تكريمات

قراءات نقدية: لها، لي، لا اعرف .. هناك ... تكمن الحقيقة الجسدية !

تُرى ما هي هذه الميزة ؟

الموازنة بين التداعي وا لتركيز ... وهي ميزة تستوجب قدرة فنية مركزة في القصة القصيرة، لان طبيعة حجمها لا يساعد على التداعي، بل ماهية  القصة  القصيرة لا تساعد على ذلك، ولكن السيدة وفاء استطاعت أن تُحكم تداعي لغتها وأفكارها بالرجوع إلى فكرة نووية في عملها، هناك تداعي  ولكنه تداعي مخدوم، يمكن إحالته في النهاية إلى مرجع، إلى نقطة مركزية،فلم تدع التداعي يسيطر على جسد النص، بحيث نضيع ويضيع القاريء، ولم ترتكن إلى عبودية المركزية المطلقة بحيث بحيث تجعلنا نختصر كل متعتنا وتفكيرنا في نقطة محددة، تلك عبودية حاولت وفاء أن تحررنا منها .

في عملها (لها، لي، لا اعرف) ضمن مجموعتها (امرأة بزي جسد) تبحر بنا وفاء عبر نص سريع في عالمي الحقيقة والظل، تريد  أن تحطم النظرة المبتسرة إلى الحقيقة، تريد أن تكشف لنا عن مكمن الحقيقة الخفي، هناك تكمن، في عالمنا اللاشعوري، يمارس دوره الكبير في حياتنا وسلوكنا، المخفي هو الحقيقة، وبذلك تريد  أن تنقذنا من إنشدادنا إلى نفسنا الظاهرية ...

وفاء تترجم ذاتها القَصيَّة في (لها، لي، لا اعرف)، فهل تريد بهذا العمل أن تطرح لنا منهجا في قراءءة ذوا تنا، أم هي لعبتها الخاصة مع جسدها ا لخاص، تريد أ ن تعريه له، تعريه فقط  له، كي يتمرَّى خباياه، حيث هناك تكمن كل الحقيقة .

لم يكن ظلها مجرد ظل، بل هو الحقيقة، الظل هو الحقيقة، لم تكن هي بعينها حقيقة، ظلها هو ا لحقيقة، وهنا تقلب لنا وفاء الميزان المعرفي، خلاف المألوف، وبالتالي، يتدفق اللاشعور مهيمنا على النص، الطفولة هيمنت على الموقف، الطفولة المقموعة فيما مضى، التاريخ يكمن، يسبت، ولكن سرعان ما يستيقظ، ينشط، مهما كانت الهوية والنكهة !

السماء دائما بين الرصاصي والصفرة !

لماذا هذه الديمومة المناخية العنيدة ؟

لم تكن ذكرى وحسب، بل هو الواقع، ولذا (كلما تطلَّعتْ إلى السماء، وهذه عادة اكتسبَتها منذ الطفولة وجدتَها معبَّأة بالرعد والغيوم) !

يبدو إن التمرَّد كان سمة، بل طبيعة، بل هوية، ولم تقدر مشاغل الحياة، ولا تقلباتها أن تمسح أو تمحو هذا  التمرد الحي، بل  كان هو الحقيقة في التحليل النهائي للذت، وقد تجلى كل ذلك من خلال تلك الصورة المرعبة لما ترى وتشاهد وفي مكان اختارته بدقة رائعة، فالسوق هو محل تكاثف وجودي بشري متنوع وصاخب ومتداخل، وربما حيوي، نشط، مثير،ولكن  النص يقول : ( لم انو محلا ما أو جهة، اتبضع منها،كنت خارجة لقتل الوقت، أطفئه بصمتي، ويطفئني بثقل دمه، كأني أمشي في شارع لا حدَّ له وارى المستوقين حشرات، والباعة فئران كنائس مهجورة)!

هل غربة وجودية ؟

أم هي لعنة السلعة بين البائع والمشتري ودورها في قلب العناوين الانسانية؟

مهما كان الجواب، ليكن هذا أ و ذاك أو غيرهما، ولكن المشهد لا يخرج عن ذلك الدفق اللاشعوري يريد أن يعلن عن نفسه بأنه هو الحقيقة، لا تنظروا إلى جسدي الظاهر، هناك جسد مخفي، هناك لوعة تشكلت عبر التاريخ، التاريخ المر (تستشف الحزن من وجوه الجميع لعلها تَشعره دون كلام منهم أو إشارة تدل عليه)، إذن هناك غربة وجودية تعاني منها منذ الصغر، فهي (كلما دخلت على محطة خرج على الشاشة خنزير، أغلقت التلفاز،وصعدت غرفة نومي، سألتها من أ نت؟ أجابت: لا أدري، أ جبتها: وأنا لا أدري) !

هذا ا لتبادل الحواري بين الظاهر والباطن ينبيء بشكل واضح  عن ثورة نفسية تريد وفاء أن تنفس عنها عبر تكريس مبدا الصراع بين ضمير المتكلم وضمير الغائب، ولكن كلا الضميرين تجلي لحقيقة أو كينونة واحدة .

الحقيقة والظل ....

التداعي والتركيز ...

ضمير المتكلم وضمير الغائب ....

الجسد والجسد المضاد ...

توازي محكوم بدقة الفكرة، واسبقية الارادة، فكان نصا مخدوما بحق ....

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)

 

 

في المثقف اليوم