علوم

شاكر عبد موسى: الذكاء الاصطناعي علم العصر الجديد

المقدمة: تعتبر التكنولوجيا وخاصة علم الذكاء الاصطناعي أحد أهم العلوم التي تشهد تطوراً سريعاً في العصر الحديث، وقد أصبح الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً حيوياً في حياة البشر وفي مجالات متعددة كالطب، والتجارة، والزراعة، وحتى في الحياة اليومية، لذا، يعد التعَلّم والتعرف على مفاهيم علم الذكاء الاصطناعي خطوة أساسية لفهم كيفية تطور التكنولوجيا في العصر الحديث.

1 - أهمية علم الذكاء الاصطناعي في العصر الحديث:

يعد علم الذكاء الاصطناعي مفتاحاً للتقدم في مجال الروبوتات والأتمتة، حيث تعمل هذه التكنولوجيا على تطوير الروبوتات التي تقوم بأعمال تستلزم التفكير والحوسبة بشكل ذكي مشابه للعقل البشري، وبفضل علم الذكاء الاصطناعي يمكن للأجهزة والبرامج تعلم الأنماط والتفاعل مع البيئة من خلال البيانات التي تجمعها وتحليلها بسرعة فائقة وبدقة عالية.

2 - التطبيقات الحديثة لعلم الذكاء الاصطناعي:

* في مجال الطب: يستخدم علم الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض، وفحص الأشعة، وتحديد خطط العلاج الأمثل للمرضى.

* في مجال التجارة: يستخدم علم الذكاء الاصطناعي في التجارة الإلكترونية وتحليل سلوك المستهلكين لتحسين التجربة الشرائية.

* في مجال الزراعة: يمكن استخدام علم الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة المحاصيل وزيادة الإنتاجية في الزراعة.

3 - تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي:

يعود تاريخ علم الذكاء الاصطناعي إلى فترة الأربعينيات من القرن الماضي، وقد شهدت هذه التكنولوجيا تطوراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، وقد بدأت الشركات الكبرى مثل جوجل وأمازون وفيسبوك في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتطوير تطبيقات تعتمد على هذه التكنولوجيا الحديث’ .

في عصر الذكاء الاصطناعي، أذ البيانات هي العملة والابتكار هو مفتاح البقاء، تجد الشركات الكبرى نفسها على مفترق طرق؛ إمّا التكيُّف وإمّا المخاطرة بالتخلف عن الركب، وعلى الرغم من الموارد والإمكانات الهائلة التي تتمتّع بها الشركات الكبرى مقارنة بالشركات الناشئة أو الصغيرة، فإن التقدم السريع في نماذج وتقنيات الذكاء الاصطناعي أعاد تشكيل قطاع الأعمال خلال الأعوام الماضية، تاركاً مختلف الشركات في مواجهة تحديات غير مسبوقة تؤدي ببعضها أحياناً إلى التعثر وربما حتى السقوط في النهاية.

أولاً: الإنتاج الواسع في القرن الحالي

هل سمعت من قبل عن مصطلح "مجتمع ما بعد الندرة" (Post-Scarcity Society) إذا كنت مهتماً بعلم الاقتصاد فربما تعرف أنه يشير إلى شكل افتراضي للمجتمع أو للاقتصاد تُنتج فيه غالبية السلع والخدمات والمعلومات الأساسية بوفرة وبصورة شبه مجانية وبحد أدنى من العمل البشري.

بالطبع يرتبط الوصول إلى هذا المستوى بالتقدم التكنولوجي والأنظمة الآلية التي يمكنها تحويل الموارد إلى سلع تامة الصنع.

أحد التأثيرات المتناقضة للذكاء الاصطناعي هو أنه في الوقت الذي تصدر فيه تقارير متلاحقة تحذّر من استيلاء هذه التكنولوجيا على وظائفنا وترجّح تسببها في تفاقم عدم المساواة عالمياً، تجد العديد من "قادة الذكاء الاصطناعي" يتحدثون عن إسهامها المنتظر في الوصول إلى عالم ما بعد الندرة، ويناقشون شكل هذا العالم وكيفية تنظيمه وكأنه أصبح أمراً واقعاً بالفعل.

من فترة قريبة، استضاف المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، بيل غيتس، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي، سام ألتمان، في حلقة من بودكاست (Unconfuse Me) الذي يقدمه غيتس. تحدث الطرفان عن الكثير من الأمور التي ينتظر الناس أخبارها، مثل النموذج اللغوي القادم تشات جي بي تي-5 (GPT-5)، لكن أكثر ما يثير الانتباه هو الحديث عن الارتباك الفلسفي للهدف البشري في مجتمع ما بعد الندرة، أي ما الذي يجب أن يركز عليه التعليم في هذا المجتمع، وهل ستكون للجيل الذي لا يعاني الندرة وجهة نظر مختلفة حول تنظيم المجتمع.

هذا الحوار الذي يوحي بأن الوصول إلى هذا المستوى ما هو إلا مسألة وقت فقط ليس وليد اللحظة، بل يتكرر كثيراً بكلمات مختلفة على لسان هذه الفئة من الأشخاص المنخرطين انخراطاً مباشراً في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد عبّر غيتس نفسه مؤخراً عن تفاؤله موضحاً أننا في مرحلة تاريخية تحدث دائماً مع كل تقنية جديدة، إذ يأتي الخوف أولاً ثم نكتشف الفرص لاحقاً.

كما توقع الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا، إيلون ماسك، في نوفمبر/تشرين الثاني/ 2023، أننا سنصل إلى نقطة زمنية لن تكون فيها هناك حاجة إلى وظيفة، وأن السبب الوحيد للحصول على وظيفة سيكون تحقيق الرضا الشخصي.

غالباً ما يرتبط القطاع الحكومي في أذهان الكثيرين حول العالم بالإجراءات البيروقراطية البطيئة، فضلاً عن اعتماد التقنيات التي لم تعد متوافقة مع التقدم التقني الذي يشهده عالمنا المعاصر وإن كان ذلك غير منصف في الأحوال جميعها. إلّا أن تسارع مسار التحول الرقمي وتنامي تطور التقنيات الناشئة أسهم في إحداث تغييرات جذرية ونقلات نوعية على مستوى القطاع. وتتمتّع الجهات الحكومية بفرصة استثنائية في الوقت الحالي لتحسين عملياتها وخدماتها على نحو مختلف كُلياً، وذلك عبر اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتظهر الوقائع تحول العديد منها لتبني هذا النهج التقدمي.

ويعتبر الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) من تقنيات الذكاء الاصطناعي المتميزة بقدرتها الاستثنائية على التكيُّف مع الواقع، والتعرّف إلى طبيعة المهام المشابهة لما يقوم به الإنسان. ووفقاً للنتائج التي توصلنا إليها مؤخراً في شركة بوسطن كونسلتينغ جروب، تمتلك هذه التقنية القدرة على توفير 1،75 تريليون دولار بفضل تعزيز الإنتاجية السنوية للجهات الحكومية في مختلف أنحاء العالم بحلول عام /2023، ما يسهم في تحسين جودة الخدمات الحكومية وكفاءتها عبر مختلف المجالات، بدءاً من صنع السياسات وإنجاز العمليات الداخلية وصولاً إلى تعزيز مشاركة المواطنين.

ثانياً: المسائل الهندسية والطبية المعقدة

 1- المسائل الهندسية:

طورت شركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) نظام ذكاء اصطناعي لحل المسائل الهندسية المعقدة، ويمثل هذا النظام خطوة مهمة في مجال تصميم الآلات التي تتمتع بقدرات تفكير أقرب إلى قدرات البشر، كما يقول الخبراء.

كانت الهندسة، والرياضيات عموماً، تمثل تحدياً بالنسبة لباحثي الذكاء الاصطناعي منذ بعض الوقت، يقول المؤلف المشارك في البحث الذي نُشِر مؤخراً في مجلة نيتشر (Nature)، ثانغ وانغ، إن بيانات التدريب في مجال الرياضيات أقل بكثير مما هو متاح لنماذج الذكاء الاصطناعي التي تتعامل مع النصوص، لأن الرياضيات تعتمد على الرموز وتتطلب تحديد المجال الذي تنتمي إليه المسألة.

يتطلب حل المسائل الرياضية استخدام التفكير المنطقي، وهي مهارة تفتقر إليها معظم نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية، يقول وانغ إن هذه الحاجة المُلحة إلى التفكير المنطقي تجعل الرياضيات معياراً مهماً لقياس التقدم في مستوى ذكاء هذه الأنظمة، كما أصبحت هندسة الأوامر مهارة مهمة من المهارات التي يجب أن نكتسبها مع تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغات الطبيعية.

2- المسائل الطبية:

يقول علماء صينيون إنهم خطوا خطوة كبيرة نحو التنبؤ بخطر إصابة المريض بالخرف قبل عقد ونصف من ظهور الأعراض، وذلك عن طريق تحليل عينة من دمهم، واستخدم العلماء قاعدة بيانات تضم أكثر من 50 ألف شخص لتحديد البروتينات المرتبطة بخطرالإصابة بأنواع مختلفة من الخرف، وبمساعدة الذكاء الاصطناعي، أنشأ الفريق نموذج تنبؤي لتقييم مخاطر المرض.

وقال (يو جينتاي)، مؤلف الدراسة وأستاذ علم الأعصاب في مستشفى هواشان التابع لجامعة فودان، إن استخدام الذكاء الاصطناعي كان "أحد العوامل الرئيسية لنجاح هذا البحث".

وباستخدام الاستراتيجية المبنية على البيانات، حدد العلماء بشكل مبتكر مؤشرات حيوية مهمة في الدم للتنبؤ بالخرف في المستقبل.

ويمثل الروبوت الجراحي المُدَرَّب بمساعدة الذكاء الاصطناعي على خياطة بضع غرز بمفرده خطوة صغيرة نحو بناء أنظمة قادرة على مساعدة الجراحين في تأدية مهام تكرارية كهذه.

يبين مقطع فيديو عرض مؤخراً صوّره باحثين في جامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي روبوتاً ثنائي الأذرع وهو يعمل على خياطة ست غرز في خط واحد لإغلاق جرح بسيط في جلد اصطناعي، حيث يمرر الإبرة عبر النسيج وينقلها من ذراع ربوتيه إلى الأخرى فيما يحافظ على الخيط مشدوداً.

على الرغم من أن الكثير من الأطباء اليوم يحصلون على مساعدة من الروبوتات في عمليات جراحية تتراوح بين ترميم الفتق ومجازات الشريان التاجي، فإن هذه الروبوتات مخصصة لمساعدة الجراحين، لا الحلول محلهم.

***

شاكر عبد موسى / العراق

.......................

المصادر

* تطوير نموذج مقترح قائم على الذكاء الاصطناعي وفاعليته في تنمية مهارات البرمجة لدى طلاب الكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا بخان يونس/ 2020/ رسالة دكتوراه.

* درجة امتلاك معلمات المرحلة الثانوية بمحافظة الخرج السعودية لمهارات توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم،  دراسات عربية في التربية وعلم النفس، ع 119، 119- 152./ 2020/ دورية علمية.

* تطبيقات الذكاء الاصطناعي مدخل لتطوير التعليم في ظل تحديات جائحة فيروس كورونا (COVID-19)، المجلة الدولية للبحوث في العلوم التربوية، مج3، ع3، 171- 244./ 2020/ دورية علمية.

* نشرة الخوارزمية من أم أي تي تكنولوجي ريفيوhttps://mail.google.com .

في المثقف اليوم