تكريمات

المثقف في حوار مفتوح مع القاص المبدع فرج ياسين (10)

hamid laftaخاص بالمثقف: الحلقة العاشرة من الحوار المفتوح مع القاص المبدع فرج ياسين لمناسبة تكريمه، وفيها يجيب على اسئلة الأديب حميد الحريزي.

حميد الحريزي: أديب وكاتب / العراق

س96: حميد الحريزي: ما هو رأيكم بما يسمى بالأدب النسوي، وهل ترى أن هذا التصنيف يخدم قضيّة المرأة أولاً . وهل يغني الأدب ثانياً؟

ج: 96: فرج ياسين: يُساعد حضور المرأة المكثّف في الحياة الاجتماعيّة الراهنة على تقبّل (إنتاجها) مهما كان نوعه، فنحن نتحدث عن المرأة الطبيبة والمرأة المهندسة والمرأة المدرسّة... فما الذي يمنع من أن نتحدث عن المرأة الأديبة، وهل يعد الدخول في حديث من هذا النوع انحرافاً عن جادّة ما ..

قبل سبعة عقود ونيّف قدم عبد الرحمن النقيب (أو كاد) استقالته لأن امرأة ظهرت في حفل رسمي وهي تمتطي بعيراً مع أنها كانت محجبّة، أما الآن فإن البرلمان العراقي يضج بالنساء من كل لون، وحين تألق إبداع فرجينيا وولف وسيمون دي بوفوار وفرانسواز وساكان ونازك الملائكة وفدوى طوقان وغيرهن،لم نشهد من جعل من حضورهن في المشهد الثقافي قضيّة خاضعة للمناقشة أو الأخذ والرد تأسيساً على التمايز الجنسي، وبأي وجه سأقول للطفيّة الدليمي وميسلون هادي ووفاء عبد الرزاق أخرجن من دائرة الأدب أو أرتكنّ في زاوية ما من حظيرته الفسيحة، أما ما يشاع حول لغة المرأة وطبيعة الموضوعات التي تتناولها المرأة في أدبها فإن هذا لا يغض من أهميّة عطائها، إذ يُعد أمراً طبيعياً جداً، لأنها إن لم تعبّر بلغتها وتطرح قضاياها الخاصة لن يتاح لنا معرفة عالمها على نحو دقيق وصحيح .

فأنا إذن ممن يعترفون بوجود أدب نسوي بمعنى ـ الأدب الذي تكتبه المرأة ـ لأن في هذا اعتراف بعقلها وذوقها وشراكتها الحقيقية الفاعلة، وأنا ممن يؤمنون بأنه يخدم قضيتها على فرض أن قضيتها ليست منفصلة عن سيرورة الحياة العامة، وأنا ممن يرون أن الأدب النسوي يُغني الأدب لأنه نشاط إنساني أولاً وأخيراً .

س97: حميد الحريزي: لا بد أنكم اطلعتم أو قرأتم أو دعيتم إلى ما يسمى بـ (منظمة الأدبيات) . هل ترى من مبرر لهذا التصنيف في الأدب أي ذكور وإناث، ألا ترى أن هذا الأمر يزيد من عزلة المرأة حتى في وسط المثقفين؟ برأيك من يقف وراء مثل هذا العزل والتشظي في الثقافة والأدب؟

ج: 97: فرج ياسين: لم اطلّع ولم أقرأ ولم أدع إلى ما يسمى بمنظمة الأديبات قبل أن أتلقى سؤالك هذا، لكنني لجأت إلى (النت) وعرفت أن هذهِ المنظمة مؤلفة في مدينة النجف، حسناً، إسأل عن خصوصيّة الحاضنة أذن، ربما في هذهِ الظروف التي يهيمن عليها الانغلاق الديني غير مسموح للمرأة أن تتواجد في الفعاليات الثقافية مع الرجل كتفاً إلى كتف، وفي هذهِ الحال ليس أمام النساء الآ أن يجدن بؤرة للتواصل، ولكنني لست سيء الظن لأقول أنهن يجتمعن لكي يتآمرن على الرجال، أو على الأدب الذكوري .

س98: حميد الحريزي: السرد الغرائبي، هل يتجّلى حضوره في رواية الحب أو الرواية التاريخيّة أو السياسيّة؟

ج: 98: فرج ياسين: إنه سرد ينتمي إلى مشغل الأديب، وهو تقانة يستعملها الروائي كلما وجد حاجة إلى ذلك ورواية مائة عام من العزلة على سبيل المثال فيها حب وتاريخ وسياسة لكنها استثمرت هذا السرد .

س99: حميد الحريزي: ما هي أهم المنابع التي يستند إليها الكاتب القاص أو الروائي في السرد الغرائبي؟

ج: 99: فرج ياسين: الواقع، ولكن بعد أن يُعتصر اعتصاراً، وبعد أن توجّه إليه عدسة تعمل على تكبير الصور الدقيقة المخفّية وراء المظاهر العاديّة الزائلة، وأنا على الصعيد الشخصي لم أذهب بعيداً حين التقط موضوعات قصصي أو شخصياتها، كل ما أفعله هو اكتشافها، إنها موجودة تحيط بنا وتستوطننا أحياناً، والواقع إذا أحسنّا رؤيته قمينُ بأن يزودنا بالغرائبي والعجائبي والفانتازي على فرض أن الفانتازي وهو قوّة تخيّل مُنتجه يقع بين الغرائبي والعجائبي أي يقع في نقطة التردد بين السردين، وفي كتابي (أنماط الشخصيّة المؤسطرة في القصّة العراقيّة) ربطتُ بين الغرائبي والواقعيّة الخيالية وبين العجائبي والواقعية السحريّة .

س100: حميد الحريزي: هل يمكن أن نستدل على أسم أو أكثر عربي أو عالمي له أثر في أسلوب سرد فرج ياسين الغرائبي؟

ج: 100: فرج ياسين: لعل اتصالي المبكّر بكتاب ألف ليلة وليلة وإعجابي بحكاياته كان أحد المحفّزات المهّمة على اقتران كتاباتي القصصية أو بعضها ـ طبعاً - بهذا النوع من السرد لكن تفاعل جيلنا مع أدب أمريكا اللاتينية ولاسيما بورخس وماركيز كان له أثر عميق على شحذ هذا الطابع السردي والارتقاء به .

س101: حميد الحريزي: مًن من النقاد العراقيين الذين كتبوا  عن إيقاع السرد الغرائبي عند فرج ياسين استطاع أن يلامس المعنى والدلالة التي أراد أن يعبّر عنها في قصّه الغرائبي أكثر من غيره؟

ج: 101: فرج ياسين: بما أن الطالبة ثمار كامل كتبت رسالتها الجامعيّة بهذا العنوان فإنني لا استطيع تجاوز جهدها من دون التنويه به، أما النقاد العراقيين فهم الدكتور ثائر العذاري والدكتور فاضل عبود التميمي  والدكتورة سوسن البياتي . لأن كل واحد من هؤلاء كتب أكثر من مقال في هذا الاتجاه، ودرّسا بعض قصصي لطلبة الدراسات الأوليّة والعليا في الجامعات التي يعملون فيها .

س102: حميد الحريزي: ما هو رأيكم بالقصة القصيرة جداً . وهل لكم مساهمة في هذا القص؟

ج: 102: فرج ياسين: أصبح فن القصة القصيرة جداً معترفاً به، بوصفه نوعاً فرعيّاً من جنس القصّة، واليوم يتم تداول كتابة القصة القصيرة جداً في عموم الوطن العربي، فقد وضعت دراسات نقديّة مهمة تناولت عناصرها وأساليبها وتقاناتها . كما دخلت حيّز الدراسات الأكاديميّة إذ نوقشت عدّة رسائل وأطاريح عنها، وثمّة كتابٌ عربُ وعراقيون نشروا مجموعات قصصية كاملة أذكر منهم في العراق رائدها خالد حبيب الراوي وبعده بسنين عديدة هيثم بهنام بردى وجمال نوري وغيرهم، وكان الشاعر سامي مهدي قد كتب مقالاً لمناسبة صدور كتاب عن تجربة خالد حبيب الراوي بعد وفاته استعرض فيه تاريخ القصة القصيرة جداً في العراق وأهم من كتبوها، فذكر مجموعتي القصصيّة (واجهات براقة) بوصفها أفضل من مًثّل هذا الفن القصصي في العراق .

أما مساهمتي فيها فقد بدأت مع مجموعتي الأولى (حوار آخر) إذ نشرت فيها قصة واحدة هي الكتابة الثانيّة لقصة الأفول .. ثم تولى بعد ذلك نشري لهذا النوع من القصص .

س103: حميد الحريزي: عبد الرحمن مُنيف كتب روايته أرض السواء مستشرفاً ولا أقول وثّق تاريخ العراق أثناء الاحتلال العثماني وعشيّة الاحتلال البريطاني ألا ترى أن هناك نقصاً كبيراً لدى كتاب الرواية العراقيين في التصدي لهذهِ المهمة . ولاسيما وأن تاريخ العراق لم يوثق روائياً؟

ج: 103: فرج ياسين: هل نسيت الراحل غائب طعمة فرمان الذي وثّق تاريخ العراق الحديث منذ الحرب العالميّة الثانيّة (النخلة والجيران) صعوداً إلى السبعينات عبر رواياته الثمان، وما قولك برائعة الراحل فؤاد التكرلي (الرجع البعيد) عن فترة 1958 وما تلاها، ثم أن الروائي عبد الخالق الركابي يعد أفضل من نبشُ في تاريخ العراق عبر رواياته (من يفتح باب الطلسم) و(الراووق) و(قبل أن يحلّق الباشق) و(سابع أيام الخلق)، وهي سلسلة تلامس تاريخ العراق من زوايا مختلفة، وثمة أعمال أخرى لا تسعف بها الذاكرة الآن .

س104: حميد الحريزي: بوصفكم أكاديمياً وتدريسياً في الجامعات العراقيّة وفي مجال الأدب، هل ترى في مناهج ووسائل التدريس الجامعي مما يشجع ويحفز وينمي القدرات الأدبيّة والثقافية والفكريّة؟

ج: 104: فرج ياسين: بما أن السؤال توخّى تجربتي الخاصة فإنني سأسارع إلى التحفظ على ما هو صحيح وإيجابي في حدود المناهج المكلّف بتدريسها، ودعني أروي لك أخي الأستاذ حميد هذهِ المفارقة، أنا أدرس مادة النقد الأدبي الحديث، والكتاب المقرّر من تأليف المبدعين الكبيرين والصديقين العزيزين الدكتور عبد الرضا علي والدكتور فائق مصطفى، وهما أستاذان كبيران لهما باعهما المعروف في إثراء الحراك الثقافي العربي، والكتاب يعد مفتاحاً للولوج إلى عالم النص الفسيح، لكن فصل التطبيقات ضيّق ومحدود، كما أن الوقت المتاح لا يساعد على تعويد أو تكليف الطلاّب والطالبات بتدريس النصوص، إذن يخرج هؤلاء بحصيلة نظرية جيدة من دون أن يعطى للمارسة حقها، والغريب أن جميع مناهج أقسام اللغة العربية تركّز على تاريخ الأدب ونظرياته، وفي لقاء لي مع الطالبات في قسم اللغة العربية أشرت لهن إلى واقعة شاخصّة، ففي قسم اللغة الانكليزية وعلى مدى سنيي الدراسة الأربع  تدرس الطالبات رواية ومسرحي وبعض القصص القصيرة والكثير من النصوص الشعرية .. في حين أننا في قسم اللغة العربية، نمر بعنوانات الكتب الإبداعيّة ومؤلفيها من دون أن نعرف عنها شيئاً .. ثم أن مشكلة الكتاب المقرّر تحدّ من حريّة الأستاذ الجامعي ولاسيما حين نهدد أحياناً بالامتحانات المركزيّة، إذ أنت في هذه الحال تعطي جلّ وقتك للكتاب المقرر ولا تستطيع أن تخرج إلى مادّة أخرى ترى فيها فائدة أو إضافة .

س105: حميد الحريزي: عُرف عنك عدم التزّلف للسلطة الشموليّة، بل حافظت على استقلاليتك المعروفة، ما هي مقوّمات الحصانة للمثقف لكي لا يكون ضمن حاشيّة السلطان ولا يسقط في وحل السلطة؟

ج: 105: فرج ياسين: كان شعاري وما زال:

(أنا إن عشتُ لست أعدم قوتاً

وإذ متُّ لست أعــدم قبــراً

همّتي همة الملوك ونفسي

نفس حُرِّ ترى المذّلة كُفراً

وإذا ما رضيتُ بالعيش (حُرّاً)

فلماذا أزور زيداً وعمراً)

س106: حميد الحريزي:  أين يرى فرج ياسين ـ كعراقي ومثقف وقصّاص ـ السبب في حالة اللا أمن واللا خدمات وتفاقم الفساد والتناحر والهدام بين أطراف القوى الحاكمة؟ هل هو في بيئة الطبقة السياسيّة المهيمنة على السلطة؟ هل هو خلل في بيئة المجتمع العراقي؟ هل هو بفعل خارجي خارج عن السيطرة والتحكم؟

ج: 106: فرج ياسين: إنه في كل هذهِ الأمراض مجتمعة، غير أن هذهِ ليست سوى أعراض عابرة لكارثة تاريخية ملخصها أننا لم نتصل بعد بوسائل التحضّر، ولم نتخلّ بعد عن أساطيرنا القديّمة، وأننا ابتدعنا حاضنات جديدة لابتكار أساطير عصرية خاصة بنا، باتت تتحكم في تنظيم جميع هذهِ الأمراض التي أشرت إليها . إذ وحدنا في عراق اليوم، أوقفنا سردّية التاريخ الصاعدة نحو الرقي واستحضرنا ـ بكل ما أوتينا من تخلّف - أصنامنا القديمة، وأخذنا بهوّية التسافل، وها نحن نمضي القهقرى راجعين إلى القرية بعد أن دمّرنا تقاليد  التمدن، تمهيداً لعودتنا إلى الباديّة .

س107: حميد الحريزي: ما هو رأي فرج ياسين في المواقع الالكترونية والكتابة في النت، وما هو رأيه في قول أحد الدالات (الكتابة في الانترنيت والمواقع الالكترونية كالكتابة على جدران دورة المياه)؟

ج: 107: فرج ياسين: هذا رأي متطرف وغريب، لولا النت لما انعقدت بيني وبينك هذهِ العلاقة الإبداعية المفيدة، ولما استطعتُ التواصل مع عشرات الأشخاص في العالم، ولما استطعت أن أسوّق قصصي وأحظى بقراء جدد هم ليسوا قرّاء الصحيفة أو المجلّة أو الكتاب، الذي كثيراً ما نسمع به ولا نراه والحديث طويل وفي هذا المجال .

س108: حميد الحريزي: ماذا تقول لي لوجدتني أجر بالكسرة المبتدأ والخبر، أو الفاعل أو اسم كان وأخواتها؟

ج: 108: فرج ياسين: سأقول لك ـ وحاشاك أن تفعل ذلك ـ كما قال الأعرابي للخليفة أبي جعفر المنصور.. وإليك القصّة .. (تكلّم أبو جعفر المنصور في مجلس فيه أعرابي، فلحنَ، فصَرّ الأعرابي أذنيه، فلحنَ مَرّة أخرى أعظم من الأولى، فقال الأعرابي: أُفٍّ لهذا، ثم تكلّم المنصور فلحن الثالثة، فقال الأعرابي: أشهدُ لقد ولّيت هذا الأمر (أي الخلافة) قضاءً وقدراً .

س109: حميد الحريزي: هل يتمنى فرج ياسين عودة العمر إلى الوراء، لكي يتمكن أن يحقق عملاً أو حلماً عجز عن تحقيقه، أو تصحيح خطأ لم يستطع تصحيحه خلال مسيرة حياته العامرّة؟

ج: 109: فرج ياسين: تأكد يا أخي أن كلّ إنسان يتمنى أن يعود إلى الوراء لكي يستطيع أن يفعل ما أشرت إليه .. ولكن ليس باليد حيلة، لذلك يجب الاعتراف بالأخطاء والسقطات والهنات وحتى بالفشل .. وكلمة الاعتراف تُبطن حالة صحيّة تماماً، لأنها تستطيع تأمين مرجعيّة عادلة وبنّاءة للإنسان في مستقبل أيامه .

وأعتذر لك عن عدم الإجابة عن بعض الأسئلة لأنها مُكرّرة وعن التصّرف ببعضها الأخر، وأنا لاأكتم إعجابي بأسئلتك مع محبتي.

 

يمكن توجيه الاسئلة عبر الاميل الاتي

 

[email protected]

 

 

للاطلاع

 

المقف في حوار مفتوح مع القاص المبدع د. فرج ياسين

 

 

خاص بالمثقف

 

.................................

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (عدد خاص لمناسبة تكريم القاص المبدع فرج ياسين اعتبارا من 14 / 4 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم