تكريمات

المثقف في حوار مفتوح مع القاص المبدع فرج ياسين (9)

zahem jehadخاص بالمثقف: الحلقة التاسعة من الحوار المفتوح مع القاص المبدع فرج ياسين لمناسبة تكريمه، وفيها يجيب على اسئلة الأديب زاحم جهاد مطر.

زاحم جهاد مطر، أديب وكاتب / العراق

س88: زاحم جهاد مطر: التغيير الكبير الذي حصل في العراق بعد 2003، كيف انعكس في نتاجك الأدبي؟

ج88: فرج ياسين: دعني أجعل قصصي نفسها تجيب على هذا السؤال . فأنا على الصعيد الشخصي عالق ـ مثل غيري ـ في حبائل الخذلان والخيبة، حتى أن كلمة تغيير جعلت تحتفظ بدلالتها الحياديّة، فهو تغيير فحسب . وليس بالوسع القول أنه تغيير نحو الأفضل .. لأن الأحلام والتطلعات ما زالت تلوب في مخاضها العسير، فلا حريّة كما ينبغي للحريّة أن تكون ولا ديمقراطية كما ينبغي للديمقراطية أن تكون، بل نكوص مُذل نحو الشوفينيّة الطائفيّة والقوميّة والحزبيّة والعشائريّة، نحن نكابد جاهليّة عصريّة خاصةً بنا، ولولا أن الرهانات الثقافيّة موجودة وفاعلة، ومتحركّة، لقلت أن التصفيات العدائيّة سوف تطال المواطنة العراقية وتقضي عليها ... قصصي كابدت وضعاً يوميّاً ساخناً وانطلقت منه فثمة قصص قرأت العلاقة مع الأمريكان   (وهم المستعمرون المعترف بهم ألآن) ولك أن تطّلع على قصص (قمقم الرعب الفسيح والأرتال والنقطة وكاوبوي وإطلاق النار والانكشاف ولو) وثمة قصص تناولت الهيمنة الإرهابيّة التدميريّة مثل : نزع الأقنعة وتوقيتات، على أن قصص آخر عرجّت على هموم إنسانية مُختلفة مثل بريد الأب وهبوط الطيور من الجنة وغيرها .

س89: زاحم جهاد مطر: بصورة عامة نصوصك مستوحاة من الواقع العراقي، وتهدف كتاباتك إلى الإشارة الواضحة وأحياناً الإشارة المبطنة إلى جوانب الخلل وإلى ما يجب أن يكون عليه الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي والإنساني بصورة عامّة ؛ السؤال هو : ما هو تصّورك عن مدى تأثير نصوصك في تغيير بعض السلوكيات في الجانب الفردي والجمعي؟

ج89: فرج ياسين: لا يسعني الإجابة على تأثير نصوصي ما لم أضع نتاجي الأدبي في مجموعة كبرى، هي الحصاد الأدبي العراقي بأجمعه ثم في مجموعة فرعيّة هي نتاج الساردين العراقيين كلهم، فأنا واحد من جماعة خلقت معاً وضعاً اجتماعياً وسياسياً وثقافياً وإنسانياً واحداً، وجعلت تصدر عنه في إطلاق نصوصها، أما عن التأثير الذي يتركه النص الأدبي فأنه لا يرقى على المدى القريب إلى درجة تغيير السلوكيات إنْ في الجانب الفردي أو الجمعي ؛ لأن الأدب لا يخاطب مباشرة ولا يٌصدر فرمانات ولا يحمل عصا المعلّم، ولا تسجل طروحاته وكشوفاته في الدساتير، أنه يوحي إيحاءً ويؤثر على نحو بطيء، ولا يكون ذا قيمّة تذكر الآ إذا وُضع في خط التفاعل الحيوي والنوعي مع المفردات الأخرى في مداميك البنى القوميّة، وعلى وفق ذلك فلا أنا ولا غيري من المبدعين قادر على الزعم بأن نصوصه الأدبيّة استطاعت أن تؤثر تأثيراً مُباشراً على الشارع الشعبي التقليدي،أما على الشارع الثقافي التخصصي فلهذا حديث آخر .

س90: زاحم جهاد مطر: بدون شك، فإن كل كاتب جاد مثل شخصكم لا ينشر النص إذا لم يكن راضياً عنه وبعد أن ينظر إليه بعين الناقد الحريف المتمكن الواعي، هل حدث وأن نشرت نصاً دون نظرة نقديّة له؟

ج90: فرج ياسين: بعد كل نص أقوم بكتابته والاطمئنان إلى خواتيمه، أمهل نفسي أسبوعاً أو أكثر إذ أدعه (في سنبلهِ)، ثم أعود إليه بروح الناقد وأدواته، لأنني من المؤمنين بأنه بعد الفراغ من كتابة النص يصبح النص غريباً عن صاحبه، وهذهِ المدّة الزمنيّة تتيح لي الخروج من سطوة الخيال، والعودة إلى التعامل الحِرفّي الواقعي، وهي خطّة أحتذيها مع كل نص، إذ إنني أجد فيها ـ في كل مرة ـ فائدة وقوّة .. ولا أذكر أني أنهيت نصاً ثم ترددتُ في نشره بعد أخذي بهذهِ الآليّة، لذلك لم أندم على نصٍ كتبته ونشرته حتى تلك النصوص التي لم تنعم بكلمة واحدة من أي ناقد على مدى عقود طويلة .

س91: زاحم جهاد مطر: ما هو النص الذي لم يكتبه فرج ياسين؟ وما هو النص الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟

ج91: فرج ياسين: النص الذي لم أكتبه في طي الغيب لأنه سوف يولد من رحمِ ما يستجد ويتغير ويتحوّل في الحياة، ومن رحم التأمل العميق والانفعال والخوف من التوقف عند المحطّة الأخيرة وعدم تجاوزها، ثم هو رهن بالفتوحات المعرفيّة والفنيّة في مجال السرد الذي يُعد المآل الأساس لمشغلي القصصِ، ولديّ تجربة شخصيّة أعدّها درساً مهماً في طريق الأداء، إذ إنني كثيراً ما خططّتُ لكتابة قصص ثم أهملت هذهِ المخططات ؛ لأنها لم تثبت حضوراً إجرائياً مُلحّاً يحملني على الشروع بالعمل، في حين أن لحظة عابرة يمكن لها أن تفرض نفسها وتلد قصّة غير مُفكّر بها أو مُعّد لها سابقاً، وأذكر هنا تجربتي في كتابة قصّة (عربات) المنشورة في مجموعة رماد الأقاويل والمكتوبة عام 1997 .

كُنت أمرّ بسيارتي من أمام مركز الشرطة الرئيس في تكريت فحانت مني التفاتة إلى رصيف الشارع ؛ أمدها لا يتجاوز الثانيتين، ورأيت منظراً عادياً جداً : شرطي صغير ضئيل ورجلُ ضخم الجثة، مقيد اليدين، وكان الشرطي مطرق الرأس كئيباً والرجل الذي يبدو أن الشرطي يريد نقله إلى مكان آخر ـ مرفوع الرأس في تحدٍ ظاهر .

هاتان الثانيتان أنجبتا قصّة ما زالت رمزيتها تفعل فعلها حتى هذهِ اللحظة .

أما النص الذي تمنيتُ أن أكون أنا كاتبه فهو قصّة (الحرب) لِلويجي برنادللو .. وهناك نصوص أخرى طبعاً .

س92: زاحم جهاد مطر: الواقع الأدبي والثقافي يعاني الكثير، ما هي برأيك أهم الجوانب السلبيّة التي تراها أكثر تأثيراً في هذا الجانب؟

ج92: فرج ياسين: الصورة الظاهرة للواقع الثقافي والأدبي تشير إلى أن خط الحضور وخط التطور حاضران ولا يستهان بهما إذا تمّ القياس على الناحيّة الكميّة، وادعوك إلى إلقاء نظرة قاصدة إلى المجلاّت المتخصصة والصفحات الثقافيّة في الصحف اليوميّة وإصدارات الكتب وأنشطة المنتديات والاتحادات والجمعيات والمواقع الالكترونية ومدونات الفيس بوك وغيرها .. لكي تتأكد من أن هناك ما يشبه التخمة الثقافيّة، والمشكلة القائمة تتمثل في ما هو السبيل إلى فرز وتشخيص العمل الجيد والذي يشكل إضافة حقيقية . وإذا أخذنا العراق أنموذجاً . فإن ثمّة ثقافة ثالثة تترعرع في أحضان الحراك اليومي، مصدرها هذا المزج الحميد لدى شريحة كبيرة من الأدباء والفنانين العراقيين المتأثرين بمواطن هجرتهم والعائدين على نحو دائم أو مؤقت ـ ببضاعتهم المُولّدة . بيد أن كل ذلك لا يعني أن الواقع الأدبي والثقافي يخلو من السلبيات ومرّد ذلك يعود إلى عدم تمركز النظام وتشتت الولاءات وتراجع المواطنة وفشوّ الانحرافات ووقوف المثقف على حدّ صراعي مع كل ما يحيط به من تخلّف وانكسار، وأنت تعلم أن خط التطوّر الايجابي يتطلب الاستقرار والثبات على مبادئ محدّدة وراسيّة وذات نسق يؤمن بالتعايش الحر والأمان .

س93: زاحم جهاد مطر: كيف يمكن النهوض بواقع الأدب والثقافة؟

ج93: فرج ياسين: النهوض بواقع الثقافة والأدب لا يتحقق عبر تفعيل القوانين الخاصّة، ولا بتصدير الأفكار، ولا بتكريس وسائل الإعلام، ولا بتوظيف الأموال للفعاليات ذات الصلة .. النهوض، يتطلب تأمين ساحة التواصل بين الفعاليات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويتطلب مَظهَراً عالي الكفاءة، لا يبقي لأي من هذهِ الفعاليات أرجحيّة عصابيّة . إذ اعتدنا على أن نُشغل ـ بهذا النوع الغرائبي من الجدل السياسي، وننسى أن هناك حياة اجتماعيّة تقف بالانتظار، وهي تحمل عرائضها وقوفاً ريثما ينتهي هذا الجدل السياسي لكي يتم الالتفات إليها وكذلك الحياة الاقتصادية والثقافيّة     والأدبية .. وكُنتُ سأقول لك أنّ النهوض يواقع والأدب يستدعي التفاتة أبوية شفوقة من رئيس الوزراء أو من وزير الثقافة أو من مسؤولي اللجان الثقافية في البرلمان لكن مثل هذهِ الحلول، التي (يتنومس) بدا البعض الآن، تشكل أخطر إساءة إلى الثقافة والدب ؛ لأنها تدخل في باب (المكرمات) ـ الفضائحي .. وأنت تعلم أيضاً أن الذين اشتغلوا على هذهِ الصفحة ليس لديهم تصوّر عن النظرة الكليّة للأشياء فنحن نحتاج إلى سياق حضاري وهم ليسوا متحضرين .

س94: زاحم جهاد مطر: من خلال تجربتك الشخصيّة الطويلة ماذا تقول للمبتدئين في كتابة القصة بالذات؟

ج94: فرج ياسين: كُنت صبيّاً في الصف الأول المتوسط . وكان درس اللغة الانكليزية من أثقل الدروس عليّ وعلى غيري من الطلاب . وأذكر أنني لحقت بمدرس المادّة بعد الانتهاء من أحد الدروس وقلت له كيف أتعلم اللغة الانكليزية وأصبح مُتمكناً من الدرس .. فقال لي :

Read and read and read .

وأنا ما عتمتُ أقول لمن يحيط بي من الشباب المتطلعيّن إلى تطوير أدواتهم هذهِ الجملة أبعد أن أروي لهم هذهِ القصة أيضاً، وهي إحدى الدروس المبكرّة في حياتي، على أن القراءة التي أدعو إلى زحزحة مفهومها ليستغرق كل وسائل الاتصال أن تتصرف إلى ملامسة نوعين من المعرفة السردّية، الأول يشمل النصوص من أي ثقافة خرجت والثاني يشمل الإحاطة بأسرار هذا الفن وقوانينه ومناهجه ومبادئه وموجهاته .

على أنني أدعو إلى نوع من الكدح والشغف ؛ لأنه من دون هذا الكدح وهذا الشغف لا يستطيع المبتدئ أن يصل إلى هدفه . واليوم وأنا أراقب أداء بعض المواهب الحقيقية أحياناً، أحزن كثيراً لأن أصحابها لم يأخذوا أنفسهم بالشدَةِ والصرامة، وهكذا، يضيعون فرصة شخصيّة نادرة .

س95: زاحم جهاد مطر: كلمة أخيرة لكتاب المثقف حَصراً؟

ج95: فرج ياسين: منذ أن انضممتُ إلى أسرة المثقف، وحظيتُ بتعاطفهم ومحبتهم، جعلت اشعر بأنني ضمن أسرة ثقافيّة متكاملة، ولديّ غزوات يوميّة تقريباً إلى موقع المؤسسّة ؛ لأنني أعرف أن هناك ما هو جديد ونادر ومؤثر، وأروع ما راق لي هو حريّة النشر في الصحيفة، حيث لا توجد حدود ولا تابوهات، كما إنني لمحت أن الانحياز الوحيد لدى كتاب المثقف هو للإبداع في جميع الاتجاهات والمشارب، أما الملفات التي تطرحها الصحيفة فهي من القوّة والثرّاء بحيث أن أثرها القرائي الايجابي يمكن أن يلمس في التعليقات والحوادث والمشاركة النادرة بين الأعضاء . لكل ذلك أقدم تحية محبة وعرفان للأخ المبدع ماجد الغرباوي، وكتاب المثقف الأصلاء ..

 

 

يمكن توجيه الاسئلة عبر الاميل الاتي

 

[email protected]

 

 

للاطلاع

 

المقف في حوار مفتوح مع القاص المبدع د. فرج ياسين

 

 

خاص بالمثقف

 

.................................

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (عدد خاص لمناسبة تكريم القاص المبدع فرج ياسين اعتبارا من 14 / 4 / 2012)

 

في المثقف اليوم