تكريمات

فرج ياسين يتقلب على حافات السنين المدببة / حسين سرمك حسن

فتحظير المحارم هو السيرورة التي بها تتجاوز الطبيعة نفسها”

                                              (كلود ليفي شتراوس)

 

يقول “غوته” في الجزء الاول من “فاوست”:

“جئني بمنديل من صدرها

أو بربطة الساق التي ضغطت عليها ركبتها”

ما الذي يقصده غوته؟ وما الذي سيجنيه من منديل يأتيه من صدر حبيبته او ربطة ساق ضغطت عليها ركبتها؟

في ضوء اطروحات التحليل النفسي يمكن ان تحل أهداف وسيطة أو تمهيدية محل الهدف الجنسي الاصلي ، وهذا ما يطلق عليه “الفتشية” وهو الشيء الذي كان بعض الشعوب البدائية ينسب اليه قوة سحرية او روح تحفظ الانسان الذي يملك هذا الشيء او جزءا منه . وقد استخدم معلم فيينا لفظ “فتيش” ليعبر به عن نوع من الانحراف الجنسي يتميز بحدوث التهيج عن طريق رؤية جزء من بدن الشخص المحبوب أو شيء آخر يتعلق به كملابسه أو منديله أو رائحته ، وكأن ذلك الجزء من البدن أو ذلك الشيء قد اصبح “فتيشاً” أو رمزاً للمحبوب أو لجسده المثير والمهيج والمشتهى . وهذا هو الاساس الذي يجعل بعض العشاق والكثير من الشعراء يقولون : كلما شاهدت منديلاً ازرق تذكرت عينيها ، أو كلما شممت هذا العطر تذكرت تلك الليلة الملتهبة معها . ويكون الدافع الأساسي لذلك في الغالب هو أن الهدف الأصلي ممنوع أو محرّم ؛ وهو موضوع الحب الأصلي في علائق المثلث الأوديبي . لكن هذه الرغبة المحظورة في موضوع الحب الأصلي لا تموت وستكبت لائبة في أعماق اللاشعور وتتململ قلقة تبحث لها عن منفذ منكر يبعدها عن عين الرقيب الفردي – الأنا الاعلى – والضمير الاجتماعي ونواهيهما .

وتحتاج هذه الرغبات المكبوتة الغائرة عادة الى محفز ما ، يثيرها ويوظفها ويوفر لها الاشباع الجزئي من جانب ، وتتستر به وبأغطيته الخادعة من جانب آخر، وهذا المثير المشبع والمموه هو الذي سمي بـ “الفتيش” اعتماداً على معلم التحليل النفسي . ويتجسد في قصة “حافات السنين المدببة”* للقاص “فرج ياسين” ، في رائحة القرنفل ، تلك الرائحة التي شمّها الصبي “علي” أول مرة عندما كانت أمّه تحمله على عاتقها – أي مع بدايات تشكّل إرهاصات المركب الأوديبي :

“كانت رائحة القرنفل تردني الى صورة تناهت الى ذاكرتي من زقاق ما ، في مدينة الطفولة النائية ، تحملني أمي على عاتقها مثل رحل ، وتتوقف بي أمام البيوت للسلام على العجائز المقرفصات بجوار أبواب بيوتهن يغزلن ”.

ومن الواضح أن عملية حمل الصبي هذه تتكرر كثيراً ولمدد غير قصيرة . ونستطيع ان نتصور طبيعة هذه الجلسة التي ينتصب فيها الصبي على عاتق الأم – العاتق هو المنطقة التي بين المنكب والعنق – ومقدار الاهتزاز المهيج الذي يحصل في تلك الجلسة ، والذي يثير الأعضاء التناسلية للطفل بسبب الاحتكاك والضغط وتعلق الطفل برأس أمه بقوة خوفاً من السقوط ، وملامسة إحدى قدميه ثدي أمه الحاني ، ثم – وهذا هو الأهم بالنسبة لـ “علي” – رائحة القرنفل التي تملأ أنفه الملتصق برأس أمه . كل ذلك ينضاف اليه شعور الطفل بالارتفاع والسيطرة .

وإذا تصورناه بدقة سنفهم كيف عززت تلك الجلسة التعلق النفسي للطفل بأمه ؛ الاستشارة الجنسية المصاحبة ، وهو في هذه المرحلة الحرجة من تطوره النفسجنسي . ومن المعروف ان حدوث الاثارة الجنسية وحتى الاستمناء عن طريق هز البدن هزأ آلياً هو أمر شائع بين الاطفال المغرمين بالتأرجح والقذف في الهواء. وعلى هذا الوضع – الجلسة على عاتق الأم – كانت تتم إثارة الطفل مع توفر عامل مهم جداً هو رائحة القرنفل المهيجة المنبعثة من شعر رأس الأم ، والتي أصبحت بالتكرار والتعزيز – الارتياح النفسي والاستثارة – وبنوع من “الإشراط السلوكي” البافلوفي مثيراً ينبّه خيالاته الجنسية حول موضوع حبه الأصلي ، والذي من المتوقع أن يثير في أعماقه الغضة درجة من الشعور بالذنب بسبب استدعاء صورة الأب الخاصي والمعاقب ، الأب الذي لم يرد له أي ذكر في هذه القصة ، ليتركها الكاتب ساحة مفتوحة لتنامي العلاقة بين الصبي وأمه بعيداً عن الحضور المنغص للغريم التقليدي .

وقد كان الأنموذج الوحيد للسلطة الأبوية هو “محمود أفندي” – زوج العجوز “روفه” وقد مات منذ سنين ولا فعل له في القصة ، كما ان اختيار “أرملة” كموضوع للحب هو في مضمونه عدوان على الأب ، وتعبير عن رغبة في فنائه ، يقول القاص :

“في ذلك المساء لاحت أمي في أمشاج الأحلام الصبيانية المرحة ، وهي تهوي على وجهي ، وتلقم أنفي نفحة من أريج سلسلة زهر القرنفل المطمور في فوطتها ” فتصبح المعادلة :

رائحة قرنفل = “ذكرى أم” = موضوع حب ، ويفضح الاستخدام الماكر للقاص لمفردة “لقم” التي شاع وثبت استخدامها مرتبطة بالفم وبالبلع وبالطعام ، واستخدمها هنا للشم والاستقبال عن طريق الأنف ، ليوضح شدّة انهمام الصبي بأمه ، وقوة الاشتياق اليها ، معبراً عنه بالنزوع “الالتهامي” .

ورائحة القرنفل هذه هي القاسم المشترك بين الأم – أم الصبي “علي” – والعجوز “روفه” كبديل لصورة الأم المحرمة ، والتي يشمها مع أول خطوة يضعها على عتبة بيت العجوز.

“شققت طريقي ذاهباً الى حيث ما ظننته نداء باسم التدليل التي اعتادت أمي اطلاقه علي”.

وبعد هذه الخطوة يبدأ باسقاط رغباته الجنسية اللاشعورية على ما يصدر في العالم الصغير المحيط به فهو يفسر نداء العجوز :

"أقبل يا علي" ..

بقوله: “ فجأة ، أحســـست بأن النبرة تغيرت .. صار النداء يشبه دعوة مدغدغة لمزاولة لعبة سرية وراء واحدة من تلك الصخور ”.

ثم يضع العجوز “روفه” في صورة جميلة ومؤثرة ، ويضفي عليها أوصافاً مدهشة ذات مضامين جنسية ، لا تتعلق الا بموضوع حب أثير مفعم بالعاطفة والتوق الحارق :

“جدولي شعرها البراقين .. قامتها المعتدلة أكثر طولا من أية امرأة عرفتها .. خصلتا شعرها الهاطلتان الآن فوق ثدييها بلون السنابل المتراقصة تحت الشمس” وفي لحظة التقرب هذه تفوح رائحة القرنفل لتثير كل الرغبات المكبوتة والتي اختزنت طويلاً وتذكره بموضوع حبه الأصلي :

"سمعت خشخشة عقود ، في ما فاحت رائحة القرنفل ، فسبقت الى دمي لكنها – أي العجوز – هُرعت الى حيث أقف ، ورفعت حزمة صغيرة وأدنتها من أنفي .. كانت رائحة القرنفل تردني الى صورة “تناهت الى ذاكرتي من زقاق مدينة الطفولة النائية : تحملني أمي.. الخ” .. و :

“سمعتُ لهاث العجوز ، ورفعني عطرها الى أزقة الروح ، مثل رحل مستسلما الى وخزات اعضائها في أماكن متفرقة من جسدي ، في القلب حرقة غامضة كالحلم . بعدها أخذ جسدها ينقبض مثل زفرات طفل مقرور.. صرخت : لا.. لا.. ثم فاح لعاب دبق .. وأنّتْ محشرجة مرخية أطرافها الثائرة”،

ولكن الرائحة الأخاذة المتحكّمة تثير وتحرّك المكبوت ، ولكنها لا تحرر الإرادة المعتقلة ، تلك الإرادة التي عطّلها الشعور بالأثم والتثبيت النفسي في دائرة الأنموذج الأصل . لذلك كان لزاماً على الصبي أن ينفلت من أخطبوط حبائلها ، ولكن حاملاً آثار المنبّه الغائر في الوجدان : تلك الخيالات الفتيشية المرتبطة برائحة القرنفل :

"مرقتُ من تحت أبطها متعثراً بصرة الطعام . كان إصبعا الضوء ما يزالان يخزان جفني في ما ضج جسدي بعرق منقوع برائحة القرنفل الطاغية".

وينهي القاص المبدع قصته بموت العجوز (روفة) ليدفن بموتها آثار رغبات الصبي المحرمة التي أثارت في داخله أحساسيس شديدة ومربكة بالإثم بفعل رقابة ضميره المتزمت ونواهي مجتمعه الدينية والأخلاقية وهو في تلك المرحلة الهشة من التكوين النفسي . لذلك تقول له أمه حال دخوله البيت ، ومن دون ان تنظر اليه ، كما يقول :

"وصلت الى البيت . ومع أن أمّي لم تكن تنظر اليّ ساعة ، رأيتها ، وهي تنحني على إناء مملوء ملحا إلا أنها همست : عيناك تبرقان" .

وإذا عدنا قليلا مع وقائع القصة ، فسنجد أن الضوء قد وخز عيني (علي) بأصبعه حين همت به ( روفه) ، ورائحة القرنفل تسوق معها صورة امرأة الروح ، وكأن القاص يحاول تذكيرنا بالعقاب الإخصائي المدمّر الذي وجهه أوديب الى عينيه كقصاص مكافىء للإثم الهائل الذي اقترفه .

ويبدو إن العينين هما (ممر) و(مفتاح) لـ (معرفة) شجرة المحارم – ومن معاني "التعرّف" لغوياً المواقعة - ولذلك فإن القصاص لابد أن يُوجّه اليهما ، فهما في الواقع أداة "الجريمة" .

والصبي يعلن أنّ أمه (تعرف) - من دون ان تنظر اليه - أن عينيه الآن تبرقان بشهوة جارحة وموجعة ؛ شهوة النفس اللائبة الصغيرة التي لم تتأسس حواجز سميكة وثقيلة ومغيّبة لدفاعاتها ومقاوماتها النفسية .

مَنْ يستطيع (التعرف) إلى نوايانا الغادرة غير من يتربع على عرش تلك النوايا ؟ ومن تنسرب ذكراه - كل لحظة - في عروق لاشعورنا نسغ لذة وحياة ذكرى منعشة لا تُعوّض ؟ .

وفرج "بنّاء" حكايات ، و "مهندس" يحسب لكل مفردة من مفردات النص معنى ودورا ، ويصمّم لكل مشهد وصورة مهما كانا "وظيفة" ودلالة . وعليه ، فليس عبثا إن القاص جعل أمّ الصبي تنحني على إناء مملوء بـ "الملح" - وليس بالرز مثلا - . ذلك ليذكرنا بالقول المأثور وقصته الموروثة المعروفة ، والذي مفاده : "اذا فسد اللحم نعالجه بالملح ، فكيف اذا فسد الملح ؟ " . وهذه المعرفة تأسست - ليس كما يقول كلود ليفي شتراوس على أساس تحظير المحارم - بل على الشعور بالذنب الذي رافق ادراك الفرد لـ (ضرورة) تلك الدوافع الآثمة . بدأت الثقافة مع الحاجة الى التكفير عن مشاعر الإثم المترتبة على الجريمة المزدوجة : قتل الاب وامتلاك موضوع الحب المحرم ، وليس في واقعها الفعلي والإجرائي بل في صورتها المتخيلة التي نختزنها في أعمق طبقات لاشعورنا مادام الأنا الاعلى / ضميرنا يُصدر أحكامه القاطعة على أساس النوايا ، مثلما يُصدرها على أساس الفعل الملموس .

ولغرض استفزاز مشاعر بعض القرّاء "النباتيين" بدرجة أكبر – وهذا في مقدمة مسؤوليات المبدع - يتبعه الناقد طبعا - وواجباته – في ما يخص نزعة "المحارم" أنقل هنا مداخلة "جيمس فريزر" المقنعة حول الموضوع والتي ذكرها في كتابه الشهير "الغصن الذهبي" :

"إننا لا نرى جيدا ما الذي يحيج غريزة متأصلة إلى أن تُعزّز بقانون . إذ ليس هناك من قانون يأمر الإنسان بالطعام والشراب أو ينهاه عن وضع يديه في النار . والناس يأكلون ويشربون ويبعدون أيديهم عن النار بصورة غريزية خوفا من العقوبات الطبيعية . وهذا الذي تحرّمه الطبيعة وتعاقب عليه ليس بحاجة إلى ان يُعاقب بقانون . ولهذا فنحن نستطيع أن نقبل بلا تردد أن الجرائم الممنوعة بقانون هي حقا جرائم يرتكبها بسهولة كثير من الناس بحكم الميل الطبيعي . ولولا وجود الميول السيئة لما وُجدت الجرائم ، ولولا وجود الجرائم لما كانت هناك جدوى في منعها .

وهكذا فأننا بدلا من أن نخلص من التحريم الشرعي لإتيان المحارم إلى وجود كراهية طبيعية ، يجب علينا ، بالعكس ، أن نخلص إلى الاعتراف بوجود غريزة طبيعية تدفع إلى إتيان المحارم . ولئن كان القانون يحرم هذه الغريزة ككثير من الغرائز الطبيعية الأخرى ، فذلك لأن الناس المتمدنين شعروا بأن إرواء هذه الغرائز الطبيعية أمر موذٍ من وجهة النظر الاجتماعية .." .

 

واذا كانت المعرفة البشرية – باكملها – قد قامت على النواة المسمومة لإدراك الدوافع المرغوبة والمحظورة في نفس الوقت ، فإن اللغة – وهي اعظم أدوات المعرفة البشرية التي أبدعها الإنسان – وهو "حيوان معصوب" ثم تطور الى "حيوان ناطق" - كانت من نتائج تلك الحاجة الساخنة المتمثلة في تنكير وتمويه الخفرات الآثمة وتغريب المكبوت . من دون هذه الحاجة المستعرة كان بإمكان الإنسان الاكتفاء بلغة الإشارة أو اللغة اللاشفاهية . هذا ما يثبته بأصدق بيان الأسلوب الاستعاري الذي استخدمه القاص – وهو من مميزات فرج ياسين الأسلوبية أصلا - في وصف انفعالات شخوصه ، والذي كان من الممكن أن يكون في صورة أخرى لوأزيلت (الغشاوة) اللاشعورية عن بصر شعوره وبصيرته . قال القاص :

".. رفعني عطرها مثل رحل ..."

ونعلم بصورة مباشرة مبلغ التناقض بين مادّية المعلول "الرحل" ولامادية العلّة "رائحة القرنفل" .

وقال أيضا :

".. جسدها ينقبض مثل زفرات الطفل المقرور" ..

والإنقباض – كما هو معروف – يوحي للسامع بمعاني الإنسحاب الى الداخل ، في حين يتضمن الزفير حركة اندفاعية الى الخارج .

وكلا المعنيين الظاهرين لا يمكن أن يفهما بصورة عميقة ومؤثرة من دون أن نحيلهما إلى معانٍ رمزية جنسية حييّة لابت في أعماق الصبي "علي" – ولاحظ أن أغلب أبطال قصص فرج هو أطفال أولا ، واسمهم "علي" ثانيا - . وهذا المسلك في التفسير يحيلنا إلى واحد من أعظم مكتشفات التحليل النفسي وهو تفسير الحلم ، حيث نفسّر "معناه الظاهر – manifest content" المشوّش والمرتبك والمتناقض والذي قد يبدو في أحايين كثيرة بلا معنى ، بـ "معناه الكامن – latent content" حيث يتم تحريف الأخير من أجل تمرير الرغبات المكبوتة ، خصوصا المحرّم منها . هل بُنيت اللغة على أساس آلية تشبه آلية عمل الحلم ؟ هذا ما تساءل عنه وأقره الكثيرون من المحللين النفسيين .

إن اللغة – وبعيدا عن أطروحات البنيويين وإمامهم "هيدجر" الذي جعل العقل سجين اللغة – ما هي إلا مطية للرغبة . لكن سائقها الخلاق – اللاشعور - هو الذي يمنح أكثر مضامينها استفزازا ، شكلا شعريا باهرا . وهذه التعابير المتناقضة – في الظاهر- هي تعبير عن محنة تمثلها القاص الكبير فيها - مع بطله الصغير - وكان دافعها الأساس متمثلا في مطارق " التضاد العاطفي- ambivalence" التي يرزح تحت ضرباتها وجدان الكاتب . وهذا هو الامر الذي يجعل شخصا ضليعا في اللغة يستخدم توصيف فعل الرحل المادي للتعبير عن معاني ارتفاع العطر وتسامي الروح مثلما يستخدم ايحاءات الزفير لتجسيد تقلصات الرغبة المحبطة .

تبقى نقطة أخيرة في غاية الأهمية وهي أن الكثيرين من القراء قد يرون أنه كلن على القاص أن يختم قصته بلحظة النهاية المحكمة ، ووقفة الختام المناسبة التي تتمثل في جملة الأم الاخيرة : عيناك تلمعان ، كتعبير عن " ذروة " الدراما الإغوائية التي عصفت بروح الصبي الهشة ، والتي تضمنت التشخيص النهائي لفعل رائحة القرنفل الأمومية التي أشعلت سلسلة الانفعالات الآثمة التي أشاعت الفوضى في عوالم (علي) الرخية الهانئة . لكننا نرى إن النهاية قد صيغت وفق (حتمية نفسية) فرضتها عوامل احتدام اللاشعور الحائر والمصطاد بشبكة الغواية المدوخة . لا يمكن إطفاء ألسنة العذاب الملتهبة ، وختم أبواب الجريمة الأوديبية المدمرة بشمع التكفير الاحمر- صارخ الحمرة ومعذبها – إلا برسم نهاية موازية لنهاية الخراب للأنموذج الأصلي الذي فقأ فيه أوديب عينيه بأسياخ الحديد وشنقت "جوكست" نفسها . والمشكلة أن " فرج ياسين" مثل "سوفوكليس" يعتقد أن اخفاء معالم الجريمة أو دفنها في تراب الوعي كفيل بالوصول الى نتيجة مماثلة للدعاوى الفجه والساذجة حول"موت المؤلف" . قام " فرج ياسين" بدفن آثار الجريمة المحارمية مع موت العجوز التحرشية "روفه" بنجاح مغيّب ، والأهم في فعله هذا ، هو أنه رسخ الشعور لدينا في أننا كمتلقين "معصوبين" بدرجة ما ، لن نستطيع الخلاص من القبضة الخانقة لشيطان الدفعات المحرمة إلا عن طريق الإبداع .. والإبداع فقط . وبخلافه سنبقى نتقلب – مدى الحياة - على جمر "حافات السنين المدببة" .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2197 الاربعاء 1/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم