تكريمات

شهادات حية: كلمتان وصمت في الإحتفاء بالناقد د. عبد الرضا علي

 

إلى وقت قريب لم أكن قد سمعت بإسم الناقد د. عبد الرضا علي  لسبب بسيط هو أنني لولا الأنترنيت وانفتاح العالم العربي على العالم الغربي من خلالها لما عرفتُ أياً من الأسماء التي كسبت بكل وجه حق أن تكون أعلاماً وأسماء يشار لها بالبنان في المجال الأدبي أو مجال الفكرفي العالم العربي، ذلك لعدم توفر القراءات العربية لديّ ولانغماسي بلغة أخرى وفي مجالات مهنية غير مجالات الأدب ؛ وقد جاءت به الصدفة وكان لقائي الأول به.  لم نلتقِِ على فنجان قهوة ولم نلتق على مائدة غداء شهية ، ولم نلتق في ندوة أو مجلس أدبي يترأسه أو في محاضرة يلقيها ولكن حضوره كان مميزاً و مثيراً للإعجاب وقد ترك لديَّ أثره الطيِّب وما زال كل الطِيب فيه.

 

التقيتُ به أول مرة حينما حُكِّمَ في نزاع نقدي أدبي كنت طرفاً فيه  وما كنت أحسبه نزاعاً حتى رأيت اسمي في عنوان لمقال ضمن  الأطراف المتنازعة. فقد قدمت رأياً نقدياً على قصيدة كتبها أخ شاعر أشرت فيه إلى ما ارتأيته خللاً في بعض الأوزان وقدمت اقتراحات لتعديلها مما أغاض الشاعر وكانت النتيجة أن حجب تعليقي على قصيدته في الموقع الذي نُشِرت فيه. وصادف أن أدباء آخرين  حُجبت تعليقاتهم لنفس السبب مما سبَّب إحراجاً لصاحب الموقع  فلجأ إلى تحكيم الناقد د. عبد الرضا علي  الذي جاء رده على شكل مقال نُشِر في الموقع  ذاته .  ما أثار انتباهي فيما كتبه د. عبد الرضا علي، فوق درايته العروضية،  كان الأسلوب المتزن الذي طرح به رأيه، فقد أخذ  الآراء المطروحة  التي كانت موضع الخلاف وحللها واتفق أو اختلف معها وعبر عن ذلك بلغة الحصيف العارف الواثق؛  وفي كل كلمة كتبها كان واضحَ الحِرص على ألا يحيد عن خط عدم الانحياز الذي يتوجب على الحاكم أن يلتزمه؛ وكلما تقدَّمتُ بقراءتي لما كتبه في ذلك المقال كلما ارتسمت صورته في ذهني ممزوجةً  بالعدالة المعصوبة العينين وميزانها المتوازن.  ورغم اتسام مقاله بالأكاديمية التحليلية إلا انه ابقى للرقة مكاناً فيه،  فقد كان يهمس  إن خالف الرأي  حتى لتكاد ان تلمس "الحنيّة" في همسه ، كما ولم ينسَ في التفاتاتٍ ذكيةٍ أن يُلبِس كلَّ طرفٍ من الأطرافِ المختلفة حلة زاهية بلون يتفق وطيف المخاطب وكأنه عرف ألوان كلٍّ منهم من كلماته التي قرأها، وبذلك كشف عن بصيرةٍ نافذة بمعرفة النفس البشرية وكيفية التواصل والتفاهم معها بحساسية وشفافية؛  وهذه صفة  أو ملكة إن امتلكها الحاكم أنصف،  وإن لمسها المتلقي تقّبل الحكم ورضي به وإن لم يكن لصالحه. يقال أن الانطباع الأول لا يحدث مرتين فإن لم يكن موفقاً صعب إصلاح ما أفسده اللقاء الأول كما صعب على العطار إصلاح ما أفسده الدهر. وإن كان موفقاً سار ما بعده مسرى الفرات العذب؛ وهكذا كان انطباعي عن شخصية واسلوب الناقد د. عبد الرضا علي.

والمأخذ الوحيد الذي التزمته عليه هو أنه قد نقط العين في اسمي فحوَّل الإنعام إلى أنغام أكثر من مرة، ولكنني عذرته بعد أن علمت أنه يستعمل إصبعاً واحداً في الضرب على الكيبورد! 

 

 

والمرة الثانية التي التقيت فيها به كانت في تعليق كتبه على مقالةٍ كتبتها مساهمةً في ملف المثقف عن ظاهرة الكتابة الأيروسية لدى المرأة وقد كتب لي في تعليقه:

 

 (كنتُ متوعِّكاً يا حرير،فأزالت دراستُكِ القيّمة تعبي،فارتجزتُ :

لاشكَّ عندي لا عجبْ......أنتِ حريرٌ و ذَهّبْ

بحثُكِ يا إنعامُ قد....أعجَبَ فرسانَ الأدَبْ

أمتعَني قِراءةً........أزالَ من عندي التعبْ

طوبى لما أبدَعتِهِ.....يا نبتَ أشرفِ النَسَبْ

مع امتناني،ومودّتي)

...........

وكانت سعادتي كبيرة بزيارته وكلماته فكتبت له ممتنة:

لك التحية والتقدير ... كم سرني وقوفك هنا والكرم الذي ضمّنتَه سطورك ... )

إن كان حرفي قد أزال الوعكة عنك فقد أدخل حرفك البهجة في نفسي .. شكراً لك ... ..

ولكن قبل ان أنهي سطوري هذه إليك ردي المتواضع المرتجل على أرجوزتك : 

 

إن الحريرَ والذهبْ ..... يراعُكَ الذي كتبْ

كم سرّني يازائري .... حرفٌ قد اقتنصَ الأربْ

حرفي بمدحِكَ قد زها .... وبموكِبِ العزِّ وكبْ

أخجلتَ مني تواضعِي .... لكنَّ فِكرِي قد وَثَبْ

والحرفُ إن لم يغنِهِ .... فِكْرٌ تدنّى ووَجَبْ

دمت بخير وعافية)

***

وهنا اليوم يتم لقاؤنا الكبير في يوم عيده والاحتفاء به كشخصية عراقية لها وزنها الذي تستحقه في عالم الأدب ويحق لنا أن نفخر بها وبمعرفتنا بها....

ماذا عساي أن أقدم له في يوم عيده ؟

 

من عادتي حين يزيد بي الإعجاب بشي أو بظاهرة أو بشخص أن أستكين إلى صمتي  وسكوني متأملة ومستمعة الى كل ما يقال؛

وحين يستبد بي الإعجاب أقول ألله!

وحين يستبد بي الأسى أقول أوف!

وحين تستبد بي الفرحة   تغص كلماتي بدمعتي.

 

وأنا أقرأ كل ماقيل ويقال عن شخص عبد الرضا علي ... أقول:  ألله الله!

وحين أرى نتاجه الفكري .. أقول: ألله ألله!

وحين أقرأ رصانة استجاباته ... أقول:  ألله ألله!

وحين أرى أناقة هندامه (والمنديل الأحمر في جيب جاكيتته) .. أقول ألله ألله على المرأة التي تقف إلى جانبه الأيسر والتي تركت بصمتها واضحة قرب قلبه!

 

وحين أنظر الى الوراء وأحصي السنين التي قضيتها في الاغتراب بعيداً عن القراءات العربية وأرى هنا عناوين  نتاجاته الفكرية والأدبية التي لم يحالفني الحظ في الاطلاع عليها أقول:  أوف!

ولكن عزائي أجده فيما هيأته لنا الإنترنيت من البحوث التي قرأتها له والتي وجدت فيها عمق التحليل والدقة والأكاديمية في التقديم فهو، كما واضح فيها،  أستاذ محترف يعرف كيف يوصل معلوماته للقارئ غير المحترف مما جعل من مقالاته المنشورة هذه دروساً ومرجعاً ثقافياً  لمن لديه الرغبة في إثراء رصيده الأدبي ومعرفته في العروض وموسيقية الشعر والأوزان.  

 

وحين أقرأ كل ما كُتِب عنه وعن أدبه وعن خلقه وعلمه وأرى "المثقف" تقدم له الاحتفاء اللائق به والتقدير الذي استحقه بجدارة ، ما علي إلا أن التزم السكون والصمت، فما عساي أن أقول؟

فرصة سعيدة أ. د. عبد الرضا علي!

 

حرير و ذهب (إنعام)

الولايات المتحدة

19 - آب - 2010

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم