صحيفة المثقف

ومات الطاهر طاهراً

عندما توفي المرحوم الدكتور علي جواد الطاهر اهتمت الصحافة العراقية كثيراً به وبخبر وفاته كما أتذكر في منتصف عقد التسعينات من القرن العشرين، إذ توفي في 9/10/1996، فالرجل أحد أعلام الأدب ونقاده، وأحد العلماء الأجلاء، واستاذاً جامعياً مرموقاً، وقد ترك لنا علماً يُنتفع به . وفي احتفالية مؤسسة المدى بالذكرى المئوية لولادته في العام 1919،  قال عنه الشاعر الكبير والشخصية الأكاديمية المعروفة، الدكتور محمد حسين آل ياسين : إنه استاذ وانسان لا يتكرر، فهو نسيج وحده في العطاء العلمي، ونسيج وحده في الأستاذية التي لا تشبه احداً آخر من زملائه ممن درسنا في القسم، ونسيج وحده في الرحمة والانسانية، هو أبو طلابه بكل ما تعنيه كلمة الابوة .

وفي ضوء ما كُتب عنه، ظهرت مقالات في الصحف الرسمية لعدد من الكتّاب، تشيد به، وبجهوده الأدبية، وأهمية نتاجه العلمي (الأدبي) في سياق الحركة العلمية والثقافية في العراق، وما تمثله وفاته من خسارة كبيرة للبلد وطلبته، فقد رحل الدكتور الطاهر وترك مئات المقالات في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية، وما يزيد عن (40) كتاباً، علاوة على مخطوطات عديدة تنتظر من ينشرها .

وأذكر أن من بين ما كتب عنه في احدى الصحف المعروفة عند وفاته، مقالاً مميزاً جاء تحت عنوان (ومات الطاهر طاهراً)، ظل هذا العنوان عالقاً في ذهني وما نسيته، أذكره في بعض الأحيان عند لقائي بعض من أساتذة اللغة العربية من الذين تجمعني بهم علاقة ود واحترام وثقافة متبادلة، وعلى الرغم من عدم تذكري لكاتبه، إلا أنه سرني وأثار انتباهي واهتمامي كعنوان وموضوع، فعذراً لاستعارته هنا .

أن يموت الانسان طاهراً  تلك هي المسألة والعراق كل ظروفه استثنائية، لا سيما أن عقد التسعينات من القرن الماضي قد حمل في سنواته البؤس والحرمان على أثر فرض العقوبات الاقتصادية على العراق بموجب القرار (661) في 6/8/1990، ومن بينها الحصار الاقتصادي الذي استمر لغاية التغيير السياسي في العام 2003 . ولكن ليس غريباً على الطاهر أنه كان طاهراً شريفاً، وقد وصفته الدكتورة نادية العزاوي في احدى اللقاءات الثقافية التي تقام في بيت (المدى) بشارع المتنبي وهي من تلامذته، وصفته (بعفة اللسان واليد، وبزهد النفس وترفعها عن الصغائر، . . . ) .

أن يحافظ انسان مثل الطاهر على سمعته ومكانته في الأوساط العلمية والثقافية، وكل انسان مثله، يبقى يحظى بالاحترام والتقدير حتى بعد انتقاله الى الرفيق الأعلى، فالحياة بمغرياتها وفرصها التي أتيحت له للدراسة في جامعة فؤاد الأول وجامعة السوربون، وقيامه بالتدريس في جامعة بغداد، السعودية والجزائر وغيرها، زادته احتراماً وعفـة ومكانة متميزة بين أقرانه وابناء جيله . وهكذا مات الطاهر نظيف اليد والروح والفكر والثقافة، مات منتمياً الى بلده وأهله وطلبته، ومهما طال الزمن وتغيرت الأحوال سنبقى نفتخر به، بالطاهر كانسان بكل ما يتميز به، ويكفيه فخراً ويكفينا أنه مات طاهراً .

 

د. ستار البياتي - بغداد

في 13/5/2020

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم