علوم

حاتم حميد محسن: تأملات في الكون المتعدد وإمكانات الحياة فيه

هل الكون الذي نحن فيه هو كل ما موجود ام ان هناك أكوان اخرى؟ واذا كانت هناك أكون اخرى فما هو شكلها؟ هل يمكن العيش فيها؟ قد يبدو هذا للبعض مجرد تكهنات لكن الموضوع ليس كذلك.

ماذا لو

بعض علماء الفيزياء يجادلون بان انفجار التمدد المتسارع في فجر الكون والذي عُرف بالتضخم يجعل وجود شكل من الأكوان المتعددة امراً حتميا. كوننا الحالي في الحقيقة ليس الاّ واحدا من بين الكثير.

في هذه النظرية، كل كون جديد يتبلور من الخلفية المضطربة للتضخم، مطبوعا بمزيج فريد من القوانين الفيزيائية. اذا كانت القوانين الفيزيائية التي تحكم تلك الأكوان الاخرى مشابهة لقوانينا، عندئذ نحن نستطيع فهمها على الأقل نظريا.

ضمن كوننا الحالي، الفيزياء تُحكم بقواعد تخبرنا كيف تتفاعل الاشياء مع بعضها البعض، وبثوابت الطبيعة مثل سرعة الضوء، الذي يحدد قوة هذه التفاعلات. لذا، نحن نستطيع تصور أكوانا افتراضية فيها يمكن ان نغير هذه الخصائص ونستكشف النتائج ضمن معادلات رياضية.

هذا قد يبدو بسيطا، لكن القواعد التي يتم تعديلها هي التركيب الأساسي للكون. لو نتصور كونا فيه الألكترون أثقل من الالكترون في كوننا بمائة مرة، عندئذ كيف ستكون النتائج بالنسبة للنجوم والكواكب وحتى الحياة؟

ماذا تحتاج الحياة؟

جرى مؤخرا إثارة هذا السؤال في العديد من الأوراق العلمية. قابلية السكن habitability هو مفهوم معقد لكننا نعتقد ان الحياة تتطلب عددا من المقادير الضرورية لنشئتها واستمرارها. التعقيدية هي واحدة من تلك المقادير. بالنسبة للحياة على الارض، تأتي التعقيدية من القائمة الدورية للعناصر periodic table التي يمكن مزجها وترتيبها في عدد هائل من مختلف الجزيئات. نحن مكائن من جزيئات حية. لكن بيئة مستقرة وتدفق ثابت للطاقة هما ايضا ضروريان. من غير المدهش ان الحياة الارضية بدأت على سطح كوكب صخري وبغزارة من العناصر الكيميائية تسبح في ضوء نجم مستقرعاش طويلا.

تغيير القوى الاساسية

هل توجد بيئة مشابهة على امتداد الأكوان المتعددة؟ استطلاعنا النظري تم في ضوء غزارة العناصر الكيميائية. في كوننا، ماعدى الهايدروجين والهيليوم اللذان تكوّنا في البغ بانغ (الانفجار الكبير)، فان جميع العناصر تنشأ خلال حياة النجوم. هي اما تتولد من خلال التفاعل النووي في النوى النجمية او في العنف الهائل للسوبرنوفا، عندما تتمزق نجمة عملاقة في نهاية مدة حياتها.

كل هذه العمليات تُحكم بواسطة أربع قوى أساسية في الكون. الجاذبية تضغط على النوى النجمية لتدفعها نحو كثافة وحرارة هائلة. الكهرومغناطيسية تحاول فصل نوى الذرات عن بعضهما لكن اذا تمكنت من الاقتراب بدرجة كافية، فان القوة النووية العنيفة يمكنها ان تشدّها الى عنصر جديد. حتى القوة النووية الضعيفة التي يمكنها قلب البروتون الى نيوترون، تلعب دورا هاما في إشعال الفرن النجمي.

كتل الجزيئات الأساسية مثل الالكترونات وجسيمات ما دون الذرة، يمكنها ايضا ان تلعب دورا محوريا.

لذا، لكي نستطلع اكوانا افتراضية، لدينا عدة اوجه يمكننا تعديلها. التغيرات في الكون الأساسي تنسحب على بقية الفيزياء.

توازن الكاربون - الاوكسجين

لمعالجة التعقيدية الهائلة لهذه المشكلة، نحن نقطع مختلف أجزاء الفيزياء الى قطع يمكن ادارتها: نجوم وأغلفة جوية وكواكب وطبقات تكتونكية، أصل الحياة والكثير. ومن ثم نقوم بتثبيت القطع الى بعضها لتحكي القصة الكاملة حول إمكانية العيش عبر الكون المتعدد. ستبرز لنا صورة معقدة. بعض العوامل يمكن ان تؤثر بقوة على إمكانية العيش في الكون.

فمثلا، نسبة الكاربون الى الاوكسجين شيء تم عبر سلسلة معينة من التفاعلات النووية في قلب النجم، وهويبدو مهم خصيصا. الهروب بعيد جدا من القيمة في كوننا، حيث تكون هناك كمية متساوية تقريبا من العنصرين، يؤدي الى بيئة من الصعب جدا بروز الحياة فيها او ازدهارها. لكن غزارة العناصر الاخرى تبدو أقل أهمية. طالما هي بيئة مستقرة، والذي يعتمد على التوازن بين القوى الاساسية، هي يمكنها لعب دورا محوريا في بناء شكل الحياة.

المزيد من التعقيدية

العلماء في محاولتهم كانوا قادرين فقط على اتخاذ اتجاه وصفي عام لكشف امكانية العيش في الاكوان المتعددة، اختاروا عينة من امكانات الفضاء في خطوات مرنة جدا. بعد ذلك، لكي يجعلوا المشكلة قابلة للسيطرة عليهم أخذ العديد من التقريبات النظرية والطرق السريعة. لذا هم فقط في المرحلة الاولى في فهم ظروف الحياة عبر الكون المتعدد.

في الخطوات القادمة، تعقيدية كاملة لفيزياء بديلة لأكوان اخرى بحاجة للدراسة. سوف نحتاج لفهم تأثير القوى الأساسية على حجم صغير ثم تمديده لنطاق أوسع حول تكوين النجوم ومن ثم الكواكب.

كلمة تحذير

فكرة الكون المتعدد لاتزال في طور الفرضية، فكرة لاتزال بحاجة للاختبار. ونحن لا نعرف اذا كانت القوانين الفيزيائية يمكن ان تكون مختلفة في الاكوان المتعددة، واذا كانت كذلك، فكم هي ستكون مختلفة.

نحن في بداية سفرة سوف تكشف مكاننا النهائي ضمن اللانهائية – او ربما نتجه نحو نهاية علمية ميتة للعلم.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم