شهادات ومذكرات

محمود محمد علي: هشام الجخ.. هويس الشعر العربي

يعد هشام كامل عباس محمود الجخ، أحد الأسماء الهامة واللامعة في سماء الشعر العربي المعاصر في مصرنا الحبيبة؛ حيث أسهم بقسط وافر في بناء هذا الصرح، وتعد لبناته الفكرية والأدبية التي وضعها بالجهد والعرق، حيث يتميز بطريقة إلقائه لشعره التي يعتمد فيها أسلوبًا مسرحيًا، يمزج فيها العامية بالفصحى مع خلفية موسيقية، بزغ نجمه قبل ثورة 25 يناير 2011، وأكسبت الثورة أشعاره زخما وانتشارا واسعين.

بدأت رحلة الجخ الحقيقية مع الشعر عندما استقال من وظيفته الجامعية عام 2009 رافضا أن يعيش الحياة التقليدية للموظفين، واتخذ هذا القرار ليتفرغ للشعر وليهتم بمشروعه الذي حلم به لمدة 15 عاما، وهو زيادة شعبية الشعر في مصر وإعادة الشعر على ألسنة الشباب والأطفال.

وهشام الجخ، هو شاعر مُعاصر من أصل مصري صعيدي من محافظة سوهاج، وُلد في الأول من أكتوبر عام 1978، ودرس في جامعة عين شمس كُلية التجارة وتخرج منها، وعمل أثناء دراسته بالغرافيك والتصميم والطباعة، وبعد تخرجه في عام 2003 استلم إدارة المركز الثقافي الذي كان يعمل به في الجامعة وقرر تركه في 2009؛ لأنه لم يتقبل حياة الموظفين الروتينية، وإضافة إلى ذلك أراد التفرغ والاهتمام بالشعر والقصائد، كما أنه حصل على شهادة دراسات عليا في إدارة الأعمال عام 2007 من نفس الجامعة، واشتهرت قصائد الجخ بأنها باللغة العامية المصرية، ولديه أسلوب إلقاء مسرحي، كما أنه مشهور بتشجعيه لتوحيد اليد العربية ونبذ الكراهية والتفرقة.

بدأت هشام الجخ مسيرته عندما ترك وظيفته في عام 2009 وكان لديه هدف سامي وهو زيادة شعبية الشعر المصري، وزيادة حُب الشعر لدى الشباب والأطفال، وبدأ مسيرته بحفلة شعرية جماهيرية مع موسيقى في عام 2010، واستمر في عمل حفلات شعرية جماهيرية، حتى قدّم في عام 2016 هذه الحفلات الشعرية في جميع محافظات مصر.

تميزت قصائده بأنها ثورية وجميعها باللغة العامية المصرية، وقام بنظم أكثر من 55 قصيدة، منها قصيدته الشهيرة التي تحمل اسم التأشيرة، والتي تتحدث عن العروبة، وأُطلق على هشام اسم الهويس، ويُقال إن سبب التسمية مُرتبط بالتدفق الشعري أو بسبب جذوره الصعيدية عِلماً بأن الهويس هي القنطرة التي تروي الأرض الزراعية.

قدم هشام الجخ عدد كبير جدا من القصائد بالعامية المصرية من ابرازها واهمها ” طبعاً ماصليتش العشا، عوّاد، لقطة الفراق رقم 105، خمسة الصبح، حمزة، المكالمة، أنا إخوان، ملك النحل، 24 شارع الحجاز، اختلاف، ايوة بغير، آخر ما حرف في التوراة، إيزيس، التأشيرة، 3 خرفان، رثاء جويرية،الجدول، مزحوم يا قطر الغلبانين، مديتش إيدي لحد، على ذكر آل النبي، أربعة، يا واخداني من الشيبة،آخر قصيدة، شيماء يا مكة، حمارين حبيبة، هجاء، قصيدة سكرانة، ماتزعليش، عشان غني، منطقي مشهد رأسي من ميدان التحرير، الرسالة الأخيرة، حظك كده، نانا، نادية، قالولك، اختلاف 3، مش طبيعي، حلقاتك برجالاتك، مش كفاية، ماكنتش هناك، في حب مصر، أباتشي، الوجهان، البغبغان، عبروا الرجال،مع ركعتين الفجر، طير ملاك، عمارة، مافيش حد مات، مسكين، طب ايه بقى؟، أسوأ ما قيل في الشعر، يا محملين حلمكم، خائن، ايوة بغير، جحا، مكملين، سري جداً إلى البحر، انسبحوا، أديني نجحت،مابتحلش”

لاقت قصائد هذا الشاعر رواجا كبيرا بين الشباب المصريين خاصة، كما وجدت طريقها إلى الانتشار وخارج مصر أيضا، ويعود ذلك لكون لغته العامية تبدو سلسة يفهمها ويشعر بها شباب الشام والمغرب العربي والخليجي.

