تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

ملف المرأة

المرأة الواعية تسيرعلى النهج الصحيح في درب الحرية / أ.د. بشرى البستاني

 

1- كيف تقيّمين إنجازات المرأة في العالم العربي؟

1 / لا يخفى ان المرأة العربية ناضلت نضالا متواصلا في ظروف شديدة الحساسية والتعقيد، وأنها استطاعت أن تحقق انجازات لا بأس بها على مستوى القضية التي كافحت من أجلها ولا سيما في مجال التعليم ولا أضيف العمل لانها لم تعد تجد فرص العمل متاحة لها بالرغم من تعليمها الجامعي المتنوع التخصصات، لكن هذه المنجزات وعلى أهمية حضورها في مجالات مختلفة للأسف لم تكن بمستوى الطموح، إذ صار من المعلوم اليوم أن حركة التحرر في المجتمع العربي تسير عبر تيارات مشتبكة بالتناقضات من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، فكيف يمكن عزل قضية إنجاز المرأة عن قضية حركة المجتمع وانجازاته ككل، ونحن محكومون بالمنطق العلمي والإنساني الذي يعد المرأة والرجل من ثنائيات الحياة الأساسية، وهي ثنائية مؤتلفة ومحكومة بالانسجام والعلاقة التواصلية من أجل الحياة التي هي قضية القضايا، ومن أجل المستقبل وبنائه على الأسس السليمة . ولعل قصور المنجز عن الكفاح المبذول من أجله يعود لأسباب شتى أهمها تراكم عصور التخلف وقدرة هذا التخلف على بناء مفهومات استطاعت أن تتغلغل في الوعي الجمعي للمجتمع وعبر تركيبه البنيوي بحيث صار النضال ضده يحتاج لزمن طويل أولا ويحتاج لتداخلات علاجية من السلطة (التشريع ..) ثانيا بحيث تكون هذه المعالجات شاملة وجذرية تطول كل البنى ذات العلاقة ببرامج التنشئة و التربية والتعليم والإعلام والتثقيف والمناهج التعليمية من رياض الأطفال وحتى الدراسات الجامعية العليا بما يؤدي إلى ثورة ثقافية تهز جذور التركيبة المجتمعية من جديد وتستأصل القيم العشائرية والقبلية المتخلفة التي هيمنت حتى على القيم الدينية المتفتحة والخيّرة والمرنة والمرتكزة على الإباحة قاعدةً، وعلى التقييد المنحصر في التحريم استثناء، لتقيم مجتمع العدالة والتحرر والبناء الهادف، بناء الإنسان رجلا وامرأة وطفولة وأسرة ، وتطول القوانين وخطط عمل الدولة وتوجهاتها بحيث يكون حضور المرأة في الحياة العامة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا مكونا أساسيا من مكوناتها وليست قضية شعارية أو رموزا للزينة والمباهاة السياسية ..

 

2- هل هي على الدرب الصحيح المؤدي الى الحرية والمساواة مع حقوق الرجل؟

2 / نعم، المرأة الواعية تسير على النهج الصحيح في درب الحرية والتكافؤ، لكنها بحاجة إلى الدعم، لقد اعتمدت في مسيرتها العلم والعمل الجاد ومقاومة عوامل التخلف والسلب منتبهة إلى ضرورة تحقيق الإرادة الحرة الواعية، لكنها للأسف كانت تسير في معظم الأحيان وحيدة لأسباب شتى أشرنا لأهمها في الجواب السابق ، وهي في وعيها للحرية تدرك إدراكا كاملا أن الحرية مسؤولية وواجب بنائي نوعي وليست حقا للتمتع حسب، مع أهمية هذا الحق الإنساني النبيل الذي يجب أن يتكاتف الجميع من أجل تحقيقه، لكن المنطلق العلمي يحتم علينا التأكيد أن المجتمع العربي الذي غبن المرأة في كثير من حقوقها هو نفسه الذي غبن ويغبن الرجل كذلك في ظل غياب العدالة الاجتماعية، وغياب الحقوق الأساسية للإنسان العربي في كل جوانب الحياة ولذلك لا بد من تكاتف الأطراف كلها في ميدان جهادي واحد يرتكز على الوعي وعلمية الطرح القائم على احترام الحقوق وقبول الرأي الآخر والحوارية المثمرة .

 

3- ما هي العقبات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف السامي على يد المثابرات في نضالهن الطويل؟

3/ من السهل تشخيص العقبات على الدرب، لكن من الصعوبة البالغة وضع الأسس الكفيلة بإزالة هذه العقبات أو التخفيف من حدتها في وقت يعاني المجتمع فيه من إشكاليات تهدد وجوده، وتتطلب تلاحم أفراده رجالا ونساء من أجل القضية الواحدة والهدف الذي لا خلاف عليه، وهو الوطن ومستقبله، ووقوف المحتل متربصا داخله مرة وعلى ابوابه أخرى، فإذا ما صفا هذا الامر واستقر سيكون من المهم رسم برامج جديدة تقوم على الوعي الشامل بخطورة عزل نصف المجتمع عن بناء الحياة، وتعطيل طاقاته وشل قدرته على الإبداع . إن إبعاد المرأة عن معترك الحياة وحرمانها من فرص أن تحيى حياة كفيلة بإثراء إنسانيتها هو باعتقادي واحد من أهم أسباب ضعف الأمة العربية وتفكك أحوالها وطمع الطغاة بها، إن الجانبين التشريعي والتنفيذي / التربوي الثقافي والمعرفي المتفتح وتمدين القرى العربية والحد من سطوة الأدلجة الدينية والعمل الجاد على تمكين المرأة من أجل إدماجها في كل جوانب الحياة وتسليع العمل المنزلي ورفع مشاركة المرأة في التخطيط والتنفيذ وتمكينها من الوصول الى مستويات صنع القرار، كلها عوامل إشكالية يجب الالتفات اليها كون معالجاتها ضرورية لتحديث المجتمع الذي سينظر نظرة جديدة لطاقة المرأة المغيبة نوعيا بالرغم من كونها النصف المهم في كل مجتمعات الدنيا .

     إن عدم الاهتمام بتطبيق القرارات المهمة الصادرة لضمان حقوق المراة سواء على المستوى الوطني او الدولي تعد واحدة من المعوقات المهمة في هذا المجال فالمتأمل لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يراه ينص على   الاتي :" يولد جميع الناس احراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء".علما أن اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة تضمنت ثلاث مواد أساسية:

المادة الأولى : للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز.

المادة الثانية : للنساء الأهلية في أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز.

المادة الثالثة : للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز، لكن التأمل في تطبيق مثل هذه البنود يجد البون شاسعا بين النظرية وما يُنفذ فعلا في مجمل دول العالم، فضلا عما في طرائق الانتخابات في وطننا العربي من عيوب جذرية جراء غياب الوعي والتعليم وهيمنة الطبقية الحادة ما بين شرائح معدمة بالملايين وأقلية تمتلك وفرة المال والجاه والسلطة وتشتري أصوات الناخبين بكل الوسائل وما ينتج عن ذلك من تشريع ذرائعي يخدم مصالح الاقلية، حيث لا يجدي وعي النساء المناضلات . ومن المعيقات الخطرة هنا تولي كتابة الدساتير من قبل هذه الفئات غير المسؤولة وعدم احترام بنودها المهمة وسهولة العبور على المواد التي تتضمنها واهمالها دون مساءلة من الشعب او النخب الشريفة، وغياب المهمشين والمقهورين بالصمت يأسا وخوفا وتجهيلا مما يجعل من واجب الثورات المعاصرة تجاوز مفهوم تغيير الحكام فقط الى قضايا اكثر خطورة وصعوبة لانها تتعلق ببناء الانسان الجديد المتفهم لأحواله ومتطلبات تغيير واقعه . إن قراءة المواد الدستورية العراقية المتعلقة بإشكاليات المرأة العاملة وأعباء عملها المنزلي يأمل خيرا كثيرا، لنتأمل المادة المادة 17 التي تقول : " تكفل الدولة التوفيق بين دور المراة في الاسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجل بما يتيح لها المساهمة الفاعلة والكاملة في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بما لا يتعارض مع هذا الدستور.." ولنا أن نتساءل بمشروعية : ماذا تم في التطبيق العملي من هذا الكلام المهم ...؟؟

كما أن من الخطورة التي تحدق بالمجتمع العربي استبدال المواطنة ومؤسسات الحكم التقدمية بأسس طائفية أو مذهبية ومحاصصية من شأنها أن تمزق الشعوب وتفتت وحدة المجتمع وتهوي بالوطن ووحدته ومستقبله نحومستويات متردية حين تغيب الكفاءات البانية والرؤى المستقبلية وتعم الفوضى ويسود الاضطراب والخراب .

 

4- هل ترين بصيص أمل في نهاية سراديب ما يُسمى بـ "الربيع العربي" لفك قيود المرأة العربية؟

4 / مع إيماني المطلق بأهمية ثورات الشعوب ضد الطغيان والاستبداد والدكتاتوريات بأنواعها، ومع انحيازي التام لأهمية التغيير الذي يقود للتطور والتنوع وإثراء الحياة التي لا يُذبلها شئ كالسكونية والركود، إلا أني كنت من البداية أبحث عن مرجعيات ما سمي بالربيع العربي وعن تخطيطه للمستقبل وعن البدائل التي أعدها لواقع فاسد يريد إزاحة ما فيه من ظلم وظلمات وهدر وتقويض، وكما أني مؤمنة بطاقة الشباب على التضحية والبذل والفعل والانجاز ، إلا أن الإعراض عن أهمية الاستعانة بخبرة المجربين من المناضلين المشهود لهم بالنبل والنزاهة والإخلاص للوطن والشعب، إنما هو تفريط بأهمية تواصل خبرات الأمة وحرصها على استمرار كينونتها، لان الافتقار إلى دقة التخطيط للاستقرار وأمن الأوطان يُسلم هذه الأوطان وأهلها للشتات والفوضى والى الضياع وهذا أدهى وأمر ما تعيشه الشعوب حينما تعمل على تفتيت قواها وذبح بعضها، في حين يتفرج المسبب الأصلي متحينا الفرص للانقضاض عليها في النهاية .

   لقد شاركت المرأة بحراك مهم وشجاعة فائقة وجرأة وقوة في هذه الانتفاضات التي حصلت في تونس وفي مصر وليبيا وما زالت في اليمن، وكان حضورها في هذه الميادين فاعلا ومؤثرا عبر إسهامها مع الرجل جنبا الى جنب بالتظاهر وطرح المطالب العادلة حيث ضربت وجرحت واستشهدت وقدمت أحبابها ضحايا وأهينت وهدمت البيوت عليها وعلى أطفالها وأسرها، لكن القطاف في النهاية لم يكن بمستوى التضحيات حتى اليوم، لكن الإحباط لن يتسرب لعزيمة النساء الواعيات ولا لقوى الثورة الحقة ، فالمرأة الواعية تدرك بعلمية أن المستقبل للعدل والخير والحرية، وأن النصر للحق أبدا مادام وراءه مطالبون . إن جزءا كبيرا من المشكلة يقع تأثيره وأثره كذلك على عاتق ملايين النساء اللواتي ما زلن غير قادرات على إدراك أبعاد القضية المهمة التي تبعد ممثلاتهن وممثلات الشعب الحقيقيات عن مواقع صنع القرار، ذلك أن المرأة بالرغم من مشاركتها الواسعة في تفعيل عملية الانتخابات السياسية ترشيحا وانتخابا، إلا أنها لا تنتخب المرأة الواعية التي يمكن أن تمثلها بجدية، بل تنتخب الرجل انقيادا لإرادة رجل الأسرة زوجا أو أبا أو أخا أو ابنا، وهذا نفسه دليل تبعية وتغييب مما يحمّل المرأة والرجال الواعين مسؤولية ما هي فيه وعليه، ويجعلها عاجزة عن التحقق الذاتي الذي هو واحد من أهم مظاهر حضورها الفعلي في الحياة، وأجد من الواجب التذكير بما ورد في حقل الحقوق المدنية والسياسية، المادة (1 ) من الدستور العراقي الحالي : " العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ..."

فيا ليت شعري، أين هي تطبيقات مثل هذه النصوص البالغة الأهمية ...؟؟!!

خاص بالمثقف، ملف: المرأة المعاصرة تُسقط جدار الصمت في يومها العالمي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2053 الخميس 08 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم