تكريمات

شهادات حية: من لندن إلى كاردف مع التحية

لا شك أنك لا تزال تذكر صنعاء وسنوات طوالاً قضيناها معاً أستاذاً هو أنت وطالباً هو أنا في قاعات جامعة صنعاء، لا تزال تذكر صنعاء تماماً كما لا أزال أذكر بغداد الحبيبة التي زرتها ذات يوم من عام 1999م.

لا تزال مدرجات كلية الآداب والأستاذ عبد الرضا علي يجوبها من حين لآخر، لا تزال عالقة بالذاكرة التي أتعبها السفر الطويل، والبرد الشديد في بلاد تموت من البرد حيتانها.

ما أشوقني أستاذي القدير إلى تلك المحاضرات التي كنت أحرص على حضورها لتميزها بعبق الشعر الذي كنت تطرب له ونطرب نحن للشعر تارة ولطربك له تارة أخرى.

كنت وأنت تقرأ الشعر تشعرنا بأن الشعر تضيف له القراءة الجميلة أبعاداً أخرى، وكنا نحلق معك من المعلقات إلى العباسيين من الشعراء، إلى السياب ونازك والبياتي وعبد الصبور وشعراء مجلة شعر. وأنت في كل ذلك تأخذ بأيدينا في دروب الشعر ومتاهاته وتكشف عن دلالاته وجمالياته.

كان لك على ما أذكر شغف خاص بالسياب وكنا معك نهتز لـ"أنشودة المطر" التي كانت قراءتك لها بمثابة زخات من المطر يمسح الخليج بالأصداف والمحار. كانت الدهشة تسيطر عليَّ تماماً وأنت تميط القناع عن السياب في "المسيح بعد الصلب"، وتكشف عن معانات الشاعر الكبير في قصيدة القناع التي أمطت عنها قناعها.

أما إذا جاء وقت "المقيل" فالخطا تتسابق إلى مركز الدراسات والبحوث اليمني في شارع بغداد في العاصمة صنعاء، حيث يجتمع ثلة من الأدباء والشعراء والفنانين والصحفيين والمسرحيين وغيرهم من مختلف أرجاء الوطن العربي بحضور شاعر اليمن وناقدها الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح، حيث كنا نبدأ بالشعر ونثني وبالتعليق عليه ونثلث بكتاب نقرأ منه بعض فصوله، إلى غير ذلك من متع ما كنا نمل منها في "مقيل" ضم على مدى سنوات نخبة من ألمع أدباء العربية وشعرائها.

كان لحضورك المقيل طعم القهوة العربية التي كنا نتساقاها. هل قلتُ إن حضورك كان له نكهة عراقية خاصة وأنت تدلي برأيك في القضايا المختلفة التي تطرح في ليالي المقيل الحالمة؟

هل لا تزال تذكر قصائدي الأولى التي كنت تكتب لي بعض التعليقات عليها؟ هل لا زلت تذكر اهتمامك الكبير بالعروض وموسيقا الشعر وتدريسك لنا هذه المادة حتى نتمكن من موسيقا الشعر العربي القديم قبل الانطلاق إلى ميادين الشعر الحر والقصائد الحديثة؟ إذ كنت تقول إنه لا بد لنا من التمكن من عمود الشعر قبل أن نبتعد أكثر جهة المدارس الشعرية الحديثة.

أما إذا تركت ذلك وضيقت دائرة التذكر فدعني أقول أنني ما نسيت مرات عديدة زرتك مع عدد من الزملاء في بيتك في المدينة الجامعية، آه كم أتمنى لو أتناول شيئاً من الحلويات العراقية التي كانت "أم رافد" تقدمها لنا في سخاء عراقي عرفتَ أنت وعرفتْ هي به طول سنوات إقامتكما في صنعاء.

هل تذكر أنني ألتقيتك بعد حوالي ثمان سنوات من الانقطاع. وجاء اللقاء على غير ميعاد في الرياض، في مهرجان الجنادرية، حينما فاجأتني أنت بقولك: "دكتور محمد جميح" أهلاً وسهلاً. لم أستوعب الأمر، هل أنا أمام الدكتور عبدالضا علي؟ هل هو الذي يقول لي: "دكتور"؟ وكيف يقول الدكتور الكبير لأحد طلابه "دكتور". ثم كانت لنا جلسات حميمة على مدى ليالي المهرجان.

أستاذي القدير:

اسمح لي الآن أن أودعك لالتقيك مرة أخرى في مهرجان ما في مدينة ما او حتى على ضفاف القصيدة، وإلى ذلك الحين سيظل الشعر الذي بذرته فيَّ يجلي صورة "عبد الرضا علي" الرجل الذي ناولني الحرف وقال اذهب إلى سوق عكاظ وقل للنابغة إذا رفض دخولك السوق، قل له إنني من طرف الدكتور عبد الرضا علي، وسوف تدخل. وفعلاً دخلت ولم يجرؤ النابغة على اعتراضي لأنني أحد طلاب أديب العراق وناقده الكبير "عبد الرضا علي".

 

المخلص: محمد جميح

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم ا. د. عبد الرضا علي من: 17 / 8 / 2010)

 

 

في المثقف اليوم