قضايا

نهاد الحديثي: الادب والسياسة

نعيش عالمين متناقضين ومختلفين، الأدب بشفافيته وثرائه بالمشاعر الانسانية، والسياسة بجفافها وفقرها للمشاعر الانسانية، وهل الأدب يؤثر في السياسة أم أن السياسة تؤثر في الأدب؟ الأدب له عالم والسياسة لها عالم آخر، ولكن حين ندقق النظر ونمعن التفكير نجد أنهما يتبعان لعالم واحد وهو عالم الانسان، ولكن السياسة تخطئ كثيرا وتفقد انسانيتها،  وبالتالي تفقد ثقة المواطن بها،، والادب يخلق قضايا انسانية عليا، أو أدبا عاطفيا غارقا في المشاعر، الادب يؤثر في السياسة ويجعل القارئ العادي يكتشف نواحي جديدة في حياته ليس لأنه لا يعرفها، ولكن لأنه يتجاهلها فيأتي الأدب ليوقظ فكره ويلفت نظره لما هو منسي أو مدفون في واقعه أو ذاته.

الادب عصب الحياة، فهو ليس مجرد لوحة فنية مكتوبة بل إيقاظا للضمير و نهضة للفكر يؤشر للقارئ الى مكامن الخطأ، يستفز مشاعره، ويشحذ أفكاره، يمده بالقوة الروحية لكي يقول لا، فأغلب الثورات والتغييرات الجذرية في العالم كانت نتيجة أفكار، مجرد أفكار ولكنها غيرت أمم اوبدلت حكاما؛ لهذا لا يجب تسخيف الأدب، ولا يجب أن تتم كتابته بسطحية، لأنه بنية أساسية في تشكيل فكر وسلوك الشعوب، ولابد لكاتب الأدب أن يكون على دراية واسعة بالسياسة، ليس لأجل أن يقوم بعمل الثورات، بل لأجل أن يكون واعياً بدروه،الأدب له أثر في السياسة، فإن الأدب أيضاً كان ولا يزال له عميق الأثر على أصحاب السلطة من ملوك وامراء وحتى الجنرالات، منهم الإمبراطور اليوناني هادريان الملقب بالإمبراطور المثقف، ونابليون الذي جعل الأدب يخدم أهدافه السياسية؛ كما أن الأدب بالنسبة لأصحاب السلطة هو فرصة لتخليد أعمالهم وصفاتهم عبر أعمال ادبية تبقى خالدة حتى بعد رحيلهم، وهو ما يدركه كل رجل سلطة، ويكفي أن نطلع على العدد الضخم للمؤلفات الأدبية التي تناولت حياة رجال السلطة من كل الجنسيات وفي كل العصور، التي لا تزال تلاقي رواجاً كبيراً لندرك أهمية الأدب بالنسبة لأي سياسي، السياسي يمر بحقبة زمنية ويكا د لايذكره احد،، بينما العالم و الفنان و الأديب مخلدون،، لا أحد يتذكر حاكم أثينا الأغريقية القديمة لكن الكل يتذكر الفيلسوف سقراط و أفلاطون وارسطو،و لا أحد يتذكر حاكم غرناطة، لا أحد يتذكر حاكم شمال افريقيا لكن الكل يتذكر الشاعر ابن زيدون وقصيدته (اضحى التنائي بديلا عن تدانينا و ناب عن طيب لقيانا تجافينا) لكن الكل يتذكر ابن خلدون و مقدمته المشهورة . لا أحد يراجع مدونات ساسة العراق او يتذكرها لكن الكل يراجع و يستذكر العلامة علي الوردي و مؤلفاته الرصينة، الكل يذكر نجيب محفوظ وهيكل واحسان عبد القدوس ومي زياد ونزار القباني والعقاد واحمد شوقي والجواهري والسياب والرصافي،، واذكروا لي بعض القادة التاريخيين الذين غيروا حياة الانسانية ؟!

***

نهاد الحديثي

 

في المثقف اليوم