تكريمات

انطباعات قارئ عن تقانة عتبة النص عند القاص د. فرج ياسين .. نص الزوان نموذجاً / عبد الفتاح ألمطلبي

د. فرج ياسين  ولا علاقة لهذه الانطباعات  بالنقد المنهجي

لاحظت من خلال قراءتي لنصوص الكاتب أنه قد أولى عناية خاصة لصناعة عتبات نصوصه وقد حرص كثيرا على أن تعبر العتبة عن المتن السردي تعبيرا واسعا وذلك بشحنها بقيمة دلالية تعمل على استيلاد المضمونية  الكاملة التي سيتحصل عليها قارئه بعد تمام قراءة النص  ليخرج بنتيجة أن الكاتب قد نجح نجاحا باهرا في تحقيق ذلك

إن القارئ الذي يسعى لاستشفاف ما وراء عتبة النص أي نص يعمد إلى استبيان  الطرز

الأسلوبية التي ينطوي عليها (نصيص) العتبة فتقوده كشعاع ضوء تتفاوت حدته بين البصيص و السراج المضيء ففي نصه (الزوان) مثالاً ونموذجا ينطبق على نصوصه الأخرى،مع الأخذ بالاعتبار بعض التغايرات التي تفرضها البيئة التأثيثية للنص ففي نص (الزوان) الذي عرفه لغويا بالهامش بأنه ما يخالط البُر من الحب الغريب الذي يوجب على صاحب البُر لكي يصلحه ، تنقيته وفصله عنه بعملية فرز  مقصودة وحاسمة، يدخلنا الكاتب من خلال هذه العتبة بيسر محاولا الابتعاد بنا قليلا عن الإشارة المباشرة عبر سرد حدث عادي وهو إلقاء محاضرة في قاعة ، يدخل القاعة خليط من الناس  تحت ظروف مختلفة مما يؤدي إلى إنتاج سلوكيات متباينة  ، من هنا يبدأ الميكانزم  السيميائي  بالاشتغال  معبرا عن قيمة العتبة المصممة لإنتاج خطاب واضح المعالم و لننبهر بقدرته على تصميم هذه العتبة التي  ستكون مدخلا رائعا لنصه ابتداء من قدح الفكرة الأولى ومخاضها وانتهاء بولادة النص تحت عباءة تلك  العتبة التي غالبا ما تورثنا الانطباعات التالية:

1-  انبثاق العتبة كما هي في رأس الكاتب جاعلا منها خميرة لعجين النص أو هي ناتج المخض المتحصل من تفاعل مخلوقات النص مع بيئتها و أهداف مسيرتها نحو إنتاج زبدة النص  ليرى فيها الكاتب أهلية أن تكون عتبة لنصه معبرة عن حقيقة إن المرحلة المقبلة من حياة النص الأدبي أيا كان تجنيسه ستكون لقارئ ذلك النص بلا منازع منبها لمقولة الناقد الفرنسي تزفيتان تودروف (إن النص الأدبي يكتب لقارئ ما) وهو قطعا لا يقصد أي قارئ بل يقصد ذلك القارئ الذي  يبحث عن النص  المنطلق نحوه كسهم متجه لهدفه

2-  عتبة النص لابد أن تكون أول ما يلفت الانتباه ذلك لأن أي قارئ لا يستطيع تجاوز هذه العتبة  قافزا فوقها بينما كانت هي ما دعا القارئ لقراءة النص فكما يقال في المأثور (الكتاب يُعرف من عنوانه (عتبته)

3-  عتبة النص تعبر أول ما تعبر عن المؤلف (مؤلف النص) باعتباره القارئ الأول لنصه بعد ولادته (ولادة النص) وفي هذه اللحظة الحاسمة من حياة النص يموت المؤلف  وينبعث القارئ بداخله من خلال إنتاج هذه العتبة بعد القراءة الأولى وكثيرا ما نجد إن القارئ المؤلف يعمد إلى تغيير العتبة أو تكييفها مع المحتوى السردي قبل إجازتها كعتبة نهائية لنصه إثر قراءة أو قراءات متعددة .

4- لا غرو أن تكون العتبة الرئيسة للنص باعتبارها نصا قائما بذاته موازيا للمتن مفتاحا رئيسيا أو مدخلا واسعا  للنص وعلى ذلك لابد من استنطاقها ومحاولة فك مغاليق النص الإشارية والتأويلية من خلالها .

5- يبدو أن القاص الكبير   د.فرج ياسين قد انحاز انحيازا كليا في صناعة عتبات نصوصه إلى العناية بالخطاب الداخلي الذي يحرص على شحنه في مدلولية العتبة فمثلا في نموذجنا نص (الزوان) ذهبنا معه في مقاصده الكلية إلى حركة المفردة (الزوان) في كل اتجاهاتها على اختلاف فضاءآتها الدلالية لترسم لنا خارطة طريق محكمة للوصول إلى منطقة التأويل التي حددها لنا الكاتب بذكاء كبير.

 

خاص بالمثقف

.................................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (عدد خاص لمناسبة تكريم القاص المبدع فرج ياسين اعتبارا من 14 / 4 / 2012)


في المثقف اليوم