كما ساهم في هذا الانتشار حضوره المكثف في مختلف الفضائيات، وانتشار حفلاته على موقع يوتيوب وبقية مواقع التواصل الاجتماعي، وقدم عددا من الحفلات الجماهيرية في أمسيات شعرية ومؤتمرات ومهرجانات وجامعات، وذلك على مستوى العالم العربي.

وفي الشهور الأولى من عام 2016 احتفل الجخ بأنه قدم حفلات شعرية جماهيرية في كل محافظات مصر البالغ عددها 27 محافظة.

أطلق عليه شعراء جيله لقب "هويس الشعر العربي"، والهويس هو القنطرة التي تقوم بضخ الماء لري الأرض الزراعية، وربما أطلقوا عليه هذا الاسم لارتباطه بالتدفق الشعري أو لارتباطه بصعيد مصر وبالأرض وبالحياة الفلاحية.

ورغم ما حظي به من شهرة في البلدان العربية فإن هشام الجخ يرفض إصدار دواوين شعرية تضم أعماله، وقصائده صوتية.

ومن أجمل قصائده الصوتية  التي اعجبتني قصيدته أُسَبِّحُ باسمِكَ اللهُ وفيها يقول :" قصيدته أُسَبِّحُ باسمِكَ اللهُ..وليْسَ سِوَاكَ أخْشاهُ..وأعلَمُ أن لي قدَرًا سألقاهُ.. سألقاهُ..وقد عُلِّمْتُ في صِغَرِي بأنَّ عروبَتِي شرَفِيوناصِيَتِي وعُنْوانِي..وكنّا في مدارسِنَا نُردّدُ بعضَ ألحانِ.. نُغنّي بيننا مثلًا: “بلادُ العُرْبِ أوطاني.. وكلُّ العُرْبِ إخواني”وكنّا نرسمُ العربيَّ ممشوقًا بهامَتِهِ..لَهُ صدرٌ يصُدُّ الريحَ إذْ تعوِي.. مُهابًا في عباءَتِهِ..وكنّا مَحْضَ أطفالٍ تُحَرّكُنَا مشاعرُنا..ونسْرحُ في الحكاياتِ التي تروي بطولتَنَا.. وأنَّ بلادَنا تمتدُّ من أقصى إلى أقصى.. وأن حروبَنا كانت لأجْلِ المسجدِ الأقصى..وأنَّ عدوَّنا (صُهيونَ) شيطانٌ له ذيلُ.. وأنَّ جيوشَ أمّتِنَا لها فِعلٌ كمَا السّيْلُ..سأُبْحِرُ عندما أكبُرْ.. أمُرُّ بشاطئ (البحرْينِ) في (ليبيا).. وأجني التمرَ من (بغدادَ) في (سوريا).. وأعبُرُ من (موريتانيا) إلى (السودانْ).. أسافرُ عبْرَ (مقديشيو) إلى (لبنانْ).. وكنتُ أخبِّئُ الألحانَ في صدري ووجداني.. “بلادُ العُرْبِ أوطاني.. وكلُّ العُرْبِ إخواني”.. وحين كبرتُ.. لم أحصلْ على تأشيرةٍ للبحرْ.. لم أُبْحِرْ.. وأوقفَني جوازٌ غيرُ مختومٍ على الشبّاكْ..  لم أعبُرْ.. حين كبرتُ.. كبُرتُ أنا.. وهذا الطفلُ لم يكبُرْ.. تُقاتِلُنا طفولتُنا.. وأفكارٌ تعلَّمنا مبادءَهَا على يدِكم..  أَيَا حكامَ أمّتِنا..  ألستم من نشأنا في مدارسِكُم؟.. تعلَّمنا مناهجَكُمْ.. ألستم من تعلّمنا على يدِكُمْ..  بأنَّ الثعلبَ المكّارَ منتظِرٌ سيأكلُ نعجةَ الحمقى إذا للنومِ ما خَلَدُوا؟.. ألستم من تعلّمنا على يدِكُمْ.... بأنَّ العودَ محميٌّ بحزمتِهِ.. ضعيفٌ حين يَنْفَرِدُ؟.. لماذا الفُرْقَةُ الحمقاءُ تحكمُنا؟!.. ألستم من تعلّمنا على يدِكم أن “اعتصموا بحبلِ اللهِ” واتّحدُوا؟.. لماذا تحجبونَ الشمسَ بالأَعلامْ؟.. تقاسمتُم عروبتَنَا ودَخَلًا بينكم صِرنا كَمَا الأنعامْ.. سيبقى الطفلُ في صدري يعاديكُمْ.. تقسّمْنا على يدِكم فتبَّتْ كلُّ أيديكُمْ.. أنا العربيُّ لا أخجلْ.. وُلِدتُ بتونسَ الخضراءِ من أصلٍ عُمَانيٍّ.. وعُمري زادَ عن ألفٍ وأمي لم تزلْ تحبَلْ.. أنا العربيُّ، في (بغدادَ) لي نخلٌ، وفي (السودانِ) شرياني.. أنا مِصريُّ (موريتانيا) و(جيبوتي) و(عَمَّانِ).. مسيحيٌّ وسُنِّيٌّ وشيعِيٌّ وكُرْدِيٌّ وعَلَوِيٌّ ودُرْزِيٌّ.. أنا لا أحفظُ الأسماءَ والحكّامَ إذْ ترحلْ.. سَئِمْنا من تشتُّتِنَا وكلُّ الناسِ تتكتَّلْ.. مَلَأْتُمْ دينَنَا كَذِبًا وتزويرًا وتأليفَا.. أتجمعُنا يدُ اللهِ.. وتُبْعِدُنَا يدُ (الفيفا)؟!.. هَجَرْنا دينَنَا عَمْدًا فَعُدنا (الأَوْسَ) و(الخزرجْ).. نُوَلِّي جهْلَنَا فينا.. وننتظرُ الغَبَا مَخرجْ.. أَيَا حكّامَ أمّتِنا سيبقى الطفلُ في صدري يعاديكُمْ.. يقاضيكُمْ.. ويُعلنُ شعبَنا العربيَّ مُتَّحِدَا.. فلا (السودانُ) مُنقسمٌ ولا (الجولانُ) مُحْتَلٌّ.. ولا (لبنانُ) منكسِرٌ يُداوي الجُرْحَ منفردَا.. سيجمعُ لؤلؤاتِ خليجِنا العربيِّ في (السودانِ) يزرعُهَا.. فيَنبُتُ حَبُّهَا في المغربِ العربيِّ قمحًا.. يعصُرونَ الناسُ زيتًا في فلسطينَ الأبيّةِ.. يشربونَ الأهلُ في الصومال أبدًا.. سيُشعلُ من جزائرِنا مشاعلَ ما لها وَهَنُ.. إذا (صنعاءُ) تشكونا فكلُّ بلادِنا (يَمَنُ).. سيَخْرجُ من عباءتِكم – رعاها اللهُ – للجمهورِ مُتَّقِدَا.. هوَ الجمهورُ لا أنتمْ.. هوَ الحكّامُ لا أنتمْ.. أتسمعُني جَحَافِلُكُمْ؟.. أتسمعُني دواوينُ المعاقلِ في حكومتِكُمْ؟.. هوَ الجمهورُ لا أنتمْ.. ولا أخشى لكمْ أحدَا..| هو الإسلامُ لا أنتمْ فكُفّوا عن تجارتكُمْ.. وإلّا صارَ مُرْتَدَّا.. وخافوا!.. إنَّ هذا الشعبَ حمَّالٌ.. وإنَّ النُّوقَ إن صُرِمَتْ.. فلن تجدوا لها لَبنًا، ولن تجدوا لها ولَدَا.. أحذِّرُكم!.. سنبقى رغمَ فتنتِكُمْ فهذا الشعبُ موصولُ.. حبائلُكُمْ – وإن ضَعُفَتْ – فحبلُ اللهِ مفتولُ.. أنا باقٍ.. وشَرعي في الهوى باقِ.. سُقِينا الذلَّ أوعيةً.. سُقينا الجهلَ أدعيةً.. ملَلْنا السَّقْيَ والساقي.. سأكبرُ تاركًا للطفلِ فُرشاتي وألْواني.. ويبقَى يرسمُ العربيَّ ممشوقًا بهامتِهِ.. ويبقى صوتُ ألحاني.. “بلادُ العُرْبِ أوطاني.. وكلُّ العُرْبِ إخواني”..

إن  دولة الإمارات الشقيقة لتشعر بالكبرياء والفخر حين  ألقي فيها هذه القصيدة لتحتفي بمبدع استثنائي في حياتنا الثقافية مثل هشام الجح.. وستبقى دولة الإمارات وفيّة لكل الشعراء  الذين جعلوا حياتنا أكثر اخضراراً، وأحاسيسنا أكثر شفافية، وحضارتنا أكثر تحضّراً.

***

أ.د. محمود محمد علي

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة – جامعة أسيوط

في المثقف اليوم