تكريمات

شهادات حية: عبد الرضا علي وماء المكرمات

 علني أجد في دنيا الأدب سلوة وتسلية كما هو ديدن من يذهب إلى حديقة غناء ليستعيد من خلال رؤية أزهارها وسماع تغريد أطيارها توازنه الروحي الذي بات مختلا بسبب ما نتعرض له من النوازل والمكاره اليومية.

 

 وكانت حديقة الأستاذ الدكتور عبد الرضا علي واحدة من ملاجئي المفضلة التي أجد فيها راحة نفسي إضافة إلى حدائق مجموعة من الرموز الثقافية الأخرى مثل حديقة أخي وصديق عمري يحيى السماوي وحديقة أخي وصديقي المبدع سلام كاظم وحديقة صديقي الحميم الأستاذ محسن العوني وحديقة صديقي وأخي الأستاذ محمد الصالح الغريسي وحديقة صديقي الطيب سامي العامري والحديقة الأستوائية الماطرة لأخي وصديقي صائب خليل.

 

كانت لحديقة أخي الأستاذ عبد الرضا نكهة مائزة تبعث رؤيتها في الفكر حراكا يحرره من ربقة الخنوع للكسل ولذا كنت أدخلها بطقوس شعائرية تضفي على ولوجي إليها متعة تحفز الفكر وتنشط المدارك وتجدد الهمة وتزيد العزم. وحينما بادر موقع صحيفة المثقف إلى فتح ملف التكريم الخاص بهذا العلم أبيت أن تفوتني فرصة المشاركة فيه فأدليت بدلو ليس مثل باقي الدلاء لأنه لم يقدم شيئا جديدا يضاف إلى كينونة هذا الرمز الباسق ولكنه على كل حال جاء كمشاركة وجدانية أردت أن أثبت من خلالها احترامي وتقديري ومحبتي لهذا الرجل الكبير.

 

ومع أني أتحرج كثيرا عند الكتابة عمن لم أعاشره من قبل معاشرة أخوية حقيقية خوف أن أغالي أو أقصر في تبيان الحقائق إلا أني وجدت نفسي أندفع بالكتابة عنه وكأني أعرفه منذ الأزل وكنت واثقا مما أكتب بقدر ثقتي بنفسي،  وبعد نشر موضوعي استغربت حقيقة من كونه لم يعلق عليه فظننت أن الموضوع لم يفه حقه ولكن تبين أن المشكلة التي واجهت الموقع في الأيام الأخيرة كانت السبب الذي منعه من الرد،  مما أضطره إلى الحصول على عنواني البريدي ومراسلتي لشكري على الموضوع ببضع كلمات يزيد حجمها الفكري والأدبي عما كنت أتوقع وأنتظر حيث جاء في رسالته الكريمة قوله: (أغرقتني بفضلك، ووصفتني بصفاتك الملأى بالسمو والرفعة والفضيلة، وأغدقتَ عليّ ما لا أستحقّه منها، فجعلتني أسيرَ خلقكِ العالي رفعةً وشهامة.

 كتبتُ لك يا سيدي تعليقاً، لكنه لم يظهر لسوء حظي، وسألتُ الرجلَ الكريم أبا حيدر

عنه، لكنه لم يجبني لانشغالاته، لذلك أكتبُ لك ثانيةً طالباً عفوك لما حدث من تأخر

في الامتنان، ومثلك من يعذر.)

وقفت حائرا أمام هذه الجمل الرائعة وفي بالي يجول قول شاعرنا المبدع

(هي الأخلاق تنبت كالنبات          إذا سقيت بماء المكرمات)

 

فأي ماء كريم سقى هذه الخلق السامية العالية ليدفع الرجل للاعتذار عن أمر لم يكن مسئولا عنه؟ وأي خلق رفيع ذاك الذي يحمله الأستاذ عبد الرضا علي؟

 

المشكلة التي واجهتني هي أني كنت عاجزا عن نظم كلمات تتساوق مع هذا الكرم الكبير فلم أجد سوى أن أقول: (والله أجدني مقصرا بحقك ولم أفك ما تستحقه وما محاولة كتابتي عنك إلا كمن يمسح بيده على أصل جوهرة يريد أن يجليها والمسح باليد لا يجلي الجواهر.

أنت أيها العلم الباسق والنسر الشاهق لك من الجميل الذي يطوق رقابنا ما ننوء بحمله ومن واجبنا أن نرد ولو نزرا يسرا منه.

أسأل الله بحق هذا الشهر الفضيل أن يطيل عمرك بالصحة والسعادة والخير وأن تبقى علينا مغدقا ما نبتغيه ونرغب.

 

حدث قبل دقيقتين انفجار كبير اهتز له بيتي ونفض عن نفسه تراب الزمان وتطايرت أثاثه التي لا تملك أصلا هنا وهناك أما الواقفة على أرض صلبة فقد بقيت في مكانها ولم تهتز لوقع الانفجار وهكذا هو الفرق بين ما يقدمه عبد الرضا علي للثقافة وللعربية وللإنسانية وما يقدمه الهمج الرعاع.

أنت يا سيدي تبني قيمنا الآيلة للسقوط بأعمالك الفذة ولذا يجب أن نحني لك قاماتنا

دمت ودام عطاؤك ... وعمرا مديدا أبا رافد)

 

وكنت أعتقد أن الأمر انتهى عند هذه النقطة وأن الرجل سينشغل بأموره الخاصة عن متابعة التفاصيل الأخرى،  ولكنه ترك كل التفاصيل وكل مشاغل الرد على مواضيع الملف وكل واجباته الأخرى ليسارع بالاستفسار عن سلامتي وسلامة عائلتي ويدعو لنا ولكل العراقيين بالسلامة من خلال رسالة جاء فيها: (صديقي العزيز الأستاذ صالح الطائي الحمد لله على سلامتك، وسلامة العائلة الكريمة وقاكَ الله مفخّخات القتلة الإرهابيين والدمويين الصداميين ومن يشايعهما.

أنتم الذين تصنعون للعراقيين الحياة بتحديكم الأسطوري، وأقلامكم الشريفة، وثقافتكم النيّرة

لا أعرفُ يا سيّدي أين تقيمون في العراق، فالتفجيرات اليوم طالت سبع محافظات؟

أدعو الله أن يحفظكم، وينجيكم، ويرعاكم)

 

فأمسكت بالورقة والقلم لأسطر هذه الأحداث وأعرضها أمام الناس لكي اثبت من خلالها لمن في قلبه شك أن الخيرين العراقيين لا زالوا يملئون الدنيا وأن الوشائج التي تربطهم بالعراق لا زالت كأفضل ما تكون وأنهم يألمون لألمنا ويفرحون لفرحنا  ويشاركونا همومنا وها هو الأستاذ عبد الرضا علي أنموذجا رائعا لمن يريد التأكد ولمن يريد أن يستزيد.

 

بقي أمر أريد الإشارة إليه ألا وهو مبادرة الأستاذ ماجد الغرباوي العظيمة بفتح ملف تكريم الرمز الخالد عبد الرضا علي،  فهذه المبادرة تدل واقعا على الاهتمام الكبير بالرموز العراقية العظيمة التي تستحق التكريم والتخليد والتي انشغلت عنها الحكومات المتعاقبة بمشاكلها ومصالحها الشخصية وذلك لكي لا تنسى الأجيال القادمة ما قدمه هؤلاء العظماء لمسيرة الفكر والأدب ولكي تبقى في تاريخنا صفحات تستحق القراءة والتأمل

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم ا. د. عبد الرضا علي من: 17 / 8 / 2010)

 

في المثقف اليوم