تكريمات

قراءات نقدية: تجليات نص .. قراءة في الخطاب الشعري الإنثوي في قصيدة الشاعرة وفاء عبد الرزاق (البحر ليس طفلا)

 تتلاقى مع المؤثرات المتلقاة، ولذلك لايمكن ان يقوم الشعر الا اذا كانت له علاقة بالذات المتمحورة في مجتمع معين .

والخطاب الشعري بحد ذاته تجليا للذات الشاعرة وتكشف عن صيرورتها حينما توزع طاقاتها الشعرية بأبعادها المختلفة في النص، والنص هنا يحل محل (العمل الأدبي) في الدلالة / تمثيلية الواقع / وبذلك يصبح النص اثرا للكتابة، وتمثل بنية القصيدة تجسيدا لمواجهة الانسان للزمن وللموت بتجلياتها المتعددة في سياق حضاري تطعن فيه رؤية ضدية للوجود الانساني، والبنية بهذا التصور وجود الدال، بل انها الحامل النهائي للدلالة .

لقد اعادت الشاعرة العراقية المغتربة وفاء عبد الرزاق في قصائدها انتاج التصورات القيمية عن علاقة الذات بالآخر، ومن اجل البقاء .

أمدّ رأسي من الجدار / لأتذكر ماقالته الشجرة لأغصانها / تتبعني رصاصة تشبهني تماما / كل شيء يصبح طفلا / حتى الأطياف الراحلة / تفرد امي ذراعيها / يخرج وجهي من جيب قلبها / ليسبقني الى العتبة / لكن الرصاصة تفتح عالم الحبر .

ان الصورة الشعرية في مدلولها الداخلي تتشكل من مجمل حدوس ومشاعر سبقية   اكتسبتها من حافظة الذاكرة (ذاكرة الضمير الجمعي) وفق معطيات تفاعل محصلة الخبرات، وتعدد التجارب، حتى ولو كان ذلك دون وعي منها، وتبعا لذلك يكون سياق الذاكرة الشعوري واللاشعوري هو المتحكم في عملية الخلق الفني الذي يعتمد التركيز والتكثيف، لعل اهم مايميز هذا النص الشعري هيمنة صورة الطفولة بمعناها المجازي، فهي تنتحل هذه الصفة ضمن فضاءات فلسفية، وميكانزمات سيكولوجية، لتحقق اقترابا معرفيا دالا من الواقع ولتكشف عن عمق اجتماعي وصراع مستمر بين الذات والوجود . والرصاصة، هنا رمز للعدم وللفناء وهي بنفس الوقت رمز للاقصاء والطفولة، هنا بقدر ماتكشف عن مداليلها الجمالية (البراءة والنقاء) ولكنها باقترانها بالرصاصة تعني النكوص والتقوقع .

 

وتقول ايضا :

كل ما أتذكره منها / اجلس بادب ياولد /  وامش مرفوع الرأس .

 

وفي مقطع آخر تقول:

لست بحاجة لأب / كما لست بحاجة لجمال الفصول / او لأم بردائها تفتح الدروب / الدائرة كما تصورها الجغرافي / تكره التحايا صباحا / وتكره ان ادعى حلما مثلا / ممتن لها جدا / تلك الرصاصة التي / ستصبح اسرتي القادمة / حقا لست بحاجة إلا لمزاج الدوي .

في هذا المقطع الشعري تطرح الشاعرة وفاء عبد الرزاق لغة درامية تجسد جانب المكبوت والمقصي في الواقع، انها لغة النص المعطى المرتبط بالزمن الواقعي، وهذه اللغة تنزع نحو التصوير الغرائبي، وتمتاح من معين اللاشعور والاحلام وتراسل الخواطر والرغبات  المكبوتة . ان التجربة الشعورية هنا تضاعف المعنى التخيلي، وتحول القصيدة الى مجموعة من الصور المركبة المعبرة عن رؤيا الشاعرة الفكرية والوجدانية عبر الايحاء النفسي، الرصاصة، هنا رمزا للسوداوية والحزن، لأن تختزل الجمال والعاطفة الوجدانية المتمثلة بحنان الأم، وظل الأبوة، ومزاجها الشعري قد عكره ضجيج الرصاصات الطائشة، والمفخخات المنفلتة، وكأنه اصبح بديلا لصوت النغمات الجميلة ، والالحان الدافئة وامتزج باللاوعي .

 

وفي مقطع آخر تقول :

لاتغلقوا ابوابكم / شجي صوتي في خيبات القلب / وجميل وجهي في عيون اولاد الحارة / الذين رأيتهم / بما ليسوا بحاجة اليه / سيصبحون مجرد دوي.

هنا يتداخل الشعري السردي، حيث ينفتح النص على رؤية درامية، تحاول فيها الشاعرة ان تكشف عن تداعياتها ومعاناتها، واللغة بما تمتلك من امكانات متنوعة وطاقات عليا لاتفتح ابواب كنوزها الا امام المواهب الحقة التي عرفت سبيل صقلها .

والشاعرة في هذا النص تبدو اكثر تفاؤلا بالمستقبل، فهي تطالب بالانفتاح على الآخر، ورمزية (الدوي) هنا تعني التغيير والتحول، فعلينا الاصغاء الى دوي العقل والحضارة ، لادوي الرصاص والدمار والضجيج .

 

لقد وجدت الشاعرة وفاء ان التخلص من قيود القصيدة التقليدية، مجال اكثر حرية ليفسح لتجربتها الوجدانية لتعبر عما تميل اليه، وان الابداع الموسيقي قائم على الاساس النفسي الذي يوحد بين الاحساس والشكل في جميع صوره، النابع من تآلف الاصوات وانسجام الحركات، فهناك صلة حميمية بين الشعر والموسيقى، يكون محورها انفعال الذات الباطنية وتأثيرها في الملتقي .

 

* اكاديمي وباحث وناقد عراقي

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)

 

 

في المثقف اليوم