تكريمات

قراءات في المنهج: في الناقد الكبير د. عبد الرضا علي

 وذلك للولوج في عالمه النقدي الذي هو عالم الاستقراء والتحليل والاستنباط والفكر والموقف الأدبي النقدي ضمن المدارس المختلفة واتخاذ احداها قناعة نقدية وموقفاً من النصوص والكتابة عنها، أو ربما يكون للناقد موقفه الخاص الذي يترسمه في تناول النصوص الابداعية وتحليلها وتفسيرها والخروج برأي أخير سلباً أو ايجاباً. 

 

الناقد الحقّ يعني خزيناً من ثقافة واسعة واطلاع كبير على ألوان الفن الأدبي والثقافة عامة بجوانبها المختلفة ، بمعنى فضاء واسع. وبذا فان كتاباته تتلون بالتأكيد بهذا التوسع والتنوع الثقافي والأدبي، والذي يتيح له تناول النصوص وتفكيكها واعادتها الى منابعها التي فجّرتها. وأعتقد في رايي المتواضع أنه حين نروم الكتابة عن ناقد ما علينا الايغال معه في هذه العوالم المتلونة لنسبر أغوار ما يكتب، وكيف يكتب، وماذا يكتب، ويأية مدرسة متأثر، و هل له صوته ومنهجه الخاص.  وهذا يقتضي وقتاً وجهداً ومتابعة دقيقة وموضوعية، وتوفر المراجع وأولها كتب المعنيّ بالدراسة ومنتجه النقدي على سعته. وهذا ما لا يتوفر لنا في هذه اللحظة التي نروم أنْ نكتب فيها عن ناقدنا الكبير د. عبد الرضا علي وهو على أبواب التكريم من لدن مؤسسة المثقف العربي التي يرأسها ويديرها الباحث الكبير  ماجد الغرباوي، والذي قام مشكوراً ومثاباً بتكريم شاعرنا الكبير يحيى السماوي كبداية لبرنامجه التكريمي. وهو تقليد قرر السير عليه وفاءً لمبدعي ومثقفي العراق الذين خدموه ويخدمونه بابداعاتهم وعصارة أفكارهم وأرواحهم وعرقهم ودأبهم ونتاج عقولهم وقلوبهم ، بعد أن نالهم الاهمال والتهميش والنكران طويلاً من الحاكمين وغيرهم في هذا الزمن الذي كانت ولا تزال المحسوبيات والمنسوبيات والعلاقات والتحزب والتخندق هي الدافع في التقريب والتبعيد، والتكريم والتهميش، والذكر والنكران، والاشادة والصمت، في التعامل مع المبدعين والمثقفين عموماً.

 

لاشك ولا جدال أن الدكتور عبد الرضا علي هو أحد أكابر نقادنا المعاصرين، غزير الانتاج والمواصلة على رفد الساحة الأدبية بدراساته ونقداته  التي نستفيد منها كثيراً في متابعة ما يُكتَب وقيمة المنتج الابداعي الذي يكثر في ميدان الأدب والثقافة العراقية والعربية عموماً ، فنستلهم آراءه فيها. كما نستفيد من كمية المعلومات التي تحتويها.

 

إنَّ الساحة النقدية الأدبية العراقية منذ أيام شيخ النقاد المرحوم د. علي جواد الطاهر و د. عناد غزوان وهي تلد آخرين كباراً تلمع أسماؤهم وترتقي قمة الابداع النقدي وبثقافة واسعة عالية. والأمثلة كثيرة لسنا هنا بصدد تعدادها فلربما يفوتنا اسم. وهذه مهمة الشباب في المتابعة والدراسة والكتابة المنهجية عن هذه الأسماء اللامعة ومنتجها النقدي والفكري عموماً، وتأثيرهم الفاعل باستمرار الثقافة والأدب العراقي في اثراء المكتبة العربية وتراثها بالنيّر من الأ‘عمال والعميق من الآثار من أجل ارتقاء الحضارة العربية وتجددها ووصولها الى مصاف الحضارات الكبرى باستعادة مؤثراتها أيام ازدهارها وتنوع مصادر رفدها من خلال انتشار الدين الاسلامي وتوسع رقعته الجغرافية والبشرية في القرون الماضية، قبل أن تتعرض للتدمير والتشويه والالغاء على أيدي الغزوات العسكرية الاستعمارية والثقافية والفكرية المتلاحقة التي تعرض لها عالمنا الشرقي عموماً ولا يزال.

 

وهنا لا أعني بالمطلق التقوقع والانغلاق والصدام . فالحضارات الانسانية عموماً تؤثر وتتأُثر، وتأخذ وتعطي، وتتلاحق فكراً وروحاً وقلباً سواءاً من خلال الجوار، أو من خلال الاتصال وتبادل الخبرة والكتاب والانتاج المادي والفكري، وعالمنا الاسلامي على سعته وتعدد واختلاف أممه خير مثال قريب الينا ماضياً وراهناً. وخاصة في هذا العصر عصر الاتصالات والشبكة العنكبوتية التي مسحت الحدود والقيود ليصبح العالم كما يقال قرية صغيرة.

 

ما لفت نظري في المنتج النقدي للدكتور عبد الرضا على اتساع دائرة ثقافته وقناعاته الأدبية أنه مهتم بشعر العمود الكلاسيكي بشكله التراثي المعروف بالشطرين والوزن والقافية. وله في هذا المجال كتاب مطبوع (العروض والقافية)، ودراسات لشعراء العمود الحاليين وتحليل قصائدهم  وفق منهجية وقواعد هذا اللون الشعري التاريخي الذي لا يزال الكثير من الشعراء يترسمون خطاه في نتاجهم الشعري، ومنهم من يبدع ومنهم من بقي تقليدياً شكلياً جامداً ونظّاماً لا شاعراً حقيقياً. مثل دراسته (الايقاع في شعر السماوي).

 

في الملاحظة للساحة الشعرية العربية نلتقي في الغالب الأعم بسيادة التجديد والعصرنة ومايسمى بالحداثة وما بعد الحداثة وبشكلٍ طاغٍ ، قلّ معه الاهتمام  بشعراء العمود، والشعر  الكلاسيكي عموماً والكتابة فيه، إنْ لم يتم اهماله وتهميشه واعتباره من باب الجمود والصنمية والسلفية الأدبية واتهامه بالوقوف بوجه التطور والتقدم والحداثة. وحتى نقدياً لقي هذا الاهمال والنكران. وربما ليس هذا بجديد انما هو تيار سائد منذ بداية ظهور مدرسة الشعر الحر (شعر التفعيلة) في اربعينات القرن الماضي. واستمر مع ظهور وانتشار وسيادة قصيدة النثر تطوراً عن شعر التفعيلة لتشتدّ حملة الرفض للعمود الشعري أكثر بعد خروج قصيدة النثر حتى على الوزن والقافية المتعددة التي تمتاز بهما قصيدة التفعيلة. فكيف موقفهم والحالة هذه من شعر العمود بعد توغل وتعمق قصيدة النثر التي تعد تحديثاً وتجديداً ثانياً على القصيدة الكلاسيكية؟

 

وفي المتابعة لمجمل المنتج النقدي اليوم وبشكل عام نجد أن الكثير من النقاد العرب يبتعدون عن تناول شعر العمود وشعرائه الحاليين ومنتجهم الشعري بدعوى انتهاء صلاحيته، وأنه بات من قبيل معروضات المتاحف والرفوف العالية، والتي تقف حجر عثرة في طريق الحداثة والعصرنة والتقدم . فهو بشروطه الصارمة قيد في رقبة الابداع وحرية المبدع للانطلاق في التعبير عن مكامن نفسه وارهاصاته وفكره. وكأنهم بموقفهم هذا يحاولون ابعاد تهمة الجمود والتخلف والسلفية الأدبية عن أنفسهم.

 

لكن يسجل للدكتور عبد الرضا علي استمراره في الكتابة النقدية عن هذا الفن الشعري الذي لا يزال محط اهتمام شريحة واسعة من الجمهور العربي ومتذوقي الشعر، ومهما كانت التبريرات والتعليلات التي تقدم في أسباب الاعجاب بهذا الفن الكلاسيكي. وهذا يتأتى له من خلال علمه الواسع الكبير بهذا الشعر وقواعده وشروطه وتاريخه وتراثه الكبير.

 

سيبقى اسم الناقد الدكتور  عبد الرضا علي علماً مضيئاً في عالم الأدب والنقد والثقافة العراقية والعربية والانسانية بما قدمه ويقدمه من منجز أدبي ثقافي كبير. ولا غرابة أن تعمل مؤسسة المثقف وعلى رأسها الدكتور ماجد الغرباوي على تكريمه انطلاقاً من الوفاء للأسماء الكبيرة وما قدمته وتقدمه من ابداع متميز كبير.

 

عبد الستار نورعلي

السويد

الأحد 15/8/2010

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم ا. د. عبد الرضا علي من: 17 / 8 / 2010)

 

 

في المثقف اليوم