دراسات وبحوث

عبد الأمير كاظم زاهد: التحولات الفكرية عند الاباضية (2)

طبيعة الفقه الإباضي ومنهجه

لم يعتمد الفقه الإباضي مرجعا الا على ما روى عن علماء إباضيين في التفسير والحديث ولم تستخدم مجموعات الاحاديث المعتمدة لدى اهل السنة، وقد طلبوا من اتباعهم عدم استخدامها واعتمدوا كتاب (المدونة) لبشر بن غانم الخراساني الذي عاش في اواخر القرن الثاني (148-205) وهو كتاب في الفقه. فللسنة المعتبرة عندهم مرجعيات ومصادر مستقلة ومجموعات حديثية خاصة بهم فهم دونوا مجموعتهم الخاصة بهم، ولم يلتزموا بمنع التدوين، فكان كتاب (الجامع الصحيح) أو مسند الربيع بن حبيب البصري يروي تراثهم مسندا الى جابر بن زيد وقد تولى تطوير تلك الادبيات فيما بعد اشخاص مثل مسلم بن ابي كريمة والربيع بن حبيب واعاده الوارجلاني بعنوان ترتيب المسند (1) وقد اعتنوا بهذا المسند وشرحوه عدة شروح، وقد رتب على الابواب الفقهية فجاء في اربعة اجزاء ضمن مجلد واحد، بيد أن هذا المسند يفتقد لمقدمة توضح تراجم رواته وتوثيق نسبته وفي هذا المسند رأي في الصفات الإلهية، كما يفتقد الى اسلوب سلس، ويؤمن الاباضية بمبدا العرض على كتاب الله عند اختلاف الروايات، ومجموع ما يتضمنه هذا المسند (1005) حديثاً مع المكرر، ورد منها في البخاري ومسلم ومسند احمد وفيه الكثير من المراسيل تقف عند جابر ولأجله قالوا بقبول مراسيل جابر، بل قالوا انها اصح واقوى من مسانيده رغم ما ورد فيه من احاديث في فضل البربر واهل عمان.

ثم يعتمدون اجماع الصحابة، فانهم قالوا اذا اختلف الصحابة فانهم يتوقفون على اجماعهم فاذا اجمعوا فلا يخرجون عن اجماعهم ومع اختلافهم يتم اختيار الموقف حسب مبانيهم واختلفوا في حجية الرأي والقياس، فقال بعض منهم أنه متاح لمن بلغ المستوى الارفع وأن العقل حجة كاملة كالكتاب والسنة. لكن فريقا منهم يرفض اللجوء للراي ويتمسك بالنص ومنهم الربيع بن حبيب الذي عارض الراي وتمسك بالآثار. ويقول الإباضية أنه المدون لمرجعهم في الحديث وأن اصح مرجع للحديث عندهم مسند الربيع بن حبيب، فاذا خلا رجعوا الى الآثار المروية، ثم للرأي لكن بشرط الا يكون في الامر حكم سابق مستقى من نص  وهم يرون ان الحق واحد اي انهم مخطئة فمن أصابه من المجتهدين كان له اجر لكن من بذل اقصى جهده ولم يصب الحكم واخفق فله اجر ايضا ولا يحاسب على الخطأ، والاجتهاد عندهم مفتوح مسموح لمن يملك أدواته، والافتاء محذور على غيره ولا يكون الا لمن كان مؤهلاً للاجتهاد، ويشددون على من يلجأ لرأيه في امر تناوله (نص) فاعتبروا من يبيح لغير المؤهل الافتاء فهو كافر كفر نعمه، ومن يلجأ لرأيه ضال واعطوا للاطلاع على آراء وأدلة بقية المذاهب افضلية واختلفوا في حجية القياس، فأجازه منهم طلبة أبي عبيدة، وعارضه الربيع بن حبيب ويجيز الإباضية العمل بآراء المذاهب اذا لم يوجد لعلماء الإباضية فيه رأي وهذا موقف يحسب لهم لأن فقه الإباضية لم يستمد من المصادر السنية.

المنهج الفقهي للإباضية:

يعترف مكدونالد انه لا يعلم الباحثون الا القليل عن الفقه الإباضي (2) ويقول شاخت ان فقه الإباضية ينسب الى جابر بن زيد (3) ويرى انهم استمدوا فقههم من المذاهب الاسلامية وقد شاع في كتب الإباضية ان فقيه المذهب هو جابر بن زيد وان متكلم المذهب هو عبد الله بن إباض (4) وقد صرح الكثير أن مرجعيات التشريع عندهم اربعة القرآن والسنة والآثار والرأي، فاما القرآن فليست لدى الإباضية دراسات في التفسير وفقه الاحكام القرآنية حتى يتبين منهجهم في التفسير وان جابر بن زيد كما يقولون تلقى التفسير عن ابن عباس ثم مجاهد وقتاده (5) لكن ليس له آراء مدونة حتى سنة (150هـ).

اما السنة النبوية فان الاباضية يرفضون مجموعات الاحاديث المعتمدة لدى المذاهب السنية ويدعون الى الامتناع عن قراءتها، ولم يرض الإباضيون عن كل الصحابة فبعض الصحابة عندهم لا يقتدى بهم ولدى الاباضية مجموعات حديثية ضمن كتبهم المذهبية مثل الجامع الصحيح للربيع بن حبيب.

بعض الآراء الفقهية للإباضية

يرى فقهاء الاباضية ان البسملة اية من كل سورة: وأنكروا جواز المسح على الخفين وقالوا إن الصلاة لا تجوز إلا بغسل الرجلين وإن الركعتين الأولتين من الظهر والعصر يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب فقط دون سورة ويقرأ المصلي بصمت ماعدا الجمعة والعيدين جهراً

- أن القنوت في الصلاة لا يجوز، وأن رفع الأيدي في التكبير، وتحريك السبابة عند التشهد، والجهر بكلمة "آمين" بعد قراءة الفاتحة في الصلاة، وزيادة "الصلاة خير من النوم" في آذان: ليس في صلاتهم قنوت، وعندهم لا تصح الصلاة خلف امام يقنت لانهم عرفوا ان في القنوت لعنهم عند اهل السنة.

فرض المسافر القصر هو الراي المشهور لدى الإباضية، وهناك آراء مرجوحة ترى ان المسافر مرخص بين القصر والاتمام، والاتمام افضل. ومسافة القصر فرسخان أي أحد عشر كيلو متراً. واذا لم يتخذ المسافر (بلادا ما) وطناً فيقصر الى الابد، فلا يروون له الاتمام.

الذنوب الكبائر تبطل الصيام والطهارة شرط في عبادة الصيام فلا يصح صيام المتعمد على الجنابة.

قضاء الصيام واجب متتابع لا يجوز فيه التفريق.

لا تمنح الزكاة الا الى شخص (من اهل الولاية). فأن لم يوجد فلفقراء الإباضية، فان لم يوجدوا فلضعاف المسلمين. ويحرم اعطاء الزكاة لمن اراق ماء وجهه وذهب يسأل الناس زكاتهم عقاباً له على اهانة نفسه.

وقد جوَّز الإباضية صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا تمت للمفضول؛ خلافاً لسائر الخوارج

- وجوز الإباضية التقية خلافاً لأكثر الخوارج أورد الربيع بن حبيب في (مسنده) روايات في الحث على عدم الخروج

من زنى بأمراه، لا يجوز له التزويج بها فيما بعد.

يلزم القضاء بالقصاص على من ارتكب جريمة القتل، فاذا تفاوت المقتول كالرجل اذا قتل امراه، فلولي الدم أن يطلب القصاص ويعيد لأهل المقتص منه فارق الدية.

يحرمون الزواج المؤقت.

اختلف الإباضية في حكم صلاة الجمعة، بين الوجوب والتخيير والحرمة،

يتوقفون في الالتحاق بدعوة الجهاد لان الامراء عمال السلطة التي لايثقون بها.

يرون أن مخالفيهم من المسلمين ليسوا مشركين ولا مؤمنين، ويسمون كفار نعمه وليسوا كفار شرك، ودارهم دار توحيد الا معسكر السلطان، ويقال أن هذا هو الموقف المعلن أما السر فانهم يرونهم كفار ولكن، لا تتوفر امكانية قتالهم.يجوزون شهادة المخالفين لهم، ويجوزون مناكحتهم والتوارث معهم.

-  أذا كان المتوفى مولى، وله اقرباء فهم ورثته وليس مولاه، وأن لم يكن له اقارب فتعطى الاموال لأبناء جنسه الموجودين في بلاد وفاته على ان يتساوى نصيب الذكر والانثى (من أهل جنسه) اما اذا كان المولى من أبوين كل منهما من عرق فاختلفوا: قال بعضهم تعطى لقوم والده، وقال غيرهم يعطى الثلثان لقوم والده والثلث لقوم امه.

يقولون بالتعطيل المؤقت للحدود باستثناء القصاص.

لا يرون عقوبة الرجم للزاني المحصن.

لا يقول الإباضية بالتقليد، ويقولون أنهم رجال تقييد أي يتقيدون بالكتاب والسنة والسلف ولا يقلدون اصحاب المذاهب.

لا يحرمون الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، انما يشترطون للجمع رضا العمة والخالة. يقولون بالوصية الواجبة (لأولاد المحروم من الميراث لموته قبل مورثه) لأولاد المحروم (سواء اكان ولداً أو بنتاً).

يسقط عندهم سهم المؤلفة قلوبهم مادام الامام قوياً.

ويرى الاباضية أن النموذج النقي للدولة الاسلامية كان في عهد ابي بكر وعمر، يريدون السير على ذلك الانموذج وان التشويه والخلل والتنكر لسنة النبي ص حصل في زمن الامويين وللقمع ضدهم اخفوا أنفسهم وعقائدهم وصار نشاطهم سرياً بقيادة من نجى من معركة النهروان (6) بيد انهم لم يستفزوا السلطة الاموية واقاموا صلات واسعة مع ولاة بني امية، فلم ينفعهم ذلك فقد عاملهم ولاة الامويين بالقسوة والمطاردة والقتل فنشأ عندهم مبدأ (الا يقاتلوا احداً حتى يقاتلهم).

واعتمدوا مبدأ: أن اموال المسلمين ممن يخالفوهم ليست غنائم ولا تسبى لهم نساء ولا يسترق مسلم ثم انتهوا الى أن الخروج على الامام الجائر ليس واجباً ويمكن لهم أن يعيشوا في ظل الطغاة تحت مبدأ التقية وهكذا يتطور الموقف المضاد لفكر نافع بن الازرق واصحابه من المتطرفين وتتم المراجعة والتحولات على صعيد الفقه والعقيدة واخيرا صاروا يطلقون على جماعة نافع المارقه وهو استعاره من حديث الرسول عن الخوارج لأن عقائد ابن الازرق عندهم بدع وقد دخلوا معهم في اشتباكات متعددة. ومما تمخض عن هذه المراجعة أنهم اعتبروا بقية المسلمين ممن لا يرى رأيهم (كفار نعمه) وليسوا (كفار شرك) واجازوا الزواج منهم واكل ذبائحهم وحل الاقامة معهم، وان ما يجمعهم معهم الاسلام عموماً (7)

يقول النامي (الواقع ان الإباضية اختلفوا مع الخوارج في جميع معتقداتهم وعارضوهم نظرية وممارسة) (8) فقد كان جابر معارضاً لآراء نافع ونهجه وقد رفض آراءه (9) وبسبب انقطاع ابن إباض الى جابر فقد تبنى آراءه واهتم جابر وابن إباض بعد المراجعة ورفض التطرف بتحويل نمط النشاط من الاهتمام القتالي الى الثقافي والعقدي واقنعوا جماعاتهم بتجنب الصدام مع السلطة،والحفاظ بعلاقات ودية مع الحكام وعدم الانعزال عن الناس، وتدريس التراث.اما المسألة الوحيدة التي يشاركون فيها الخوارج فهي رأيهم في المحكمّة، (10)

الآراء الكلامية للإباضية

لدى الإباضية مجموعة آراء عقدية عبروا عنها نعرض لأهمها وهي : مفهوم الايمان وفكرة الولاء  والبراء .وأنواع الكفر.ومعنى التوحيد.

المفهوم الكلامي للأيمان

يرى الإباضية ان دلالة الايمان الشرعية تتطابق مع دلالة الإسلام، واستعمالهما الشرعي هو ذاته الاستعمال اللغوي رغم ان الشرع نقل المعنى من مجاله اللغوي الى معنىً شرعي فجاء متطابقا مترادفا لذلك كان قولهم أن من أدى ما عليه من التصديق والإقرار والإعمال كان مؤمناً مسلماً، لكن عندهم من أخل بشيء من الواجبات لا يسمى مسلماً مؤمناً فلا يوجد شرعاً ايمان من غير اسلام ولا العكس (11) وهذا ايضاً قول الماتريدي ابو منصور امام الماتريديه، واغلب الاشاعرة وقول ابن حزم، و غالب المعتزلة ، والمشكلة ليست في جانب الاثبات،بمعنى ان من لايقرن العمل بالتصديق القلبي ليس مومنا ولكنه ليس كافرا

احكام مرتكب الذنوب والموقف عند الإباضية أن ترك الفرائض وارتكاب المحرمات، يفضي الى سلب وصف الاسلام والايمان منه فيصبح كافراً (كفر نعمه) وهو مرادف (للنفاق) أو الفسق، وكفر النعمة لا يخرج صاحبة من ملة الاسلام وتبقى له حقوقه كمسلم ماعدا الولاية والعدالة وهذا هو اهم فارق بين الإباضية والخوارج لأن الخوارج حكموا على مرتكب الكبيرة بالشرك، بينما عند الإباضية انه كافراً كفر نعمه ويقام عليه الحد وتجرح عدالته فيقاطعه الناس حتى يتوب ولا يقاطع الا بأمر العزابه

فكرة الولاء والبراء، وهي أصل من اصول العقيدة عامة اعتمدها اهل السنة والخوارج والإباضية والشيعة جميعاً لضمان (عصبة المنتمين اليهم) وعند الإباضية تبدو اكثر أهمية لأنهم حركة سرية مارست النشاط تحت الاضطهاد الاموي فاستعملوا التقيه واوجدوا لهم تنظيماً سريا كان الولاء والبراء من أهم عناصره، فلا يقبل في جماعتهم الا من يعلن انه ولي لمن والاهم وعدو لمن عاداهم لأنهم يرون أن الله تعالى كما فرض الولاء، كذلك البراء فمن زال عنهم اسم الاسلام المرادف للأيمان فلا خلاف في البراءة منه ولا خلاف في وجوب الولاء للمؤمنين كما هو توصيف الإباضية والبراءة من الكفار والمشركين والكفار حكم حتمي

أقسام الولاء: الولاء لعموم المسلمين ممن تولى الله ورسوله. وولاء الحقيقة للأنبياء والرسل والملائكة والاولياء.وولاء الاشخاص الموافقين لهم في القول والعمل.

أما اقسام البراء: فالبراء بالجملة ممن برئ الله ورسوله والمؤمنون منه.والبراءة من اهل الوعيد: أي ممن توعدهم الله بالنار بدليل قطعي.و براءة اشخاص بحكم الظاهر (براءة الظاهر) وهم:الذين يعترفون بارتكابهم الكبائر.فمرتكب للكبيرة بالجرم المشهود.ومن يشهد عليه عدلان انه يستحق البراء.والمشهور بالفسق شهرة لا تندفع قال ابو عبيدة من كانت له ولاية فلا يبرأ منه حتى يرى ذنبه مثل شعاع الشمس (12)

أما أقسام الكفر عند الإباضية: فالكفر نوعان :

ا- الكفر الذي سببه الجحود كنفي الصانع أو نفي الوحدانية والكمال المطلق أو جحود بعث الرسل وانزال الكتب ويستثنى من احكام كفر الشرك اهل الكتاب اذ لهم احكام خاصة فهم اما أن يؤمنوا بالاسلام أو يعطوا الجزية فاذا اعطوها يحرم سفك دمائهم وغنم أموالهم وسبي ذراريهم ويحل للمسلم أكل ذبائحهم (على خلاف بين الفقهاء عندهم) ونكاح نسائهم الحرائر، الا المجوس فيعاملوا معاملة أهل الكتاب ماعدا اكل ذبائحهم والتزوج بنسائهم فالمشركون الجاحدون من غير اهل الكتاب مخيرون بين الدخول بالاسلام أو يناصبهم الامام الحرب حتى يسلموا ولا تقبل منهم الجزية ومعنى كفر الشرك: أنه خارج من الملة *.

ب -كفر النعمة: وهو عصيان المسلم وتخليه عن اداء الفرائض واجتناب النواهي، ويتساوى هذا مع حكم الاسلام على المنافقين فلا يسمى المرتكب اصراراً على الذنب مسلماً ويصر كتاب الإباضية الى ان من يرى ان الإباضية يكفرون المسلمين لم يقف عند تصنيفهم للكفر الى كفر الشرك وكفر النعمة. وقد استدلوا على ذلك بقوله (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون) لكنهم فسروها بان النص اراد كفر النعمة، بخلاف السلفية المعاصرة التي فسرته كفراً موجباً للإخراج من الملة.

أحكام كفر النعمة: انه كفر لا يخرج صاحبه من ملة الاسلام. ويحتفظ المسلم بالحقوق الشرعية الا الولاء، وتسقط عدالته الشرعية.وفي هذا يخالف الإباضية الخوارج الذين يرون مرتكب الكبيرة مشركاً خارج من الملة وينسحب موضوع كفر النعمة على الحكام، فيجوز الإباضية الصلاة خلف الفاجر، والصلاة على الفاجر اذا مات.

التوحيد عند الإباضية: هو الاقرار بالشهادتين والاعتقاد بأصول الايمان ومعرفة الله بالقدر الذي لا يسع المؤمن جهله، وطريق معرفة الله عندهم الشرع والنص. (13) واختلفوا في الطريق الى معرفة التوحيد (فقال بعضهم العقل والشرع مكمل، وذهب غيرهم الى أن الطريق هو الشرع فقط والاغلب تتم عن الشرع اذ لا دخل للعقل في اثبات امر شرعي.

أما منهجهم المعرفي: فتتسم مدرسة الإباضية بانها على منهج يعتمد التأويل الذي يتناسق مع المحكم، وترى في الصفات الخبرية انها بحاجة للتأويل لئلا نقع في التشبيه، اعتماداً على امكانيات اللغة في (الحقيقة والمجاز). مثال موقفهم من مسألة خلق القرآن:

أنها ليست من مسائل العقائد الاساسية عندهم ولذا سوغوا الاختلاف فيها.

لديهم ثلاثة اقوال فيها اولها انه مخلوق والثانية انه قديم والثالثة التوقف.

وعند إباضية المشرق: ان القرآن غير مخلوق، اما إباضية المغرب فلهم تأويلات منها ان ما يرجع الى النص قديم وما يرجع الى التلاوة مخلوق ، أما صفات الله عندهم:فان اسماء الله وصفاته توقيفية.وان صفاته عين ذاته.فقد أول جابر بن زيد قوله تعالى بل يداه مبسوطتان اي رزقه مبسوط على جميع خلقه.

وأول جابر بن زيد (ويبقى وجه ربك) يعني بقاء الله بعد فناء كل شيء واول (الرحمن على العرش استوى) اي ارتفع ذكره وثناؤه ويفسرونها بنهج عقلي أي استوى امره فوق خلقه.

موقف الإباضية ممن خالفهم في التأويل

تحدث احمد حمد الخليلي: قال المسلمون اخواننا وأن بلغ الخلاف بيننا وبينهم ما بلغ لا نتجرأ على اخراج احد من المله مادام يدين بالشهادتين ولا ينكر ما علم من الدين بالضرورة اما من استند الى تأويل فمعذور وان كان تأويله أوهى من نسيج العنكبوت فحسبه تأويله واقياً له من الحكم على خروجه من المله. (14)

الامامة عند الإباضية: نسب كتاب الفرق والمقالات الى أن الخوارج لا يرون ضرورة نصب الامام، ولكن الإباضية يرون من تصدى للإمامة وهو عالم متعفف وزاهد في الدنيا فانه يجوز له ان يتولى الامامة، وعليه فان نصب الامام واجب على الناس وفرض متعين على الامة .بينما يذهب عامة المسلين الى اشتراط القرشية في الامامة لكنهم لم يشترطوها عند المتغلب، ومن عهد اليه امام سابق، فهؤلاء تجب طاعتهم والجهاد معهم وله مثل الذي للقرشي (15)

اما الإباضية فقالوا لا يشترط لمنصب الامام نسب، فالناس متساوون، اما الراشدون الذين تمسكوا بشرط القرشية فلطبيعة عصرهم ومراعاة للمصلحة وقال بعض علمائهم انما نحتاج الى شرط القرشيه عند تساوي المؤهلات كمرجح بين من يتكافأ من الناس بالمؤهلات، والدليل انهم لم يستخدموا الاحتجاج على الانصار في السقيفة لأن الانصار الذين ليسوا من قريش طلبوها لأنفسهم.

ويقبل الإباضية فكرة امامة المتغلب وهي فكره استخدمها فقهاء السنة لتسويغ عدم الخروج على الحاكم الجائر، المتغلب على ارادة الناس،ويلتقي الاباضية بعد تحولهم العقدي والفقهي مع أهل السنة في حرمة الخروج على الحاكم الجائر، ويرون أن الخروج يفضي الى الفوضى، وهي أخطر من الجور، ويعد الإباضية عبد الملك بن مروان أول متغلب وانهم يرون أن الامامة تنعقد بالبيعة، فأن أي شكل من اشكالها كاف وفي هذا تسويغ للبيعة الخاصة وبيعة الاثنين وحجب الناس عن الاشتراك في اختبار الحاكم.

وهم لا يسوغون التوارث في الخلافة لكنهم يطيعون المورث ويطيعون آخذها بالقوة فقد سوغوا التوارث للضرورة وكذلك التغلب على السلطة مع اجماعهم على حرمتها، وهكذا فرض الواقع مفاهيمه على الفقه

رأيهم في عزل الحاكم الظالم: يرى غالب اهل السنة عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم الا في حالات اظهار الكفر البواح الا ابو حنيفة، اما الاباضية فمع عموم اهل السنة فقد كان مذهبهم الخروج على ائمة الحور لكن تحولهم جعلهم لا يقولون بالخروج على سلاطين الجور الموحدين وللإباضيه قول آخر أذا كنا تحت حكمهم فلا يسعنا الامتناع عن طاعتهم، لكن يجوز لنا الخروج، فان لم تخرج ورضينا بالقعود فهذا جائز لنا اما اذا كنا في غير حكمهم فيجوز الخروج عليهم وعمليا فقد عاش ائمة الإباضية تحت حكم ابن زياد والحجاج وصلوا معهم واطاعوهم.

متى يجوز الخروج على الامام؟

يقول ابن اطيفش (نحن لا نقول بالخروج على سلاطين الجور الموحدين) (16)ويرى الإباضية: اذا انبثقت دولة باسم الاسلام في اي مكان، أجزأ ذلك عن الباقين فان كانت عادلة وجب على الإباضيين أن يكونوا تحت لوائها، فان كانت جائرة كانوا بالخيار، وهذه من التحولات اذ أن هذا الرأي لم يؤد الى فتن تضر المسلمين (17).ونقل الشهرستاني عنهم (أن دار مخالفيهم من اهل الاسلام هي دار توحيد، الا معسكر السلطان فهو دار بغي). (18)ويرون أن موجبات عزل الحاكم عدة امور منها:

عدم صلاحيته للقيام بأعباء الامامة مثل العاهة وفقدان العقل واذا ارتكب كبيرة فان تاب رجع الى امامته فان كره ان يتوب ورفض ان يعتزل وقاوم فانهم يحلون دمه ويوجبون الجهاد ضده. (19)

القيادة المرجعية للإباضيه العزابة

يرد في ادبيات الإباضيه مصطلح (العزابه) وهي هيأه قيادية محدودة العدد تنتخب من خيرة أهل البلد علماً وصلاحاً تقوم بالاشراف على شؤون المجتمع الإباضي الدينية والعملية والاجتماعية والسياسية، وهي في زمن الظهور تمثل مجلس الشورى للأمام، أو عاملة وفي زمن الكتمان تمثل الامام وتقوم مقامه، وتختار من بين اعضائها شيخاً يسمى (شيخ العزابه) شرط أن يكون اعلمهم واكثرهم كفاءة، ولم يشترط أن يكون أكبرهم سناً، وتعرض على هذه الهياه جميع المشكلات والاحداث، وحكم الهياه نافذ في جميع الحالات، ومقرها الرسمي في المسجد، ويلزم أن يكون في جانب من المسجد بيت خاص بالعزابه، وأن جميع المداولات تجرى بسرية تامة، ولا يناقش اي موضوع خارج المقر الرسمي ومما يناقش مثلاً تحديد المهور، والاسعار، بدء العمل بالمواسم الزراعية، ويتراوح عدد اعضاء العزابه من (10-16) عضواً وتوزع عليهم المهام مثل شيخ العزابه، والمستشارون وعددهم أربعة، والامام (من يقوم بإمامة الجماعة) والمؤذن، ووكلاء الاوقاف، وثلاثة اعضاء (هم المعلمون) للأشراف على شؤون التربية والتعليم والدراسة واربعة اعضاء للأشراف على حقوق الموتى ويشترط في عضو العزابه:

أن يكون حافظاً لكتاب الله.

يستوفى مراحل الدراسة.

محافظاً على الزي الرسمي.

اديباً كيسا فطنا وماهر في تصريف الامور وشروط اخرى.

واجبات العزابه: الاشراف على التعليم، وحتمية اشراك كل الاطفال بالتعليم.مراعاة حالة الفقراء وايجاد فرص العمل بهم.حل المشاكل بين الناس، والفصل في قضاياهم.الاشراف على المساجد والاوقاف.حفظ الاسواق ومراقبتها.تنظيم حراسة البلدة الحكم على العصاة و المجرمين والبراءة منهم.ادارة العلاقات الخارجية

***

الأستاذ المتمرس الدكتور عبد الأمير كاظم زاهد

...................

(1) النامي ص 129، هو رجل من القرن السادس.

(2) ماكدونالد: تطور الفقه 116.

(3) شاخت: نشأة الفقه 261

(4) عمر النامي: دراسات ص 120.

(5) النامي ص 121، ظ ابو نعيم: حلية الاولياء 3/90.

(6) الطبري تاريخ الأمم  5/312، المبرد: الكامل 3/991.

(7) العقد الفريد: 1/261.

(8) عمر النامي: دراسات ص 70.

(9) م. ن: ص 84.

(10) م. ن: ص 84.

(11) ابن ادريسو مصطفى محمد الفكر العقدي عند الإباضية 87

ظ السالمي: انوار العقول 2/197.

*هناك قول آخر: أن الايمان فرض القلوب والاسلام فروض الجوارح وهو وقل ابن الجوزي، وابن السبكي، الحشوية وقول آخر انهما يجتمعان فيمن صدّق وانقاد، وينفرد فيمن صدق فقط.

*والاقوال فيه متعددة عند الامامية يعد مسلماً فاسق، وعند المعتزلة هو بمنزلة بين المنزلتين.

(12) الفكر العقدي 424.

(13) محمد بن يوسف اطيفش: الذهب الخالص ص 712

(14) الصلابي 774.

(15) الامامة العظمى: ص200.

(16) علي بن يعمر: الإباضية /295.

(17) م.ن: 296.

(18) الشهرستاني: الملل والنحل 1/134.

(19) محمد ابن يوسف اطيفش شرح النيل 12/342.

في المثقف اليوم