ملف المرأة
واقع المرأة العربية جزء لا يتجزأ من واقع الإنسان العربي / زوليخا
واقع المرأة العربية جزء لا يتجزأ من واقع الإنسان العربي الذي يتّسم بتقزيم المواطن، بالظلم و بانعدام الأمن و الحرية التي تختلف درجاتها من مجتمع لآخر. لا يمكن أن نقارن مثلا وضع الحريات العامة في السعودية مع نظيرتها في بلد عربي آخر. صحيح أن المرأة داخل هذه الصورة المعتمة لواقع مزري تعاني بشكل مضاعف كونها امرأة فكما هو معلوم أن الإنسان المقهور يحاول أن يغطي على خوائه بقهر من هو في وضع أقل منه أو ما يعتقده كذلك سواء بالنسبة للسن أو الجنس أو لون البشرة أو العقيدة.
لن تتغيّر وضعية المرأة العربية إلا إذا أستطاع الرجل العربي أن يعي مسببات هذا القهر و أن اقتلاع جذوره لا يكمن في التعدي على حقوق الآخر بل بفك القيد الذي يسلسله إلى تلك الصخرة التي تبقيه إنسانا مقهورا محبطا مصابا بانفصام الشخصية.
التاريخ علّمنا أن الإنسان قادر على تحويل الوهم إلى حقيقة حين يكون ذلك في مصلحته. كي يدافع عن وجوده، لا يتردد لحظة في نفي وجود الآخر المختلف عنه و حتى إن كان الإختلاف غير موجود فهو يخلقه و يجسده. كلنا نتذكّر بأسى النجمة الصفراء التي كانت توضع على صدر اليهود في الأماكن العامة لتمييزهم عن غير اليهود. كلنا نرى الحجاب و البرقع يفرض على المرأة كي لا ينسى المجتمع أنها امرأة و أنها ’’ مختلفة’’ و بالتالي في وضعية دونية ثم يبررون ذلك بسذاجة لم تعد تنطلي على أحد بأن البرقع و الحجاب يكرّم المرأة و يحفظ لها كيانها. أتساءل: هل و لماذا اختزل العقل العربي في برقع؟
حين دافع الرجل القريشي إبان ظهور الإسلام عن وجوده بأن حرّم على المرأة التجارة و أنها لكي تستمر فيها لا بدّ لها من وليّ عليها يكون ذكرا، ألم يكن ذلك لبسط سيطرته ليس فقط على مالها و لكن أبعد من ذلك على حريتها الإقتصادية التي بالضرورة ضمان لحرية تفكيرها و اتخاذ قراراتها بنفسها؟
المرأة كائن بشري لكن من الدرجة الثانية و لكي تبقى خارج دائرة الحياة كعنصر و يقزّم أو ينفى نهائيا دورها كإنسان واع و خلاق و مساهم في عملية تنمية و تطوير مجتمعه لا بدّ أن نفرض عليها وصاية عن طريق اللباس و عن طريق فرض سيطرة الذكورة: في الزواج و الطلاق و السفر و الحج و التجارة أي باختصارفي الحياة حتى لو كان هذا الوصي عليها يا للسخرية ابنها الذي انجبته و ربته.
الواقع العربي متأزم منذ الأزل و يزداد تأزما و تعقيدا بانتشار الفكر الوهابي الهدام لكل فرصة في الإنعتاق من سيطرة الفكر الأحادي الذكوري. الربيع العربي عرّى كثيرا من مظاهر هذا البؤس و رأينا جليا وجهنا في المرآة: شعب بائس متعطش إلى الحرية و الإنعتاق لكن مرتبط بسلاسل تفكير بائد يربطه رغما عنه إلى بيئة متخلفة.
ماهو دور الجمعيات و المنظمات النسائية في تخطي هذا الوضع و كسب رهان تغيير المجتمع؟ هل سيكون عن طريق تغيير النصوص كما فعل ذلك بذكاء مكيافيلي بعض الحكام و التي في كثير من الأحيان التي لا تقدم و لا تؤخر شيئا بل فقط ذر للرماد في العيون؟ هل يكمن الحلّ في إشراك المرأة في مراكز اتخاذ القرار بفرض الكوطا كوسيلة لضمان هذا الحق أم الحلّ لن يكون إلا بتغيير العقلية الذكورية المتحكمة في كل مناحي الحياة و فصل الدين عن الدولة كشرط أساسي لتقدم المجتمع؟
الأزمة في الوطن العربي ليست فقط سياسية و اقتصادية بل هي بنيوية تتعلق بأزمة فكر. إغلاق باب الإجتهاد و ركوب الدين مطية للوصول إلى ممارسة السلطة و الإستحواذ عليها بعض من تجليات هذه الأزمة.
كثر الدجالون و عمت الفوضى و الجهل إذ كل يوم تتهاطل فتاوي أقل ما يقال عنها أنها بدائية و نابعة من عقل مريض: الزواج برضيعة، ممارسة الجنس مع الزوجة الميتة، عدم جلوس البنت مع أبيها بدون وجود الأم، إلى غيرها من الترهات و الحماقات التي لا يتحرج من ينصب نفسه وصيا على الدين و على ذمم و أخلاق الناس في الترويج لها عبر وسائل الإعلام المختلفة. يريدون الرجوع بالمجتمعات العربية إلى عصر هايبل و قابيل بعدما كانت المجتمعات العربية قد حققت نهضة اجتماعية في منتصف القرن الماضي و ولجت المرأة العربية ميادين مختلفة و أثبتت جدارتها فيها. مؤسف أن نرى ذلك الحلم يتبخّر و يتقهقر بنا الوضع بضع قرون إلى الخلف.
ما الذي جعل من هؤلاء أوصياء على المجتمع؟ بل ما الذي جعل منهم جلادين، يعيثون في الأرض فسادا؟ هل القوى الإستعمارية الجديدة و أطماع الغرب في خيرات البلاد العربية وحدها المسؤولة عن تفريخ هذه النماذج من الظلاميين المتعصبين أم نحن أيضا كشعوب عربية نساء و رجالا بصمتنا و بعدم لا مبالاتنا ساهمنا في خلقهم و إعطائهم مركز الصدارة في واقعنا المجتمعي أو على الأقل أفسحنا لهم المجال لذلك؟
قال الروائي العربي عبد الرحمان منيف في هذا الصدد:’’ الجلاد لم يولد من الجدار، و لم يهبط من الفضاء، نحن الذين خلقناه، كما خلق الإنسان القديم آلهته، ثم بأدنا نخاف منه إلى أن وصلتنا إلى الإمتثال و الطاعة و الرضا و أخيرا إلى التسليم’’
يقبع في عمق كل واحد منا جلاد من هذا النوع مادام التفكير التكفيري يسكننا و مادام العقل قد أندحر و نصّب مكانه الإستسلام للقدر و للمقولات الجاهزة التي تورّث الأجيال الطاعة العمياء و التشبث بالكسل و عدم إعمال الفكر أولا عن طريق الشك ثم عن طريق البحث و الإجتهاد للوصول إلى الحقيقة. و كل حقيقة في ما يتعلق بالميتافيزيقا فهي نسبية.
لذلك شخصيا أومن أن الحلّ هو إبقاء المجال الديني بعيدا عن العالم الوضعي لأن هذا الأخير يخص البشر كافة أما الدين و الإيمان فهو مسألة خاصة جدا تتعلق بالفرد. و قضية المرأة ستبقى رهينة هذا الشرط لأن الخطاب الديني يجعلها حصان طروادة للوصول لغاياته.
المرأة كائن بشري. المرأة إنسان. الرجل العربي مجبر أن يعاملها نديا إن أراد أن يتخطى هذا المأزق الذي وضعتهما فيه عقلية انتهازية لم يكن غرضها سوى تعميم الجهل كوسيلة لحماية مصالحها.
تقدم المجتمعات العربية لن يكون من دون المرأة . واهم و مخطئ من يعتقد أنه حين يفرض وصايته عليها باسم الدين و الشريعة الإلهية سيمكنه من كسب دنياه و آخرته فيذبحها من الوريد إلى الوريد في جرائم بشعة باسم الشرف ، يرجمها حتى الموت أو يجلدها و يهين كرامتها بذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية.
هذه باختصار شديد وجهة نظري في مسألة راهن المرأة العربية التي بمناسبة يومها العالمي أقدم لها تحيتي و تقديري و أملي في غد أفضل. تحية تقدير إلى الأم و الزوجة و الإبنة و الأخت و الحبيبة و الرفيقة و المرأة العاملة، المكافحة، المرأة الحالمة بازدهار مجتمعها ، الطموحة إلى تحقيق ذاتها في مجتمع مسالم يحفظ لها كرامتها بالتعامل معها كإنسان له حقوق وواجبات، إنسان واع بدوره الحيوي في بناء مستقبل الأجيال و إرساء دعائم مجتمع ديمقراطي يسوده العدل و الحق و المساواة.
أختار لكم نصا شعريا قريبا إلى قلبي و أراه يعبّر عن ذاتي كامرأة و ما أطمح إليه سواء من خلال كتاباتي أو من خلال طريقة تفكيري و عيشي: رهانات القرنفل. ستجدونه ملحقا بهذا التقرير.
خاص بالمثقف، ملف: المرأة المعاصرة تُسقط جدار الصمت في يومها العالمي
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2053 الخميس 08 / 03 / 2012)