تكريمات

قراءة في كتابة الشاعرة العراقية وفاء عبد الرزاق .. حكاية منغولية نموذجا

من ارض الرشيد  تتسابق الكلمات في رتق كفن الطفل الشهيد    تطل كالحمامة  بقلم سابح في عشق الارض والانسان والدم المسكوب في كل الاماكن والازقة لا يتر للمتلقي لحظة التأمل في اللمات ....تحمل همها بين السطور وتنشر املا في امتداد الذات فيها و في رؤى القلب منها لهذا العراق انها تنشرالشذا بين الحقول تحت  سماء تمطر الموت والخراب والتهجير .

ينتابك شعور بالرهبة والخوف تسناب القصيدة الملطخة بالدم انسيابا ألم دفين ووجع لا بنتظر الرحيل عن جسد انهكته ليالي الرحيل والهجرة نحو الشمال ....انها الصورة الاخرى لواقع العراق الجريح - تعثَّرْ أيُّها الوطن- القصيدة المرآة لتاريخ أرض في عالم متقلب تقلب النفس البشرية بين الموت والحياة :??

تقويمٌ مَثقوب

كلماتٌ بلهاء

هل يُمكنها ابتكارُ صديق

خلفَ الباب؟

ماذا عساها تناجي  في هذا الزمن و هذا الليل المتأخر من الرحلة لقد خذلوا العراق ودمروه وها هم يتنادون للاعمار والبناء ...كيف للضحية ان يأنس الى جلاديه وان تباعدت المسافات ونضبت مياه الجداول  والأزمان ....كيف يروق للجريح السهر وقد صادروا منه شموع السهر ....الفرحة غائبة والموت ماثل في كل مكان

ماذا تقول لأبنائها

البذرةُ التي سُحِقت

لتروي عن رمل

يمحوه الماء؟

سيارات الموت تجوب الشوارع وتقاسم صفوف المدارس ارواح الطفولة و العذارى وتتجدد حصد أرواح البشر تخلف وراءها سواد لا يشبه الليل ولا عباءات الثكالى هنا الرشيد وهنا العامرية وأزقة ألأعظمية والرصافة والبصرة والسماوة ول العراق ...لا تفرق الكاتبة بين حي وحي ولا مدينة وأخرى انها تحيا الخيال في واقع التقسيم والطائفية  تحاول خداع الاخر فيها بان الربيع آت لارض الحياة ولو بعد حين   

هي ذاتُه حين تجدَّد ولم يتغيَّر

راسبًا يتجوَّلُ الشَّارعُ في جسده

والسَّيَّاراتُ تأكلُ رأسَهُ

كما لو أنَّه تَنهَّد

بقدح فارغ.

شارعٌ يمشي على جسدٍ

بجلدٍ مدبوغٍ

لقانون مغلق

مقاسه 37.

تنكسر أشرعة السفن والاحلام على صخور الموت القادم من كل صوب وحين ......تعترف الشاعرة في لغة من الحزن واحساس متزايد بلعنة المكان والزمان في مسيرة الوطن الجريح ...انها بين الاقدام والاحجام  فاما ان يكون العراق او لايكون معادلة ليست قديمة بقدر قدم أرض العراق وجرح العراق لذك انت شاعرتنا بين الموت والحياة وهي لا تعني ان كان العراق بداخلها ام انها هي داخل هذا العراق...

عدٌّ عكسيٌّ على عكَّاز مزاد

شارعٌ يمشي على رؤوس أبنائه

والأبناءُ لا يمشون.

ما يؤاخَذُ عليّ

أنِّي مثل حروف مهاجِرة

وقعتْ في فخِّ التَّقويم

ما يؤاخَذُ على حرفي

أنَّه ابتلع موَس حكومته

ودقّّ الطَّبل.

دُمْ...

صنمٌ يطاردُ فراشة

دُمْ... دُمْ

منشارٌ يَحلقُ لحية طير

تاثرت  شاعرتنا كثيرا  بحزن الاب على رحيل الابنة الوحيدة بالامس القريب ... صورت دمعة الرحمة من مقلة الشيخ الطاعن في السن عند بوابة الدخول للحي مأساه للقصيدة المهاجرة الى ما وراء البحار لقد صارت ملاذا  للباحثين عن ملاذات لعيون الطفولة و البراءة المصادرة عند كل البوابات الأمركية ...   

?دُمْ...

دددمْ

حلمٌ في متحف

جاهز للتَّهريب.

ما قالته البذرةُ لأبنائها

دُمْ تَك... دُمْ تَك

محصول الفصل القادم.

ما يؤاخِذُه التَّقويم عليّ

أنِّي ما زلتُ أكتبُ من أوَّل السَّطر

والسَّطرُ إبرتانِ متعانقتان

استقامتهما كتبت

عن الذي خرج من الباب

بابٌ لا دارَ له

?

 نهب العراق وثروات العراق و شموخ العراق والعالم يتفرج  حزت في نفس القصيدة  ان تنهزم المدينة أمام تتار العصر وماغول الحاضر الجاثم ..هل هو استحضار لماض ولى ومضى ام هي محاولة للهروب بما تبقى من ارث في أعماق الشاعرة عن عراق الرشيد وعن ماضيه التليد ..لقد حاولت الضحية اخفاء وجع اللحظة نصرة لكبرياء عهدته في العراق الحلم منذ القدم

يسطو على جسدي

جسدي يسطو عليّ

عمودي الفقري

في شهره الثَّامن

بينما القابلةُ

دُمٌّ تكٌّ

دُمٌّ تكْ

نفسها الترنيمة للقادم الغريب  دم تك ..دم تك بين الدم والقتل لا تخرج ابجديات المحتل للأرض والانسان العراقي اللاجئ في كل مكان ...انها لحظة الحقيقة وان حاولت شاعرتنا اخفاءها او تناسيها في خضم أوجاع الوطن السليب ...ان الالم قد غمر الجسد منها و توالت عليها أوجاع الليل والنهار تكابد المرض والجسد منها الآيل الى السقوط ولكنها تأبى الهزيمة فلقد احتلوا الأوغاد بلدي لن يهزمني المرض ولا أوجاع الانين ..ستقاوم المحتل وما ألم بالجسد المنهوك منها ...رسالة شاعرتنا في هذه الحياة هي تواصل الاجيال حتى لا يذوب حلم الوطن ...بين خالد وعلى وأحمد تنساب القصائد المفعمة بالامل للغد القادم دون حروب 

يمشي على الهواء

هواءٌ يمشي على سلاسله

سلاسلُ أفتَت بالاستِنساخ

أيُّها الوطن الذي مشينا عليه

تعثَّرْ على مهل

وتعود الى حلم العودة من صقيع أرض الاغتراب والفيافي البعيدة ...حضور العراق دائما في بلاد ما وراء البحار هو تمتين للحب الانتماء لتلك الارض الساحرة والقابعة ملكا وسط وجدان شاعرة الحزن والالم الرهيب ...اننا أمام تجربة انسانية فريدة من نوعها فلا هي قادرة علة النسيان ولا النسيان استطاع ولوج القصيدة منها حين تبهرها أنوار المدن وتسكنها عتمة الليل من بغداد و اخواتها الساكنات وسط ليل يرمدي بهيم

لم يعُد للعمر مكْرُهُ

كي تضيقَ الأرضُ تحت قدمي

انها قصة امرأة غادرت الدفء الى غابات الثلج والصقيع، استمرأت الجراح لتتحرر من الوهن والأوجاع تقول :ا

.هي أوَّلُ احتراقٍ، وآخرُ الكرْم

لا مياهَ إلاَّ زرقتها

ولبنًا من شجر

تهرب شاعرتنا وفاء عبد الرزاق من سواد الليل العراقي وواقع الجريمة بحق هذا الشعب الى أمـل ترى فيه الامل انه الطفل الذي سيأتي او انه قد أتى لتوه ..تتحول الشاعرة الام الى داعية للحياة على الرغم من الجرح والموت معلنة عن حالة من التمرد على ل الهزائم والخيانات التي عايشتها رحلة الحياة والموت في العراق..انها تغوص في ذات الوطن لترسم من كنه الوجع فيه قلادة للخلاص وابتسامة جريحة على شفاه جرحها الصباح عند كل مجلس عزاء ونواح :

تقضمْ خطيئةً نالَت منكَ

أخرج إلى الكون

أوسِعْه ضربًا

أي قلبيَ الظَّاهر الباطن

خُذْ ولاّعتي واحرق ما بين فخذَيها

تلك العمياء التي ضجرَتْ من ذاتها

أعطِها اسمَها

اقدحْ شرارتها وتدلَّ بقلادتها

كلُّ الينابيع تكسَّرَت

على حُلمتَيها

 

 عمــــر الكوز -

  كاتب من تونس

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)

 

 

في المثقف اليوم