أقلام ثقافية

قراءة لفيلم: الشيطان يرتدي برادا

نصحني احد الاصدقاء بمشاهدة فيلم The devil wears Prada  وترجمته (الشيطان يرتدي برادا)، لما يحمل من قيمة فنية وكم الرسائل الكبيرة التي يطلقها للمشاهدين، شاهدته والحقيقة بهرني الفيلم، حيث قام برسم صورة حقيقية لعالم الازياء والموديلات والشهرة، فاضحا الوهم الكبير الذي يغرق به الكثيرون بعنوان الشهرة، والفيلم امريكي انتج عام 2006 وهو مقتبس من رواية تحمل نفس الاسم، والفيلم من بطولة ميريل ستريب وآن هاثاواي وإميلي بلنت وستانلي توكسي، وحقق الفيلم ايرادات كبيرة جدا، ورُشح الفيلم لأكثر من 35 جائزة سينمائية، منها جائزتان أوسكار،ونال ثمانية جوائز، منها جائزة الغولدن غلوب لميريل ستريب، وجائزة أفضل ممثلة من جوائز اتحاد نقاد الأفلام في شيكاغو.

يعد من الأفلام العبقرية التي نجحت في تجسيد الحياة المعقدة والفارغة لجزء كبير من المشاهير، عن طريق عرض الصراع بين الحياة العادية وحياة الأضواء.

- مختصر قصة الفيلم

تعد ميرندا بريستلى (ميريل ستريب) أقوى امرأة في مجال الأزياء والموضة، وهي شخصية قاسية وحادة، واختبار صعب لكل من يرغب في طرق ذلك المجال، فهي لا تبالي بأحد ولا يشفع طول الخدمة لمساعديها في طردهم من العمل لدى ارتكابهم لأقل خطأ، وعلى الرغم من أن وظيفة مساعدة لميرندا هي وظيفة لا يرغب فيها من يملك قدرا من الاحترام لذاته، إلا أن الملايين من الفتيات في مدينة نيويورك يقاتلن للفوز بها، ومن هؤلاء الفتيات اندي شاتسز (آن هاثاواي) الفتاة الساذجة التي لا علاقة لمظهرها بالموضة، وتحلم بأن تصبح مساعدة لميرندا، وتدرك أن الأمر يتطلب أكثر من العزيمة والإصرار، ويتطلب معرفة الفروق البسيطة بين منتجات بيوت الأزياء وارتداء أرقى خطوط الموضة من الرأس لأخمص القدمين، وعلى الرغم من أن اندي غير مناسبة للوظيفة إلا أنها تملك ما لا يملكه الآخرون وهو رفضها للفشل، وكي تصبح اندي مناسبة للوظيفة تقرر تغيير مظهرها تماما والتشبه بميرندا في كل شيء، مما يصيب صديقها بالإحباط حين يرى مدى التغيير الذي حدث في مظهرها وطريقة تفكيرها، ولكن كلما اقتربت ماندي أكثر من عالم ميرندا البراق، كلما أدركت كم هو عالم موحش ومزيف، ويكلف ثمنا باهظا.

- افكار ورسائل

كلنا يحصل لنا ان نشعر بالملل من حياتنا، فالروتين قاتل للروح، والرتابة موت بطيء، فالخروج من مسار معتاد مطلب حقيقي، نحاول أن نتعرف على صديق جديد، نجري محادثة مع غريب، نسافر لمكان مميز، ننتقل إلى وظيفة أخرى، نمل من علاقتنا القديمة.. ونيأس من إيجاد أي بدائل، فما العمل؟ هل ينبغي أن نحاول الوصول مهما كلفنا الأمر؟ حتى وإن تنازلنا عن أسرتنا وأصدقائنا مثلًا كما كادت تفعل آندي؟

اولا: ماذا لو وجدنا الأمر يناقض ما نؤمن به، فآندي لم تكن تريد الاعتلاء على حساب زميلتها في العمل إلا أنها وجدت نفسها تفعل. لم ترد تغيير أسلوب ملبسها، لكنها فعلت. لم ترد العمل في مجلة أزياء أصلًا، لكنها فعلت.

ثانيا: متى يجدر بنا التوقف؟.. الجواب: ( قليل من الناس يعرفون متى يجدر بهم التوقف).وفي الحقيقة، هذه الجملة معبرة وصادقة للغاية. ففي الكثير من مواقفي الشخصية كنت أعرف أنه يجب عليَّ التوقف، أن أعتذر وأرحل.. أو أرحل حتى دون اعتذار.. أن أرفض.. أقول لا، أو يجب أن أنصرف الآن! لا أقصد قول هذه الأمور بشكل عام لشخص آخر، ربما نحتاج قولها أيضًا لأنفسنا حين نريد شيئًا لا يناسبنا بشدة.

ثالثا: صعوبة القرار: ولكن الخط بين الاستمرار مع تدفق الأمر وبين الاستجابة لرفضنا رفيع جدًا وهشٌ وبحاجة إلى بُعد نظر. ربما توفر لآندي في فيلم the devil wears prada التوقف والرفض، بعدما رأت حياة ميراندا الهشة والفارغة، تلك الحياة الأسرية الفاشلة، والاجتماعية المزيفة، فكان أمامها نموذجًا واضحًا وحيَّا على وحشية نتائج الاختيارات الخاطئة، فهل يمكن أن يتوفر لنا جميعًا هذا النموذج؟ هل يمكن أن نكتسب بعد النظر قبل فوات الأوان ؟

- رؤية خاصة للإنسان العادي ضد الشيطان

إن محاولتنا المستمرة في زعزعة استقرار (الانسان العادي)، ستجعل من حياتنا المختلفة التي نسعى إليها حياة بهلوانية مضطربة، وفي كل يوم ستحلم أن ترتدي برادا أو جوتشي، ولكن ماذا بعد؟ هل يمكن ان نتخلى عن الاشياء الجميلة في الحياتنا مثل الاطفال/الزوجة/الاباء/الاقارب/ الهوايات/...الخ، هل يمكن أن تضحي بكل هذا من أجل بعض لقطات الكاميرا بينما يلاحقك المراسلون؟ هل يمكن أن تتنازل عن كل قيمك، من أجل أن يكتب عنك الآخرون، كم يبدو الامر سخيفا! لكن عند الاختبار يكون صعبا جدا وشاقا، حيث تخير نفسك بين جنة يتمناها الملايين، وبين رجوعك لنفسك كما كنت.

يبدو في الفيلم ان البطلة اندي بعد ان تعرفت على الشيطان متمثلا بالسيدة المديرة ذات الشعر الابيض، والتي فتحت لها ابواب الحياة المرفهة والشهرة، مقابل ان تبقى وتساند مشروعها الي الابد،  لكنها رفضت حيث اكتشفت خواء حياة المشاهير.

وقد اظهر الفيلم ان الشيطان (ذات الشعر الابيض) يعيش حياة تعيسه، مع كل الكنوز والمكاسب التي يجنيها يوميا، لكنها حزين كئيب تعيس، فالبعيد عنه لا يدرك حقيقة حالته النفسية وهو وسط جنة الرفاهية، فمع انه يجد كل ما يريد، وكل طلباته تتنفذ، لكنه حزين دائما.

***

الكاتب: اسعد عبدالله عبدعلي

في المثقف اليوم