تكريمات

المثقف في حوار مفتوح مع الاديبة وفاء عبد الرزاق (9)

mohsen_ouniخاص بالمثقف:الحلقة التاسعة من الحوار المفتوح مع الاديبة وفاء عبد الرزاق، لمناسبة تكريمها من قبل مؤسسة المثقف العربي، وفيها تجيب الكاتبة على اسئلة الأديب الاستاذ المترجم: د. محسن العوني.

د. محسن العوني: قاص وكاتب ومترجم / تونس

تساؤلات أرفعها بكل براءة الأطفال ووداعتهم تحت عنوان كبير "إذا كنا لا نستطيع أن نحيا من غير أن نفكر ..فيجمل بنا أن نتعلّم كيف نفكر بطريقة جديدة ..لعلّ وعسى.."

تعليقات الشاعرة المتميزة الأستاذة وفاء عبد الرزاق على بعض ما كنت أنشر على المثقف الغراء من نصوص تأتي محمّلة بهموم الأمّة وهواجس المثقف والمبدع المتوحّد بأمته المسكون بمستقبلها ..

وكانت تأتي معمّقة دلالة النصّ ..لذلك كانت تشدّني ووجدت في ثناياها مفاتيح لولوج عالمها الشعري والفكري وحالة الروح لديها ..

منها هذه التعاليق ..

"...........كم هو رائع مقالك ومستفزّ في الوقت ذاته وكم هو مؤلم حين أجد نفسي باحثة عن عش كهذا الطائر بين أزيز الطائرات وألبومات المدن فلا أجد غير قشّة هشّة وأسأل متى ..أين ..كيف ؟؟

فلا أجد غير الصليب وجها وظهرا .حتى أنّي سألت المعنى فردّ عليّ بلا معنى وقطع لي تذكرة للسفر في قاطرة ..وحين خلت الاقتراب من القطر لم أجد غير الصفير ..

ربي يجعل وطننا آمنا لنخلد به في الساعة الأخيرة من العمر أو لعله يهدي لنا شبرا تستقرّ به جثثنا" 

من تعليق للشاعرة على نصّ "حديث العش ..حديث الطائر"

".........نعم النهر لا ينظر إلى الوراء حين يتدفّق ..لكن شرط ألا تعترضه الصخور فتحول ماءه إلى وحل ..وما أراه في عالمنا العربي تنطبق عليه كلمة الصخور .." من تعليق للشاعرة على مقال "عود على بدء ..نحن والآخر .."  

* الوطن حاجة روحية وارتباط وعلاقة ..وهو ليس مجرد قطعة أرض تحت سماء أو من غير سماء ..أرجو أن يعود العراق الحبيب كما كان دائما مهدا إنسانيا وحضاريا عريقا

لأبنائه وأحبابه ومريديه ..فتجد الشاعرة في أحضانه الأمن والدفء والروح والريحان ..

كل شكر والمحبة للباحث المثابر والمثقف الكبير العزيز الأستاذ ماجد الغرباوي سادن المثقف القائم على حظوظه الذي بادر بتكريم شاعرة الحرف الأنيق الدافئ والنبض الإنساني العالي العزيزة الرائعة وفاء عبد الرزاق، التي هي أهل التكريم وصاحبة منجز طافح بحبّ الإنسان جوهرا مكرما من روح الله عزّ وجلّ ..

خالص الشكر سلفا على الاهتمام والتفضّل بالإجابة ..

.............................

س128: د. محسن العوني: "المسكوت عنه " والذي "لم يقل " أو "لا يقال " أو ذاك الذي "لم يحسن الآخرون قوله والتعبير عنه أو توصيفه " أو "الذي يعتبر نقطة ضعف في الوعي أو مصدر وجع .."ما نصيبه من مدوّنة وفاء عبد الرزاق وما الذي يمثله في منجزها الشعري والفني ..وكيف عبّرت عنه ؟

ج128: بعض المبدعين يتراجع حين يجد علامة خطر مرفوعة قرب المسكوت عنه أو الذي لم يقل بل يخشى الخوض فيه، والولوج إلى عوالمه..

معروف عني جرأتي في الكتابة على كل الأصعدة

سواء في ابتكار أشكالا جديدة غير مطروقة سابقا شعريا كانت أم قصصيا.. أو الخوض في تجارب حقيقية سياسية أو جنسية لها علاقة قوية بعمل أكتبه.. لم أعبه للوم لائم كوني على يقين تام بأني أنقل واقعا من الشارع إلى الكتاب وعلي نقله بأمانة الكاتب.

سأتناول بعض الأعمال كمثال كي لا أطيل..

1-   ديواني الشعبي وقوَّسَت ظهر البحر حين صدر قال عنه كثيرون هذا قناع للشعر الشعبي وثوب غير ثوبه،، رجعت إليه ثانية وطبعته طبعة ثانية تأكيدا مني على أحقيته في الظهور كعالم شعري جديد..

2-   في ديوان  الشعبي تبلَّلت كل بضواك . تطرقت إلى القصيدة المرئية وأظنها جديدة على الشعر الشعبي.. ربما كتبها أحد قبلي لكنها جديدة لم يتوصل إليها الشاعر الشعبي  بكثافة وينطلق منها مجددا مضيفا فنا راقيا للقصيدة الشعبية وهي القادرة على استيعاب كل ألوان التجديد شأنها شأن مثيلتها الفصيحة..ثم قصيدة بالبانوراما في قصيدة( عمِّي الله بالخير).. في قصيدة عمي الله بالخير تساؤلات جميلة:

ليش آنه شما أكبر بيّه

يمــّچ أصغر؟

ليش المهرة من تتعثــَّر

تصرخ يمّه؟

يصرخ يمّه حتـَّى الطير؟

العا?ولة وْهَم عـِدها اميّمة

بس آنه ارتجّْ من غير امّي

خلخالة ناقوس بْدَيْر

غصّت أنفاسي بشِهگتها

وبس يمّه

وْيَّه الريگ تعلگت

تشردت بلهاتي وخرستن

وحسّيت الواسع بضلوعي

صمّْ صْدَيَر

توسّلتْ عـْضاي وخانتني

چنّي غريبة وتنخى الغير

شفت شْسوّيت ويا عمّي

من ناديت الله بالخير ؟        .

من هذا نستنتج غرابة الصورة التي تحتاج إلى جرأة في الطرح وتوهج القيمة الفنية للصورة كي يتقبلها المتلقي على أنها جديدة على سمعه.

3-   في القصيدة الفصيحة الأمثلة كثيرة والمتتبع لقصائدي يدرك ذلك خاصة في تناول العشق.

4-   المجموعة القصصية (امرأة بزي جسد) فنتازيا أطلق عليها مجنونة في غرابة الطرح، أعالج واقعا مرا أهزأ منه أحيانا وأصالحه مرات أخرى.. من القصص الناقدة قصة (مقلوب سائق) في نفس المجموعة.. ومن العنوان يظهر التمرد على الشكل حيث أن السيارة هي الراكب والراكب هو سيارة الأجرة، تستأجره السيارة ليقلها إلى مكان ما أو جهة محددة.. ومن خلال أنواع السيارات وماركاتها اشتغلت على الطبقات الاجتماعية في المجتمع ودورها في الحياة.كما اشتغلت على المسكوت عنه في الطبقات الراقية في المجتمع والمخفي منها.

5-   قصة (امرأة بزي جسد) التي أخذت المجموعة اسمها  تمردت المرأة حتى على جسدها الذي رفضته لعبوديته لواقع يسحق إنسانيتها ويجعلها مجرد آلة.

وهكذا تأتي باقي القصص..

6-   في المجموعة القصصية (نقط) اشتغال على المحرم والمسكوت عنه بأسلوب مختلف ، يتحدث عن ضمائرنا الهشة التي تبيع الأطفال إلى الشوارع وتصلي في المسجد في الوقت ذاته..تناقض الشخصيات في المجموعة بين المادي والموروث الديني الذي لا نطبقه إلا على المرأة حين نتكلم باسم الدين.

7-   روايتي (السماء تعود إلى أهلها) عالم فاضح لقبح المجتمع وعوراته الأخلاقية والعقائدية والمبدئية سواء الحزبية أو الدينية وفشل تطبيق النظرية الحزبية وانعكاسها سلوكيا على الفرد المنتمي.

شارع (أجورد رود) في لندن كنت أذهب إليه في الأسبوع ثلاث مرات وأقرأه قراءة الروائية الباحثة عن أدق التفاصيل حتى عدد حركات الأرجل وطريقة اختلافها في السير.. وتناولت المخفي في العلاقات وطبائع المارة والجالسين في المقاهي.. من خلاله ومن خلال البطل الرسام الذي يعيش في لندن وعجزه في رجولته ويده بسبب تعذيبه في السجن تناولت التناقض بين شخصية المنتمي الرافض المهزوز جراء ما عانى في السجن.. وتحدثت عن سجن النساء والتقيت بسجينات سياسيات وغير سياسيات لأكتب ما لم أره بعيني والذي اعتبره صديق لي فبركة روائية لعدم تصديقه بما يحدث داخل السجون لكن حين أرسلت له فلم المحكمة التي عرضت قطع ثلاثة رؤوس لثلاثة شباب بعد قطع لسان أحدهم اقتنع الصديق غير المقتنع.

تناولت الواقع برؤية الروائية المجددة اللاعبة على الفنتازيا المثيرة، ومنها استخرجت بطلتين غير حقيقيتين .. هما صورتان رسمهما الفنان ليكمل معرضه في لوحته الأخيرة التي تحتوي غانيتين واحدة شقراء تمثل الغرب وأخرى سمراء تمثل العراق أرضه السمراء.. أطلق لغانيته حرية الخروج من الإطار لأنهما طلبتنا منه ذلك لمعرفة عالمه.. مع الشخصيتين تنقلت إلى بيوت الدعارة وذوي الأموال المنثورة على الراقصات والسهرات الماجنة والعري الجسدي و الشذوذ الجنسي..

وربطت بين الشذوذ الجسدي والسياسي لأني أجدهما مرتبطان ارتباطا كليا مع بعضهما.

س129: د. محسن العوني: بريق الواجهة لا يخفي القلق / الرعب  الوجودي المزمن المتعاظم لدى الفنان والمبدع ..لو حدثتنا الشاعرة وفاء عبد الرزاق عن ملامح ذلك القلق / الرعب في مدونتها الشعرية ؟

ج129: الرعب الوجودي متمثل في رجحان كفة الشر على الخير...

في عالمنا المادي أجد كل الأمور مرعبة أو تسير في طريقها إلى ذلك.. بين الولادة، الحياة، والموت نختار أما التحدي من أجل الخلود أو الموت.و علينا كمبدعين أن نحيا...وكي نحيا نحتاج إلى المزيد من المعرفة كي نتعامل كشعراء بوجدانية الشاعر مع معطيات الحياة الجديدة.. بين الحركة والثبات شعرة على المبدع اكتشافها كي لا يقع في الضياع المادي لاستجاباته اليومية. على الشاعر اقتناص لحظته الأبدية رغم السوداوية التي يعيشها بتأثير عالم المادة الجاف على الحياة. 

القلق في الشعر مزمار كما تفضلت حضرتك وقنديل يخترق المدلهم ..

عني شخصيا تخيفني الحياة رغم ما فيها من بهرجة أو تزويق لامع لكنها تخفي خلفه وجها قاتما ، تغيرت الغايات فبالتالي تغيرت المفاهيم.

الصداقة أصبحت غير حقيقية ومن الصعب تجد صديقا يطيل البقاء على صداقة أكثر من سنة إلا نادرا..العلاقات بين الأبناء ولآباء مادية قاتلة إذ لم تعد الأسرة كالسابق تجتمع كلها على وجبة غداء مثلا تتناول الفرح في كاس مشتر.. كل له حياته السريعة وخصوصيته.

أجد ما لا أجده في العيون الحاضنة لوجوهنا بترحابها الحقيقي.. بل العكس بمجرد أن تدير ظهرك جاءك الطعن ومن الأقربين..

يحسدونك حتى على أبسط مزاياك الإنسانية التي يفتقدونها وهي البراءة الأولي في العلاقات.ويعتبرونك متخلفا أو بسيطا..

كل هذا يشكل قلقا إبداعيا علي نقله والكتابة عنه لخطورته لأنه أصبح أخطبوطا يمد أرجله ليطوقنا.

جسدت ذلك في قصيدة بيت الطين..

ووجنتـُك ِ الحقلُ

لماذا حلبتِ ياسمينـَها؟

لماذا تركتِ الريحَ تشربـُهُ؟

أجبتـُهُ :أمومة ُعمري مالحٌ صبرُها

لمْ أنتبه أنـِّي أشربُ البحرَ

لم انتبه أنـِّي أُرْضِعُ الريحَ

لم أنتبه أنَّ ابنتي جرعة ٌفاسدة ٌ

ربـَّما حكمة ُالصمتِ لهُ

بابـُكِ حين طرقتـُهُ

لم انتبه أنـِّي امرأة ُالظلام ِ

وسُمرتي قـُفلُ الخطى

أُقتـَلـَعُ من رئتي حين أحادثهُ

بابـُكِ لم تنمْ غابتـُهُ

ما زلتُ واثقة ً أنـَّهُ المجيبُ.

كيف يكون الصبر مالحا والريح تشرب الياسمين،، كما أن خوفي من واقع مالح جعلني أتصور أني اشرب البحر وابنتي جرعة فاسدة.. ليس أكثر من هذا الوصف خوفا من قبح يحيط بنا ومن عوج يقتلع أبوابنا ويهبنها لامرأة الظلام كي ترقص على إيقاع حزننا.

ثم في قصيدة (هل أنت الصامت شيطنة والمتلطع)

وصفت الطفل الذي لم أعرف وجهته أهو ذاهب أم آت إلا من قدم واحدة تقدمت فأدركت انه ترك الضوء باتجاه كثافة الظلام.

أتغافلُ سنة ً صامتة ً

أم لخدعة ِالسنينِ تنجذبُ؟

ألكَ حلـُمُ غاباتٍ يشدُّ بأسكَ

أم الغاباتُ سفرٌ لظلـِّكَ

وحكاية ُالنار للـَّهبِ؟

أيـُّها الصَّافنُ شيطنة ً

الهاربُ بنفسِكَ إليكَ

هل هذت البيوتُ حين تركتـَها؟

أتـُراها انتبهتْ أنـَّها وحدُها؟

غرفتـُكَ التي جنـَّتْ جـُدُرُها

ابتسمتْ

وأنتَ تحكـٌّها برأس ِالقلمِ

ربـَّما اختنق السرير بضياعهِ

أو كمَّمَ صوتـَهُ البردُ

أنت كلُّ ُعائلتهِ

أظـِّنــُّهُ خاصَمَ أعزلَ السؤال

وتكاثرَ أسئلة ً:

صبحُهُ

عصرُهُ

ليلـُهُ

كلُّ اليومِ

أمس

أين اختبأ؟.

قـَبْلُ أمس ِ

               قَــَـبْلـهُ

مـَنْ أمـّهُ؟

هل السُّقوفُ أخوتـُهُ؟

لعلـَّني أجيئـُها، تجيئـُني

                              نجيئـُكَ بدءَ نهر مخالف ٍطبيعتـهُ

شاءتْ فاتحتـُهُ

أن تجري متصاعدةً

وعلى غـُرَّة السماء ترسمُ  خصراً

كما أنتَ الآن يقولُ للقمم العاريات:

تروَّضي أو ائلفي وجهَ المطر.

س130: د. محسن العوني: يذهب هشام شرابي إلى أن الاضطهاد والظلم في المجتمع العربي مسلّط على الحلقة الأضعف ..الطفل ..المرأة ..الفقير ..تعليقك على هذا الرأي ..وهل يمكن أن تضيفي إلى هذه القائمة أو تحيّنيها ..لأنها تعود إلى عقود خلت ..؟

ج130: المضطهدون دائما الأضعف في المجتمع وتحديدا الأطفال والنساء على المستوى الفسيولوجي لكن هناك اضطهاد عرقي ومذهبي والأقوى يأكل الضعيف.. أما التأثير السلبي من كل أنواع الاضطهاد يقع على  الطفل والمرأة .. وكُتبت مواضيع كثيرة تخص المرأة وحقها في نيل كرامتها كاملة متحدية قوالب الاضطهاد الموروثة والمكتسبة .. وكذلك نجد كثيرين يطالبون بحق الطفل في حرية وكرامة كي نصنع عالما إنسانيا راقيا..

في مجتمعنا العربي كل المقدسات والعرف والتقاليد اختصت في المرأة..عطرها عورة،، وجهها عورة،، صوتها عورة،،لكن لا أحد بين المضطهدين يقول : ما هذا التخلف؟ ويسأل ويحتج.. لأنهم وضعوا التحريم الخاص بالمرأة في ورقة المقدَّس والمقدس صعب المساس في ما يطرحه الرجل في المقدس لأنه مقدس وبالتالي الحد على من يحتج،، وتحليل قتله.

س131: د. محسن العوني: كيف تنظر الشاعرة وفاء عبد الرزاق إلى واقع العلاقة بين المثقف  والمؤسسة الرسمية في العالم العربي؟ وإلى أيّ حد يمكن أن تخدم هذه العلاقة الإبداع والثقافة؟

ج131: أية علاقة مباشرة مشروطة من المؤسسة الثقافية الرسمية على المنجز الإبداعي لا تخدم الثقافة بل تجعلها بين قوسي الشرط والتنفيذ وإلى أي حد ومدى وصل إليه المطيع الباصم بعشرته...

العلاقة دائما في توجس وريبة والذي تعترف فيه المؤسسة الرسمية دون اللجوء إلى شروطها لا بد أن يكون قد انتزع هذا الاعتراف بمنجز له قيمته واعترفت بقدرته جهات عالمية إبداعية حتى تعترف المؤسسة الرسمية بانتمائه إلى أرضه وعروبته وعرقه ودينه.

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)

 

 

في المثقف اليوم