ملف المرأة

المرأة والمجتمع المدني / نادية الأزمي

حيث المرأة أصبحت شريكة الرجل في ميادين عدة فلم يعد دورها يقتصر على كونها (زوجة/ أم) بل أدلت بدلوها في ميادين شتى كانت حكرا على الرجل وأعطت نتائج مذهلة في قيمتها ونفعيتها.

على أن منظومة المستجد لابد وأن تخلق إلى جانب الإيجابي ،سلبيات تنغص التقدم وتدفع إلى  التفكير في الحلول . من هنا جاء الاحتفال بالمرأة في يومها العالمي وقفة إجلال لما تقدمه هذه الأخيرة وعلى  كثير من المستويات ومناسبة لطرح بعض المشاكل والصعوبات التي تواجهها النساء سواء على المستوى المعنوي أو المادي الملموس.

إلا أنه و بعد  أكثر من مائة عام من تحديد يوم عالمي للمرأة، يوم تطغى عليه نون النسوة ويصبح الحديث مكتنزا بكل ما يخص المرأة فيتم التركيز على النساء وتسليط الضوء على طموحاتهن،من ثمَّ الإشارة إلى مشاكلهن. لتخبو الشعلة التي أضيئت مع أولى إرهاصات الثامن من مارس،و نجد أنفسنا أمام الكثير من السلبيات المجتمعية والسلوكية التي لا تخدم الإطار الذي يبغيه الرقي قدما. وهذا ما دفع بعض النساء إلى عدم الاعتراف بالعيد تقول فاطمة الزهراء رياض كاتبة من تارودانت (لن يكون عيد المرأة عيداً إلا حينما تتوقف المرأة عن إيذاء شريكتها في الأنوثة والألم والوجع. فما أراه في قيمنا وعاداتنا لا ينصب إلا في خانة تحريض ذاتي على التمسك بحبل الضعف واالإحتياج إلى حقوق واهية وواهنة وهي من تحاربها حيث  تجدها تقف مع الأمثال الشعبية ضدا على أنوثتها. عندما تكف المرأة عن تبخيس قيمتها في الزواج وعندما تترفع عن عادات حمقاء وحينما تدافع باستماتة عن حق ذاتي حينها فقط أشجعها على  الإحتفال. حين تتوقف أمي عن قول : "إني لا أريدك كاتبة بل أريدك في أسرة". وحين تتوقف صديقتي عن نظرتها لي وأنا مسافرة كأنني سافرة.و حين تتوقف أختي عن نصائحها لي بأن شاعريتي سلطة خرساء وحين تنهي زميلتي أحاديثنا عن الأدب أنه "شبعة فوق طعام". وتكف مفتشتي في العمل عن قول أن الحكومة لا تستحق ولا امرأة حينها فقط،أخبروني بموعد الإحتفال)

 

في ظل هذا التخبط الذي يساعد على تكريس روح الإنهزامية هربت مجموعة من النسوة الى العمل الجمعوي خاصة وأن الحركة الجمعوية المغربية شهدت تطورا ملموسا في العقدين الأخيرين ، تتبنى رؤية تتجاوز التنشيط  الثقافي والرياضي وتُؤكد على أهمية التشارك في التفاعل للنهوض بالمجتمع من خلال تطوير تجارب الإشتغال وتنويع الخدمات  بتكتلات جمعوية متباينة شكلا ومضمونا.

 والمتتبع لخريطة تطور المجتمع المدني سيلاحظ دون ريب أن الجمعيات النسوية  الأكثر انتشارا .على اعتبار أن النساء هن الفئة الأكثر تضررا من الوضعية الصعبة للمجتمع المغربي . والإنخراط في العمل الجمعوي يمد المرأة بالثقة والقدرة على مواجهة مشاكل الواقع .تبين  فاطمة الزهراء المرابط فاعلة جمعوية من أصيلة أنه (عندما أتحدث عن العمل الجمعوي، أتحدث عن عمر بأكمله بين أحضان هذه الجمعية أو تلك، انطلاقا من الجمعيات المهتمة بالطفولة ،المسرح والمواهب، وصولا إلى الجمعيات الثقافية والحقوقية والنسائية والأدبية، جمعيات أخذت حيزا كبيرا من اهتمامي، وشكلت هاجسا يوميا يرافق انشغالاتي الحياتية، خاصة وأن أصيلة عرفت خلال أواخر القرن 20 وبداية القرن 21 موجة من الجمعيات، مُتحدية العراقيل المادية والمعنوية، غير أن هذا المجال مازال يعاني من ضعف العنصر النسائي على الرغم من محاولاتي الكبيرة في هذا الشأن. العمل الجمعوي ولمدة 22 سنة علمني الحرية، الحب، الجرأة، المواجهة، المسؤولية، التواضع، التضحية، علمني معنى الوجود من أجل قضية معينة، ساهم في تطوير شخصيتي واستقلالي الذاتي عن الأسرة، وأذكر هنا على سبيل المثال "جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الإمام الأصيلي" التي كان لها دور كبير في مسيرتي الجمعوية، وأيضا "جمعية تواصل" التي جددت من خلالها علاقتي بالطفولة البريئة، العمل الجمعوي هو الهواء النقي الذي أتنفسه، ولا أفكر يوما في التخلي عن هذا الميدان، لأنه جسر جميل للتواصل مع المجتمع).

     

إذن عمل الجمعيات على أرضية واقعية صلبة جعله يبني شرعية داخل الأوساط المجتمعية خاصة الفقيرة والمهمشة منها بتدعيمها بشرعية جديدة فعالة،فساهمت في تطوير المجتمع المدني بالمشاركة في حل بعض مشاكله المزمنة كالتعليم والصحة لتحقق نوعا من التحسن لفئة المهمشين والفقراء وهذا ما تؤكده الآنسة فاطمة بوعسرية من طنجة حين تقول(تعرفت على جمعية النور حين كان عمري خمسة عشر سنة ومنذ سنة 1999 وعلى مدى سنوات استفدت من محو الأمية فتمكنت من القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم واستطعت بفضل مجهودات أساتذتي إعادة الإندماج في الجمعية من خلال  محو الأمية للنساء الراغبات ومتابعتهن في دراستهن والتواصل معهن كما واستطعت تعلم الخياطة وتكوين مدرسة خاصة بي لتعليم فني الخياطة والفصالة  لمن يرغب بها ،أنصح كل النساء للانخراط في الجمعية لتطوير مهاراتهن وأشكر أساتذتي  ).

و عليه واحتراما للمرأة لابد من تقديم أولويات الاشتغال على ذاتها وتطوير مواهبها وابراز عطائها من خلال تظاهرات إعلامية وورشات عمل وتوعية مختلف شرائح المجتمع المغربي بأهمية دور المرأة التي تعد نصف المجتمع وهي تُعنى بالنصف الآخر وهذا ما توضحه نجاة الزايرمديرة جمعية النور النسوية بطنجة ( الجمعية ساعدتني على تنمية شخصيتي , وتوسيع مداركي ,و تحمل المسؤولية وبذل المجهود والتضحية واعطتني فرصة للمشاركة وتنمية مهاراتي وتوظيفها فيما ينفع الناس, الجمعية حققت لي الاندماج داخل المجتمع كذا سمحت لي بالمشاركة في ااتخاذ القرارت فهي فرصة للتغيير بالنسبة للمرأة لذا عليها ان تضمر قبل كل شيء النية الخالصة للعمل الجاد , مصممة على البذل والعطاء والتضحية , ومتحلية بالاخلاق الحسنة وعلى راسها الصدق والتواضع والاخلاص متسلحة بالصبر).

فلازالت المرأة المغربية تكافح لأجل ابراز عطائها والمساهمة بفعالية في بناء مجمتمعها وان كان التفاعل يقتضي تضافر مجموعة من الشروط الذاتية والموضوعية على أن تلعب الأحزاب والمنظمات النسوية فيها الدور القائد لتعطي النتيجة المرغوبة لحركة التنمية في المجتمع ولكي نلمس تحولا ثوريا ناضجا وفاعلا يخدم المراة أولا ومن خلالها المحيطين بها وهذا ما تؤكد عليه خديجة بحيم  أستاذتا  اللغة العربية من طنجة (إن أهم هدف حققته من خلال إنخراطي في جمعية مدرسي اللغة العربية هو كوني إلتقيت بمجموعة محترمة من رجال ونساء التعليم الذين سوف استفيد منهم ان شاء الله الكثير في مساري التعليمي ،فالجمعية زاوية أ طل من خلالها على بعض مشاكل أخواني وأخواتي المدرسين  والمدرسات وعلى رغم أن الجمعية  في بدايتها والمشوار طويل والله المستعان إلا اني أتوجه إلى كل مدرسة ومربية جاهدت بكلمتها ووقتها وإلى كل أم ربت ابناءها فسلكت طريق التعليم والتدريس وحملت رسالة الصدق كل عام وانت بألف خير وسلام كما أخاطب عقلها الزكي وقلبها الطاهر بأن تنخرط في هذه الجمعية التي من بين أهدافها تحقيق، بسمة أمل ونسيم ورجاء وإشراقة بشرى).و كذا أكدت سمية الشنواني أستاذة من مدينة طنجة على أن (الانخراط في جمعية مدرسي اللغة العربية حقق لي اكتساب الثقة بالنفس وكوَّن شخصيتي وجعلني أكثر تفاعلا في محيطي  وجعلني اكثر وعيا بقيمة اللغة العربية التي هي وعي بهويتنا وثقافتنا )

 

برغم كل المعوقات والصعوبات التي تواجه المرأة في حياتها اليومية ،لازالت الكثيرات منهن يواجهن الحياة بنوع من التحدي الجميل،و يحاولن ابراز مواهبهن والحفاظ على مستوى ثقافي معين يرتقي بذائقتهن ويساعدهن على مد جسور الوفاء لموهبتهن وهذا ما تعمل عليه جمعية" أبناء زرياب" التي لها الفضل في ابراز عدة أسماء فنية بحيث تدفع الموهوبين للميدان الإحترافي ،وهذا ما أكدته كل من هبة  بوزيد هناء المرابط مريم المقايصي صفاء ناصري وهن منخرطات بالجمعية بالقول (كوننا نملك موهبة موسيقية ، حاولنا تطويرها من خلال الانخراط في جمعية "أبناء زرياب" حيث مددنا جسور التواصل بيننا وبين الدراسة الموسيقية بحيث فتحت لنا هذه الجمعية آفاق للتواصل وتنمية الموهبة  في جو اسري متعاون ما يزيد ثقتك في نفسك وموهبتك ويشجعك على الإستمرارية خاصة وان الجمعية تلتفت لموهبتك وتعطيك فرصة اثبات نفسك، من خلال تجاربنا ندعو كل الفتيات لعدم دحض مواهبهن والانخراط في العمل الجمعوي الذي يعني المشاركة والايمان بالعطاء)

  

عموما لازالت المرأة المغربية لم تستوعب بعد احتفالها بعيد يُخصص لها مادامت تتخبط في مشكل البحث عن عمل أو زوج بمشقة فهناك الكثيرات  لا يعني لهن هذا اليوم قيمة معينة مادمن يتخبطن في مشاكل لا حصر لها.  فكما تعاني الجمعيات في عمومها من ضعف الإمكانيات المادية وغياب المساندين الرسميين،بالتالي دخول بعضهم في نضال حقيقي لتوفير المقر من ثم تطوير امكانياتهم لتقديم خدمات أكثر فعالية، في غياب اهتمام مسؤولي الدولة بهم بشكل كاف خاصة بالجمعيات الصغرى. كذا لازالت النساء تتخبطن في الكثير من المشكلات التي تواجهنها في صمت مجتمعي يورث التقزز ، ويكرس لفكرة الإحتقار.

 وهنا لا يجب أن نتجاهل شريحة مهمة من المجتمع المغربي ،تعمل في الظل وفي ظروف جد قاسية لا تكل ولا تمل فلهذه المتألقة في صدق عطائها ألف عيد يتجدد كلما رأت ثمار عطاءها في سعادة عائلتها ،ولهذه المِعطاءة لابد أن تلتفت المؤسسات التي تهتم بالجانب النسوي لتحسين ظروف معيشتها وتيسير سبل اشتغالها ومساعدتها على النهوض بمهامها بالتنوير والتثقيف والمساندة.

  

نادية الأزمي / طنجة

  

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2055 السبت 10 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم