ملف المرأة

النص الفضائحي النسوي .. لماذا الآن؟

رغم كل ما يحيطها من عوامل مجهضة لمثل هذا الطرح من النصوص المفرطة في جرأتها والغريبة في نزعتها الفضائحية التي لم يعتادها القاريء العربي من قبل، وفي مقدّمة هذه العوامل، سيطرة الشارع الديني على عموم المشهد الحياتي وعلى معظم مساحة الوطن العربي بكل ما يحتويه من تطرّف أصولي وسلفي وإمامي، والذي أحكم قبضته على الخطاب الأبداعي والمعرفي سواء كان أدباً أو فناً، ممّا سجّل تراجعاً خطيراً في ميدان السبق الحضاري الذي كنّا نأمل في سبعينات القرن الماضي وقبل حصول الردّة أن نختصر خلاله المسافات بيننا وبين دول الغرب الأوربي .

ولكي نحددّ أسباب ظهور هذا النوع من النصوص الروائية النسوية العربية، علينا معرفة أسباب الردّة والأنكفاء والتراجع الحضاري الذي اصاب البنى المجتمعية، سياسية كانت او ثقافية او إنسانية، والتي ممكن حصرها بالتالي :

 

أولاً ــ الظاهرة الخمينية

وضع منظرّوا أستراتيجيات الأمن القومي للمعسكر الرأسمالي خطة إيجاد النقيض الآيديولوجي للشيوعية التي احتلّت أفغانستان وأصبحت تهدّد مصالحها المتمركّزة في منطقة الخليج، ولمّا كان الدين هو مصدر رئيس للفلسفة المثالية الغيبية واللاهوتية، وهو الضد النوعي والنقيض الفكري للفلسفة المادّية التي تتبناها الشيوعية وانظمتها، عمدت الى إثارة الشارع الديني الأيراني وتهيأت الظروف لتحييد الأذرع الضاربة للسلطة الشاهنشاهية، ممّا دفع شخصية كارزمية كخميني المثيرة للجدل جاهزة كي تقود هذا التغيير.  وأصبح النجاح المبهر للثورة الشعبية الأنقلابية في إسقاط عرش الطاووس بقيادة خميني المرشد الأعلى والزعيم الروحي وما تبناه من شعارات تصدير الثورة وولاية الفقيه مصدر إشعاع وعنصر جذب شديد الفعالية وصل تأثيره الى أقصى المغرب العربي، ومن إفرازاتها إنتشار ظاهرة إرتداء الحجاب والأرتياد الواسع لدور العبادة وأحتلال الأعلام الديني مساحة أكبر في القنوات التلفزيونية وظهور الآذان كاملاً بأوقاته الخمس بدلا من الأكتفاء بالاشارة اليه فقط وسيطرة الرقابة على مجمل البث الأعلامي وحجب كل مشاهد العري والتي تظهر فيها بعض اللقطات الحميمية بين الرجل والمرأة التي كانت مقبولة إجتماعياً قبل ذلك .

 

ثانياً ــ إنهيار المعسكر الأشتراكي

أدّى إنهيار المنظومة الأشتراكية بزعامة الأتحاد السوفييتي السابق بالصورة الدراماتيكية التي حصلت فيها بداية تسعينات القرن الماضي، الى حالة العزوف الجماعي الكبير خاصة في بلدان العالم الثالث عن الفكر الماركسي ونظريته العلمية، فأنخرط قسمٌ منهم بالأحزاب الدينية التي وجدوها فكراً جاهزاً وحضناً دافئاً يمنحهم بعضاً من آمان، وأصابت الخيبة القسم الآخر بعدما سقط المثال وتهاوى أمامهم صريعاً للتطبيقات الخاطئة وأنزوى يعلك مرارته وندم سنينه الضائعة لكنّه ظلّ محافظاً على فكره العلمي وتفسيراته المادية لحركة التأريخ .

 

ثالثاً ــ الأنظمة الأستبدادية الحاكمة

لعبت الأنظمة الدكتاتورية سواء كانت ملكية أو جمهورية أو مشيخة المتحكّمة بمقادير ومصائر شعوبها دوراً مهمّا في دفع الكثيرين للأنضواء تحت ألوية الحركات الدينية الأسلامية تحديداً، كرد فعلٍ للظلم السلطوي وبحثاً عن منجاة تقيهم وتحميهم من شر الأذى، بأعتبار أن واجهة الدين ذات قدسية خاصة يتردد كثير من الحكّام الأقتراب منها .

 

رابعاً ــ حروب المنطقة

أدّت الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت خمسة عشر عاماً والتي حصدت عشرات الألوف أغلبهم من الناس المدنيين، الى تفكّك عرى البنى المجتمعية والتربوية، وتأصيل حالة اليأس وأطفاء أي أمل من خلاص مرتقب في نفوس الشعب، بعد أن اختلطت الأوراق وانقلبت المفاهيم وضاعت محددّات الخير والشر، ممّا دفع الكثيرين الى التخلّي عن قناعاتهم الفكرية والأخلاقية التي أدّت بالتالي الى إنحسار التقاليد والقيم والأعراف بشكل حاد وتمزّق النسيج الأجتماعي وأشاعة اللاأدرية واللاإنتمائية في صفوفهم، بينما تبنى آخرون الأنتماء الى المنظمات والأحزاب الدينية بعد أن وجدوا فيها فرصا للنجاة بحياتهم من أخطار القنص والأغتيال والموت المترصّد بين شارع وشارع .

كما كانت الحروب الرعناء التي شنّها النظام القمعي بالعراق ضد شعبه أوّلاً وضد شعوب المنطقة ثانياً، وراء الأندفاع الواسع للأنتماء الى الأحزاب الدينية رغم الأجراءات الدموية الرادعة التي تطال حتى الأقارب من الدرجة الرابعة، ورغم الأبادات الجماعية والأعدام بالجملة لمجرد الشبهة، وتحوّل الصراع بالعراق بعد أن أجهز تماما على قوى اليسار من صراع سياسي الى صراع ديني علماني ذو لبوس طائفية .

 

خامساً ــ الأرهاب

نشط وتفاقم بسرعة كبيرة الأرهاب الدولي الأسلامي الأصولي تحديداً، وانطلقت فعالياته من مناطق أواسط آسيا الأفغاباكستانية لتصل الى قلب أمريكا وتنفذ ما جرى من أحداث في يوم 11 سبتمبر ذائعة الصيت، ثم عمّ آذاها كل المنطقة العربية، ولعلّ المذابح الأهلية التي جرت في الجزائر ومن ثم في العراق بعد سقوط النظام الصدّامي مثالا صارخاً لبشاعة الفعل التدميري للكائن البشري الذي يمارسه هذا الأرهاب، والذي حاول وبأصرار إعادة عجلة الحياة الى الأصوليات الأسلامية بما فيها الخلافة، ممّا شكل تراجعاً مخيفاً للعقلية التي سيطرت على حيوية الشارع العربي، وإحداث أكبر عملية تخريب للمنظومة الأجتماعية والثقافية التي كانت تسعى وتحاول دفع عجلة التطوّر الى الأمام .

هذه أهم الأسباب والدوافع التي سارعت بظهور هذه الردّة الحضارية الخطيرة والواسعة وهذا التراجع عن الحياة المدنية وعن العلمنة والأنفتاح على العالم  .

وكرد فعلٍ لهذا الأنكفاء والأنضواء للذات والأنحسار عن ما يجري من تطورّات مذهلة تجري في العالم المتحضّر... برزت المحاولات الروائية الأولى الجريئة في المغرب العربي على يد (فاطمة المرنيسي) و(احلام مستغانمي) وفي مصر على يد ( د. نوال السعداوي) وأخريات و ولكنها لم ترتق الى ما يطلق عليه اليوم (النصوص الآيروسية ) التي ظهرت بشكل صريح بعد نهاية الألفية الثانية وأهمّها تحديداً في لبنان، وهي للروائية اللبنانية (علوية صبح) ورواياتها الثلاث (مريم الحكايا، دنيا، أسمه الغرام) ورواية (أصل الهوى) للروائية الفلسطينية والكويتية النشأة (حزامة حبايب)، ورواية (كم بدت السماء قريبة) للعراقية (بتول الخضيري) .

لم تكن هذه الروايات كما يظن البعض للأستهلاك التجاري، على إعتبار إن ما يكتب عن شؤون الجسد له سوق رائجة في بورصة المكتبات، والدليل إن رواية (مريم الحكايا) لعلوية صبح فازت بجائزة السلطان قابوس للأبداع الأدبي، إضافة الى أن هؤلاء الكاتبات أعتنوا بلغة السرد وأستخدام المفردات الرصينة والتوصيفات الملمحيّة الذكية خاصة عندما يصل الأمر الى منطقتي الجذب الأنساني لكلا الجنسين المرأة والرجل في الفعل الحياتي، ممّا يرفع من القيمة الأدبية والأعتبارية على حدّ سواء للمنجز الروائي لكل منهنّ .

إن ما طرحته هذه الروايات هو فضح للمخبوء تحت أردية الخوف والكذب والنفاق، وهي صرخات اطلقتها الأجساد السجينة والمثقلة بأغلال العيب والمحرّمات و معلنة عن حقيقة حاجات الجسد سواء بالسر أو بالعلن، وإن تحرير العقل لا يتمّ الاّ عن طريق تحرير طاقات الجسد وإنهاء أزماته مع الذات والمحيط .

إن هذه الظاهرة الفضائحية ستفتح الطريق امام المحاولات الجديدة التي ستظهر لكاتبات أخريات، وستتهدّد المنظومة الأخلاقية المتوارثة عبر مئات السنين وستتغيّر الطبيعة الساكنة لمفاهيم العفّة والشرف و بما يستجيب والتغيرات الحاصلة والمستمرّة في عموم المسيرة البشرية بقيادة التكنولوجيا الرقميّة التي غيرّت كل شيء حياتي يحيط بنا جميعاً .

 

  وائل المرعب

[email protected]

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: ظاهرة الكتابة الايروسية عند المرأة، الثلاثاء 16 - 20/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم