تكريمات

ملف: قوانين زمن الشعر لدى يحيى السماوي

ولم يحتكر شيئا لنفسه. طبعا هذا دون التضحية برؤيته الشخصية . لم يفرط يحيى السماوي في أية مرحلة بالرطانة الذاتية، ولا بالنغم الشجي الذي يكلله رماد دافئ. ولكنه أيضا لم يفلت من بين يديه المفاتيح الخاصة ببيت الشعر، أو لنقل بلاطه.

لقد  كان يتعاطى مع نفس المفردات في نفس السياق الدلالي والتاريخي للظاهرة الحزينة، وهي الغربة والموت ومرادفاتها : مثل الرحيل والغروب والأوبة، وغير ذلك، ولكن عبر كائنات اشتقاقية تتبوأ معنى. ولهذا السبب كانت الحرب أو الثورة تتحول لديه من خطاب مباشر إلى مجرد توصية بالرثاء للضحايا. وقد بلغ هذا الخط ذروته مع قصيدته (شاهدة قبر من رخام الكلمات 1، ثم إيه يا ذا الحزن الجليل 2). كما صنع قبله أبو الطيب المتنبي شيخ الشعراء وعمدتهم، والذي غدرت به الرسالة، فاضطر إلى تلافيها عن طريق تكنيك التحويل الفرويدي . وأقصد هنا البحث عن اللحظات الهاربة في الحياة والبحث عن صور الموضوع المفقودة، والتي تتعرض غالبا لشقاق مرضي، أو ازدواجية أوديبية، تضع النتائج في موقع الأداة.

و أعتقد أن يحيى السماوي كان يعكس في مجمل محاولاته الشعرية معنى الليمبو، أو المطهر، أو بالأحرى مفهوم الصالة التي ننتظر فيها علامات إثبات على وجود، علامات عقلانية لما يصعب فهمه واستيعابه، ولكل ما يرفض اللوغوس.

وربما لهذا السبب لم تتوضح لديه الأسئلة الفعلية لما أزمع عليه، بمعنى أنه فرض على خطابه ملامح تنتمي إلى فن الشعر وضرورات الحياة.

ثم فرض على نفسه ومعانيه أسلوب (المخيلة) التي تصنع (الجوهر) . وهذا التعبير أصلا لهنري ميلر في تفسيره الغامض لشعرية رامبو 3  .

أخيرا، إن المفردات الواضحة التي يستعملها يحيى السماوي كان حريا بها أن تفترق في أدائها عن اليقينيات الإيديولوجية التي أسس لها المعلم الأول : البياتي . وفي نفس اللحظة أن تندمج بخط  مهد له السياب، وتابع فيه بعد نصف جيل كل من جبرا وسركون بولص : مفردات واضحة لها دلالات محددة، ولكن احتفظت بمسافة عن الغريزة الصناعية للماكينة، للمرجعية، للخلفية في بعض المشاهد.

و لعل هذا هو السر الصغير وراء نجاح قصائده.

 

.................

هوامش :

1 – مجموعة قصائد صدرت عن دار التكوين بدمشق.

2 – قصيدة منشورة في صحيفة المثقف، شهر تشرين الثاني، 2009 .

3 – رامبو وزمن القتلة لهنري ميلر، ترجمة سعدي يوسف.

 

تشرين الثاني – 2009

...........................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف تكريم الشاعر يحيى السماوي، الخميس 1/1/1431هـ - 17/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم