذاته تجربة يعيشها المتعلم/ ة حقيقة في واقعه؛ حيث (تمنح التجربة شيئا من الطمأنينة وتضاعف من سرعة وثقة الحركات المهنية/ [التعلمية] وتوسع قاعدة الوضعيات التي تمت مواجهتها وتسمح بمراكمة المعارف المنبثة عن الممارسة، ومن هذا المنظور تدعم التجربة الكفايات وتغنيها)[21].

كما أن التعلم من خلال لغة الجسد أحد الأساليب التدريسية التي يسلكها الممارس البيداغوجي في الحجرة الدراسية تعليما للمتعلم/ ة موارده وتعلماته. فهي لغة غير لفظية تعتمد على الإيماءات والتعبيرات والإشارات والحركة والسلوك الصامت، ومن أنجع الاستراتيجية في التعليم، تفيد في إثراء وإغناء المشهد التعليمي بالتعبير الجسدي الدال، الذي يحمل عدة معاني ودلالات، وقد وجد علماء النفس أن الاتصال غير اللفظي يتم بنسبة تتراوح ما بين 60% و80%. يمكن للمارس البيداغوجي اعتماده في تدريس المتعلم/ ة المادة الدراسية ضمن وضعيات تعليمية تعلمية عبر إظهار مواقف ومشاعر وحالات الشخوص النفسية والاجتماعية في المتن التعليمي، وإجلاء الأحداث والأزمنة والأمكنة بالتعبير الجسدي. فمثلا: حالة الفرح في وضعية تعليمية تعلمية يمكن التعبير عنها بتقاسيم الوجه وغير ذلك. وصور التعبير الجسدي أصبح في الشبكة العنكبوتية من أهم الصور المستعملة للتعبير عن العلاقات الاجتماعية، وعن مواضيع التواصل الاجتماعي كذلك. فمن خلال التواصل غير اللفظي " لغة الجسد "يمكن للمدرس أن يكتشف ما إذا كان المتعلم/ ة أو أي شخص سعيدا، أو حزينا، أو مبتسما أو ضاحكا أو عابسا مكفهرا، أو غير مهتم وغير مكترث، بالاتفاق أم لا ... وما إلى ذلك، فالتعبير الجسدي أو لغة الجسد غدت اليوم كتابا مفتوحا يمكن قراءته كأي كتاب مكتوب باللغة؛ حيث يمكن للممارس البيداغوجي تعليم متعلميه هذه اللغة وقراءتها بمجرد النظر في تعابير الشخص وملامحه وهيئته، ومعرفة ما يفكر فيه، ويشعر به. فتقاسيم الوجه وحركات اليد وكيفية الجلوس وغيرها تشي بذلك كله.

(على الرغم من أن التواصل الشفهي هو الوسيلة الرئيسية؛ لإيصال المعارف والمعلومات وشرحها في الفصول الدراسية، وفي كل الأنشطة، إلا أن لغة الجسد تلعب هي الأخرى دورا مهما في كثير من المواقف؛ بجعل الرسائل التعليمية جذابة ونشيطة وذات فاعلية، وفي نفس الوقت تكشف عن المعاني الانفعالية للكلمات من خلال أداء حركات الجسد بطريقة صحيحة، وقد تحل محل اللغة مباشرة عبر عديد القنوات والاستخدامات.

لقد استفاد التواصل التعليمي من تطبيقات لغة الجسد كثيرا؛ لأن ''عمليات الاتصال المعلم أو الأستاذ، والتلاميذ أو الطلاب، غنية بالرموز غير اللفظية، كتقبل الأفكار وفهمها من لدن الأستاذ أو الطالب، والتشجيع والنقد، والصمت، وطرح الأسئلة، كما أن القنوات غير اللفظية تعتبر مصدرا غنيا للرموز العاطفية التي تخبر بنوعية العلاقات بين الطلاب، أو بين الأستاذ والطالب''. فهي داعم مهم ومرافق لكل تفاعل بين مرسل ومستقبلين من أجل الإقناع وعلاوة على ذلك فإن استخدام لغة الجسد متوافق تماما مع المبادئ التربوية على أساس أنها واقعة ضمن الأساليب السمعية البصرية. وتشير الدراسات إلى أن 55 %من الفهم يأتي من تعابير الوجه، و38 %من الطريقة التي تنطق بها الكلمات، و07 % فقط من معنى الكلمات)[22].

هـ ـ سؤال نوع التعليم والتكوين السابق يلج بك إلى السؤال الموالي، وهو سؤال النهج، بمعنى نمط الفعل التدريسي من استقرائي إلى تناظري مرورا بالاستنتاجي والجدلي والحواري والمتشعب ... ما يتجلى في السؤال التالي:

يأتي

***

إعداد: عبد العزيز قريش

باحث في علوم التربية

 

في المثقف اليوم