تكريمات

دفء خاص

- أريد بيتا دافئا... هكذا قالت بعد أن أبدت عدم رضاها بالبيت الذي اقترحه عليها صاحب الوكالة العقارية ودعاها لمعاينته..

 

قال: إنه بيت جيد وفيه دفـّاية.. كانت تقف أمامها مباشرة!؟..

قالت  وهي تبتسم ابتسامة ذات معنى ناظرة إلى رفيقها..

 

- فيه دفاية وهي تدفئ.. أليس كذلك !؟..

قال رفيقها متبسّما ناظرا إلى صاحب الوكالة العقارية :

 

- إنها تبدو متطلبة لأنها مهندسة معمارية..

قالت : آسفة، يظهر أنك لم تفهمني.. المسألة ليست مسالة تطلب وإنما هي ببساطة أني أريد بيتا دافئا فأنا لم أعد أحتمل وحشة الشتاء البارد.. عشتها بما فيه الكفاية .. قالتها وكأنها تهمس بها..

 

كتابة في الكف

كتابة كأنها وشم دبغ الروح.. كتابة لا يغسلها الماء.. هي أجمل كتابة .. بأجمل يد.. على أجمل بحر.. في أجمل ربيع.. عندما كتبت بسبّابة تلك اليد البيضاء اللدنة ذات الأصابع الطويلة في كف يده اليمنى بعد أن أمسكتها بيدها اليسرى : أحبك Je t’aime   I love you ثم طوت كفه بعناية وكأنها تطوي رسالة مصيرية قائلة بصوت رجفته تخترق القلب وهي تنظر في عينيه وتحدق فيه بعينيها الواثقتين الملتمعتين : حافظ على هذه الكتابة وعاهدني على أن تدعم رصيدها في قلبي وقلبك..

من ساعتها وهو يتذكرها كلما غسل كفه وكلما لم يغسلها.. كلما نظر إليها وكلما لم ينظر.. وعندما يكتب يجد وجهها يملأ عليه صفحة الورق وصفحة القلب..

 

سنوات ضوئية

قال : كم يلزمني من السنوات لترتوي روحي في جمال عينيك!؟..

قالت : كم يلزمني من السنوات لأرتوي من مراعي صدرك!؟..

قال : كم تتملكني الرغبة في استنشاق هواء الغابات من شعرك وأنت تخرجين من الحمام!؟

قالت : كم يمتعني أن أحتمي بك في العاصفة فاختبئ تحت جناحك متشبثة بك..

قال : كم تغمرني السعادة وأنا أشاهد مشيتك وأنت تقطعين الطريق قادمة إليّ..

قالت : كم تمتعني رؤيتك وأنت تتحرّك وكم يأسرني حضورك!؟..

قال : كم تحبّينني؟

قالت : وسع البحار والمحيطات.. وأنت كم تحبني؟

قال : قولي.. ثلاثمائة سنة ضوئية!؟..

 

دور

(من مكالمة هاتفية بين صديقتين)

- لم أعد أتحمل.. وماذا سيفعل.. هل سينصب لي مشنقة!؟..

- تفاوضي معه وحاولي أن تتوصلي إلى حلّ..

- لن أتفاوض ولن أحاول ولن أتغيّر نكاية به!؟..

- لن الزمخشرية لن تنفعك والتصعيد ليس في صالحك..

- أدركت نقطة اللاعودة ولا يمكنني تغيير موقفي..

- إنه موقف غبي.. أنت تختارين الأسوأ!؟..

- فليكن ولو قطعت رقبتي!؟..

- يظهر أنك تستمتعين بتقمّص دور الضحيّة!؟..

.....................................................................

انقطع الخـــــــــــط..

  محسن العوني   

صوت1

يأتيه صوتها عبر الهاتف كما يأتي بعد الوحشة الأنس وبعد الشدّة الفرج وبعد الحزن الفرح وبعد الشكّ اليقين، وكما يأتي بعد الخوف الرّجاء وبعد السّقم الشّفاء.

كان ينتظر حلول صوتها في قلبه عبر سمعه وكأنّه ينتظر وصول محفل أو مهرجان. قال لها مرّة: "صوتك نافذة مشرعة على الحلم.. صوتك يحملني من بستان إلى بستان ومن روض إلى روض.. من صوتك أستنشق أنفاس الرّبيع ونسمات الصّيف.. صوتك يضمّخ روحي بعطور سحريّة ليس لها أسماء.. صوتك يشعرني بالارتواء والاكتفاء.."

ذات مكالمة وبعد أن اتّصل الخطّ بينهما وكانت على الطّرف الآخر التزم الصّمت وهو يسمعها تكرّر "ألو" ثلاث مرّات قبل أن تنطق اسمه بعد أن عرفت بحدسها الّذي لا يخطئ أنّه المتصل..

- قال : نعم..

 عندما سألته مستغربة مستوضحة: لماذا لا تقول شيئا ؟ !

- قال بصوت خافت خاشع : كنت أطلبك لأسمع صوتك فيطمئنّ قلبي..

أجابته بعبارة تحوّلت إلى نجمة تضيء سماء ليله..

كان يتّصل بها لحاجة في نفسه لا يملك لها دفعا ولا تأجيلا كما كانت تفعل لنفس الدّافع بعد أن اتّصلت بينهما جميع القنوات.. سألته ذات اتّصال:

- من أين تحدّثني؟

قال: أنظري عبر النافذة؟!

لمّا نظرت رأته على جادة الطّريق قبالة النّافذة ينظر إليها وهو في كامل أناقته ووجهه طافحٌ بالفرح والسّعادة وكأنّه عثر لتوّه على جوهرة نادرة أو كنز خرافيّ. دعته أن يشرب شيئا عندها في شقّتها.

 بعد أن استقبلته بصوتها الباذخ واستقرّ بهما المجلس..

قال لها وهو في كامل وعيه وتمام جدّه:

- جئت أطلب.. صوتك.. صوتك يناسبني ولا يمكنني أن أستغني عنه.. فهل تقبلين ؟..

بعد ذلك كان غالبا ما يدعو بهذا الدعاء: "الّلهم لا تحرمني نعيم صوتها واجعله فاتحة كلّ خير".

و كانت حسنة الدّنيا..

 

صوت 2

صوّبت نحوه صوتها وأطلقته.. أصابته في موضع بين القلب والكبد.. أحس ألما فظيعا أعلى معدته.. جاءه الغثيان رغم أنه لم يذق طعم الزاد منذ ثلاثة أيام.. كان كثيرا ما تعتريه هذه الحالة عندما تطلق عليه صوتها في صباح أو مساء.. في ظهر أو عصر أو مغرب أو حتى فجر.. قرأ عن كائنات الصوت أول أسلحتها وأشدها فتكا.. أتراها ترتبط معها بصلة قربي !؟ من يدري!؟..

كان يردّد في سرّه هذه المناجاة : سبحانك يا من خلقتنا وشددت أسرنا وجعلت في صوتها تلك القدرة التدميريّة عالية الجودة والفاعليّة!؟..

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)

 

في المثقف اليوم